كيف نجح المغرب في تدبير المرحلة ما بين ترامب 1 وترامب 2 بعد التنصيب الرسمي، وبالإجماع، في الكونغريس، لوزير خارجية أمريكا ماركو روبيو، بمواقفه المنحازة، بوضوح، للمغرب، لعل التجسيد الملموس الذي يتطلع إليه المغاربة الآن، كفعل تثمين لقرار الاعتراف، هو فتح التمثيلية الأمريكية في الداخلة لتمارس مهامها القنصلية. لا بد من أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، التي تعد حدثا نادرا في التاريخ الأمريكي والدولي على حد سواء، تستلزم منا أن نعود إلى وقائع الفترة الفاصلة بين الولايتين وكيف نجح المغرب في تدبير إكراهاتها. لقد ختم الرئيس السابق الجديد ولايته برسالة على تويتر، تضمنّت الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. وقال الأقل سخرية، إن تويتر لا يدل على شيء ذي قيمة، يأتي من بعده، لكن ما حدث لاحقا أثبت عكس ذلك، حيث اتضح أن هذا الموقف قلب موازين المنطقة الأورومتوسطية والشمال إفريقية رأسا على عقب. وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وجد المغرب نفسه في مواجهة هجمات من كل حدب وصوب. ما زلنا نذكر خطوة ألمانيا أيام أنجيلا ميركل، عندما دعت بشكل عاجل إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الأممي، الذي كانت ترأسه، للنظر في الموقف الأمريكي الجديد، وربما الطعن فيه. وما زلنا نذكر أيضا ما تلاه من مواقف دعمت، بدرجات متفاوتة، الموقف الألماني. ما زلنا نذكر فصول التوتر الشديدة مع ألمانيا نفسها، التي كانت موضوع تنديد ضمني في خطاب الملك لذكرى 20 غشت 2021، عندما نبه جلالته إلى تقريرها الشهير قائلاً: "هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب ، في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية". ولم يكن خافيا أن ألمانيا، وقتها، إلى جانب دول أوروبية أخرى، كانت تبحث لدولة الجار الشرقي عن أدوار في المنطقة وفي إفريقيا، لحسابات تخص هاته الدول، وعلى حساب مصلحة المغرب. ما زلنا نذكر التوتر المتزامن مع إسبانيا، دولة الاحتلال السابقة في الصحراء، وما تخلله من فصول بلغت أوجها أن انقطع التواصل بعد استدعاء السفيرين من كل بلد، إثر استقبال "ابن بطوش الغالي" في استفزاز وامتحان للمغرب، بل إن إسبانيا اعتبرت هذا الاعتراف الأمريكي »تفضيلا« أمريكيا لبلاد المغرب على حسابها، لاسيما بعد التوتر الذي ظهر عالميا بين بيدرو سانشيز ودونالد ترامب في لقاءات دولية عديدة. وبعد حل التوتر، كانت الضغوط الجزائرية تدفع نحو العودة إلى ما قبل الاعتراف الأمريكي… ما زلنا نذكر التوتر الشديد الدرجة والطبيعة الذي استغرق قرابة سنتين مع فرنسا، والذي تنوعت مظاهره، ما بين الهجوم المؤسساتي القاري من داخل البرلمان الأوروبي إلى الهجوم الأمني على المؤسسات الأمنية الوطنية واتهامها بالتجسس، بدون الحديث عن محاولات استصغار السيادة الوطنية في مأساة زلزال الحوز، وهو النزاع الذي تأسس، عموما، على فكرة فرنسية رأت بأن المغرب تغيرت مواقفه وعلاقاته مع شركائه التقليديين منذ الاعتراف الأمريكي، والحال أن المغرب صرح بأن قواعد التعامل تغيرت فعلا، وبأنه قد أصبح قادرا على تدبير أموره، واستثمار موارده وطاقاته لصالح شعبه«، وكل ذلك من أجل وضوح هؤلاء الشركاء التقليديين. كانت الحرب الإسرائيلية على غزة أحد الامتحانات الكبرى التي واجهتها الدولة المغربية في هاته السنوات الأربع، باعتبار موقفها الداعم واللامشروط من فلسطين وقضيتها، شعبيا ورسميا، وبين عقد الالتزامات التي جاء بها الاتفاق الثلاثي، الذي ضم المغرب وأمريكا وإسرائيل. ووجد المغرب نفسه بين موقفه الأخلاقي الإنساني الحضاري والديني، بحاضنته الشعبية والرسمية الواسعة، وبين الالتزام باتفاق كانت مطالب إلغائه تجد شرعيتها في ما يقع من إبادة وجريمة ضد الإنسانية.وحرص المغرب على التعبير عن مساندته الشعبية والرسمية، من خلال مبادرات كان الوحيد الذي قام بها في إيصال الدعم إلى أهله في غزة، وبين فسح المجال للتعبير الشعبي العارم في الإعلان عن الدعم الروحي والمعنوي. ولعل من حسن حظ المغرب، ومن حسن المصادفات السعيدة، أن الرئيس دونالد ترامب هو الذي ألقى بكل ثقله من أجل التوقيع على اتفاق إطلاق النار، وفسح المجال لفرصة التهدئة، وعودة الأمل في مسار سياسي لفائدة ما دعا إليه دوما… وخلاصة هاته المرحلة هو أن المغرب ربح اعتراف الدول التي عاش معها الصدمة أو البرود أو المواجهة، وربح دخول القضية إلى مجال أوسع وأرحب، منه التغيرات التي نلمسها في مواقف قوى دولية غير مسبوقة ( موقف الدولة الصينية الذي انتقل من الامتناع عن التصويت إلى التصويت على قرارات مجلس الأمن، والمواقف الروسية، التي بدأت تتسم بنبرة لم يسبق أن عايناها بخصوص الحل المتوافق عليه وأهمية الصحراء بالنسبة للمغرب..)! الآن وقد عاد ترامب ؟ — حضر التاريخ بقوة في الرسالة التي بعث بها ملك البلاد إلى الرئيس ترامب بعد إعادة انتخابه. وكانت الرسالة الملكية تعي هذا الحضور التاريخي في بناء الحاضر والهوية الديبلوماسية لأمريكا ترامب الجديدة، كما تبين من إحالات على مواضيع ثابتة في هذا الباب. والمستقبل يتأسس هاهنا على استمرار تاريخي كما يتضح من خلال المتن السياسي اللغوي للرسالة الملكية باعتبار التشديد على كون: الولاياتالمتحدةالأمريكية، »صديقتنا وحليفتنا العريقة.« المملكة المغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية قد تمكنتا من إقامة »تحالف تاريخي«. وما كان للمغرب إلا أن يرصد ويرسم مكاسب الولاية الأولى. وهو ما تضمنته رسالة التهنئة التي بعث بها العاهل المغربي، حيث شدد على ما بلغته علاقاتنا خلال الولاية السابقة لترامب، »من مستويات غير مسبوقة تميزت باعتراف الولاياتالمتحدة بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على كامل ترابها في الصحراء«. وهو ما صنفه الملك في خانة »الموقف التاريخي،"الذي سيظل الشعب المغربي ممتنا لكم به"، ويمثل حدثا هاما ولحظة حاسمة«. هناك تقاطع جيو إقليمي، بالأساس، في ما يخص السلام وبناء شرق أوسط جديد. نذكر، بهذه المناسبة، أن دونالد ترامب يطمح إلى سلام يؤهله لجائزة نوبل، في البقعتين الملتهبتين، أوكرانيا والشرق الأوسط، وهو يرى بأن هذا السلام، في منطقة شمال إفريقيا لا يتحقق إلا من خلال» الحكم الذاتي«،وكان واضحا في التنصيص على ذلك في رسالة الاعتراف عندما قال إن "اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار«"، بالتالي لن يكون مخالفا لما أسس عليه موقف دولته والذي أصبح قاعدة ثابتة. وقد صار من الطبيعي في التحليل الجيوسياسي العام التشديد على المتغيرات الكثيرة التي نتجت عن الموقف الأمريكي في الولاية الأولى ، كثير من التوتر مع فرنسا وإسبانيا كان بسبب الضربة المغربية في استمالة واشنطن لصالح قضيتنا الوطنية الأولى ، وهو ما ينبئ بتحولات أخرى ستتأسس على موقف دونالد ترامب… ما يزيد من عناصر تقوية الموقف الأمريكي لصالح المغرب، مؤشرات ذات دلالة كبرى، ومنها : مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي، بالإجماع، على تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية، ما يضع السيناتور، الذي يتمتع بشعبية بين زملائه في المجلس، على الجبهة الأمامية لسياسات الرئيس دونالد ترامب، وهو قد »علن عن ألوانه» قبيل تعيينه. فقد سبق له أن صرح في تصريح جديد أدلى به خلال اجتماع للكونغرس الأمريكي، أن "المغرب يمثل نموذجا يُحتذى به للدول الإفريقية الأخرى في عدة مجالات، أبرزها التنمية الاقتصادية، الاستقرار السياسي، ومحاربة الإرهاب". وشدد على أن "ما حققه المغرب يظهر أن الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية يمكن أن تحدث فرقًا كبيرا في تحسين حياة المواطنين وتعزيز مكانة الدول على الساحة الدولية". حضور السفير في مراسم حفل تنصيب دونالد ترامب، الرئيس ال47 للولايات المتحدة، كان مناسبة لكي يعيد العمراني مضامين الرسالة الملكية حول الإمكانيات الهامة، لا لتعزيز التحالف التاريخي فحسب، بل لاستكشاف آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجي… قرار المخابرات الأمريكية عشية التنصيب بنشر خارطة المغرب كاملة يعني أن الدولة العميقة نفسها تبارك التوجه السليم لترامب. أما في المجال الثنائي المنذور للمستقبل، نرى أن هذا الأخير موجود على جدول الأعمال، في العقل الأمريكي والمغربي على حد سواء. باعتبار أن » المغرب سيظل صديقا وحليفا مخلصا للولايات المتحدة«، وفي هذا الصدد، يتطلع إلى مواصلة العمل سوياً مع ترامب من أجل النهوض بالمصالح المشتركة وتعزيز التحالف المتفرد في مختلف مجالات التعاون… وباعتبار الصحراء مجالا خصبا لصناعة المستقبل في القارة وفي المنطقة الأورومتوسطية، بشهادة وزير خارجية أمريكا الجديد، فلعل التجسيد الملموس الذي يتطلع إليه المغاربة الآن، كفعل تثمين لقرار الاعتراف، هو فتح التمثيلية الأمريكية في الداخلة لتمارس مهامها القنصلية… الملك يدرك أن جزءا من الشمال الإفريقي يحضر ويبنى على ضوء تقلبات الشرق الأوسط، لهذا ربط بينهما في الرسالة بتنصيصه على أن :»علاقاتنا وتعزيز دورها في دعم السلام والأمن والرخاء في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وخارجها«. في الشرق الأوسط حيث للمغرب أدوار وتاريخ ، لا بد من استحضار الحقائق كما هي : إدارة ترامب، حتى قبل أن تصبح إدارة ترامب… كانت داعمة للغاية لهذا الاتفاق"على حد قول المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري . بيد أن الحقيقة الأولى التي جاءت مفارِقة لدور السلام ، هو القرار الصاعق للفلسطينيين إذ بين سيل المراسيم التي وقعها الرئيس الأمريكي الجديد بعد تنصيبه، مرسوم إنهاء العقوبات التي فرضها سلفه جو بايدن على المستوطنين المتهمين بممارسة أعمال عنف ضد الفلسطينيين. وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن "رفع العقوبات يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد شعبنا". في حين أن القرار في تقدير فلسطين عبَّر عنه وزير شؤون الجدار ومواجهة الاستيطان في السلطة الفلسطينية مؤيد شعبان حين قال إن قرار ترامب "هو الثمن الذي حصل عليه سموثريتش مقابل الموافقة على وقف إطلاق النار في غزة". أضف إلى ذلك أن دونالد ترامب كانت له مواقف غير مسبوقة منها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومباركته لضم الجولان من طرف إسرائيل وتوسيع المستوطنات. وخلاصة القول إن القضية ستحتاج المغرب في الفترة القادمة لصناعة المسار السياسي أكثر من مواقف أخرى لتأزيم الوضع..