حجم الإرباك الهائل الذي أحدثه موقع ويكيليكس الإلكتروني لآلة الدبلوماسية الأمريكية وإحراج هذه الآلة الى الحد الذي لم تعد فيه قادرة حتى على متابعة كل الملفات التي يكشفها تباعا ويكيليكس للعالم بأسره وبسلاسة تحبس الأنفاس، كل ساسة العالم وقادته معنيون تقريبا بتسريبات ويكيليكس ويتابعون في صمت عاجر ماقد تكشفه مراسلات سفارات امريكا المقرصَنة من حقائق وتصريحات وآراء ووقائع وأرقام وبيانات وتحاليل وتقارير وأحداث تفضح الكل وتعري بالكامل عملاء أمريكا وجواسيسها الكبار، تجد بينهم الملك والأمير ورئيس الدولة وقائد الجيش والوزير..، الفضائح طالت كل القارات وأغلب الدول والحكومات، العالم بأسره يهتز تحت وقع زلزال اعلامي غير مسبوق، أن تتجسس أمريكا على العالم وبدون استثناء وتأسره بمنظومة استخبار تراقب من خلالها الكل، هذا هو عمل الدبلوماسية الأمريكية الخفي والوجه الآخر لها. بين التخوف والتوجس أوالإشادة والتنويه، بين التحذير والتوجيه، بين الضوء الأحمر والأخضر الذي قد ترسله احدى السفارات الأمريكية المنتشرة بالعالم، كانت ترسم المواقف وتبنى الإستراتجيات وتشن الحروب من البيت الأبيض الأمريكي، يعني سياسة أمريكا وقراراتها تجاه دول العالم كانت ومازالت تأتي أولا من السفراء والقناصل الأمريكيين وليس من داخل البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ أوالنواب الأمريكيين، ويكيليكس يكشف أمريكا من خلال وثائقها الرسمية كشفا تاما ويضع قيمها ومشروعها الحضاري جانبا ليظهر الوجه الحقيقي لها، ويكليكس كشف على ما يبدو حقيقة هذا العمل الدبلوماسي الأمريكي المدعوم بمنظومة مخابراتية عالمية متساوقة مع طموح أمريكا الإمبريالي وثقلها الدولي كقوة عظمى، هذه المنظومة عملها الأول تحديد أعداء أمريكا من حلفائها سلفا وبشكل دقيق، هل هذا عمل أخلاقي التجسس على الكل ونقل أخبار الكل لحكام أمريكا في واشنطن لرسم خارطة المصالح هناك وتحديد الأهداف وكشف الأخطار؟ بلغة السياسة وفلسفة المصلحة وثقافة الهيمنة ومنطق القوة وتحدي الآخر، الجواب بالتأكيد نعم. فيما يخص عالمنا العربي لعله لم يكن صادما ماانكشف من أقوال قادته وآرائهم ومواقفهم التي لم تكن غريبة على قنوات الأخبار سابقا ولاغائبة عن مكروفونات المؤتمرات واللقاءات التي يعقدونها، الكل كان يعلم تحالف المصريين مع فتح دعما لإسرائيل في حربها المعلنة على حماس، فيما يخص إيران كل القادة العرب كانوا متفقين مع اسرائيل بشكل تام بضرورة وقف هذه القوة المتعاظمة لإيران ولو استدعى الأمر توجيه ضربة عسكرية لها، الخلاف كان فقط حسب تسريبات ويكيليكس في الشروط والضمانات قبل أي عمل عسكري محتمل ضد ايران من طرف أمريكا او اسرائيل، خسر العرب حربهم الباردة أو الحرب بالوكالة امام إيران في العراق فاقترحت السعودية خطة قوات عربية تنتشر بلبنان لضرب حليف ايران القوي حزب الله، السعودية تحديدا انهزمت أمام ايران في العراق وفي لبنان أيضا عبر محطات متعددة، ماذا بقي للسعودية بعد كل هذه الإخفاقات الإقليمية؟، طبعا تحالف غير مشروط مع أمريكا واسرائيل لهذف استراتيجي واحد هو مواجهة ايران وأجندتها في الخليج العربي والشرق الأوسط وجر كل دول الخليج وبدون استثناء لهذا التحالف، هذا يفسر بشكل واضح الإرتياح الكبير للمسؤولين الإسرائليين عقب تسريبات ويكيليكس بخصوص هذا الموضوع. الفضائح المالية والسياسية والأخلاقية والجنسية..، فضائح بالجملة ومن كل شكل ونوع، هذه الفضائح العربية التي يكشف عن بعض منها ويكيليكس تباعا هي بالتأكيد بعض من جوانب فساد كبير متورط فيه أغلب الحكام العرب، قائد أحمق يدعي الحكمة كنيرون وملك سارق ومتجبر كفرعون ورئيس متسلط قاتل بالجملة وبالفطرة كبينوشيه وآخر خائن يبيع الأرض والعرض فقط من أجل لعبة قمار أو يخت يمخر عباب البحار وآخر يسجن شعبا بأسره وبفرمان رئاسي شيطاني خدمة للعدو الغاصب، وآخر عراب كبير يعمل كقارئ فنجان أجير لصالح الغزاة الجدد، وأمير حقير زير نساء وسكير، وملك عاجز إلا على ملذاته وملياراته فهو لها أسير وآخر مقدس شخصه وكلماته وكل مخلفاته مقدسة لاتمس..يعني نمرود عربي جديد، وآخر وآخر..، أخبروني بربكم هل هناك حاكم عربي واحد غير فاسد؟، الجواب لاأحد، لم يستثني ويكليكس منهم أحدا. حملة الإعلام العربي الرسمى اشتد سعارها هذه الأيام بعد مرحلة الصدمة وفترة الترقب، شعار هذه الحملة: ويكليكس عمل مخابراتي أمريكي مقصود أو ربما إسرائيلي!!!، ستبقى تسريبات ويكليكس تفضح حكامنا العرب وتصفعهم لوقت طويل على مايبدو حتى يصمت إعلامهم الرسمي هو أيضا، أحد أمراء دولة آل سعود طالب بكل جرأة قبل أيام بضرورة معاقبة المسربين وسجنهم وهذا مايحدث على مايبدو الآن، لكن ماذا عن المآت الآلاف من الوثائق الفاضحة الكاشفة للنظام العربي الرسمي؟ كيف سيتم محاصرتها أو مصادرتها أو سجنها؟، المثل المغربي "ولو طارت معزة" لسان حال حكامنا العرب حيال هذه التعرية الجديدة التي طالتهم جميعا، ردة الفعل العدمية هاته حولها موقع ويكليكس الى مشهد سريالي هزلي عجيب..، معزات عربيات سمينات جدا بحجم بقر هولندا تطير حقا في السماء وفي كل اتجاه عارية وبدون جلد أو شعر ينظر إليها من الأسفل العالم أجمع، نعم فحكامنا دائما هم الأعلى!. فمرحى بماعز بلاد العربان الطائر بلا حائل، ولسان حالى أنا العربي المظلوم المقهور مثل مغربي آخر: "لما شرا يتنزه". [email protected] * إعلامي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية