أحمد عباديمحاضرا في "العلاقة بين الدين والقيم والسياسة والحريات فيالمغرب" العلماء والمثقفون مدعوون للتأسيس لقيم مغربية تتجاوب مع العولمة في إطار فعاليات المعرض الدولي للكتاب (الدورة 16)، ألقى الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء محاضرة علميةتحت عنوان: "نظرات في العلاقة بين الدين والقيم والسياسة والحريات فيسياقنا المغربي" بفضاء المسرح، بالمعرض الدولي للكتاب. واعتبر حسن نجمي، مدير مديرية الكتاب بوزارة الثقافة، في مستهل هذه المحاضرة، أن المديرية وإدارة معرض الكتاب في دورته الحالية، تتشرفان باستضافة علم من أعلام الفكر والثقافة المغربيين، في شخص عالم له قوة وحضور في الساحة الدينية والفكرية والأخلاقية، ومعروف بإسهاماته في إثراء التفكير في المغرب حول الدين عقيدة وممارسة وأفقا حرا للحياة والوجود والعلائق الإنسانية النبيلة. كما توقف حسن نجمي، عند إسهامات أحمد عبادي في قضايا حقوق الإنسان، وهو العضو في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في إطار ترميم الذاكرة الوطنية التي يعيشها المغرب الحديث، معتبرا في ختام تقديمه للمحاضرة، أنه عرف المحاضر جريئا في الحق ومتوازنا في إبداء الرأي وتدبر الأمور والتوجه والنصح. واستهل أحمد عبادي مداخلته بالتأكيد على أن الجمع بين المفردات الأربع: "الدين" و"القيم" و"السياسة" و"الحرية"، يبقى موضوعا في ظاهره شائكا، ولكنه ليس كذلك في باطنه، معتبرا أن إزالة هذا الإشكال يتطلب استحضار علاقتين تفاعليتين وجدليتين: 1 علاقة الانبثاقية، من منطلق أن الدين في عمومه هو الأصل الذي تنطلق منه القيم، ولو أن هناك بعض المجتمعات البشرية التي تنبثق فيها القيم من منظومات فلسفية، (مستدلا في هذا الصدد بما حفلت به الأدبيات الفلسفية في القرن السادس عشر)، ومن منطلق أيضا أن السياسة باعتبارها نسقا مدافعا عن مُثُل قيمية ودينية وتصورية، بهدف نقل المجتمع إلى الأفق الذي يرمي إليه، أي الأفق المستبطن. 2 علاقة تعاضدية، على اعتبار أن الدين مثلا يعضد الاستمداد بالقيم، والتي معروف عنها أنها ديناميكية وليس ستاتيكية، في حين أن القيمة من تقويم الممارسة الإنسانية، وتعضد الفهم المقاصدي للدين. ولأن القيم تُستخلص من الدين وديناميكية في آن، يضيف أحمد عبادي، فقد دعا إلى ضرورة مواكبة هذا الإدراك عبر التأسيس لنوع من هندسة القيم، والإشراف على تنزيل هذه القيم في مختلف القنوات التربوية والإعلامية والاجتماعية، آخذا بعين الاعتبار كون الحرية، اليوم تُمَكّن من المطالبة بالعمل بالقيم وتضمن وجود فضاءات يمكن عبرها أن يُفعل فيها العمل السياسي، بما يقتضى. وفي معرض عروجه على مفهوم السياسة، اعتبر أحمد عبادي، أن المفهوم حافل بالمرجعيات، لولا أن هذه المرجعيات، تقابل موضوعيا بسياقات متباينة ومختلفة، ومنها السياق المحلي/المغربي، الذي يندرج ضمن السياق الإسلامي عموما، ملاحظا في هذا الصدد، أن مسألة السياق تقف وراء إضافة ضميمة للمفردة من قبل العلماء المسلمين، من قبيل الحديث مثلا عن "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم، وقبله "السياسة الشرعية" لابن تيمية، معتبرا أن العلماء كانوا دوما على احتراز جلّي في تعاملهم مع المفردة، حتى لا تبقى لصيقة فقط معنى ودلالة بالتعريف الشهير الذي لا يخرج عن قاعدة "ساس يسوس" من راض يروض. وفي إطار استعراض اجتهادات العلماء المسلمين مع هذه المفاهيم، ومنها مفهوم الحرية، ارتحل أحمد عبادي مع دلالات اعتبار ابن القيم بأن "الإنسان له مسؤولية"، مستشهدا بأن التعليل جاء في أكثر من ألف موضع في القرآن الكريم، وكذلك الحال مع الإمام أبي حامد الغزالي الذي لم ينف هو الآخر التعليل، من خلال دلالات قوله ب"الاستصلاح". بخصوص الجدلية التاريخية بين الثقافة العالِمة والثقافة الشعبية في عالمنا الإسلامي، وحيرة العلماء والمثقفين بخصوص إسقاط هذه المفاهيم في ثنايا الحوار مع العامة، أكد أحمد عبادي أن المغرب لم يعش هذا الانفصال بين الثقافتين، بل إن الصانع المغربي، وإلى غاية عقود قليلة فقط، كان يعيش على إيقاع لقاءات حيوية وجمالية بين الثقافتين، عندما كان يحج إلى المساجد لتلقي الدروس الوعظية والدينية بحضرة علماء وفقهاء. كما وجَّه أحمد عبادي الدعوة إلى نوع من المعاقرة لهذه المفاهيم الأربعة: "الدين" و"القيم" و"السياسة" و"الحرية"، حتى لا نبقى في مرتبة التلقي، مصداقا للآية القرآنية الكريمة: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكمشعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وداعيا على الخصوص إلى الانخراط في نوع من المكابدة الذاتية حتى ننزل هوياتيا هذه المفاهيم في مكان تُحتَرم فيه الشخصية المغربية، وهذا ما تم غداة الاستقلال، مع الأعمال الرائدة الصادرة عن علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني. وانتقد المحاضر على الخصوص انخراط تيارات في النزوع نحو براديغمات المنازعة عوض التعاون والانخراط في البناء المشترك داعيا إلى مزيد من الحديث عن المنجزات النوعية التي تحققت خلال العقد الأخير على عهد جلالة الملك محمد السادس في العديد من القطاعات الحيوية والاستراتيجية، ومنها الحقل الديني، معتبرا مثلا، أن تساؤلات العديد من المراقبين الغربيين لآفاق هيكلة الحقل الديني، بخصوص آفاق الهيكلة، هل هي ظرفية أو استراتيجية، كون المغرب، عبر منعطف خطاب جلالة الملك في 30 أبريل 2004، كان الخطاب الفصل في المشروع، من خلال الإعلان عن الانخراط المسؤول في التدبير المعقلن والوضوح والاحتراز من كل ما يمكن أن يتسرب إلى التدين المغربي الأصيل. وفي الأخير، دعا أحمد عبادي، في معرض قراءة تفاعل النخب المغربية مع المفردات الأربع، إلى مزيد من الانخراط من لدن العلماء والمثقفين والسياسيين وسائر فعاليات المجتمع المدني، في مشروع التفاعل المؤسس لقيم تنسجم مع الهوية المغربية في شخصيتها وكينونتها وتستمد إيجابيا من سائر الأبعاد الكونية. واختتم أحمد عبادي محاضرته العلمية، بتذكير الجمهور بأهم الخلاصات التي جاءت في هذا اللقاء العلمي: أولها، أنه لا بد اليوم للمغاربة من المواكبة العلمية وإعادة فتح الجسور بين الثقافة العالِمة والثقافة الشعبية، من أجل إيجاد المواطن الصالح القادر على استيعاب مثل هذه الجدليات الاجتماعية والثقافية؛ وثاني هذه الخلاصات، أنه لا بد من الاشتغال على الأجوبة الفنية والإعلامية والمهنية حتى يكون التجسير بين الثقافتين العالمة والشعبية أكثر قربا وجمالية في أفق تحقيق انسجاموتجاوب أكبر بين المفردات الأربع السالفة الذكر . وجدير بالذكر، أنه مباشرة بعد إلقاء أحمد عبادي محاضرته في موضوع: "نظرات في العلاقة بين الدين والقيم والسياسة والحريات فيسياقنا المغربي"، أعلن رسميا عن إطلاق أعمال مركزالدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بالرابطة المحمديةللعلماء، كما وقعت الدكتورة أسماء لمرابط، رئيسة المركز، كتابها حديث الإصدار، ويحمل عنوان: "القرآن والنساء" (ترجمه للعربية الباحث محمد الفران)، والصادر عن منشورات الرابطة المحمدية للعلماء.