يطوي الدوري اللبناني لكرة القدم، في نسخته الخامسة والستين، نحو أربعة أشهر من التوقف القسري بفعل الأحداث التي شهدتها البلاد جراء الحرب بين إسرائيل وحزب الله، حيث تستعد الفرق حسب إمكاناتها لاستئناف المنافسة وسط تحديات جمة. ويسري منذ 27 نونبر 2024 وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، إثر مواجهة بينهما استمرت لعام، تم التوصل إليه برعاية فرنسية أمريكية. وتشرف لجنة على آلية تنفيذ الاتفاق، تضم في عضويتها قوة الأممالمتحدة الموقتة العاملة في جنوبلبنان (يونيفيل). وبين المرحلتين الأولى والثانية من الدور الأول للبطولة وبعد توقف طويل لم تعد الأندية كما بدأت الموسم، فتغييرات بالجملة قد تُبدل المشهد وتفرض أولويات مغايرة لطموحات الفرق؛ فمنها من يتطلع إلى تمرير الموسم بأقل الأضرار، وبعضها يسعى إلى المنافسة على اللقب. عدد كبير من اللاعبين تأثر بالحرب، منهم من تهجر حيث نزح إلى زميل له في مناطق تعد آمنة في استقباله، أو منهم من دُمر منزله أو فقد أحد أقاربه. محمد حيدر، اللاعب المخضرم لنادي العهد، قال إنه من الطبيعي أن تنعكس أجواء الحرب على اللاعب نفسيا وبدنيا. وأضاف حيد، في تصريح لوكالة فرانس برس: "واجهنا صعوبات جمة بسبب إيقاف النشاط الرياضي مدة طويلة؛ وبالتالي كانت الظروف صعبة جدا". وأردف اللاعب عينه: "من الطبيعي نحن كلاعبين، وخاصة المتحدرين من مناطق تعرضت لقصف، أن تكون طروفنا أكثر صعوبة"، لافتا إلى أن "عودتنا إلى الملاعب تدل على الصمود في وجه الحرب وإرادتنا قوية". وأمل حيدر في أن يكون استئناف الدوري بداية مرحلة جيدة "على أمل أن تتحسن الظروف الاقتصادية لنحاول تطوير اللعبة بشكل أكبر". ويسعى فريق الأنصار إلى لقبه الخامس عشر بعدما خسره الموسم الماضي بالثواني الأخيرة أمام غريمه التقليدي النجمة الساعي إلى الاحتفاظ به، ويتأهب الصفاء لإعادة الكأس إلى خزائنه لأول مرة منذ 2016 والرابع في تاريخه، والعهد لتكريس موقعه كمنافس أساسي. أما باقي الفرق فأهدافها متفاوتة، بعدما عاينت الأضرار وأطلقت نشاطها مجددا. ولم يجر اتحاد اللعبة أي تغيير على نظام البطولة، حيث ستلعب الفرق الدور الأول (دور الذهاب) ثم تنقسم إلى مجموعتين (دور السداسيتين) مع حمل الفرق نصف عدد نقاطها، فتلعب ثلاث مراحل لتحديد البطل والهابطين إلى الدرجة الثانية. وأدرج الاتحاد تعديلا يتعلق باللاعبين الأجانب والمحليين، فقد تم تغيير فترة الانتقالات الشتوية بسبب التوقف القسري لتصبح من 2 مارس 2025 حتى 2 أبريل 2025 أي بعد انتهاء مرحلة الذهاب وقبل انطلاق المرحلة السداسية الأولى، علما أن فترة الانتقالات السابقة كانت محددة من 21 دجنبر 2024 وحتى 21 يناير 2025. مساعدة وتسهيلات هاشم حيدر، رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم، قال إنه لا بد من انتظام الأمور الرياضية عامة، وكرة القدم على وجه الخصوص، مع عودة الأمور إلى طبيعتها تدريجيا بعد انتهاء الحرب. وأضاف رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم، في حديث لفرانس برس: "عودة الدوري كان تحديا كبيرا أمام الاتحاد، من دون ضجيج ومن دون شعبوية، حيث حاولنا قدر الإمكان وبالإمكانات المتوفرة أن نساعد الأندية والوقوف إلى جانبها على أكثر من صعيد وتسهيل شؤونها، ولا سيما أن العديد منها ضمن المناطق التي تعرضت للقصف". وتابع حيدر: "نأمل في أن تكون عودة البطولة والمباريات فسحة للشعب لبلسمة آلامه. ومن ناحيتنا، نصب كامل تركيزنا على العمل لتكون بطولة بأبهى حلة". وأمل المسؤول عينه أن يستعيد ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية حضوره واستضافة مباريات البطولة في الوقت القريب؛ لأن "إدراج الملعب الأكبر في لبنان على خارطة البطولة سيكون عاملا مساعدا لتطور اللعبة الشعبية". وأردف: "نأمل أيضا في أن تلحظ مرحلة إعادة الإعمار المنشآت الرياضية والملاعب وتأهيلها، ولا سيما أن البلاد دخلت عهدا جديدا مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، إذ سنطالب بأن يكون القطاع الرياضي من ضمن الأولويات أسوة بقطاعات أخرى؛ وهذا ما يساهم بنهضة كبيرة. مشكلتنا الأساسية، في السنوات الماضية، كانت معضلة المنشآت، إذ لم يكل للحكومة إمكانية المساعدة، ونتطلع مع العهد الجديد إلى أن تتغير هذه الصورة". وتكفل الاتحاد أيضا بمصاريف الملاعب والحكام، حيث أزاحها عن كاهل الأندية، كما يسعى إلى تأمين مساعدات للفرق بكافة الدرجات. إحجام الأجانب التغيير الأبرز الذي طال الأندية هو إحجام عدد كبير من اللاعبين الأجانب عن العودة إلى لبنان؛ وفي مقدمهم هداف الموسمين الماضيين السنغالي حاج ماليك تال، الذي آثر عدم العودة إلى "الزعيم الأخضر" بسبب التخوف من الأوضاع وتفضيله الانتقال إلى النهضة العماني، فيما ثمة لاعبين كثر توصلوا إلى تسوية مع فرقهم بسبب الأوضاع المادية الصعبة للأندية. الأمر ذاته انسحب على المدربين، حيث سيقود كل الفرق مدربون محليون، حيث سيشرف على النجمة المدرب المحلي محمد الدقة بعد رحيل الصربي دراغان يوفانوفيتش. وقال يوسف الجوهري، المدير الفني للأنصار، لفرانس برس، إن أكثر الأمور إيجابية هي عودة البطولة. وتابع الجوهري: "عدا ذلك ثمة معاناة بسبب الانقطاع الطويل، تخللها توقف تام لدى مكونات اللعبة عن النشاط بسبب الحرب". وأضاف المدير الفني للأنصار: "ينبغي أن تتحسن الأمور تدريجيا مع عودة المباريات.. وعلى مستوى الأنصار، فالأمور جيدة، ونعمل على تجهيز بديل لرحيل حاج ماليك تال". من ناحية أخرى، عانت أندية الجنوب بسبب ظروف الحرب حيث برزت مشكلات مادية، ولا سيما أن عددا كبيرا من اللاعبين خسر منزله وهُجر من أرضه. ووصف جهاد قنديل، رئيس نادي التضامن صور أحد أعرق الأندية الجنوبية، تبعات الحرب بأنها مأساوية على كافة القطاعات؛ ومنها الرياضي: "تأثرنا كما غيرنا لابتعاد الجميع عن النشاط وتاليا العودة ليست سهلة، إذ إن الغالبية من لاعبي أندية الجنوب وعائلاتهم نازحين، وحاليا نحن أمام تحديات نفسية ومادية.. ولهذا، نسعى إلى استكمال البطولة باللحم الحي". وختم: "آثار الحرب ستلازمنا طويلا؛ فنحن جزء من المجتمع، ونتمنى الدعم من الجميع".