منذ نشر تقارير وبرقيات السفير الأمريكي السابق بالرباط على موقع «ويكيليكس»، أصبحت مهمة السفير الأمريكي الحالي، «كابلان»، معقدة. وخلال وجوده مؤخرا في مهرجان مراكش السينمائي، لاحظ السفير الأمريكي وزوجته كيف تحاشى كثيرون الحديث إليهما بعدما كانوا في السابق يتهافتون على التقاط الصور بجانبهما والإسهاب في الحديث إليهما حتى بدون «سوالات». ولا بد أنه سيمر وقت طويل قبل أن يأتي من يكشف في موقع إلكتروني جديد أن السفير «كابلان» لا ينتمي إلى السلك الدبلوماسي، وأن «حصوله» على منصب سفير لأمريكا في المغرب كان هدية شخصية من «أوباما» جزاء له على المجهود الكبير الذي بذله خلال جمع التبرعات من الشركات ورجال الأعمال الأمريكيين لتمويل حملة «أوباما» للانتخابات الرئاسية. فقد استطاع «كابلان»، بفضل علاقاته الواسعة مع رجال الأعمال الأمريكيين اليهود، أن يجمع لحملة «أوباما» أكثر من ثمانية ملايين دولار. وهو المبلغ السخي الذي استحق عليه «كابلان»، وهو يشارف على الثمانين من عمره، «كاضو» استثنائيا كان عبارة عن منصب سفير في المغرب، أي البلد الذي سخر «أوباما» بشأنه قبل يومين عندما قال إنه يمكن أن يكون ولد فيه، لأنه لا يتوفر على الوقت الكافي لقراءة شهادة ميلاده. «أوباما»، إذن، لا يولي المغرب أهمية كبيرة ضمن أجندته السياسية والدبلوماسية، ولذلك أرسل إلينا عجوزا مثل «كابلان» لا يجيد سوى حضور مهرجانات الغناء والرقص والسينما والأكل. و«أوباما»، في هذه المسألة، لا يختلف كثيرا عن سلفه «بوش» الذي عين «طوماس رايلي» سفيرا له في الرباط لمجرد أن هذا الأخير كان ضمن أصدقاء طفولته الذين اقتسموا معه مقاعد الدراسة، قبل أن يتكلف هو الآخر بجمع التبرعات لحملته الانتخابية. وبما أن الدبلوماسية الأمريكية في نهاية المطاف مبنية على الجمع، وفي أحايين كثيرة على الضرب، فقد انتقل هؤلاء «الأصدقاء» من جمع التبرعات للحملة الانتخابية للرئيس إلى جمع الأخبار والمعلومات لفائدة إدارة الرئيس. الانتخابات الأمريكية هي أحد أكثر المواعيد الانتخابية العالمية إثارة وتشويقا وتكلفة. وفي هذه الحرب الانتخابية كل الضربات مسموح بها، بما في ذلك الضربات تحت الحزام. وقضية «ويكيليكس» ليست سوى إحدى هذه الضربات الموجعة التي توجه اليوم نحو الأعضاء الحساسة والحيوية للإدارة الأمريكية في عهد بوش وإلى الحزب الجمهوري الذي يهدد استمرار «أوباما» في البيت الأبيض لوقت أطول. ولكي تضاف إلى قضية «ويكيليكس» البهارات الضرورية لإثارة التشويق والاهتمام، لا بد من جرعة من الجنس، كما يحدث دائما في كل المواعيد الانتخابية الأمريكية، منذ فضائح كيندي الجنسية مرورا بخيانة كلينتون لزوجته وزيرة الخارجية الحالية مع المتدربة «لوينسكي»، ووصولا اليوم إلى اتهام صاحب «ويكيليكس» باغتصاب امرأتين تقولان إن العازل الطبي الذي كان يضعه «أسانج» تمزق خلال الممارسة، وإن هذا يشكل بالنسبة إليهما سببا كافيا لاتهامه بالاغتصاب الجنسي. ولهذا السبب، قدم «أسانج» نفسه إلى شرطة «ستكولانديار» البريطانية وقضى أولى لياليه في السجن. ومع ذلك، ستستمر «التسريبات» المعلومة على موقعه الإلكتروني، معطية لهذه الحملة الانتخابية السابقة لأوانها طعما فضائحيا بنكهة جنسية. والفضائح الجنسية ليست سلاحا تحتكره الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل حتى في المغرب تم اللجوء إليه لتليين مواقف سياسيين ومعارضين كثيرين كانوا يقلبون طاولات الحوار فتحولوا إلى قطط وديعة تعيش على الفتات الذي يتساقط عليها من الطاولات ذاتها. وهناك من يقول إن غرفة التسجيل التي كان يأخذ إليها الكوميسير ثابت ضحاياه لاغتصابهن وتصويرهن، كانت في الأصل مخصصة لاستدراج شخصيات سياسية لتوريطها في أشرطة جنسية فاضحة لمقايضتها مواقفها بعدم نشر الأشرطة. ومنذ اندلاع فضيحة «ويكيليكس»، لم يهتم أحد في المغرب باستطلاع رأي المواطنين الأمريكيين العاديين حول هذه الفضيحة. رغم أن التعليقات التي يمكننا قراءتها على الموقع الاجتماعي «تويتر» حول تسريبات «ويكيليكس» مهمة جدا. «هل ستزيد أزمة حكومتنا حدة؟»، «ويكيليكس منظمة إرهابية تجب تصفيتها»، «لا أفهم لمَ ينأى الرئيس أوباما بنفسه، بجبن، عن هذه القضية، إنهم جواسيس في خدمة الإرهابيين، أقتلوهم». الأمريكيون أنفسهم، الذين يعشقون أفلام الجاسوسية، بما فيها المرعبة، يريدون اليوم رأس «جوليان أسانج». ويبدو أن مؤسس «ويكيليكس»، الذي يقول إنه أعلن الحرب على «المؤامرات»، دخل حربا قد تكلفه حياته. فقد وضع هذا الرجل في «اللوائح السوداء» لأكثر من 188 دولة عضوا في الشرطة الدولية، «إنتربول». مكتب التحقيقات الفيدرالي والبنتاغون وكتابة الدولة في الخارجية الأمريكية يلاحقونه إلى جانب سويديتين تتهمانه باغتصابهما، لأنه مارس الجنس معهما بدون استخدام العازل الطبي. يجب الإقرار بأن «جوليان أسانج» كان يسعى إلى إشعال هذه الحرب، حتى إنه كان يستعير مصطلحات من القاموس العسكري للحديث عما يقوم به. ألم يصرح على موقع «تويتر» بأن «أول حرب إعلامية حقيقية ابتدأت. ويكيليكس هو ميدان القتال فيها، وأنتم الجنود». لم تظهر على أسانج أدنى علامات الخوف، رغم أنه كان بصدد تهديد أقوى دولة في العالم، هل هذا دليل على الشجاعة أم برهان آخر على المشاركة في «اللعبة»؟ يصفه البعض بالمجنون. وتاريخ الإنسانية أثبت أن الحرب ضد المجانين تكون أكثر ضراوة. وإذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية أخذت تهديدات «جوليان أسانج» على محمل الجد، فلماذا لم تتدخل بالعنف؟ لماذا لم تواجه أمريكا عنف «ويكيليكس»، مثلما يحدث في الحرب، وقد سبقها خصمها إلى إعلان هذه الحرب؟ هل «أوباما» جبان. لا أعتقد ذلك. «أوباما» لديه حسابات أخرى.. قضايا أكثر أهمية تشغل باله وتستأثر باهتمام معارضيه.. قضايا ذات طابع داخلي صرف، مثل الجدل الدائر حول الضرائب. قبل أيام، صرحت ناطقة رسمية باسم البنتاغون بأن الولاياتالمتحدة تتوفر على ما يكفي من الإمكانيات لتفكيك «ويكيليكس»، لولا أن إدارة أوباما فضلت عدم القيام بذلك. صحيح أن قرصان أنترنيت مبتدئ تمكن من تعطيل «ويكيليكس» غداة نشر غسيل مراسلات السفارات الأمريكية، ولكم أن تتصوروا ما يمكن أن يقوم به خبراء المعلوميات العاملون في البنتاغون. تتذكرون يوم سيطر قرصان أنترنيت سنة 2007، انطلاقا من حاسوبه، على محطة نووية مركزية في الولاياتالمتحدة، فيما استطاع آخر اختراقَ النظام المعلومياتي لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» وزرْعَ فيروس ألحق أضرارا بالنظام المعلومياتي لكبرى وكالات الفضاء في العالم. فكم من القراصنة أغرقوا شبكة الأنترنيت بالفيروسات دون أن تمتد إليهم أيدي العدالة. كان بإمكان البيت الأبيض أن يستغل «حرب الأنترنيت» ليوجه ضربة قوية إلى «ويكيليكس»؟ لكن هل تشكل المعلومات التي كشف عنها «ويكيليكس» خطرا على «فلادمير بوتين»، رئيس الوزراء الروسي، الذي وصف برجل المافيا، «المافيوزي»؟ نعم، الرشوة موجودة في المغرب. شكرا على المعلومة، ولكننا نعرف ذلك منذ أمد. بوتفليقة لا يحبنا، ليس هذا سبقا صحافيا، واستمرار إغلاق المعبر الحدودي «زوج بغال» خير دليل على ذلك. في نهاية المطاف، يتبين أن ما نشره «ويكيليكس» ليس سوى معلومات جمعت من هنا وهناك واستنتاجات وتحاليل لا تلزم إلا أصحابها. وبدون وثائق مذيلة بتوقيعات وتسجيلات صوتية وسمعية بصرية، لا يمكن للوثائق المنشورة أن تثبت أي شيء، وكل الضجة التي أثيرت حول «ويكيليكس» لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان.