"العيونالشرقية" أو "العيون سيدي ماخوخ"، معقل المجاهد الكبير الشيخ بوعمامة ومرقده، مدينة جميلة بل واحة خضراء وسط صحراء، لا تنضب عيونها ولا تتوقف مياهها، تقع على الطريق الرئيسية وجدة -سلا، على بعد 60 كلم عن مدينة وجدة و50 كلم عن مدينة تاوريرت، التي تقع تحت نفوذ ترابها يبلغ عدد سكانها أكثر من 35 ألف نسمة لأكثر من 4 آلاف أسرة، بنسبة نمو إيجابي قُدِّرت ب1.2 في المائة، فيما يبلغ عدد سكان جماعات دائرة العيون الخمس حوالي 66 ألف نسمة تتشكل من قبائل «أولاد سيد الشيخ» و«بني بوزكو»، «الكرارمة»، «الأرباع»، «بني كولال»، «أولاد المهدي «السجع»، «أولاد سليمان»، «أولاد الميدي»، «بني وكيل» و «بني اشبل».. مواردهم الأساسية الفلاحة وتربية الماشية والتجارة وتحويلات المهاجرين في الخارج... يشعر سكان العيون، التي هي أقرب إلى قرية كبيرة منها إلى مدينة، بالتهميش والإقصاء وعدم استفادتهم من البرامج التنموية إلا بنسبة ضئيلة. زحف البناء العشوائي على المدينة وانتشرت البطالة بين شبابها، في ظل انعدام المؤسسات الاجتماعية والرياضة والثقافية، وعجز المجلس عن الاستجابة لجميع متطلبات المدينة، لفقر ميزانيته... هناك مشاريع انطلقت لتبليط الطرقات في «حي الفتح» و«الحي المحمدي»، وهو مشروع تمت برمجته في إطار فائض المجلس السابق، إضافة إلى ترميم بعض الطرقات، بتعبيد المتلاشي والمهترئ منها»، يوضح ل«المساء» عبد الحق مربوح، النائب الأول للمجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة العيونالشرقية. كما أن المجلس الحالي برمج 89 مليون سنتيم لتأهيل مدخل المدينة عند الطريق المؤدية إلى مدينة بركان، لكنه اصطدم بمشروع الطريق السيار، حيث إن هناك جزءا منه تتحمل مصاريفه وزارة التجهيز، بحكم أنها هي التي دمّرتْه، إضافة إلى توقيف مشروع المُركّب الرياضي الذي تبلغ كلفته 200 مليون سنتيم، إذ يُنتظَر انطلاق مشاريع مبرمجة من طرف الدولة تهم جميع القطاعات لتأهيل المدينة، والمقدَّرة بحوالي 38 مليارا و300 مليون سنتيم ومساهمة الجماعة الحضرية ب250 مليون سنتيم. على مستوى التعمير، قامت البلدية بإعادة هيكلة بعض الأحياء المدارية القديمة، الشعبية والهامشية، كأحياء «الثكنة» و«عين لحجر» و«الرملة» و«المطار» و«التقدم» و«لْكرّابة» و«عين الدفلة».. وقد حدَّد عامل الإقليم 15 يوليوز الجاري كآخر أجل لوضع تصاميم هذه الأحياء، بعد أن أقدم على هدم عدد من دور البناء العشوائي ومنع إقامتها إلا في إطار قانوني، حتى تتمكن البلدية من المداخيل. ويؤكد محمد الوالي، عضو المجلس البلدي لمدينة العيون، أن الحدّ من البناء العشوائي ومحاربته يتطلبان وضع بديل، وإعادة هيكلة الأحياء الهامشية المذكورة بضمها إلى المدار الحضري، مشيرا إلى أن هناك شراكة مع مديرية المياه والغابات بقيمة مليون درهم، بهدف خلق متنزَّه في طور الإنجاز، مساحته حوالي 10 هكتارات، عند مدخل المدينة: «للمجلس البلدي رؤية شاملة ويحاول التدخل في جميع المجالات الرياضية منها والثقافية والاجتماعية، مع العلم بأنه ليست له مداخيل مهمة تسمح له بحلّ مشاكل المدينة، وهي مداخيل القيمة المضافة التي تُقدَّر بحوالي مليار و300 مليون سنتيم، إضافة إلى حوالي 300 مليون سنتيم من الرسوم والضرائب، مع العلم بأن 80 في المائة تذهب إلى أجور الموظفين». افتقار الجماعة لوعاء عقاري لإقامة المشاريع لا تتوفر البلدية على عقارات أو أراضٍ لإقامة المشاريع، الأمر الذي يُثقل كاهل ميزانية المجلس ويفرمل سيره والمشاريع الضرورية والحيوية التي يبرمجها: «أول ما يطلب منا لإنجاز أي مشروع هو العقار الذي لا نتوفر عليه.. وقد طُلِبت منا في آخر مرة 375 مليون سنتيم لنقتني بعض الأراضي المخزنية في أجل شهر واحد... والمجلس ليس لديه فائض ولا يتعدى في أحسن الأحوال سقف 40 مليون سنتيم»، يستطرد النائب الأول للمجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة العيونالشرقية. كل مجهودات الجماعة الفقيرة لمدينة العيونالشرقية هي محاولة المجلس توفيرَ شبكات الكهرباء والماء والواد الحار والنظافة التي يتم التركيز عليها كثيرا، بل إن من غرائب الأمور في مدينة العيون أن المجلس لا يتوفر على مقر للبلدية، التي تقع على أراضي الأملاك المخزنية، مع أنه تمت الموافقة على اقتناء البقعة التي تقع عليها البلدية، لكن المجلس لم يجد مبلغا يسدد به قيمة العقار. "ليست لدينا مداخيل قارّة، لا غابة ولا معادن ولا أراضٍ، ونتمنى أن نجد مداخيل ذاتية تسمح لنا بتنمية المنطقة"... كانت بلدية العيون تستفيد من دعم مادي وضرائب تُستخلَص من معمل الإسمنت في الفترة التي كان فيها تابعا لنفوذها، لكنْ بعد التقسيم، أصبح تابعا للجماعة القروية "عين لحجر"، رغم أنه تمت مراسلة المسؤولين وتقديم ملتمسات لطلب دعم دون جدوى، مع العلم بأنه لا يساهم في تنمية المنطقة اللهم في تسميم الأجواء في المنطقة، عبر نفث غباره ودخانه. ومن أجل النهوض بالمدينة وتحقيق المشاريع، قام المجلس بعقد شراكات وإبرام اتفاقيات من أجل تأهيل المدينة تتعلق بمداخل المدينة والمسبح البلدي وترميم القصبة والأسواق والأروقة التجارية وترصيف الطرقات والمتنزَّهات... والتي ما زالت لم تنطلق بعدُ. وقد التمس المجلس في دورته الأخيرة من عامل الإقليم التسريع بانطلاق أشغالها، كما أن المجلس ما زال يطالب المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بالاستجابة لرسائله منذ أكثر من سنة، ليتدارس معه ملف تدبير الواد الحار، بعد توقيع اتفاقية في إطار التدبير المفوض، حيث يكمن المشكل في محطات التصفية، إضافة إلى تقادم بعض القنوات الرئيسية التي يتطلب وضعنها الراهنُ تجديدها. وتفتقر مدينة العيونالشرقية إلى مركز للتكوين المهني، رغم المطالبة بذلك ورغم توفير مقر مؤقت لهذا الغرض في دار الشباب لمدة سنتين، في انتظار بناء مؤسسة للتكوين المهني، ورغم حصول اتفقاية شراكة للمجلس مع المديرية الجهوية للتكوين المهني، لم يظهر منها للمعنيين بالأمر أي أثر... وتعاني ميزانية البلدية من عدم قدرتها على استخلاص ضرائب المساكن التي بُنيت ما يسمى «البام» سنة 1974 على مساحة 45 هكتاراً، في إطار مساعدة الدولة لقطاع السكن الاقتصادي، وسلمت للمواطنين بقع أرضية بدرهم رمزي شيدوا عليها مساكنهم دون الحصول على رسوم عقارية، ولم يتمَّ، إلى حدّ الآن، تسويتها لتعقد المسطرة. ورغم أن العملية الطبوغرافية قد تمت وقام المجلس بالتقويم، حسب مواقع المنازل على الطرقات والشوارع والأزقة، وتم تحديد المبالغ المفروض استخلاصها من 150 إلى 180 درهما وتم فتح حساب خصوصي، فإن الأمور «تتوقف» عند المحافظ، الذي بدونه لن يتمكن المواطنون من عملية التحفيظ. مدينة بلا ... مستشفى "هل يُعقَل أن تظل مدينة العيونالشرقية، التي يتجاوز عدد سكانها 35 ألف نسمة ودائرتها 66 ألف نسمة، بدون مستشفى؟".. سؤال تكرر على لسان أعضاء المجلس وبعض سكان المدينة والمنطقة، حيث لا يوجد إلا مركز صحي هو عبارة عن مستوصف خدماته هزيلة ويعرف اكتظاظا، خاصة أيام الأربعاء والخميس، يومي تلقيح الأطفال.. كما أنه ليس فيه قسم للمستعجلات وغير مؤهَّل لاستقبال مرضى في حالات خاصة، ولا يُسمح للطبيب فيه ببعض التدخلات العاجلة والحيوية رغم بساطتها، إذ على المريض أن يفكر قبل أن يمرض بالسفر إلى وجدة أو إلى مدينة تاوريرت، مع العلم بأن المركز الصحي يتوفر على أربعة أطباء فقط، وهو عدد غير كافٍ، دون الحديث عن قلة الممرضين. وفي هذا الصدد، أشار أحد المستشارين السابقين إلى مشروع سبق أن تمت برمجتُه وتم الشروع في بنائه، لكنْ بعد انتصاب البناية تم اكتشاف أنه تم تشييده في مستوى منخفض على التجزئة التي يتواجد فيها، فتمَّ التخلي عنه وبدأ يتحول إلى أطلال. وذكر نائب رئيس المجلس البلدي بقرب الشروع في انطلاق أشغال مستشفى في مدينة العيونالشرقية، حيث تم توفير الصفقة في 26 ماي الماضي، ويتوفر على 45 سريرا وقسم مستعجلات وعلى مجموعة من الاختصاصات. العيونالشرقية بدون قباضة!.. «هل يعقل أن يضطر المواطن للتنقل إلى مدينة تاوريرت، على بعد 50 كلم من العيونالشرقية، وصرف أكثر من 100 درهم، لأداء ضريبة أقل من مبلغ الضريبة؟ أليس هذا غريبا وعبثيا؟».. هكذا يستفسر أحد أعضاء المجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة العيونالشرقية. وبالفعل، فلا أحد أدرك سبب نقل القباضة التي كانت تتوفر عليها المدينة قبل سنة 2002 إلى مدينة تاوريرت، مع العلم بأن دائرة العيون تضم خمس جماعات: بلدية العيونالشرقية والجماعات القروية لعين لحجر ومشرع حمادي ومستكمر وتانشرفي.. وتتعامل يوميا مع القابض، الأمر الذي يشكل عائقا كبيرا لها في التسيير الإداري والمالي ويضعها تحت إكراه تخصيص موظف بسيارة الجماعة للتنقل إلى تاوريرت، مع الإشارة إلى أنها لا تتوفر على سيارة لهذه المهمة.. "وهذا إكراه كبير في تحصيل المداخيل، وهو ما يعني أنه بدل تقريب الإدارة من المواطنين ومن الجماعة، أصبح العكس هو الصحيح، ونضيف إلى هذا أننا نطالب بفتح قباضة ودار للتسجيل، نظرا إلى التوسع العمراني المتواصل، حيث تعد العيون ثاني مدينة في الإقليم بعد تاوريرت". مشروع ترميم القصبة يعود تأسيس المدينة إلى سنة 1679، فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، الذي شيَّد قصبته الكبيرة من أجل تقوية نفوذه وسلطته وإرساء دعائم ملكه وإقرار الأمن، حيث كانت تضم جيشا من قبائل المنطقة. ولم تعرف هذه القصبة اهتماما ولا عناية، حيث بدأت تتآكل جدرانها وتتفتّت أسسها وأصبحت آيلة للسقوط، بل تشكل خطرا على السكان والمارة. وجاءت مبادرة ترميمها من المجلس الإقليمي لتاوريرت، حيث رُصد لها مبلغ 18 مليون سنتيم من فائضه. كما حصلت جمعية أصدقاء قدماء مدينة العيونالشرقية، وبفضل اتصالاتها وعلاقاتها على المستوى المركزي، على مبلغ لترميم القصبة، خلال الشطر الأول، وساهم المجلس البلدي في العملية خلال الفترة بين 1997 و2002 وانتهى الترميم، لكنْ لم يكن بالمواصفات الموضوعية والمنطقية، إذ عادت جدران القصبة إلى حالتها السابقة.. إشكالية المطرح العمومي.. إن أكبر مشكل يواجه الجماعة الحضرية لمدينة العيونالشرقية ويعتبر نقطة سوداء هو المطرح البلدي للأزبال الذي يُطلّ على المدينة ويخنق دخانه وروائحه الكريهة السكان المجاورين لها، إضافة إلى تدميره المحيط البيئي للمدينة وحزامها الأخضر، حيث يوجد في منطقة غابوية: «نحن نبذل قصارى الجهود للقضاء على المطرح العمومي، بتنسيق مع الجماعة القروية ل«عين لحجر»، المحاذية لبلدية العيونالشرقية، ونفكر في إيجاد حلّ بالعثور على مكان لتحويله». لم يجد المجلس البلدي مكانا لتحويل مطرح الأزبال من مكانه إلى منطقة أخرى، إما لتواجد فرشة مائية ورفض المكتب الوطني للماء الصالح للشرب أو لاصطدامه مع معمل الإسمنت أو مع السكان أو لانعدام الأراضي التابعة للبلدية. قام المجلس البلدي بتغطية الأزبال القديمة بطبقة من الأتربة، وكان من المفروض أن تتواجد بعين المكان آلة للحفر ودفن الأزبال يوميا، حتى لا ينتهز الفرصةَ بعضُ الرعاة الذين يقتادون ماشيتهم للرعي هناك، مع العلم بأن تلك الأزبال تحتوي على مواد سامة ومسببة أمراضا خطيرة قد تنتقل إلى الإنسان إن هو استهلك لحومها، مع الإشارة إلى أن المجلس يحاول أن يبرمج ميزانية للتشجير. الشيخ بوعمامة المجاهد الكبير.. هو الشيخ بوعمامة، حفيد الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد الملقَّب ب«سيدْ الشيخ»، المتحدر من الصحابي الجليل خليفة رسول الله أبي بكر الصديق. ازداد بمدينة فجيج سنة 1860 ميلادية وتوفي بمدينة العيونالشرقية سنة 1908. كان المجاهد الكبير سيدي بوعمامة من المقاومين الأشاوس، حارب الاستعمار الفرنسي المتواجد على الأراضي المغربية الإسلامية ولم يدخل قط الترابَ الجزائري، كما يحلو للأشقاء الجزائريين التغني بذلك، حيث كان يتحرك فوق التراب المغربي الذي ضمّتْ بعضَه الجزائر في الجنوب الشرقي للصحراء المغربية إبان الاستعمار الفرنسي. يتوسط ضريح الشيخ بوعمامة مدينة العيونالشرقية ويوجد على الطريق الرئيسية التي تخترق المدينة، وسط المقبرة. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك التفاتة ملكية لترميم الضريح وبناء مسجد وإعادة هيكلة الساحة المجاورة بحوالي مليار سنتيم (خصصت للمسجد 600 مليون سنتيم وخصصت 400 مليون سنتيم لمختلف المرافق الأخرى).