يعرض الفنان والرسام التشكيلي الفرنسي “برتران بولون” بأروقة متحف مراكش ابتداء من فاتح أبريل الى 30 يونيو من السنة الجارية، باقة من عطاءاته الفنية تضم حوالي خمسين لوحة تشكيلية تستقي دلالاتها من رؤية فنية تناقش ثيمات وأفكار متنوعة. يعتبر”برتران بوبلون” واحدا من الفنانين الذين ارتبطوا بالموروث الثقافي المغربي وعمق تجدره التاريخي، وفي هذا الإطار لا يستغرب عدد من المتتبعين لأعماله الفنية من قدرته على تجسيد جزئيات حياة الإنسان المغربي عندما يعرفون أنه من مواليد مدينة مكناس، قضى جزء من طفولته بين أزقة المدينة الإسماعلية فتشبع بخصوصيتها المحلية وعبق غناها الروحي والثقافي، وهو سليل أسرة احترفت منذ عهد جده الخامس لغة الفرشاة و”براديغم” الألوان، مارس الى جانب مهنة مغازلة اللوحات مهمة التأطير والتدريس الجامعي بفرنسا كخبير اقتصادي وكمشرف على تلقين أسس الإبداع الفني للطلبة الجامعيين بشعبة الفنون الجميلة، سبق أن نظمت له معارض فنية عديدة بفرنسا، الصين، باكستان وتونس. عشقه للمدينة الحمراء ولرمزيتها التاريخية والثقافية انعكست بوتقتها في لوحات فنية تحاكي تفاصيل الحياة اليومية للإنسان المراكشي بصفة الخاصة والإنسان المغربي بشكل عام من خلال بعض السلوكات الإعتيادية كجلسات الشاي العائلية التي تؤتت معالم هوية ثقافية تشكلت معالمها الحضارية على امتداد مجموعة من الحقب والأزمنة التاريخية، وقد قام الفنان “برتران بولون” بتجسيد هذه الدلالة من خلال إسقاط دقيق لثقافة شرب الشاي عن طريق توظيف نوعي لميكنزمات الضوء والظل في تماهي موفق مع حركية الألوان التي أضفت على لوحاته الفنية دينامية حيوية استقت رمزيتها من أصالة هذا السلوك الاعتيادي في الحياة اليومية للأسر المغربية. والى جانب ثقافة شرب الشاي وعمق تجدرها في الموروث الثقافي المغربي قام الرسام الفرنسي “برتران بولون” من خلال لوحاته الفنية بالإحتفاء بالإنسان المغربي التقليدي، حيث قام بسليط الضوء على بعض مكونات ملبسه المتوارث عن الأجداد والذي يعكس عمق تجدره التاريخي وغناه الثقافي، محاولا بذلك التوثيق والتأريخ من منظور فني لهذا الإنسان الذي أضحت صورته تتلاشى مع موجات التحديث العنيف وعولمة اللباس الغربي، الذي يعكس حقيقة زحف النمط المعيشي المعولم على الخصوصية الثقافية للمجتمع المغربي. تُظهر اللوحات الفنية ل”برتران بولون” عشقه ولهه بالطبيعة، حيث استطاع أن يجسد رونق وجمالية حدائق “ماجوريل” – التي استأثرت بإعجاب مرتاديها من الفنانين المغاربة والأجانب- في لوحات فنية امتزج فيها اللون الأزرق والأصفر والأخضر بشكل متناسق يعكس قدرته على ترويض فرشاة الرسم باحترافية فنية تحاكي جمال الطبيعة ورونقها. إن الأسلوب الفني الذي عالج من خلاله “برتران بولون” المواضيع الثلاث السالفة الذكر يكشف عن معالم رؤية فلسفية تستقي دلالاتها من متخيل أفلاطوني، يسعى من خلاله الرسام مقاربة الحراك الذي يعرفه العالم العربي والمنظومة العالمية بشكل عام التي طغت عليها استراتجيات العنف والقهر والإستغلال، من خلال فلسفة حياة تقترح بدائل: الحب والتعايش والمؤاخاة كقيم إنسانية كفيلة بضمان تحقيق الوئام العالمي المفقود. من المنتظر أن يستأثر معرض الرسم الكبير للفنان “برتران بولون” باهتمام عدد كبير من الفنانين والرسامين والإعلاميين المغاربة والأجانب طيلة مدة العرض التي ستستمر لمدة ثلاثة أشهر متتالية.