الرعب الغربي من نفوذ حركة النهضة التونسية جعل أميركا وحليفاتها في أوروبا تغض الطرف عن بعض الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة التونسية، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال بعض الإنجازات التنموية التي حدثت في البلاد. أميركا والدول الغربية المؤثرة ترتكب خطأ جسيما في استراتيجياتها في التعامل مع بعض الدول القمعية في العالم الإسلامي التي إما أنها تحظى بدعمها وتأييدها أو في أقل الأحوال تغض الطرف عن ممارساتها وذلك وفق رؤية الدول الغربية لمصالحها. وحين نقول إن الدول الغربية ارتكبت خطأ جسيما ليس لأنها تقطع الطريق أمام التوجهات الإسلامية دون الوصول إلى الحكم، فهذه رؤيتها لمصالحها وهذه هي استراتيجياتها التي لا ترى في التوجهات الإسلامية إلا خصما يجب الحيلولة دون وصوله إلى الحكم مهما كانت الوسائل حتى ولو كان بنسف مخرجات الديمقراطية ووأد أي نتائج تسفر عنها صناديق الاقتراع النزيهة كما حصل في الانتخابات الجزائرية والفلسطينية وبغض النظر عن أي نتائج كارثية ممكن أن تؤثر على الشعوب العربية والإسلامية. الخطأ الجسيم في الاستراتيجية الغربية هو أنها لا تضغط على هذه الدول «لتحسن أخلاقها» مع شعوبها في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والتنموية ومحاربة الفساد وتخفيف القبضة البوليسية الحديدية، مما يولد إحساسا بالضيم والقهر الجماهيري ينتج عنه انتفاضات واضطرابات شعبية يكون لها في بعض الأحيان نتائج كارثية كما في الحالة الجزائرية، والتي نخشى أن تتكرر على الصعيد التونسي. كان بمقدور أميركا ومعها حليفاتها الأوروبية أن تكون استراتيجياتها في الحيلولة دون وصول التوجهات الإسلامية إلى الحكم من خلال تعزيز الحريات العامة ومحاربة الفساد وتطوير التنمية، فالحكومة النظيفة النزيهة ذات الاقتصاد القوي والمحاسبة الرقابية الشفافة حتى ولو لم تكن أجندتها إسلامية بالكامل ستكون عصية على التغيير، والتجربة الماليزية خير برهان، فالشخصية السياسية التاريخية اللامعة مهاتير محمد ليس ابنا للتوجهات الإسلامية بمفهومها الحركي وإن كان له تقاطعات معها، عنده شيء من الحس السلطوي الذي لم يصل إلى درجة الديكتاتورية ونازل الحركة الإسلامية الماليزية القوية من خلال صراع شرس مع رمزها أنور إبراهيم وأسقطه سقوطا شنيعا، لكن هذه المنازلة لم تزعزع حكومته لأن الشعب الماليزي يقدر وطنية مهاتير وإسهامه الفاعل في خطط بلاده التنموية حتى أمست في عهده أحد النمور الآسيوية المتوثبة، ثم إن الرجل متدين بفطرته فلم يكن له خصومة مع الحالة الإسلامية العامة، وثمة فرق واضح بين خصومة الحركة الإسلامية وخصومة التدين، لهذا لم يكن للشعب عليه مدخل فلم يكترث كثيرا بهزيمة رمز الحركة الإسلامية الماليزية أنور إبراهيم أمام مركزية مهاتير وشدة قبضته على السلطة، ولو أن نموذج مهاتير كان هو الحاكم في الدول العربية التي تعاني من الاضطرابات والانفصام النكد بينها وبين شعوبها لما تخيلنا اضطرابا بدرجة خطرة كالتي تجري هذه الأيام في تونس حتى ولو كان منافسوه إسلاميين.