فاطمة باقي ناشطة سياسية ليبية من طرابلس تخرجت من كلية الآداب في جامعة بنغازي وتابعت دراسات عليا في التاريخ الإسلامي. خرجت منذ سنوات طويلة من ليبيا إلى السويد هرباً من نظام معمر القذافي. لدى قيام ثورة 17 فبراير كثفت باقي نشاطاتها سواء عبر المقالات أو التفاعل مع الناشطين الليبيين في برامج التواصل الاجتماعي. ودأبت على عرض اقتراحات ورؤى سياسية تتعلق بالوضع الليبي، مستفيدة في طرحها من دراستها للتاريخ الإسلامي. كانت لها علاقات أكاديمية بمعارضين بارزين لنظام القذافي، خصوصاً المناضل الأمازيغي عمر النامي الذي تعرض للتصفية، ما وضعها في موضع شبهة وتحقيقات أمنية أجبرتها على ترك البلاد. أعلنت بعد قيام الثورة عن تأسيس «حزب الإيثار» للمساهمة في دفع الحركة الديموقراطية في ليبيا الحرة، رغبة منها في إثبات أن لدى المرأة الليبية حساً سياسياً وقدرة على القيادة ونضجاً. في حوار مع «الحياة» قالت باقي: نحن الآن في عصر ما بعد الإيديولوجيات ومن هنا شعار «حزب الإيثار» الذي يرمز إلى أن الحكمة ضالة الإنسان أينما وجدها أخذ بها». وروت باقي تجربتها في السويد قائلة: «كنت منخرطة في حزب البيئة في السويد في التسعينات وبعض الجمعيات الخيرية السويدية. وحضرت اجتماعات لمنظمة العفو الدولية (امنستي انترناشيونال) إلا أني أردت أن أكون مستقلة في التفكير ولم أجد نفسي في فكر أو أيديولوجية معينة». وأضافت: «واظبت على متابعة الأوضاع في ليبيا من خلال الاتصالات مع الداخل، على صعوبتها، وعبر وسائل الإعلام والمدونات. ولمست مدى التخلف والانحطاط والجهل على كل المستويات». وزادت: «أحياناً لم أستطع السكوت، وعلى مدى عشر سنوات، كنت اتصل من السويد لأدلي بمداخلات في برامج حوارية في وسائل الإعلام الليبية، وذلك لخرق الجدار الحديد والسجن الرهيب الذي وضع فيه الطاغية الليبيين، وغالباً ما كان يتم قطع اتصالاتي». وعن برنامج ورؤية «حزب الإيثار»، قالت باقي: «نطمح إلى إنشاء دولة مدنية دستورية ديموقراطية حديثة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وحق المواطنة لأفراد الشعب الليبي بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية أو الدينية، من دون إقصاء أو تهميش». وأشارت إلى أن رؤية الحزب تتلخص في أن «المواطنة هي قبيلة كل الليبيين» والدعوة إلى إلغاء المركزية بإعادة هيكلة الدولة الليبية، وتأسيس حكومة إلكترونية تقدم الخدمات إلى المواطن في منطقة سكنه مهما بعد أو قرب من المركز. وشددت على «حرية التعبير والطبع والنشر وحرية الإعلام بما لا يتعارض مع المقدسات». كما رأت أن لا بد من تحقيق «مجانية التعليم والصحة. وإنشاء شبكة من الحماية والرعاية الاجتماعية، إضافة إلى إشراك المرأة في وضع الدستور وسن القوانين، وصون حقوق الطفل وحمايته». النخبة وواجب المثقفين وعن سبب التخلف في ليبيا، رأت أنه ناجم من ممارسات من يتولون أمور الشعب والذين يسمون بالنخبة، وغالبيتهم إن لم أقل جلهم من أصحاب الشهادات العليا والكفاءات على الورق فقط، وهم لم يحققوا شيئاً على مدى عقود من الاستئثار بالسلطة، بل على العكس، هم سبب الخراب والدمار وتردي الأوضاع». وأكدت أن في مقدم ما تحتاجه ليبيا، ليس الشهادات والكفاءات والتكنوقراط، بل تحتاج مخلصين صادقين يريدون تحقيق التنمية، أصحاب رؤى وعلى درجة من المرونة بحيث يستوعبون ما هو مناط بهم لتحقيقه». وشددت على أن الليبيين ثاروا ضد «الفساد والمحسوبية والعائلية والشللية». كيف تنظر باقي إلى الصراعات على الساحة الليبية بعد مرور سنة على الثورة؟ أجابت: «على الفرق المتناحرة أن تتنازل لبعضها البعض من أجل مصلحة الجميع، لأن الدخول في صراعات عقيمة ربما يأتي بالوبال على الجميع. وليس في هذه الصراعات غالب بل الكل مغلوب». ورأت أن «على النخبة المثقفة واجب توعية الناس وتثقيفها، وعدم تركها فريسة للمضللين والجهلة والغوغاء»، مشيرة إلى عدم إدراك غالبية الليبيين البسطاء مفاهيم الديموقراطية وأنظمة الحكم. وأعربت عن اعتقادها أن حل مشكلة السلاح لا يكون إلا باجتماع كل الأطراف في مؤتمر أو لقاء للوصول إلى حلول وسط. وقالت: «إذا أراد الثوار مقاعد في الحكومة فليكن، وهذا حقهم، وليس من المعقول أن يستأثر بالحكم أشخاص كانوا متفرجين أو من رجال الطاغية. لا نريد أن تتحقق مقولة إن الثورة يفكر بها الفلاسفة ويقوم بها الشجعان ويستولي عليها المحتالون». الدستور بالنسبة إلى الدستور المزمع كتابته، قالت باقي إنه «يجب أن يشمل بصورة واضحة، مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وحق المواطنة، بما في ذلك حق المتزوجة من غير ليبي في منح جنسيتها إلى أبنائها». وأضافت: «أنا مع نظام برلماني يمكن الشعب من أن يحكم نفسه عن طريق الأحزاب المنتخبة بطريقة حرة وديموقراطية». ورأت أن حكومة عبدالرحيم الكيب «أتت في ظرف استثنائي وأمامها مهمات صعبة وشائكة، آمل أن تنجح في إنجازها، إلا أني كنت أتمنى أن يكون لدى هذه الحكومة شيء من المرونة والكياسة لاستقطاب كل أطياف المجتمع الليبي ومراعاته»، مشيرة إلى «إقصاء الأمازيغ والثوار من الحكومة». ورأت أن المجلس الانتقالي قام بواجبه مشكوراً، لكن «يحيط به كثير من الغموض، فلا نعرف عدد أعضائه ولا أسماءهم ومهماتهم، وهذه كلها أسئلة يطرحها الشارع الليبي وهذا حقه». كما أشارت إلى أن الليبيين يريدون معرفة مصير الأرصدة في الخارج وكيف صرف منها ما صرف. ودعت الدول التي ساعدت ليبيا إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية، واعتبرت أن من الطبيعي أن ليبيا «ستتعاون مع كل الدول التي ساعدتها ووقفت معها». فلول النظام وهل توافق فاطمة باقي على أن يقوم ما تبقى من أنصار القذافي بتأسيس حزب سياسي بذريعة الحرية والديموقراطية؟ أجابت: «هذا السؤال يستفزني، فأي أيديولوجية كانت للطاغية واتباعه؟ أيديولوجية الترهات والخزعبلات الهلامية التي لا أساس لها أو مبدأ إلا طرقاً شيطانية ابتدعوها للاستبداد والاستحواذ ومن ثم الاستعباد؟ إنها إهانة للشعب الليبي ودماء 50 ألف شهيد ناهيك عن آلاف المنكوبين، أن يتفوه هؤلاء المجرمون بأمر كهذا، بل عليهم أن يشعروا بالخزي والعار لما ارتكبوه في عهد الطاغية وفي شهور الثورة والتحرير». وتساءلت: «هل سمح لاتباع هتلر بأن يؤسسوا حزباً نازياً في ألمانيا، على رغم أن هتلر لم ينكل بشعبه؟ ورأت أن للحرية والديموقراطية حدوداً وأصولاً وأن «ليس حق من أجرم وأفسد ونكل ودمر شعباً وبلداً، أن يأتي ويتذاكى محاولاً تصدر المشهد». وقالت: «لا يمكن العفو عن الذين استأثروا بالسلطة والمال العام، بل عليهم أن يعتذروا ويطلبوا العفو من الشعب الليبي وأن يردوا الحقوق إلى أصحابها، ويحاسبوا ويحاكموا محكمة عادلة، ثم نتحدث عن المصالحة حتى تهدأ النفوس وتطيب الخواطر». وأضافت: «عليهم هم أن يتصالحوا مع الشعب الليبي وليس العكس، وهذا هو الطريق الصحيح في كل بلدان العالم التي حدثت فيها مثل هذه الجرائم الوحشية».