أجمع المتدخلون خلال الندوة التي نظمت أمس الأحد بالرباط على تثمين مبادرة الجهوية الموسعة، التي دعا إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتبارها مشروعا جديدا لبنية سياسية جديدة لتدبير الشأن العام بالمغرب، يروم تطوير نظام الحكم اللامركزي تمهيدا لتطبيق نظام الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة. وسعت هذه الندوة ، التي نظمها أطر الحزب الإشتراكي حول موضوع "الجهوية الموسعة دعامة أساسية لبناء مغرب المستقبل : مغرب المؤسسات والمواطنة " إلى مقاربة هذا المشروع من مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية والمجالية سعيا إلى بلورة نموذج مغربي للجهوية الموسعة المتوخاة ، بما يسمح بتدبير التنوع المغربي في إطار وحدة المملكة مع الانفتاح على تجارب البلدان المتقدمة التي خطت خطوات هامة في هذا المجال . -الديمقراطية المحلية بوابة لتفعيل الديمقراطية الوطنية - فسياسيا اعتبرت التدخلات ،أنه يتعين على هذه الجهوية ، لكي تكون فاعلة وقابلة للتطبيق، أن تبتدع نمطا جديدا لتدبير السلطة والتنظيم السياسي تقوم فيه الدولة بتفويض بعض من صلاحياتها للمحيط وخلق الآليات التدبيرية اللازمة لذلك بما يسمح بإفراز مقاربة جديدة وفلسفة متقدمة لتدبير شؤون المواطنينة تصب في نهاية المطاف في اتجاه تطوير الدولة . واعتبر المتدخلون أن من شأن اعتماد نظام جهوي متوازن وبناء ، تجاوز معيقات نظام الجهات الذي اعتمده المغرب إلى حد الآن ولاسيما من حيث محدودية الصلاحيات المخولة لهذه الأخيرة وقصر نظر منهجية التقطيع التي اعتمدها ، معتبرين الديمقراطية المحلية بوابة لتفعيل الديمقراطية الوطنية بما تمنحه من إمكانيات لإفراز نخب محلية كفأة قادرة على تسيير شؤون جهاتها الخاصة ، والتي تعمل بدورها على تغذية النخب الوطنية . -على الجهات خلق مواردها الخاصة اعتمادا على مزاياها النسبية - لقد كان البعد الاقتصادي حاضرا أيضا بقوة في مقاربة هذا المشروع ،حيث اعتبر المتدخلون أن الجهوية المبتغاة تروم امتصاص الإختلالات الاقتصادية والمالية القائمة حاليا بين مختلف جهات المملكة ال 16 ، مؤكدين أن المهم في هذه المقاربة ليس ضخ أموال في هذه الجهات بقدر ما هو مساعدتها على خلق ثرواتها الخاصة اعتمادا على مزاياها النسبية ،مما يبرز أهمية التآزروالتكامل بين مكونات الجهة الواحدة (أقاليم وعمالات ). وسجلت التدخلات ، في هذا السياق، غياب آليات إحصائية متطورة بالمغرب لاحتساب الناتج الإجمالي المحلي أو الإستهلاك أو الادخار أو الاستثمار بحسب الجهات مما يتعذر معه المقارنة بين الجهات وتطبيق نظام جهوي خاص بكل جهة على حدة ، مؤكدين في هذا الإطار على أهمية مواكبة الإصلاحات الاقتصادية بإصلاحات إدارية واستثمارية قوامها الشفافية والنجاعة وتبسيط المساطر بما يساعد على الاستثمار بهذه المناطق وبالتالي خلق ثروات بها . -كيف نطور ثقافة جهوية - من جانب آخر اعتبرت التدخلات أن الثقافة منطلق تفكير هام في مسألة الجهوية التي تصبو في نهاية المطاف إلى تنمية وتطوير العنصر البشري وتلبية حاجياته المختلفة ، مشددين على ضرورة حضور الجانب التربوي والتعليمي بقوة في أي مساعي لتطوير النظام الجهوي باعتباره يهم بالدرجة الأولى العنصر البشري القادر على تطبيق سياسة الجهوية . كما لاحظت التدخلات أن نظام الجهات المعتمد حاليا لم ينجح في عكس خصوصيات ساكناتها ،حيث نلمس شعورا بتهميشها وإقصائها الشئ الذي كانت له آثار وخيمة على مشاركتها السياسية ، معتبرين أن تدبير الشأن الثقافي جهويا ، يحتاج إلى دراسة دقيقة تتيح التعرف على خصوصيات كل جهة على حدة ،بغرض تثمين التراث وتقوية روح الانتماء للجهة بالنسبة لأبنائها دون السقوط في الشوفينية. وبعد الإشارة إلى هشاشة البنيات الثقافية على مستوى الجهات (مكتبات ،متاحف ومسارع ودور سينما ...)، ألح المتدخلون على ضرورة إفراد حيز هام ، في نظام الجهوية المتوخاة، للشأن الثقافي بما يسمح بإعادة الاعتبار للإرث الثقافي الجهوي الذي ظل التعامل معه حتى الآن تعاملا "فلكلوريا محضا" لا سيما وأن الثقافة تعد حصنا هاما ضد الانزلاقات السياسية والأخلاقية والدينية . - نجاح أي سياسة جهوية رهين بإعمال البعد الاجتماعي- المتدخلون سعوا أيضا إلى مقاربة الجهوية في بعدها الاجتماعي ،على اعتبار أنه لايمكن لأي سياسة جهوية أن تغفل بعدها الاجتماعي وجوهره العنصر البشري وهو ما يحتم التفكير في فرص الشغل التي يجب خلقها والبنيات الصحية التي يجب استحداثها إلى جانب مطلب العدالة الاجتماعية في ما يخص توزيع الثروات، متسائلين عن السبيل الناجع إلى إقرار مشروع مجتمعي جهوي يصب في المشروع المجتمعي الوطني . - ضرورة إعمال البعد المجالي أوالبيئي في نظام الجهوية المتوخاة - لقد حظيت هذه المقاربة باهتمام بالغ من طرف المشاركين بالنظر إلى ما يزخر به المغرب من تنوع بيولوجي، تصبح معه مهمة تقسيم المغرب إلى أقاليم متجانسة لصيانة رأس المال وزيادة الأرباح في ظل تدبير معقلن للموارد الطبيعية المتنوعة للمملكة ،عملية صعبة لا سيما في ظل غياب نموذج كوني لتدبير المجال . واعتبر المتدخلون أن المدخل الأساسي لحسن تدبير الموارد يمرعبر اعتماد الدراسات العلمية الموضوعية وعقلنة المعلومات البيئية المتوصل إليها وتوحيد المعايير المختلفة داعين إلى وضع خريطة جهوية تسمح بتدبير الموارد وحسن استشراف المستقبل . وخلصت التدخلات في هذا الباب إلى أن التنمية الموثوقة لها صلة متينة بالأوساط الحيوية وبالتالي فإنه لا يمكن المحافظة على الثروات الطبيعية وتوزيعها بشكل عادل ومستدام اعتمادا فقط على النظريات والمذاهب والايديولوجيات ،وإنما بالإحاطة علميا بهذا الوسط الذي نعيش فيه وبسبل تطويره ، داعين في هذا الصدد إلى خلق مرصد وطني للمعلومات البيئية . وبالطبع كان البعد التاريخي للتجربة الجهوية حاضرا في جل التدخلات عبر استحضار مختلف الإرهاصات أو لنقل "التجارب الجهوية" التي سلكها المغرب مع تشخيص مكامن الخلل التي تخللتها مما حال دون ترسيخ تجربة جهوية مغربية خاصة على غرار التجارب المجاورة الناجحة ،الأمر الذي أضحى معه ، حسب المتدخلين، من الضروري حاليا التفكير في نموذج جهوي وطني يحفظ للبلاد مكتسباتها ويكون في نفس الآن منفتحا على إيجابيات أخرى . وكانت هذه التدخلات قد استهلت بكلمة الأمين العام للحزب الإشتراكي الدكتور عبد المجيد بوزبع ،أكد فيها على أهمية مبادرة الجهوية الموسعة التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس باعتبارها نمطا جديدا لتدبير السلطة والتنظيم السياسي والاجتماعي للبلاد . وأكد في هذا الصدد أن جلالة الملك أكد في خطابه بهذه المناسبة أن الجهوية الموسعة المنشودة ليست مجرد إجراء تقني أو إداري بل توجها حاسما لتطوير هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المتكاملة ، وذلك من خلال إشراك كل القوى الحية في بلورته والتشاور مع كل الهيئات والفعاليات المعنية والمؤهلة ، مبرزا أن جلالة الملك عين لجنة استشارية عهد إليها بالتشاور بهذا الخصوص مع كل الفعاليات والحساسيات الوطنية. وخلص إلى أن الحزب ، ومنذ تأسيسه ، جعل الجهوية في قلب الاصلاحات السياسية المطلوبة اقتناعا منه بأنها خيار ديمقراطي لامحيد عنه لتطوير المسلسل الديمقراطي ورافعة أساسية لدمقرطة الحياة السياسية .