(لا تكتبْ وأنت سعيد, اكتبْ وأنت عاشق كي تتحقق في لغتك الصراحة): سهيلة بورزق . طالما قرأْتُ لهذه الكاتبة التي تأخذُ بقارئِها لِتضعَهُ فوقَ تخوم الأسئلة , و طالما أبديتُ إعجابي الضمني بكتاباتِها التي تطفحُ منها الحريّة المُفتقدة التي باتتْ على يديها علنيّة بأبهى صورها المتشظيّة إبداعيّاً , حيثُ تكتبُ – بعد أنْ (قررت التدوينَ في جهات الحياة ) فهي القاصّة و السّاردة والإعلاميّة المُتابعة للفعل الإبداعي , وهذا لا يتأتّى إلا بعدَ عجن الفكر المُفتّت ليكونَ بعدَ ذلك إنتاجَ النصّ الذي تضجُّ فيه رائحة الحياة , وأيضاً لا يتأتّى ذلك إلا بعدَ الخبرة العميقة بالحياة 0 أو بجهات الحياة على حدِّ قول ( سهيلة بورزق ) . في مقالٍ لها استوقفتني دقّة الأجزاء عن الكتابة الجسديّة من خلال ريبورتاجٍ أعدّتْهُ (نوّارة لحرش ) التي سألتْ بعمق , فأتى جوابُ ( بورزق) أكثرَ عمقاً مِنْ بين أجوبة الكثيرات اللواتي كتبْنَ عن طقوس الجسد , أقصدُ نصَّها ( دونجوانيّة الجسد) الذي يتناصُّ معَ مقولة نيتشه ( الحقيقة هي الجسد), فاحتفاءُ بورزق بالجسد جاءَ صادِماً للقارئ في مفتتح نصّها التالي الذي يحاكي قولَ النفريّ : "كلما اتسعت الرؤية , ضاقت العبارة ": (ربّما أكونُ بحاجةٍ إلى وقتٍ أطولَ من عمري لكي أجيبَ على مثل هذا السؤال الذكي، وقت يتسع للتحليق في معيار القيمة الأدبية والفلسفية التي يتجمّل بهما الجسد في النّص). فإيحاءاتُ الجسد و مائيّتُه و تعبيراتُه لن تكونَ ببضع كلماتٍ متناثرةٍ تجمّدُ قارئ ( بورزق) التي لم تردْ أنْ تكتبَ إلا بتفلسف الجسد الدّونجوانيّ , ليقين ( بورزق ) أنّ ثمة أزمةً جسديّة يعاني منها المجتمعُ العربيّ بجزأيه : الأنثويّ – الذكوريّ . لا تقصدُ الكاتبة ب(دونجوان ) الرجل الذي يُغري النساءَ بجميع ما يبرعُ بأحابيله التي تستدرجُهنّ للدخول في شِباكِهِ المُميت فقط, بل تدرسُه بورزق دراسة كونيّة : حتى نتخلّصَ من سجن أجسادِنا , يجبُ أوّلاً تدريسُ الجسد الأنثويّ إلى جانبه الذكوريّ في الجامعات . من هنا أفهمُ , لماذا ( حاربَها ) الظلاميّون في مهبط روحها من خلال خطبهم البتراء في الردّ عليها حين كانتْ تقدّمُ نصوصاً عشقيّة حولَ : ( المكانُ الذي لا يؤنّثُ , لا يُعوّلُ عليه ) . هل اختارتْ سهيلة بورزق الاغتراب في أمريكا, تيمّناً ب( اغتربْ تتجددِ ) :كما عبّرَ أبو تمام . [email protected]