13 في المهرجان كانت أمام القاعة الرسمية للمهرجان ساحة شاسعة ومنبسطة، سرعان ما تحولت هذه الأيام إلى مكانٍ مزدحم بالسحرة والعفاريت.. مكان يزدحم فيه المهرجون والباعة الموسميين، وأصحاب الألعاب السحرية، وبائعي التحف ولعب الأطفال.. حتى أن حجارة المكان تحولت إلى رمل، وترابه تحول إلى دُقَّة بسبب كثرة الأقدام الواطئة عليه. وغير بعيد أبصر بوجا صديقه السابق عاشور وهو يبيع الإسفنج رفقة أبيه، داخل خيمة منسوجة من شعر الماعز. كابد بوجا كثيرا ليطل عليهما من وراء الزحام، ليرى تلك المقلاة الكبيرة والمليئة بزيتٍ أزرق محروق، وإلى أسفلها تزأر نيران خضراوية الوَهَج،لم يستطع رؤية مصدرها. وكان أب عاشور يُخرجُ الإسفنج من المقلاة بسبابته التي كانت تشبه قضيبا حديدياً صدئاً ومعوجا من الرأس والذي صار متوهجا من الجهة التي ينغمس بها في زيت المقلاة، ثم يمد الأب الإسفنج لأبنه الذي يمرر من وسطه شريطا منسوجا من الدوم المفتول ويقدمه للزبناء. وتقدم أحد الحراس نحو الخيمة وتنحى من قربه الزبناء الذين كانوا مكدسين أمامها تاركين له ممراً فسيحاً حتى أن بعضهم بدءوا يرتعشون لمجرد أنه احتك معهم دون أن ينتبهوا إليه، وشرع يتكلم بصوت مسموع:« آهٍ لذي شوق كبير للأسفنج، فأنا لم آكله منذ الطفولة، آه يا ثرثور(يقصد ميمون الطيار) لا أظن أن ما بهذه المقلاة سيكون كافيا لإفطارنا». ومدّ له عاشور شريطا طويلا من الإسفنج ويداه ترتجفان، وهو يلهث ويتحاشى أن تلتقي عيناه بعينيه ولا حتى بعيني بوجا الذي كان خلف الحارس. وود بوجا أن يخبره بأن الحراس لطيفين، وان كل ما كانوا يسمعونه عنهم مجرد شائعات غير أن عاشور استمر في الجفاء. ومد هذا الحارس بدوره بعض القطع النحاسية لعاشور الذي امتنع أن يأخذها منه في البداية. حتى أرغمه على ذلك قائلاً:« آسف يا بني نحن لا نقبل الرشا ولا نقبل استغلال النفوذ». وغير بعيدٍ بدا ، هنالك، قزم بدين قدماه أطول من قامته وبيده عصا صغيرة. والمتفرجون يحيطون به وهو يهرِّجهم بذلك الديناصور المنبطح بجانبه والذي يظهر من بعيد كشاحنة كبيرة مقلوبة. ظل القزم يأمر الديناصور تارة بأن يمت وتارة بأن ينبطح أو يقلد رقصة كذا وكذا.. ثم يتلو عليه تعويذة يصبح معها بحجم فأر فيدخله قنينة زجاجية صغيرة، ويخرجه منها ويدخله في ثقب إبرة . وعلى اليسار كان الحاضرون متجمهرين حول حلقة الفُكاهة كأنهم مجتمعين حول حادثة سير وكان معظمهم يظهرون كأنهم سكارى، ود بوجا الاقتراب منها. إلاّ أن الحراس منعوه من ذلك وشرع ميمون الطيار يقنعه:« إنك لن تستطع كبت رغبة الضحك إدا رأيت الفكاهي إلاّ بعد ثلاثة أيام، وأنت اليوم ستؤدي عروضا فوق الخشبة، وبالتالي عليك أن تؤديها وأنت في كامل قواك العقلية». وصلوا بتجولهم جانب الساحة حيث هنالك كان السحرة يتركون الدواب والزواحف التي قدموا على متنها، أبصروا فرسا عنيفة تصهل وتوهوه بقوة. وكان صاحبها يربطها بسلاسل غليظة وكثيرة ويكبل كل رجلين مع بعضهما على حدة، ثم أوصدها ببعض التعاويذ حتى ظن بوجا أن هذا الساحر مصاب بالوسواس القهري، فقد بالغ في تقييد دابته هذه، إلاّ أنها سرعان ما بدت عنيفة حيث كان السحرة يتفادون الاقتراب منها،وكانت مع كل صهيل ووهوهة تكاد تفك الأوتاد من الأرض، ظل بوجا منبهراً في لونها الذي كان يتغير، متفاعلا مع أشعة الشمس،من الأصهب إلى الرمادي ثم الأخضر القرمزي فالبنفسجي..وفي ذلك الحزام المحيط بعنقها والمفتول من جلد الأفاعي والتي علقت به مجموعة من العظام والتحف والعلب القصديرية والتمائم..والذي كان يتحرك مع كل حركة من حركاتها محدثاً صريراً شبيهاً بالأزيز وشرع بوجا يتذكر أين سبق له أن رآها. فعلاً لقد شاهدها يوم كان ذاهبا إلى الجلسة الأولى من محاكمته عندما كان راكباً مع صاحب السلحفاة، وقطع صاحب الفرس خواطر التلميذ عندما ابتعد عن فرسه وشرع يتوعدها وهو يضرب صدره براحة يمناه بقوة:« سأشارك بك اليوم في التبوريذة رغماً عن أنفك». تساءل عنها بوجا بكل عفوية، إلاّ أن الحارس لكزه ثم انحنى حتى دنا من أذنه وهدر :« أششش.. إنها تلك البئيسة المشئومة:"بغلة القبور " ألم تسمع بها. حسبتك من عامة البشر؟». رد بوجا مقاوماً اصطكاك أسنانه:« أقصد سمعت بها إلاّ أنني لم أرها قط». تابع ميمون حديثه بصوتٍ أكثر ارتفاعا حيث ابتعدوا عن المكان:« يقال إن البعرة تبحث عن أختها أربعين سنة فمالكها من مملكة الأشرار». عقب عليه مجنون عيشة مغتاظاً:« أي شؤم تراه فيها، هي عنيفة لكنه يستطيع التحكم فيها. فهي بغلة يؤدي عليها عدة عروض فلكلورية، وهي فرس يشارك بها في التبوريدة. وتصيرُ له امرأة عند الحاجة، وله فيها مآرب أخرى في السنة المنصرمة فاز بجائزة أحسن فارس هل فزت بها أنت؟!( ونظر إلى ساعة خشبية كانت بيده) هيا لندخل لقد حان موعد المهرجان». رد ميمون الطيار بغضب حتى أن اللعاب كان يتطاير من أنفه:« اصمت يا مجنون عويشة،فأنت مستعجل فقط لأنك ترغب في تقبيل مفتشة سيرتك.أين هي عيشة الحقيقية إنها سجينة بمملكة الأشرار. إذا كنت تحبها حقيقة،فاذهب وخلصها من هنالك.. حسنا لا تجعلني أبلغ الوزارة، عفريتٌ يمارس العشق خلال فترة عمله!». وأحس أنه أساء لبوجا عرَضاً فأم هذا الأخير بدورها اختفت بمملكة الأشرار ورغب في الاعتذار للولد غير أن مجنون عيشة أخد بلحيته وبدأ يعنفه. واستمر الشجار بينهما حتى أن الولد بدأ يربت على ركبة أحدهما مستعطفاً إياه، غير أن صاحب الصوت الفحيحي علق وهو ينظر إلى السماء:« لا تهتم لهما يا عزيزي لقد كانت بينهما حزازات.. حسناً إنها ساعة زحل سيتلاسنان كثيراً إلاّ أنهما لن يتشابكا، فالبرج برجُ الحمل». دلف بوجا عبر الممر الخاص به، لفي نفسه بمغارة مظلمة جرداء تفوح منها رائحة الزنجار، سمع رجع أصواتٍ اعتقد أنها ربما تكون أصوات مارة توغلوا في المغارة أكثر منه، وصل إلى قناة ضيقة شبيهة بقناة الصرف الصحي. وجد نفسه مجبراً على عبورها زاحفا على بطنه وهو يشعر بحرارتها المفرطة أحياناً، وببرودتها التي تصطك لها الأسنان أحيانا أخرى. قادته القناة إلى جانب بركة مائية خضراء، كانت مياهها الآسنة هادئة لا تتحرك إلاّ عندما تقفز بها بعض الزواحف الخائفة من اقتراب أقدام السحرة نحوها. كان إلى جانب البركة عمود بازلتي طويل، ومنه امتدت سلسلة نحاسية صفراء كان السحرة والعفاريت ينتقلون عبرها إلى الضفة الأخرى،وكانت السلسلة تتحرك بعابريها بين الفينة والأخرى وهم يجتهدون للحفاظ على توازنهم. وسرعان ما يشرع أحدهم في تأنيب سابقه:« ركز جيداً لقد كدت تفقدنا توازننا». ثم يرد عليه الأول مُهَمْهِما:« هذه هي صخرة" مولاي بوعزة" إنها ،كالتاريخ، لا تعيدُ نفسها، وليس لأحد حق الإدعاء أنه بارع في عبورها أكثر من الآخرين. ومن لم يُعجبه كلامي من الأفضل أن يبقى في منزله». استرجع الولد جميع التعاويذ الخاصة بالحفاظ على التوازن وهو يعبر السلسلة. ووصل منتصفها وشرع ينظر إلى أسفله مدفوعا بالفضول. لتتراءى له البركة بمياهها الراكدة والتي تظهر من خلالها بعض الجثث التي كانت تطفو على بُعد بعض الياردات من سطح المياه، كانت الجثث منتفخة وتظهر كأنها تتحرك ببطء شديد بين السطح والقعر. فَهِم على مضض أنها جثث السحرة الذين لم يوفقوا في عبور الصخرة البوعزاوية، ثم رمق غير بعيدٍ سحرة وعفاريت يُقاومون الغرق، ود لو كان بمقدوره مساعدتهم أجمعين، بيد أنه لم يكن بمستطاعه ذلك فهو نفسه يقاوم تحرك السلسلة تحته رأى تلميذاً آخراً يقاوم الغرق وهو يبتلع المياه الآسنة.تعرف عليه إنه جهبو،ر التلميذ القوي المتمرد، تمنى أن يلقي له حبلاً ينقده به، غيران أحد العابرين لكزه من ورائه وهو يقول:« هيا أسرع، هل سنظل هاهنا؟ ثم ما يدريك.. لعل الصخرة تحاول خداعك فذلك الغريق قد لن يكون صديقك جهبور كما تعتقد». اجتاز الصخرة وهو يفكر في الأمر، هل آليات الصخرة معقدة بهذه الدرجة؟أم أنه تمادى في إنقاذ صديقه، دلف إلى كابينة الأصنام المسحورة شعر بالغثيان والدوار،وهو يقاوم الرغبة في التقيؤ،اختلطت الروائح،رائحة الرطوبة والنتانة. رائحة القطران والشعر المحروق..شعر كأن رحى كثيرة وضعت على صدره وهو مستلقٍ على ظهره كأنه نائم وعيناه مفتوحتان وهو لا يقدر على حراك. ثم اهتزت الرحي من فوق صدره وصحا ليجد نفسه خارج الكابينة ومعه ورقة كتب عليها:« هذه الذاكرة ثم مسحها في المرتين السابقتين وهو أقل عدد مسموح به في السنة». كانت قاعة المهرجان واسعة حتى أنه لم يستطع أن يتبين حدودها.وكانت الكراسي الرخامية تظهر كلما صفق الساحر راحتيه راغبا في الجلوس، والأنوار تتلألأ في السقف كأنها نجوم مختلفة الألوان.صفق بوجا راحتيه فظهر مقعد يحمل اسمه المستعار..وفوجيء بوجود جهبور وعاشور فمما لاشك فيه أن هذا الأخير يتملص عن أبيه أحيانا ليدخل قاعة المهرجان ، كانا يضحكان في المقعد المقابل له ويتفا ديان النظر صوبه لعدم رغبتهما في مرافقة سارق. فكر في الأمر مليا ثم قال في نفسه:« على كل حال الأصدقاء الذين لا يتضامنون معنا وقت الشدة علينا أن نعاملهم كبقية الناس الذين تربطنا معهم علاقة موضوعية «. شعر كأن فأرا يَعُضُّ حداءه، انحنى ليرى مجموعة من العفاريت الأقزام يحاولون زحزحة قدمه من مكانها لكنس ما تحتها من غبار كان العفاريت الأقزام مكلفين بتنظيف القاعة، وكانوا سعداء بذلك حتى أن أحدهم يرتمي على النفايات قبل وصولها الأرض والآخر يغضب لأن صديقه سبقه إليها تسلق أحد الأقزام كرسيا ليصل أمام إحدى الفتيات الجالسة قبالة بوجا. وسألها بصوت الكراكيز:« أهذا خاتمك؟..لقد وجدته عند قدميك». شكرته الفتاة التي حسبها بوجا ملاك ونزل القزم مسروراً وهو يصفق راحتيه على صدره والتفت التلميذة نحو بوجا وكلمته:« إنني أشبهها فقط إنها ابنة خالتي. لقد حدثتني عنك، فرغم ما وقع بينكما فهي تعتقد أنك فتى طيب». وسكت هو حيث لم يجد عبارات يرد بها، وتابعت الفتاة كلامها:« بنت خالتي محظوظة، إذ لديها جميع الإمكانيات لمتابعة دراستها بمملكة العباقرة.لذلك فهي تحافظ على بقاء سيرتها نقية وهذا هو السبب الذي جعلها تنكر ما وقع بينكما جملة وتفصيلا». بقي جامدا مكانه كأنها ألقت عليه تعويذة تجميد وخفضت تلك الفتاة عيناها. واستدرك الأمر وشكرها. وفجأة ظهرت صحون وكؤوس كثيرة تتبرم في الهواء بطريقة لولبية مثل أقراص اللعب. وتوصل كل ساحرٍ بما اشتهاه، وخلا يُحاور طعامه ولم تعد تسمع سوى طقطقة تحويل الأصابع إلى ملاعق و سكاكين. وازدادت حركة ونشاط العفاريت الأقزام وهم ينظفون أسفل المقاعد وهم لا يتركون أبسط النفايات تصل إلى الأرض. بقي بوجا وحده يتضور جوعاً، وطاولته فارغة وهو يتابع التلميذة شيطا ، بطرف عينيه، والتي كانت جالسة على يسار عاشور وهي تلتهم وجبتها بشراهة. فكر في طاجين مغربي محضر بلحم الغنم والزبيب والبرقوق ومزين بحبات اللوز، سال لعابه وشرع يزدرده. كان أحد الحاضرين بجانبه يشكو سخونة وجبته وأنه لا يستطيع الانتظار، غمغم الآخر مكشرا عن أنيابه كذئبٍ مسعور:« ألا تعرف تعاويذ لتوسيع المعدة.. سآكل اليوم حتى تتساقط أنيابي». وقلب عنقود عنب بيسراه في الوقت الذي كان ينهش كراع لحم ويمسكها بيمناه وهو يغمغم بصوت غليظ:« غلة العنب هذه السنة رديئة». ازداد قلق بوجا، ظهرت في الهواء سحابة صغيرة من البخار تتجه نحوه كان الأمر يتعلق بالطاجين الذي تمناه لتوه، بهذه السهولة إذن تتم الطلبات، بدأ يأكل وهو يمنع عيناه من متابعة شيطا التي أكلت حتى أصبح بطنها كبطن امرأة حامل. وبدأت تملأ محفظتها وجيوبها وهي تقول بصوت جهوري :« عليَّ أن آخد أكبر عدد ممكن من الحلويات والأيس كريم. فأمي تحب مأكولات المهرجانات». اعترته رغبة في الضحك إلا أنه كبت أنفاسه حتى لا تخلق له مشكلة، وزمّت شيطا شفتيها ومررت يدها على بطنها وتجشأت وتابعت:« أتمنى ألاّ يمر بجانبي ذلك الذي يسمي نفسه عبقور، وإلاّ فجّر بطني، في هذه الحالة سأطلب بالتعويضات!». انفجرت قهقهات جميع من سمعها وبدأ كل منهم يوشوش لصديقه بمضمون كلامها وسرت القهقهات والهمسات بين الحاضرين كما تسري الإشاعة في المجتمع المتخلف وغضبت شيطا وتابعت بصوتٍ بطيء ومخمور:« انظروا أمامكم ألم ترو فتاة جميلة من قبل؟. نعم أنا فتاة فياضة بالعبقرية والشجاعة والحياة، والكثيرون منكم يحسدونني عن شجاعتي.. ليس كل من سبح في النهر يَصيرُ ضفدعة..فأنا أعرف أن معظمكم لازالت لديه رغبة في الأكل، إلاّ أنه أمسك عن ذلك خجلاً من الآخرين( وتابعت بلسان متثاقل جدا) الآخرون هم الجحيم ، وليذهب هذا الجحيم إلى الجحيم». وازداد الضحك واللغط واشتدت الجلبة. حتى أن الأقزام فرحوا لتساقط نفايات كثيرة في هذه اللحظة بالضبط. وازداد غضب التلميذة وهي تشتم القلعة وتوجه كيلاً من السِّباب للحاضرين. عمّ القاعة صمت غريب. إذ لم تعد تسمع سوى حركة العفاريت الأقزام وبعض الكلمات التي تنزلق من أفواه بعض الذين لم ينتبهوا إلى هذا الهدوء المفاجئ، وخمد صوت شيطا متحولا إلى همهمة. استغرب بوجا من أن لا أحد يتجرأ على الرد عليها، وضاعف قوة سمعه ليتجسس على ما كان يدور بين ساحرين اعتقد أنهما يتكلمان عنها، همس أحدهما وهو يجر أذن الآخر حتى صارت كأذن بغل:« من يجرؤ على تعنيفها إنها من سلالة النمرود وإن كان البعض يُشكك في نسبها هذا. المهم لديها البطاقة السلالية التي تحميها حتى خارج مملكة النمرود.. أنتَ تعرف بنود الاتفاقية أكثر مني». بدأ الدخان يصعد من رأس المتكلم أجهد بوجا نفسه ليرى مصدره. كان الدخان يخرج من الأنف والأذنين والعينين، والساحر يصرخ وينتفض بمكانه وصديقه يسكب عليه الماء ويردد:« قلت لك لا تتكلم في مثل هذه المواضيع، ربما يكون أحدهم قد ألقى عليك لعنة». ظهر المنشط الرسمي فوق منصة القاعة، حيث خرج على مضض من سحابة دخان وهو ينفض ملابسه وشرع يتكلم بصوته المُكبر سحريا. استدرك بوجا غلطته فأرجع قوة سمعه لحالتها العادية حتى لا يثقب غشاء أذنه بسبب ارتفاع صوت المنشط، وقف الحاضرون وقوفا لاإرادياً. حيث بدأ عزف النشيد الوطني للقلعة السحرية والراية ترفرف في الهواء لوحدها. ولونها يتغير كل ثانية تابعا ألوان طيف قوس قزح. وتتوسطها لوحة رباعية الأبعاد لنسرين يزاولان المسايفة وريشهما يتطاير خارج الراية أحياناً. وبينهما بيضة ياقوتية حمراء، كتب عليها:"القلعة العدل يحميك وبدمائنا نفديك". تقدم أربعة أفراد من حراس الراية بألبستهم العسكرية المرشومة ببعض الشارات على الأكتاف وعلى صدورهم عبارات:« الفيلق الرابع للمشاة، حماة الراية». وتقدم قائدهم أمامهم بزيه المخالف لزييهم، وبدأ يردد بصوت صارم قوي:« بالكم.. سلام سحر/سلام سلاح. نصف دورة على اليمين/ مين. هآي هه. رفعت الراية باسم القلعة السحرية، وبمناسبة افتتاح المهرجان السنوي». بدأت الراية تنزل رويدا رويدا وهي ترفرف رفرفة ملائكية خفيفة. بسط أحد حراسها ذراعيه متوازيان وانطوت الراية بمفردها وحطت فوقهما. وبقي النسران شاخصان فوقها. وبقيت أشعة البيضة الياقوتية تظهر من تحت ثوب الراية المطوي.إلاّ أن لونها لم يبق أحمرا بل كان يتغير طبقا للون الراية الذي يتغير كل ثانية. دخلت الفرق المشاركة الأولى والتي جاءت من عالم الضفادع. كانت الفرقة تتشكل من نسوة ترأسهن ضفى تلك المرأة التي سبق لبوجا أن شاهدها وشرعت النساء ترقصن رقصا هندسيا رائعاً، على ضوء موسيقى هُندست من نقيق الضفادع وزغاريدها. نظر بوجا إلى صدره حيث لا زالت وشوم ضفى عليه منذ أن تمسكت به فسرى النمل في جسمه. وبدأ يسمع صوت الدم الذي يجري في عروقه، لكزه ميمون الذي قدِم من المقاعد الخلفية المخصصة لحراس( سجفنارت)، وهمس في أذنه:« هيا لقد حان دور تأديتكم للعروض، إن أصدقاءك بقاعة تغيير الملابس .فلنلتحق بهم ، تمسَّكْ بيدي سنستعمل تعويذة الانتقال الآني». وجد نفسه بقاعة تغيير الملابس، كان أصدقاءه قد شرعوا في تغيير ملابسهم وبعضهم يقوم ببعض التداريب الأخيرة. تقدم أحدهم عند بوجا وصافحه وبدأ يتكلم دون أن يرى الحارس ميمون الذي كان بجانبه:« أهلاً بوجا.. تأخرت قليلاً، كيف حالك مع أولئك الحراس الأشرار؟. إنهم يكرهوننا لأنهم عفاريت ونحن بشر. اللعنة على أبناء النار». ود بوجا أن يغمزه إلاّ أن ميمون كان يراقبه فحاول تغيير الموضوع:« حسنا علينا أن نتفق على بعض الأشياء قبل الدخول..». رد التلميذ باهتمام :« نعم هذا ما نفعله الآن.. اعتقدنا أن أبناء السفلة لن يدعوك بمفردك بقاعة تغيير الملابس، أين يوجدون الآن ؟ تراهم يرابطون أمام القاعة كالبغال». سعل بوجا وابتلع ريقه ثم رد:« إنهم طيبون وهم لا يقومون إلاّ بواجبهم، وأحدهم الآن يوجد بجانبك وإن كنت لا تراه». رد التلميذ وقد تجمد بمكانه واحتقنت الدماء في وجهه:« نع نع.. نعم أبي كان يقول إن هنالك حراس طيبون وقد كان يستدعيهم لمنزلنا..». حوّل ميمون نفسه إلى نسرٍ حقيقي وبقي يحلق في سماء القاعة، في الوقت الذي رابط فيه الحراس الثلاثة خارجها .أما بوجا فقد كان يُحاول التغلب على الخوف المترهل في فؤاده، صفق راحتيه ليظهر محرار صغير، قاس درجة حرارة جسمه التي كانت تستقر عند سبعة وثلاثون فاصلة خمسمائة وستة وعشرون، ثم صفق راحتيه مرة أخرى لتظهر آلة لقياس الضغط الدموي، من الطبيعي أن يزداد نبض القلب في مثل هذه اللحظات. وفجأة اندفعت إلى داخل القاعة امرأة شاحبة الوجه، وملابسها ممزقة كأنها انفلتت من الحراس الثلاثة، اقتربت من بوجا فعرف أنها ضفى، كانت الدموع تنسكب من عينيها كالبرَد. والمخاط يسيل من أنفها كالنزيف، وكانت عليها علامات التعب والإعياء فهي لا زالت تلهث بسبب العرض التي شاركت فيه آنفا.وعانقته واستأنفت كلامها بصوت يختلط فيه البكاء بالفواق:« بوجا صدقني إنني أمك..أنا أمك.. حاول أن تبقى حيا ًكان عليك ألاّ تشارك في هذه العروض». اغرورقت عيناه بالدموع، وكفّ أصدقاءه عن استعدادهم وبقوا مشدوهين في هذه المرأة الغريبة، وانتفض ميمون الطيار وأطبق جناحيه محدثاً صوتا بقوة فتح عشر مظلاّت دفعة واحدة ورد بوجا بصوت مشروخ :« لا لا .. لا يمكن لهذا أن يكون». غير أن ضفى ضمته إلى صدرها بقوة وشرعت تبكي وتتكلم:« صدقني إنني أمك لقد دمّر النمرود عائلتنا..». وعاد ميمون الطيار إلى هيئته الأولى ، ويبدوا أن التلاميذ قد شاهدوه لأول مرة حيث رجعوا إلى الوراء دفعة واحدة حتى أن بعضهم تعثر بأقدام البعض. ثم زأر ميمون في وجه ضفى حتى بدأت الملابس تتحرك في رفوف المستودع. وشرع يجرها من كتفيها إلاّ أنها ظلت متمسكة بالولد مثل جرادة كبيرة، وجرها مرة أخرى بقوة حتى أن شرموطةً من ملابس الولد قد بقيت في يدها. ودفعها خارج الباب وهو يغلقه بقوة ويقول :« ليس هذا وقت الخرافة». وبقيت تنتحب وهي تبتعد. وخمن بوجا أن الحراس الثلاثة الآن يقومون بإبعادها عن المكان. وارتفع صوتها وهي تردد:« حاول أن تبقى حياً.. خد بالك من نفسك..». وظل رجع هذه العبارة يتردد في القاعة وفي رأس بوجا أيضاً. وربت الحارس على كتفه وشهق هوّ كأن أحداً أفرغ عليه سجْلاً من الثلج. وردد الحارس بعد تنهيدة عميقة:« لا تبالِ بها يا بني. وافرغ ذهنك من جميع ما قالتهُ. إنها مجنونة تتجه عند أي شخص يشبه ابنها وتقول له هذا الكلام. لا شك أنها تعرضت لظلمٍ وعذاب فظيعين.. أنت الآن تحتاج إلى التركيز حاول أن تنقي ذهنك». وتنهد الحارس وزفر أنفاسه للمرة الثانية وقال بخفوت:« الغريب اليوم هوّ أنها تنادي عنك باسمك الحقيقي رغم أنك هنا باسم مستعار شخصياً أتعاطف معها ما كان عليّ ألاّ أقذفها بقوة خارج القاعة. لولا تلك الأوامر التي جاءت من الأعلى». لأول مرة أدرك بوجا أن القلعة تتشدد في الحراسة والمراقبة وتساءل :« سيدي ميمون الثرثار ألا توجد في ذاكرتك المستقبلية أفكار يمكنها أن تفيدني في الموضوع؟». رد الحارس وهو ينظر إلى التلاميذ الآخرين بطرف عينيه:« اسمي ميمون الطيار..آسف فقد وافتني المنية قبلَ أن تنتهي قصتكَ. وكل ما لذي ََّ هو أنه سبقَ لك أن التقيتَ بهَا في عالم الضفادع». وساد صمت استأنف بعده الحارس كلامه:« بصراحة لا أستطيع ُ أن أثبت أو أنفي أنها أمك». وجد تلاميذ الفرقة أنفسهم فوق منصة المهرجان تحت تصفيقات الجماهير. إلاّ أنهم كانوا يشعرون كأنهم في بئرٍ عميقة وقد تجمّدت الدماء في عروقهم من جراء الخوف وأخرجت إحدى التلميذات مسحوقاً أسوداً وبدأت تنثره في الهواء حيث كان يصيرُ دخانا لتوه وهي تتمتم بتعاويذ ثم قالت:« إنه مسحوق لإزالة الخوف والارتباك كانت المرحومة جدتي قد أهدته لي في إحدى أعياد ميلادي». واسترجعوا سكينتهم وهدوءهم، فاتجه بوجا نحو سبورة كانت معدة بطلب من الفرقة، وهو يضع ثوبا أسودا على عينيه يعتم الرؤية فرسم عليها رقعة شطرنج. وقام بتكبير الرقعة حتى صارت بحجم زربية "صالون". ثم بسطها فوق الخشبة في الوقت الذي كان فيه عناصر فرقته يستعدون للمبارزة. وشرع منشط المهرجان يقدم قانون اللعبة بصوته المكبّر والصدى يتردد في أرجاء القاعة:«.. ستقدم فرقة الأستاذة ضفدوعة عرضا في فن (المسايفة). حيث ستنازل هذه الفرقة مجموعة من عفاريت الحفر. ويقتضي قانون المسايفة هنا الالتزام ببعض القوانين، فإذا كان القدم الأيمن للمبارِز يوجد فوق المربع الأسود من رقعة الشطرنج، وقدمه الأيسر فوق المربع الأبيض. فلديه الحق ليهاجم بسيف يمناه فقط. وعليه أن يحول سيف يده اليسرى إلى قضيب لصد الضربات، والعكس بالعكس. وطبيعيُّ أنه إذا كان قدما المسايف معا فوق المربعين الأبيضين، فلن يكون لديه إلاّ حق الدفاع، وتحويل سيفيه إلى أداتين لتلقي الضربات. والعكس بالعكس أيضاً. أما حق خياطة الجروح فلا يعطى للمبارِز إلاّ عندما يكون في حالة الدفاع. في حين يعتبر الخروج عن الرقعة، هزيمة مطلقة للمشارك». لم ينه المنشط كلامه حتى بدأ يظهر فوق الخشبة عفاريت الحفر وهم يركضون حول فرقة بوجا من كل الجوانب، كان بعضهم يتسلل من النوافذ والبعض ينزل من سقف المنصة عبر سلالم من الحبال. والبعض الآخر يظهر من الأرض فجأةً بدأت السيوف تتلاقى في الهواء،وهي تتحول تارة إلى قضبان، وتارة أخرى تعود لحالتها الأصلية، وكل مسايف يحاول أن يُزحزح قدم خصمه من فوق المربع الأسود ليضع قدمه محلها. لم تكن الأقدام تستقر فوق المربعات أكثر من ثانية. كانت ضربات العفاريت سريعة إلاّ أنها لم تكن قوية. بدأ بعض التلاميذ يتراجعون إلى الوراء. وبوجا يحثهم على الصمود. ويذكرهم بأن الخروج عن رقعة الشطرنج يعني الهزيمة. كان اهتمام كل مشارك ينصبُّ على قراءة ذهن الخصم والمحافظة على بقاء القدمين فوق المربعات السوداء. والتأكد من مطابقة حالة اليد للرجل. استرجع بوجا كلام الأستاذة ضفدوعة:«.. على الأقل إذا كنت جيداً في المهرجان فإن المحكمة ستخففُ عنك العقوبة».واسترجع ما قال له جهبور ذات مرّة:«إذا فزت بجائزة المُسا يف المثالي. يمكنك أن تطالب بتحويل عقوبة السجن إلى غرامة مالية. وتدفع لهم نقودهم فوق الطاولة، القطعة الذهبية تغْمز أُختها القطعة (طنطنن،كاش، )..». في نفس الوقت تذكر صُراخ ضفى الذي لا زال صداه يتردد في ذاكرته:« حاول أن تبقى حيّاً» التفت إلى أصدقائه فوجدهم قد جُرِّدوا من أسلحتهم ، بعضهم طريح الأرض والبعض الآخر يخيط جراحه واتجه نحوه ما تبقى من العفاريت. جمع شتات ذهنه حتى أحس كان أسلاكا كهربائية تتلاقى وسط دماغه ويتطاير الشرر عند تلاقيها. استمرت المبارزة بين دفاع وهجوم وخياطة للجروح. انهزم ثلاثة عفاريت فبدأ أمله في الانتصار يتفتق ، تذكر حكمة للساحر موغا:« النصر وليد الخبرة والجَلَد». استمرت المباراة لم يبقَ أمامه سوى جنيّ واحد. حاول أن يتفنن في هزمه. اخترق دهنه وتعرف على التعاويذ التي كان العفريت يحوّل بها أعضاءه إلى أدوات، فبدأ يغير تلك التعاويذ التي كان العفريت يرددها، كان العفريت يحول سبّابته إلى سيف أو عصى حديدية، إلاّ أنه يجدها قد صارت حبلاً أو شمعة، وكان الجمهور يصفق ويقهقه بإسهاب. في اليوم الموالي ظل بوجا ممداً فوق سريره بإحدى الغرف المخصصة للزوار، وهو يشعر بالتعب والإجهاد وألم بعض العضلات والمفاصل. وبقايا تأثير بعض الجروح التي لم تلتئم بشكل تام. أما الحراس فقد كانوا يرابطون أمام الغرفة فوق أسرَّة خصصت لهم، بعدما سحروا أنفسهم حتى لا يراهم أو يصطدم بهم أحداً غير أنهم ظلوا مستاءين، لعدم حضورهم عروض اليوم. حيث ستشارك فِرق من مملكة العباقرة، وهي الفرق المعروفة بعروضها الباهرة والمتميزة. ظل الحراس يملئون وقتهم بقراءة الجريدة الوحيدة التي كانت معهم. ورغم أنهم قرءوا محتوياتها عدة مرات إلاّ أنه غالبا ما كان أحدهم يطلبها من الآخر كأنه يبحث عن خبر لم يكتشفه من قبل. حتى أن أوراق النسخة تآكلت من الجوانب. وتفسخت بعض كلماتها بسبب السائل المتفحم الأسود الذي ينضح من راحاتهم. قرأ ميمون إحدى الفقرات بصوت مسموع:« جائزة المُسايف المثالي ستكون هذه المرة من نصيب قلعتنا، وللإشارة فالقلعة لم تفز بهذه الجائزة منذ عشر سنوات ،هنالك أمر غريب فصاحب الجائزة لا يرغب فيها!». وخفض ميمون صوته هامساً:« أنا أُخمِّن أنها من نصيب ضنيننا . فهو الوحيد الذي لن يستطع تسلمها، لأن( قالون) القلعة لا يمنح جائزة لمتهم، بل سينتظرون حتي يصدر الحكم، آنذاك سيسلمونه إياها إن كان بريئا. وإلاّ فإنها ستؤول لإحدى دور الأيتام. أنا أعرف ( القالون) أفضل منكم. ويبدو أن ميمون الطيار لا يخجل من نفسه فهو يقصد القانون. رد صاحب الصوت الفحيحي:« أظنهم قالوا إن صاحب الجائزة لا يرغب فيها من تلقاء نفسه». عقب مجنون عويشة :« عليك أن تفهم.. فهم لا يريدون أن يتعرف أحد على بوجا .. قلعتنا تضمن الحماية للمستنجدين بها». كان بوجا (لحظتئذٍ) قد ضاعف قوة سمعه وتجسس على جميع حواراتهم. حتى أن جلبة المهرجان قد بدأت تشوش على تجسسه. وعاد لحالته الطبيعية ونحنح وتظاهر بأنه لم يسمع شيء. في اليوم الثالث، رغب بوجا في مشاهدة عروض فِرق مملكة النمرود، كانت تجتاحه الرغبة في معرفة بعض الأشياء عن هذه المملكة ولو من خلال فِرقها.. استقر بكرسيه وسط الجمهور. كانت شيطا قد صحت من سكرها وما إن رمقته حتى بدأت تمدحه:« واوْ صديقي! عرضك كان رائعاً . لم أكن أظن أن عامياً مثلك يَستطيع القيام بتلك العروض.لا شك أنك ساحر بالولادة».لم يكن هو نفسه يصدق أنه قام بشيءٍ يستحق الاهتمام. كان قد تعود على أسلوب شيطا التهكمي. فرد عليها يشكرها. وهو يقول في نفسه:« هذه هي شيطا إنها تسيء إليك حتى في الوقت التي تريد فيه الإحسان إليك». وتذكر ما سمعه عنها بخصوص البطاقة السُّلالية. إلاّ أنه سحب هذه الفكرة من ذهنه بسرعة، وهو يسمعها تقول:« لم يبقَ لي في الحساب سوى عامي.. أنا لست في حاجة إلى من يشكرني. فلائحة عشاقي طويلة!». ساد صمت قاتل ورهيب ولم تعد تسمع سوى همسات بعض الحاضرين الذين شرعوا يرددون بعض تعاويذ الحماية. وشرع المنشط يقدم إحدى الفرق النمرودية بلسان متلعثم:« والآن معكم فرقة جاءت من جارتنا الحبيبة مملكة النمرود.. وهذه الفرقة تتكون من بعض أفراد الحرس النمرودي». تساءل أحد الحاضرين في قرارة نفسه وهو ينظر في عيني صديقه دون أن يحرك شفتيه وهو يرسل إليه سؤالا بتعويذة شبيهة ب(البلوتوت):« هل دهنك مفتوح.. أريدُ أن أسألك لماذا يتكلفون كل هذا العناء ؟، ويبعثون بأقوى فرقهم فهذا مهرجان وليس استعراض عسكري». إلاّ أن صديقه تجمد بمكانه ولم يوحي بإشارة تدل على أنه تلقى كلام صاحبه. تقلصت معدة بوجا كأن قنفذا يتحرك بداخلها،وبدأت أمعاؤه تتحرك ببطنه كأنها تعابين ملتوية على بعضها وظهر فوق الخشبة سحرة، يشبهون تماثيل نحاسية اكتسبت نفس مرونة الأجسام البشرية. أما وجوههم الشاحبة والمشمعة فقد كانت شبيهة بوجوه الديناصورات. وتقدم رئيس الفرقة وعيناه مشمعتان بالنيكل حتى أنه لم يبق لهما أثر. وأقبل يحمل في راحته اليسرى ثلاث كريات شبيهة بكريات "الكولڤازير"، إلاّ أنها كانت متوهِّجة. وظلت الكريات ترتفع في الهواء ثم تعود لراحته ، لينثرها من جديد كيفما اتفق. إلاّ أنها كانت تعود كما لو كانت مربوطة بخيط مطاطي خفي. وفي نفس الوقت شرع هذا الرئيس يحارب فرقته. لم تكن صورهم تظهر إلاّ على ضوء وميض الشرر الذي يتطاير من سيوفهم الخشنة والمتوهّجة. لتظهر وجوههم الشاحبة مثلما يظهر شخصٌ بعيد على وميض البرق. سحر بوجا عينيه ليخترقا الظلام. وضاعف قوة إبصاره حتى اصطدم بمشكلة التكبير المفرط. فلم يعد يرى سوى أقدامُ تتحرك. كانت أقدامهم تتحرك بسرعة كأن أرضية الخشبة تحرقها. توَهجت سيوفهم حتى أن الرؤية بدأت تتضح بسبب وهَجها. واعوجّ بعضها وتكسرت أطراف البعض الآخر. وسقطت مشتعلة فوق الخشبة مثل الفتائل.وكان الشرر يتطاير أحيانا حتى أن السحرة الجالسين بالمقاعد الأمامية أبدوا قلقهم. وتحرك حراس المهرجان بين الصفوف يذرعون القاعة جيئة وذهاباً. والعفاريت الأقزام يستاءون ويحتجون لأن أقدام كثيرة بدأت تدوسهم. كان الحارس ميمون يحلق فوق بوجا بعدما تحول إلى نسر حقيقي. إلاّ أنه لم يكن يراه أحدٌ غيره. افتطن بوجا إلى مسألة تبطئ الصور. وفهم أنهم قلدوا مجموعته تماماً. فقد احترموا نفس القوانين التي احترمتها مجموعته. تنفس الصعداء وهو يقول في نفسه:« يا له من فرق فظيع بيننا وبينهم». أما جهبور فقد كان يتابع العرض بكل جوارحه. وهو يحرك يديه في الخواء. حتى أن عاشور تضايق من حركاته. وبدأ يهمس له في أذنه:« إنهم يعتمدون على القوة فقط. فلم يفكر أحدهم في خياطة جروحه. ولا في قراءة عقل خصمه... وهذه بطبيعة الحال نقط ضعف». قفز بوجا بمكانه لأنه رأى كرة متوهجة بحجم كرة القدم تتجه نحوه. وأدرك بعجالة أنها شرارة صغيرة، بدت له بهذا الحجم لأنه سحَر بصره وضاعف قوته آنفا. وتذكر أول درس في مادة التحويل،عندما تحدث لهم حربوء عن مخاطر التحويل للقوى الذاتية . فأرجع بصره لحالته العادية وبدأ ينفض ملابسه حيث اعتقد أن الشرارة أن انطفأت واختفت بين جسمه وسراويله، أوشك العارضون على إنهاء عرضهم. بدأت حركاتهم تتباطأ تدريجياً. واستعادت الكريات المتوهجة بيد الرئيس لونها العادي وحرارتها تبرد رويدا رويدا. وتحت ظلال الظلام الدامس شعر بوجا بنقطة باردة تنزل من عنقه حتى سُرته لم يرغب في النظر إلى صدره لتفسير سبب هذه البرودة، حتى لا تفوته ولو لقطات صغيرة من المشهد. اقترب السحرة العارضون من حافة الخشبة حتى أن بعض الجالسين في الصفوف الأمامية فكروا في الرجوع إلى الوراء،ووقف رئيس الفرقة على رجلٍ واحدة وطلع فوق كتفيه ساحرين آخرين. وضع كلٌّ منهما قدما على كتف الرئيس وقدم في الفراغ، والتحق بهم أصدقاءهم حتى أولئك الدين كانوا طريحي الأرض ليشكلوا هرماً مقلوباً، وهم متماسكين فيما بينهم كالأفاعي. ثم انحنى هذا الهرم العجيب ليُحيي الجمهور حتى بدا كأنه على وشك السقوط. وظهرت تلك العبارة التي استطاعوا أن يكتبونها بطريقة تموقعهم فيه:« مملكة النمرود العظمى». ثم تغيرت بعض ملابسهم ليظهر شعارهم:« يموت كل أفراد المملكة ليحيا النمرود». انحنى بوجا ليتفحص مصدر تلك البرودة فإذا بدمٍ يسيل من عنقه. وفهم بعجالة أنه جريح تلك الشرارة حاول خياطة الجرح إلاّ أنه لم يصله بلسانه. لم يفكر يوما في تعاويذ تطويل اللسان، وضع إصبعه فوق الجرح لاشك أنه جرح صغير إلاّ أنه ينزف بقوة. تذوق دمه، أحس بلسانه يتآكل كما لو تذوق قطرة من حمض النتريك. التف حوله الحراس الأربعة وهم يُبحلقون شزراً في بعضهم البعض، همس صاحب الصوت الفحيحي:« ارتكبنا خطأً لن يُغتفر..قللنا من واجب الحراسة». ود بوجا أن يشرح لهم الأمر إلاّ أن أسنانه بدأت تصطك وانطبق فكه السفلي مع الفك العلوي وأحس كأن القاعة تدور حوله وحول نفسها. سمع مجنون عيشة يعاتب ميمون الطيار:« أنت المسئول عن الدفاع الجوي كان عليك أن تتصدى للشرارة». رد ميمون بنزق:« أنت حارس النار كان عليك أن تطفئ الشرارة قبل وصولها إليه». نهرهم صاحب الصوت الفحيحي :« كفى من هذا النقاش البيزنطي العقيم.. هيا لنُهاتف قسم المستعجلات فالأمر يتعلق بنزيف دموي خطير فأظهر على راحة يسراه هاتف قديم خشن. شبيه بهواتف المخادع العمومية وبدأ يضغط على الأزرار، رغم أن أصابعه كانت تخدعه حيث يضغط على زر فيجد نفسه ضغط على زر آخر أو زِرين. وبعد عدة محاولات بدأ يتكلم:« هالو هالو..هل تسمعونني ؟.هل هذا هو المكتب الرئيسي لوزارة الصحة؟ أريد بالضبط قسم معالجة السحرة الذين ينحدرون من عامة الآدميين». أجاب صوت أثيري يصعب فهمه بسبب تردد صداه:« حسناً سوف نستعمل تعاويذ الاسترشاد برائحة الدم للوصول إليكم...». حمل الحراس مريضهم إلى المقاعد الخلفية. وحول أحدهم خنصرهُ إلى عصا. وشرع يرسم دائرة تحيط بهم وهو يهمس:« حواجز الاختفاء». فظهرت غرفة شبيهة بغرفة العمليات واختفت قاعة المهرجان وانقطعت جلبتها. وقبل أن ينغلق باب الغرفة ظهر شخص قصير القامة يرتدي زياً أبيضا حليبياً وقدم بطاقته للحراس وهو يتكلم بنبرة فيها الكثير من اللباقة:« أنا ريوكان بوزون من مملكة العباقرة، وزارة صحتكم علمت بتواجدي هاهنا، وطلبت مني تقديم بعض الإسعافات الأولية للضحية،ريثما يصل الطاقم المتخصص». تمعن صاحب الصوت الفحيحي في البطاقة قليلاً ثم مرر عليها لسانه الذي صار شبيهاً بلسان ثعبان كبير ثم همهم:« حسناً نحن لن نمانع شريطة أن تكون على دراية بما تفعله.. وعلى كل حال فأنت من سيتحمل المسؤولية». وانحنى الطبيب يتفحص مريضه فبدأت أصابعه تتحول إلى أدوات جراحية بشكلٍ آلي، وعلق ميمون الطيار على ذلك قائلاً« انظروا إلى الأصابع الرقيقة الموهوبة. أصابعنا نحن بحجم خراطيم الفيلة لكنها لا تصلح لشيء. فأمهرنا لا يستطيع أن يركب حتى رقما هاتفياً». غضب صاحب الصوت الفحيحي وعقب مغتاظا:« العناية السحرية لم تُهمل أحدا. ومن لم يمنح موهبة في هذا الميدان منحها في ميدان آخر. عليه فقط أن يبحث عن موهبته» وأخرج (ريوكان بوزون )إصبعه البنصر (والذي كان شبيها بإبرة مصنوعة من غصن خيزران) من الجرح العميق الذي كان بعنق الولد، وصار يتكلم مستبشراً:« ها أندا قد وجدتها إنها شرارة بحجم حبة خردل.إلاّ أنها سامة فالجرح لازال يتوسع.. لست أعرف لماذا يستعملون سيوفاً مسمومة في عرض فلكلوري كهذا؟». شرع الحراس الثلاثة يلكزون ميمون بأيديهم ويركلونه برؤوس أقدامهم إلاّ انه سرعان ما أجاب متجاهلا إياهم :« أظن أنها عملية تسميم مدبرة من طرف النمرود.( وأشار نحو بوجا الذي كان ممدداً فوق سريره والذي بدأ الآن يفتح عينيه ) إنه على رأس قائمة المطلوبين أظنك تعرف القضية». بدأ (ريوكان) يذرع الغرفة جيئة وذهابا وهو يتلعثم ويجمع حقيبته، وأصابعه لا زالت عبارة عن أدوات يُسمع صريرها بسبب الرِّعدة التي أصابته. وتكلم كما لو أنه مصاب بهستريا:« لا.. لم أكن أعرف ذلك أتمنى ألاّ يقتلني النمرود لديّ أطفال صغار وزوجة جميلة أريد أن أبقى حياً ولو من أجلهم». وغادر الغرفة مهرولاً ومخلفا وراءه دخانا أصفر والكثير من رائحة محلول الميثيل التي كانت تدور حول المريض كسحابةٍ صغيرة، وشرع مجنون عويشة يوبخ ميمون بجسارة :«ألا تستطيع زم شفتيك أيها الهرِم ابن قاطعة البظور». وحول إصبعه الوسطى إلى سكين حدادي خشن واتكأ عليه يهدده حتى أن جدار الغرفة بدأ يتمايل وهو يتكلم من أنفه من شدة الغضب:« من حسن حظك أنك لم تتفوه إلاّ بعدما انتهى من عمله وإلاّ لكنت الآن قد قطعت هذه البلغة( يقصد اللسان)». وابتعد عنه متنهدا وهمس بخفوت:« حسناً أنا الآن من سيبلغ بك».غير أن ميمون رد وهو يصفق راحتيه مع بعضهما ويضحك باستهزاء:« بلِّغ عني ما شئت بحق سِروال عويشة، أكتب بيديك ورجليك لم يتبق لي معكم سوى ثلاثة أشهر وسبعة وعشرون يوماً». رد صاحب الصوت الفحيحي مبتسماً تلك الابتسامة التي بدت كالصفير:« أصبحت تعد العد العكسي لم أكن أعرف أن وقتك ثميناً إلى هذه الدرجة حسبتك الأستاذة( شفورة ضفدوعة )أو الأب الأسطورة الساحر موغا». وصل أعضاء اللجنة الطبية الذين كانوا يمتطون سلحفاة كبيرة مجنحة، كانت سلحفاتهم تسري مرتفعة عن السطح ببضع ياردات. وتوقفت جانب القاعة وهبطوا منها كانوا أربعة وكانوا يرتدون بدلاً قرمزية خضراء.إلاّ واحدا فقد كان لون بدلته أزرقا داكناً. وقد رُشِمت على صدره بعض الجمل التي تظهر وتختفي مع كل خطوة يخطوها وميمون يحاول قراءتها خِلسة:« رئيس مختبر الطب الشرعي السحري..عضو سابق بمكتب حفظ الأرواح». اقتربوا من بوجا الذي كان ممددا على ظهره وبدأ الطبيب الرئيسي يكلمه، غير أن بوجا يشعر أنه بمقدوره تحريك صخرة كبيرة على أن يحرك لسانه. لم يعرف أين هو وما الذي حدث له؟. ورغم أن الطبيب كان يحاول التظاهر بأن الأمر عادي إلاّ أن عباراته الجافة ولسانه المتلعثم كانا يكشفان نفسيته القلقة. ومد له ميمون الطيار الشرارة التي كان يمسكها بين أنامله وهو يجاهد نفسه حتى لا يضيِّعها. مد الطبيب يده التي مافتئت تقترب من يد الحارس حتى تحولت أصابعها إلى أدوات مختلفة عجيبة. والتقط الشرارة وبدأ يتفحصها بعينيه السحريتين. وتابع ميمون كلامه مسرورا كأنه صنع معجزة كبيرةً:« لقد نظف بوزون الجرح جيدا، وأخاطه بأحدث التعاويذ المقاومة للتحلل». لم ينشرح صدر الطبيب لهذا الكلام وشرع يمارس على الشرارة بعض التعاويذ وهو يضعها فوق لسانه الذي صار شبيها بلسان طائر. وردد بصوت فيه عقدة بسبب اللسان المحول:« هذه الشرارة تنحدر من سيف" كداڤرا". إنه أحد أهم السيوف الخاصة بالنمرود.. يعتقد النمرود أنه يحصل على سيوفه كهبة من آلهته. لذلك فهو يقدس حتى هذه السيوف وكلما حقق انتصارا بأحدها إلاّ واعتقد أن آلهته تباركه له أكثر من الآخرين، فيزداد ارتباطه به.. وهذا السيف لديه قوة خارقة على نقل السموم المسحورة.( ثم تنهد) يجري الحديث هذه الأيام عن" ڤيروس الشوڱو إنترنيتو"الملعون». وبدأ الحراس يتمتمون محاولين النطق بهذا الاسم :« لعنة الشوڱو إنتنيتتيوو». وابتسم الطبيب ابتسامة خفيفة ظهرت معها أسنانه المدببة وزم شفتيه بسرعة:«نعم إنه فيروس خطير يستقر بإحدى المواقع الحساسة بالجهاز العصبي. ثم يشرع في العبث بمضامين السُيالات العصبية،أحياناً يضاعفها وأحيانا يضللها عن هدفها. وأحيانا يحولها إلى نقيضها وهكذا دواليك..وحتى أُبسط لكم الأمور فإن المصاب بهذا المرض قد يرغب في شرب كأس ماء فيشرب عشرة. وبذل أن يضع الكأس فوق المائدة قد يلقي به من النافذة..تصورا ساحرا في حالة مبارزة؛ أراد أن يحول إصبعه إلى سيف فحوله إلى قلم رصاص..المصابون بهذا المرض لا يستطيعون تجنب الاصطدام بالمارة والحفر...كما أن هذا الفيروس يتلاعب بإفرازاتهم الهرمونية ولكم أن تتصورا أشياء كثيرة». بدأ الحراس يتفحصون راحاتهم بعجالة لئلا تكون تلك الشرارة قد تركت عليهم بعض الخدوش، تتسرب عبرها العدوى،إلاّ أن الطبيب طمأنهم بعجالة:« لا تقلقوا إنه فيروس موجّه فهو لن يُصيب إلاّ السحرة الذين صنع من أجلهم». فشرعوا يبحلقون في وجه الطبيب ويتساءلون:« هل تعني أن النمرود توصل بعينة من دم الضحية ؟». ذرع الطبيب الغرفة جيئة وذهابا وهو يقبض يديه وراء ظهره ويتنهد:« الأستاذة ضفدوعة هي التي تكلفت بإعداد الرقم التشفيري للضحية. وهي وحدها التي حصلت على عينة من دمه، وحفظتها بالخزانة الوطنية السرية. شخصيا أثق بهذه الأستاذة غير أن الساحر في مثل هذه الظروف لا يستطيع أن يثق حتى في سبابته!. على كل حال لا تقولونني شيئا لم أقله، فقد تكون هنالك احتمالات أخرى». قال هذا وهو يركز عينيه في عيني ميمون الطيار بصفة خاصة. وصفق راحتيه لتظهر شاشة سحرية على الحائط وظهر عليها فيديو مسجل لحادث الأفعى والضفدعة. وبتعويذة تبطئ الفيديو بدأ الطبيب يشرح للحراس ما بدا كأفعى تخرج لسانا صغيراً، وتقرِّبه من ثقبي أنف الولد ثم تعيد العملية مرة بعد مرة..وقام الطبيب بتبطيء التسجيل أكثر وتكبير لسان الأفعى. وبعد كل مرة كان يظهر أن اللسان عندما يقترب من الأنف يمتص شيئا كالدم. لم يكن التسجيل واضحا، إنما كان لون اللسان يتغير كلما اقترب من أنف الضحية. وأطبق الطبيب راحتيه هامسا، واختفى كل شيء وسار يشرح للحراس:« احتمال أن يكون النمرود هو من بعث هذه الأفعى بحثا عن عينة من دم الولد.. احتمالٌ وارد. إلا أنني لست مقتنعا أن لسان أفعى سيحمل العينات الكافية لإجراء كل تلك التحاليل التي تمكن خبراء النمرود من صناعة لعنة مُوجَّهة». فهم بوجا كل شيء سمعه وتصور حجم المتاعب التي يمكنها أن تحدث له وبدأ يذرف دموعه في صمت؛وهو يحدث نفسه فيما إذا كانت الأستاذة ضفدوعة قد عملت كل هذه الأشياء لإحضاره للمهرجان. وتسهيل تسميمه من طرف النمرود نعم لقد شجعته كثيرا على القيام بالتداريب من أجل المشاركة وطلبت ترخيصا من المحكمة.. هل تكون الأستاذة ضفدوعة عميلة للنمرود؟ والتفت الطبيب نحوه بعدما فرغ من الشرح للحراس وبدأ يربت على صدره وهو يقول:« اصبر يا ولدي فنحن لا نعرف حتى الآن إن كنت مصاباً أم لا؟.والتحاليل وحدها ستجزم في هذا الأمر». وتابع كلامه وهو يفتح محفظة صغيرة:« على كل حال خد هذه الشهادة إنها تخول لك أسبوعا من الراحة وعندما ستصدر نتائج الكشف سوف نقرر ما سنفعله».وارتجت يد الطبيب وبدا يسمع أمراً عبر الأثير:« المرجو التعجيل بالحضور إلى...الأستاذة ضفدوعة في حالة نوبة هسترية». وغمغم الطبيب :« اللعنة عشر حالات في ساعة واحدة..لا أعرف شيئا عن الأستاذة ضفدوعة كل ما أعرفه عنها أنها متماسكة وقوية الشخصية». غادر الطاقم الغرفة مخلفا وراءه رائحة الشك والخوف.وبتعويذة واحدة من مجنون عيشة اختفى جدار الغرفة وارتبطت الجماعة بقاعة المهرجان وما يحدث فيه شعارات وطنية مختلفة تتردد في سماء القاعة. وأشخاص ببدل رسمية يسلمون الجوائز لأصحابها من العارضين الفائزين. وأوراق الورود والريحان تتساقط من سماء الخشبة هدر ميمون الطيار:« إنه وقت توزيع الجوائز.. انتهى المهرجان في رمشة عين لم نستمتع به كثيرا( ونظر صوب الولد)على فكرة يا بني لقد فزت بجائزة المُسايف المثالي، إلاّ أن فيرنان القلعة ينص على أن الجوائز لا تسلم للمتهمين.. أنا آسف جدا كنت سأطلب منك أن تشتري لي رطلاً من الإسفنج». رد بوجا وهو ينحنح :« لم تعد تهمني الجائزة ولا قيمتها كل ما يهمني الآن هو أن استرجع عافيتي. شيء واحد تمنيته هو أن أرفع علم دولتي هاهنا. وأن أُسمع نشيد وطني لهؤلاء الحاضرين». رد مجنون عويشة بعدوانية :« الوطن ألا زلت تؤمن بهذه الأسطورة، الوطن كأس فارغة، تخاطف السكارى شرابها. وقالوا لنا:اعبدوها». غادروا القاعة مشيا، كان بوجا يتعثر تارة ويسقط تارة أخرى. حول ميمون الطيار سبابته إلى عصا وشرع يوقفه بها وهو يقول:« حاول مرة أخرى لقد فقدت دماء كثيرة من الطبيعي أن يحدث لك هذا.. حسنا أنا أعرف بعض تعاويذ التقوية». وصلوا ساحة المهرجان التي بدت أقل ازدحاماً. حيث كان بعض البائعون يجمعون خيامهم وقياطينهم.. وآخرون يغادرون راكبين زواحف مختلفة كان أحد السحرة ينظر من داخل خيمته إلى السماء البنفسجية بتردد وحيرة، ثم ردد بعض التعاويذ وبدأت الخيمة تصعد به إلى الأعلى كالمنطاد، وبدأت أوتادها تنجذب من الأرض، حتى أن بعض الحبال تقطعت.. ولم تبق بالمكان سوى بعض العلب الفارغة ، واللعب السحرية المكسرة تململها رياح خفيفة. شقوا طريقهم وسط الغابة أجاب بوجا وهو يحاول ألا يصطدم ببعض الأحجار المكورة:« ليس علينا كراهية أوطاننا فقط لوجود بعض الناهبين للمال العام، في الحقيقة ذلك الدنس دنسهم وليس دنسنا». أراد مجنون عيشة أن يعقب إلاّ أن ميمون الطيار تدخل وهو يتهجى في جبهة صديقه:« أممم أنت مغربي إذن. حسبتك بريطانياً أو صينيا حسناً أنا مصري. مصر أم الدنيا أرض الحضارة الفرعونية. هل تسمع شيئا عن الملك النبي أخناتون» وعوج شفتيه ونظر إلى السماء. رد بوجا باسما:« أنا من المغرب جنة الجيولوجيين بلاد الديناصورات. لنؤرخ بالكائن الحي نحن أعرق منكم». غضب ميمون وصار يتكلم بطريقة يتطاير معها لعابه:« بعض الناس لا يكرهون أن نؤرخ بالصخور ليبقوا سعداء!. قل لي إن صخوركم أقدم من صخورنا!.هذه سفسطة، حسنا لا تنسى أنك ستحل نزيلا عندنا». رغب الولد أن يتكلم إلاّ أن صاحب الصوت الفحيحي زمجر حتى بدا من الصعب تمييز صوته عن الفحيح:« أصمتا ليس هنالك فرق بين المغرب ومصر ولا حتى الشيلي أو الكويت، نحن أبناء الأرض مصيرنا واحد». ثم قهقه ميمون وغير أسلوبه:« لا تقلق يا بني. فقلعتنا السحرية تتكون من إثنيات مختلفة سحرة وعفاريت قدِموا من شتى العوالم». تساءل بوجا بشغف:« وهل أنت على يقين من أنني سأحل عندكم نزيلا لا محالة؟». أجاب ميمون وهو يسوك أسنانه بغصن شجرة وجده في طريقه:« أجل وقد حدثتك عن التسمم وها أنت قد تعرضت له رغم محاولاتك الشديدة لتجنبه. فقد مارستَ على إصبعك البنصر تعويذة تجعله يكتشف السموم وقد كنت تفحص به أطعمتك قبل تناولها أحسبتني لم أر ذلك؟». فكر بوجا جوانياً:« قاتل الله الأستاذ عبقور القائل: إن التنبؤ بالشيء لا يقود بالضرورة إلى تجنبه». تدخل مجنون عيشة ،بعدما رفع بسبابته\ العصا بعض الأشواك التي كانت في طريقه وهو يلوح بعيداً:« انظروا إلى تلك الأشجار المتساقطة هنا وهنالك، إنها تؤرخ للحرب بين قلعتنا ومملكة النمرود. اللعنة كانت غاباتنا كثيفة وأشجارها متشابكة.حتى أن فواكه التين تتساقط على الأرض بعد نضجها دون أن تجد من يأكلها. وكانت فواكه أخرى تبقى في أغصانها حتى يدور عليها الموسم الآخر لم يتبق اليوم سوى الرماد والأماليد.. لقد كنت من الأوائل الذين حلوا بهذه القلعة. منذ أن كان الساحر لا يفعل شيئا أكثر من تحويل عصاه إلى حية.(قهقهوا) التعاويذ التي أضحت اليوم بدائية». لاحظ بوجا أن الغابة لازالت تحافظ على كثافتها،أحسن مما هو عليه الحال في بلدته.فهو الآن يسمع خشخشة الأوراق اليابسة تحت أقدام الحراس. وأكثر من ذلك فهو لم يفهم كيف يمكن أن تكون غابة أكثر كثافة من هذه. إلاّ أن مجنون عيشة ظل متشبثا بكلامه وأضاف:« كم اصطدنا هنا من حجل وأرانب.. بهذا المكان بالضبط، كنا نرمي الحجل بتعاويذ الوميض ثم نضربه بعصينا. فاختلط على ابن الرعد الأمر فضرب أحد العفاريت الأقزام بعصاه فصعقه ودفناه سراً وتكتمنا عليه، حتى لا تعاقبه القلعة». رأى بوجا ن الفرصة سانحةً لطرح سؤالٍ كان يحز في نفسه ثم نحنح وتلطف:« ألا تستطيع قلعتكم سيدي أن تهزم هذا النمرود؟. سمعت أنكم أكثر منه عدة وعتاداً». رد مجنون عيشة بسرعة متسابقا مع ميمون:« المشكلة يا ولدي هي أننا لا نخوض حربا واضحة الأطراف والمعالم. إننا نخوض حرب عصابات واختطافات وجاسوسية... وهذا هو سر وجود صخرة مولاي (بوعزة) والأصنام المسحورة. والمعضلة الكبيرة هو أنه حتى بين مواطنينا يوجد(نمرود يون) يدينون بالولاء المطلق له. يأكلون غلة القلعة ويسبون ملتها. هذا هو الشكل الذي ينخر جسد القلعة.غياب مواطنون حقيقيون ومخلصون». تساءل بوجا باستياء:« وكيف يستحوذ عليهم؟». رد ميمون بسبق:« المال، تعاويذ الاستحواذ على العقول، السحر الإيديولوجي.. وغالبا عندما يدخل الساحر تحت ولائهم. فإنه يصعب عليه التراجع وخلع الولاء.لأنهم يرون أن قتله أولى من قتالنا . حيث يعتبرونه قد تعرف على أسرارهم وسبُل عملهم. ويعتبرونه خائناً لرابطة الشر، وهي قسم ٌ مقدسٌ عندهم و ساري المفعول بينهم لذلك يهدرون دمه « عقب مجنون عيشة وهو يلهث :« حتى قلعتنا ليست لديها سياسة واضحة، حيال المتبرئين من النمرود عليها أن تنهج سياسة الوطن الغفور الرحيم، وعليها أن توفر حماية خاصة لهؤلاء الذين يخلعون ولاءهم للنمرود». زمجر صاحب الصوت الفحيحي حتى أن بوجا ابتعد من قربه:« صه يا مجنون عويشة أنت لا تفقه شيئا في السياسة دعك مع الشَّبَقيَّات، إن القلعة تخشى أن يُظهر بعضهم أنهم خلعوا موالاتهم للشرير في حين أنهم يضمرون العكس. وبالتالي تجد نفسها تضمن الحماية لجواسيس خطيرين. ما أبشع أن تضمن الحماية لعدوك.. أنها مسألة تجسس وتجسس مضاد».وشرعوا يصفرون بشفاههم تعجبا من الأمر. تجاوزوا الممرات المنعرجة والضيقة ووصلوا طريقا أكثر اتساعا، وهدأت الرياح الخفيفة التي كانت تشوش السماع بسبب حفيف الأشجار. كانت الشمس تظهر وتختفي تحت ضبابٍ لم يكن هذا وقته. انتظر بوجا استرجاعهم لسكينتهم بصبر قهري وطرح سؤالاً أكثر عمقا:« لكن كيف هو هذا النمرود وما هي نقط قوته؟». فعقب صاحب الصوت الفحيحي ضاحكا من حنجرته:« استللت لساننا أيها الفتى. لكن مادمنا بمنأى عن الكاميرات السحرية فاسأل عما شئت.. النمرود ورعاياه سحرة بلا ضمير ولا أخلاق، مفاهيم من قبيل الندم والحق والكرامة ووخز الضمير لا توجد في ناموسهم. في كل يومٍ يذبحون ساحراً ويقدمونه لآلهتهم، بعدما يقومون بطقوس حيث يشربون دم الضحية. وزعيمهم أول من يشرب .حيث يعتقد أنه كلما أهدى لآلهته ساحرا. إلاّ وانضافت موهبة هذا الساحر إلى موهبته هو، لذلك فهو يعتقد أنه يتقوى يوما على إثر يوم،وأكثر من ذلك فهم يعتقدون أن آلهتهم تقول لهم :"هدية اليوم هزيلة، فهل من مزيد" « غمغم ميمون وزم شفتيه بنزق ثم هدر:« في مثل هذه الحالات تنتشر الشائعات بقوة وتلعب دورا كبيراً ما هو أكيد هو أنه يملك لعنة التصنيم الأبدي. كلما مارسها على ساحر إلاّ وحوله على تمثال متكلس. تصور نفسك تمثالاً متحجرا. وروحك تنتفض بداخلك مثل عصفور داخل قفص ضيق ومعتم. لأنك لا تفقدها بالمرة بل تظل حيا جامداً.. تصور السحرة يلتقطون بجانبك صورا تذكارية.. وأنت تتسمع أحدهم يحكي لصديقته قصتك مزورة. أبسط ما تتمناه هو أن تدافع عن نفسك ولو شفوياً». تدخل مجنون عيشة بعد همهمة:«إنه يملك كذلك تعويذة الإستمكان. أي أنه يتماهى مع المكان الذي يحل به.وهذا أقصى ما يمكن أن يصل إليه سحر التحول. فإذا وقف فوق صخرة حسبته هي، وإذا طلع إلى شجرة لن تستطيع تمييزه عنها. معظم الذين حاربوه لم يستطع أن يهزمهم إلاّ عندما مارس على نفسه تعويذة الإستمكان هذه». ألذيه أتباع كثيرون؟. لم يجد لسؤاله رد حيث اقتربوا من النهر. الذي ظهر من الربوة التي طلوا منها كثعبان كبيرٍ. بدؤوا يشمرون عن أرجلهم إلاّ واحدا منهم، فقد ردد في وجه الولد:« أنا حارس النار، لا ألمس الماء وإلاّ تحلل جسمي». بدا خرير مياه النهر يغطي أصواتهم. كانت هنالك نساء تُصبن ملابسهن وشيئا بدا مثل الصوف. وغالبا ما كن تخبطن تلك الملابس بأيديهن\ العصي وكان ثمة عفريت طويل القامة حتى أن بوجا لم يستطع أن يرى رأسه.كان ذلك العفريت يرتدي جلباباً أبيضا متسخاً يغطيه حتى ركبتيه، وهو يصبن ملابس قديمة برجليه. والرغوة تتطاير من تلك الملابس. واللعاب يتطاير من فمه وهو يردد بحيوية:" شتف عايتف شتف عايتف". وظلت بعض الساحرات العابرات يطلبن منه أن يحمل لهن أبناءهن للضفة الأخرى. عرف بوجا بأنه "عبد الواد" فهذه هي مهمة "عبيدات الواد" بالقلعة. وكان هنالك عفاريت يمتطون سلاحف كبيرة ويذرعون النهر ذهابا ورجوعا. ويحملون المارة من ضفة لأخرى مقابل بعض القطع النحاسية. وغير بعيد كان هنالك فرسان يسكبون الماء على خيولهم الواقفة وسط النهر. وكل واحدٍ منهم يتباهى بحصانه إلاّ أن صهيل الخيول ومشاكستها كان يشوش عليهم هذه المتعة. لا شك أنهم أولئك الذين شاركوا في فلكلور التبوريذة بساحة المهرجان.كان أحدهم يضرب فرسا له بعصا غليظة. إلاّ أنها كانت تمتنع من دخول النهر حتى أنه أدخل رأسها داخل كيس يعتم رؤيتها للمياه.غمغم ميمون :« ياللنحس! أينما حللنا يتبعنا صاحب بغلة القبور. كأنه يقتف أثرنا». ظهر في السماء سرب شبيه بسرب الحجل. وبدؤوا يقتربون وبدأت الرؤية تتضح أكثر فأكثر.ثم حطوا جانب النهر. كان الأمر يتعلق بالعفاريت الأقزام الذين ركضوا نحو ميمون الطيار وهم يتسابقون على الكلام:« سيدي إنه خاتمك لقد وجدناه في القاعة مع النفايات. وقد استعملناه كبوصلة إرشاد للتعرف عنك». رد ميمون باسما كاذبا:« شكرا لاشك أنكم تحملتم كثيرا فقد كنا نمشي بسرعة». أجاب العفاريت الأقزام بصوت واحد:« نحن سعداء سيدي.. لنا شرف خدمتك سيدي. لو كان خاتم مجنون عويشة ما أتينا به سيدي. لقد سبق له أن تكتم عن جريمة قتل في حق العفاريت الأقزام سيدي. الجريمة التي قام بها الحارس ابن الرعد كل ذالك مدون في كتب الأقزام سيدي. وقد ثم تكييف العملية فيما بعد على أن القزم كان منتحلا صفة أرنب سيدي. والغريب في الأمر أن ابن الرعد هذا ضبط في الأخير عميلا من عملاء النمرود سيدي». غضب المجنون وبدأ يطارد العفاريت الأقزام، كأنه يريد الإمساك بأفراخ الحجل.وفجأة اختفى هؤلاء الأقزام بين النباتات المحاذية للنهر.ولم يجد بين يديه سوى من نعلي أحدهم. ظل ميمون شاخصا وهو يتفحص خاتمه. ثم تكلم بخفوت كمن يحاور نفسه:« اللعنة لم أكن أستطيع إزالته من بنصري إلاّ بصعوبة. وهاهو اليوم يسقط وحده.إنها نحافة الشيخوخة.عشت خمسة عشر قرنا مرّت كالصاعقة وها أندا على أبواب الموت». ومد الخاتم لبوجا وهو يتنهد:« خده واحتفظ به للذكرى». وقهقه مجنون عيشة :«إلاّ أنك ستستعمله دملجا وليس خاتما». قطع العفاريت الثلاثة النهر، بعدما حمل أحدهم الضنين على كتفيه. بقي حارس النار(مجنون عيشة)وحده يتضجر، طلب من أصحاب السلاحف أن يحملوه إلاّ أنهم عبروا عن استياءهم. فوزنه يتجاوز الوزن المسموح به ردد جميع تعاويذ تخفيف الوزن إلا أن ذلك لم يشفع له عندهم . حيث اعتذر أحدهم قائلاً:« إن مجرد التفكير في نقل وزن ثقيل قد يجعل السلحفاة تفقد توازنها». بدأ (عبد الواد) يخلع جلبابه استعدادا لإيصال مجنون عيشة للضفة الأخرى إلا أن الحراس الثلاثة غمزوه وهم يقهقهون :« ستنغرس في الوحل حتى سرتك إذا فعلت ذلك. فصاحبنا لا يتقن تعاويذ تخفيف الوزن».نادى حارس النار عن إوزة كانت تسبح بين بعض النباتات النابتة فوق جُزيرة طينية بارزة وسط النهر. اتجهت الإوزة نحوه وضع أحد قدميه فوقها. وشرعت الإوزة تقطع النهر. والحراس والسحرة يقهقهون ويصفقون وهو يحاول جاهدا الحفاظ على توازنه ويردد :« انظروا أيها الجبناء، أرباب السلاحف كم أنا خفيف...». عقب ميمون وعيناه الحمراوان تفيضان بدموع الضحك:« هنالك ألف طريقة يمكننا أن نقطع بها النهر. بل ونصل بها المدرسة في رمشة عين إلاّ أننا نود إضاعة الوقت. فما إن تصل عند المسئولين حتى يرسلونك لمهمة أخرى. إيه بوجا على فكرة إدا سألك أحد من إدارتنا عن سبب تأخرنا فقل له إنك كنت مريضا ولم تقو على المشي بسرعة».وافق بوجا ثم انتهز الفرصة وتساءل:« إلا أنكم لم تجيبونني عن سؤالي؟». تدخل صاحب الصوت الفحيحي:« إي .. نعم نعم أتباع النمرود يتشكلون من السحرة الهاربين من أحكام الإعدام والآبقين من سجفنارت. ومافيات المتاجرة في التعاويذ المحظورة . والعصابات المتخصصة في الاتجار في السموم والفيروسات السحرية. والمتهمين بتحويل النحاس إلى ذهب، واستخراج الكنوز من باطن الأرض . والذين يتاجرون في مخدر البانتغورا ويقتلون الأبرياء ويتاجرون في العفاريت الأقزام...». تساءل ميمون الذي استغرب من سعة معرفة صاحبه:« ألا يحثون أية فوضى هنالك؟». ضحك ذا الصوت الفحيحي، بهستريا:« الفوضى هنالك سجن جحيم الشر. يحكى عنه أنه أبشع سجن في تاريخ السحرة.( والتفت نحو بوجا) للأسف الشديد يقال أن والدك قد ألقى حتفه بداخله». اصفر وجه التلميذ وبدأت أذناه تتوهجان. غمغم الحراس الآخرين ممتعضين.نحنح ميمون وهو ينظر إلى الساعة التي كانت موشومة على يسراه: « هيا لقد تأخرنا كثيرا. علينا أن نختصر الطريق إذن فلنذهب عبر الغابة المشئومة». وبعد ساعة وصلوا أمام الحجرة وشرع مجنون عيشة يحول أحد المفاتيح إلى قفص ويلبسه للولد ، في حين كان ميمون الطيار يحرر تقريرا في الموضوع. وصاحب الصوت الفحيحي يقول: « مجازفة شاقة.. تغيرت أشياء كثيرة في الغابة المشئومة» رد ميمون وهو يزيل بعض الأشواك من ذراعه: « أجل فالقلعة تنفق كثيرا من الذهب في بناء نظم الحماية، أنا غير متفق مع أصحاب هذا الطرح ولو كنت من أصحاب الشأن لهاجمت النمرود في ثَلْثِهِ الخالي».(يتبع)
1) الوهوهة: حكاية صوت الفرس إذا غلظ. 2) تقول أسطورة مغربية إن الزوجة التي تمارس الزنا، بعد موت زوجها،خلال فترة العدة التي حرمت فيها عليها الشريعة ذلك. تصاب بلعنة تتحول بسببها إلى بغلة عنيفة في كل ليل، وتبيت تجوب الشوارع والأزقة. وتضيف الأسطورة أنه إذا ما صادفها شخص قوي بالليل. فقد يقضي عليها أشغال كثيرة. وعندما ينجلي الليل تعود إلى حالتها الأصلية ويتعرف عليها وتقول له:" استر ما ستر الله." 3) مقولة شائعة للفيلسوف الوجودي " حون بول سارتر".وإن كانت شيطا قد طورتها