لم تنجح تطمينات من هذا القبيل في تبديد ضبابيّة لون الثورة، خصوصاً بعد بروز أسماء إسلاميين، لم يشاركوا فقط في القتال ضد القذافي بل صنعوا أيضاً معركة باب العزيزية التي رسمت نهاية الزعيم. وعليه، بدا الغرب مكشوفاً وهو يمارس آخر صيحات «ازدواجيّة معاييره» في ليبيا، فكرمى لعين «المصالح»، النفطية تحديداً، كان مستعداً لسفك آخر «المحرمات» الغربية: التحالف مع «القاعدة»؟ قد يكون تحالفاً غير معلن، إلا أن لاعبيه معلنون، وبعضهم يشتبه بارتباطه تاريخياً وإيديولوجياً ب«الإرهاب». فما الذي دفع الغرب إلى «احتواء» الثوار، الإسلاميين بشكل خاص؟ هل لأن الثوار، بمن فيهم الإسلاميون، نشدوا التدويل أم كان ذلك مقابل ضمانات سخيّة ما لبث أن «أقرّها» الثوار بوعدهم «الناتو» بالمكافآت مع اقتراب الحسم الثوري؟ وبالرغم من ذلك، لا يمكن وضع الثوار الليبيين في سلة واحدة، فكما يقال إن «الدار بأهلها»، وهم على اختلافهم يرسمون طريق «الانتفاضة» المتميزة في «الربيع» العربي: عسكريون توزعوا على كتائب وجماعات محليّة، وسياسيون انضووا بشكل أساسي تحت راية المجلس الوطني الانتقالي، وقبائل لطالما تعامل معها القذافي وفق سياسة الجزرة والعصا .. اندفعوا جميعاً، باستثناء بعض الجماعات من قبائل بني وليد «الوفية» للعقيد، لرسم واقع يحمل العديد من علامات الاستفهام القلقة حول مستقبل «ليبيا الثورة» الرازحة تحت وطأة تهديد الانقسامات العشائرية. وبانتظار ما ستنكشف عنه المرحلة المقبلة، قد يكون لعامل تفنيد هوية الثوار دوراً رئيسياً في استشراف ما ستؤول إليه الأحوال. يلقي «سجال الهوية» الضوء على خريطة التوجهات الإيديولوجية الحالية في ليبيا بين قوميين وليبراليين وعلمانيين وإسلاميين، قد يعطي توزّعهم النسبي في البلاد مؤشراً على مدى تأثير كل منهم على طبيعة «ليبيا الثورة» ونسيجها، وذلك قبل الغوص في المحاولة الصعبة لتحديد الدور الإسلامي بشكل خاص في قيام الثورة ونجاحها. تقول أرقام مؤسسة «كويليام» (أول مؤسسة بحثية لمكافحة التطرف، مقرها لندن، مؤسسوها قياديون إيديولوجيون سابقون في منظمات إسلامية متطرفة داخل بريطانيا، لا تزال ناشطة حتى الآن) إن القوميين يشكلون نسبة 40 إلى 50 في المئة من الناشطين السياسيين في ليبيا، «معظمهم من اللاعبين غير الإيديولوجيين شاركوا في الثورة هادفين إلى بناء دولة مدنية أساسها الثقافة الليبية والديموقراطية»، فيما لا يملكون اي رؤية قوية حول دور الإسلام في الدولة، مصرين في الوقت عينه على انه جزء لا يتجزأ من الثقافة المحلية. فالمنشقون المعارضون الرئيسيون في ليبيا اليوم كعبد السلام جلود ومصطفى عبد الجليل، هم من القوميين ويمثلون الشخصيات السياسية الأرفع في البلاد. على هذا النحو، يمكن لهم وبسهولة كبيرة، استقطاب الجماهير وخلق قاعدة سلطوية واسعة والهيمنة على الساحة السياسية. بين 20 و25 في المئة هي النسبة التي يشكلها الليبراليون من الناشطين السياسيين الليبيين، «وهم الفئة التي تدعم قيام نظام ديموقراطي وسوق اقتصادية حرة». على الأرجح ان هذا اللون الليبي شارك في الثورة طامحاً إلى بناء دولة مدنية تسودها القيم الليبرالية ومناخ من الحرية الاجتماعية. ومع ذلك، ينظر إلى الليبراليين من قبل معظم الليبيين على انهم فئة النخبة التي سيكون عليها القيام بالكثير لحشد الجماهير. نخبويتهم المفترضة تجعل منهم الأقل شعبية واتفاقاً مع الجماعات الأخرى. قد لا يشكل العلمانيون أكثر من نسبة 5 في المئة من الناشطين، بحسب «كويليام». فبوحي من أمثال مصطفى أتاتورك، يميل علمانيو ليبيا إلى تقديم دولة متطرفة بعلمانيتها لا يكون للدين فيها أي دور على الإطلاق. ومن المرجح أن لا يلقى صوت هذه الفئة صدى لدى فئات المجتمع لقلة عديدها و«راديكالية» رؤيتها السياسية مقارنة بالآخرين. اما الإسلاميون الشريحة الاكثر إثارة للاهتمام السياسي والاعلامي الدولي فتصل نسبتهم إلى 20 في المئة وتشمل، بحسب تقرير أوردته صحيفة «الغارديان» البريطانية، الجهاديين (2 في المئة) والسلفيين (12 في المئة) وحركة «الإخوان المسلمين» (6 في المئة). يشترك المنضوون الليبيون تحت عنوان «الإسلاميين» في اعتقادٍ إيديولوجي واحد يقوم على هيمنة الإسلام المتشدد على المجتمع. قد يتميز الجهاديون بأسلوبهم الأمني في تحقيق مشروعهم الديني في وقت ينحو السلفيون إلى الابتعاد عن الأداء الذي قد يلصق بهم تهمة «الإرهاب». اما «الإخوان المسلمون» فلهم القاعدة الشعبية الأوسع بين الإسلاميين، ما يجعلهم في حالة منافسة كبيرة مع مشروع القوميين وقدرتهم التجييرية. 1 «ثورة الاسلاميين» لا شك ان الإسلاميين الليبيين لم يكونوا وحيدين في كتابة سطور الثورة العسكرية ضد «نظام الطاغية» غير ان بروز «أصداء أفغانية» من جبهات القتال الداخلية لفتت نظر الرأي العام العربي والدولي إلى أسماء معروفة بتوجهها الإسلامي وحتى الجهادي ومدى ارتباطها بتنظيم «القاعدة»، وعلى رأسها عبد الحكيم بلحاج او عبد الله الصادق .. «مقتحم باب العزيزية». الإسلامي والجهادي الذي شارك في الحرب في أفغانستان، وزعيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي أعلن سراً عام 1990 عن تأسيسها بهدف الإطاحة بالقذافي والعودة من أفغانستان إلى ليبيا، أسقط الحصن المنيع للعقيد في مجمع باب العزيزية بعدما كان «دينامو» الثورة وقائدا للمجلس العسكري للثوار بعد انتفاضة «17 فبراير». يوم تعرّف المتابعون للأزمة الليبية على بلحاج، الذي أوقفته الاستخبارات الأميركية عام 2004 في ماليزيا قبل ان تسلمه إلى القذافي الذي أودعه سجن ابو سليم حتى آذار 2010، كتبت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية ان «اعضاء المجلس الانتقالي على ارتباط بالقاعدة.. إنهم قدامى الجماعة الإسلامية المقاتلة من يحتلون المقاعد العسكرية الليبية الأمامية»... فرضيةٌ سارع بلحاج، الذي قال إن ال«سي آي ايه» استمتعت في تعذيبه قبل تسليمه إلى النظام على مرأى من الاستخبارات البريطانية، إلى نفيها في مقابلة مع «واشنطن بوست» مؤكدا انه «ليس هنا للانتقام.. ولن اقف حجر عثرة بين ليبيا والولايات المتحدة». اذاً، يعد زعيم «الأفغان الليبيين» انه لا يرفع راية الجهاد المقدس ضد «الشيطان الأكبر»، بعدما التحمت عملياته المدنية بزخم الغارات «الأطلسية» بهدف الإطاحة بالقذافي. نجح الأضداد في تحقيق الغرض المشترك.. لكن إلى متى؟ وهل سيقوم عهد ليبيا الجديدة على تعاون جهادي غربي يحفظ امن البلاد؟ لم يكن بلحاج الإسلامي الوحيد في صفوف الثورة. اذ انضم اليه، وفق مصادر صحافية، 100 عنصر من «الجماعة المقاتلة»، فيما تحدثت مصادر أخرى عن 800 عنصر. من هم أعضاء الجماعة وما هي أهدافها؟ أسئلة أجابت عليها دراسة لمركز بحوث «السكينة» السعودي بعنوان «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة مسار من العشوائية والتصحيح»، حيث أشارت إلى ان «الجماعة نشأت وتأسست من مخاض مجموعات اسلامية ليبية مختلفة ومن بقاياها وفلولها بعد قضاء النظام الليبي عليها». وعدّدت الدراسة، التي اعتبرت «الليبية المقاتلة» خارج إطار الجهاد المعولم، أسماء مثل ابو يحيى الليبي وعطية الله الليبي اللذين يرجح تسلّم احدهما مهام إدارة عمليات التنظيم منذ بداية عام 2011، أي بعد مقتل المصري مصطفى ابو اليزيد. رواية وردت مختلفة في صحيفة «الغارديان» البريطانية التي تحدثت عن تسلم ابو يحيى الليبي مسؤولية العمليات في الجماعة منذ أسبوعين فقط وذلك بعد مقتل عطية عبد الرحمن بغارة لل«سي آي ايه» بواسطة طائرة بدون طيار. وعن مرحلة اعتقال القوات الأميركية لزعامات الجماعة المقاتلة، تقول دراسة «السكنية» إنه بسبب الضغط والملاحقة بين العامين 1995 و2000، اضطرت الجماعة إلى الخروج من ليبيا والعودة إلى أفغانستان. وبعد هجمات 11 ايلول 2001، استطاع الجيش الأميركي اعتقال بلحاج في تايلاند، ونائبه ابو حازم الذي اودع سجن باغرام في افغانستان، فضلا عن منظّر الجماعة ابو المنذر الساعدي في هونغ كونغ، قبل تسليمهم جميعا للقذافي. لا دليل قاطعاً على مشاركة ابو حازم والساعدي رفيق دربهم في الاطاحة ب«عدوّهم اللدود»، الا انه في حال صحّ الامر، يكون «الليبيون الأفغان» قد حققوا مآربهم التاريخي في الثأر من العقيد وتسطير خاتمة عهده. صحيح ان «فتح باب العزيزية» تم على يد بلحاج الا انه لم يكن ليؤرخ لولا قيادة سليمة للهجوم على طرابلس. هي المهمة التي نُسبت ل«زميله» في الجماعة، عبد الكريم الأسدي الذي قيل إنه قائد مجموعات «درنه» التي شاركت في الهجوم على العاصمة كما انه احد المقربين من قائد «القاعدة» أيمن الظواهري. ان كان للإسلاميين فعلا دور ما في صياغة ثورة «17 فبراير»، فهل كانوا فقط من «الجماعة المقاتلة»؟ يلفت تقرير إخباري نشرته مجلة «ذي ايكونومست» البريطانية في 27 آب الماضي بعنوان «قادة الثوار: نوايا طيبة، شرعية هشة» إلى ان من بين الثوار المقاتلين من انتموا إلى جماعة «ابو عبيدة ابن الجراح» (التي ذكرت تقارير اخبارية مختلفة ان قائدها هو اسماعيل الصلابي) وهم سجناء إسلاميون سابقون شاركوا من جهة في القتال ضد القذافي لكن اسمهم أثير من جهة أخرى في ما يتعلق باغتيال القيادي عبد الفتاح يونس، رئيس أركان «جيش التحرير الوطني الليبي». ويذكر التقرير ما أشيع عن ان مقتل يونس تمّ على يد إسلاميين بالتنسيق مع المجلس الوطني الانتقالي بناء على أسباب افتراضية ثلاثة: الأول ان يونس كان على اتصال بالقذافي خلال قيادته العمليات الثورية وذلك بحسب قضاة في المجلس الانتقالي، ما استدعى قتله من قبل الإسلاميين. الثاني ان يونس كان محسوباً على العقيد برأي «الإسلاميين» فتقررّ التخلص منه لعدم ثقتهم به. والثالث ان القيادي العسكري كان ينوي السيطرة على «الكتائب» التي تشارك في القتال والتي هي إسلامية جزئياً، فاتُخذ قرار اغتياله. واكب الحضور الإسلامي في صفوف الثوار المقاتلين، خطاب إسلامي سياسي من النوع الذي تبناه عضو الأمانة لاتحاد العلماء المسلمين الشيخ علي محمد الصلابي، الذي انتمى سابقاً للجماعة المقاتلة ويقال إنه شقيق اسماعيل الصلابي. المفكر القيادي في «الإخوان المسلمين»، والذي وصف بأنه رأس الحربة الإسلامية في احتواء الثورة والسيطرة عليها تماما كالشيخ سالم الشيخي والشيخ نعمان بن عثمان، أصر قبل أيام في حديث إلى «قدس برس» انه مع «الدولة المدنية الديموقراطية التي سيتولى بناؤها الثوار». محاولة أخرى من الصلابي تأتي بهدف تحجيم التهويل ضد الإسلاميين، وربما اسلوب مميز لأخذ الصلابي ورفاقه ممن كانوا منفيين في عهد القذافي، بالثأر من «الطاغية». 2 «ثورة السياسيين» في «الانتقالي» ائتلفت أطياف مختلفة، فكرياً وقبلياً وسياسياً. أطياف كانت بمعظمها لوقت قريب من الأصدقاء أو المقربين من العقيد معمّر القذافي وفي مقدمهم رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل. علماً أن «جنوداً مجهولين» بقوا في المجلس الانتقالي من دون وجوه وأسماء بهدف حماية عائلاتهم. في العام 2007، أقنع سيف الإسلام القذافي عبد الجليل بدخول الحكومة حيث كُلّف آنذاك بوزارة العدل، وهو منصب استمر فيه لثلاث سنوات قبل أن يعفى منه عام 2010 ويتم تعيين إبراهيم القذافي، وزير الأوقاف، خلفاً له. بدأت القصة عندما طلب عبد الجليل أمام مؤتمر الشعب العام إعفاءه من منصبه لأسباب تتعلق ب«صعاب ومعوقات» تمنعه من الاستمرار ل«عدم قدرته على تجاوزها وتذليلها». شكّل قبول القذافي طلب الإعفاء سابقة، وهو الذي كان يردّد دائماً أن الاستقالة مرفوضة في عرفه، لأنها «نوع من الخيانة يستحق مرتكبها الإعدام»، وقد عزا المقربون منه موقفه إلى «ما هو معروف عن عبد الجليل من استقامة ونزاهة» جعلت القذافي يفتقر إلى أسلحة مؤثرة يوجهها إليه، وهو أمر بقي سارياً إلى ما بعد اندلاع الثورة. «رجل الموقف»، «مايسترو الثورة»، القائد الجديد» ألقاب أسبغتها الصحف الأجنبية على عبد الجليل في معرض الحديث عن موقعه الحاسم، وذهبت صحف أخرى إلى الحديث عن شخصيته الهادئة وإيمانه المتقد حيث تمعنت «لوموند» الفرنسية بوصف «العلامة السوداء المطبوعة على جبينه بفعل السجود»، كما تحدثت مجلة «الإكسبرس» الفرنسية عن «المسلم المثالي» الذي قطع اجتماعه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ليقوم بأداء الصلاة من دون ان تغفل إعجاب الأخير بهذا السلوك. وعلى هذه الخلفية، تناولت تقاريرعدة قضية انتماءات إسلامية إخوانية لدى عبد الجليل، واستندت في معظمها إلى دفاعه عن «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، وكتبت «لوبوان» عنه بأنه محافظ إسلامي مقرّب من القبائل، فيما استبعدت تقارير أخرى أي صلة له بالإخوان المسلمين واصفة إياه بال«متدين» فقط. وعبد الجليل ليس سياسياً فقط، فهو آت من خلفية قضائية تحتسب له حيث تدرج في سلك القضاء من قاض إلى مستشار ثم رئيس محكمة استئناف مدينة البيضاء، مسقط رأسه عام 1952 ومسقط رأس عائلة السنوسي كذلك. وهو قبل انخراطه في سلك القضاء كان هدافاً مشهوراً في كرة القدم، ينتظر الليبيون منه هذه المرة أن يصوب كرة التغيير إلى مرماها الصحيح. أما محمود جبريل، وهو من بين القادة المحتملين كذلك، فكان الأكثر وضوحاً في التعبير عن صورة ليبيا المقبلة التي شرع في رسمها منذ أن بدأ يطل على المسرح الدولي حين اختاره «الانتقالي» ليرأس مجلسه التنفيذي. يعرف جبريل بأنه أول من دفع باتجاه استصدار القرار 1973 عن مجلس الأمن، الذي أجاز التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي. وهو رجل دولة من الطراز المدني، مصري الهوى ناصري الانتماء، حيث بدأ مشوار دراسته العليا من مصر في أوائل السبعينيات، كما تزوج من سلوى ابنة شعراوي جمعة، وزير الداخلية في عهد عبد الناصر. كان محسوباً على فريق سيف الإسلام الذي عينه على رأس المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي عام 2007، ولكن جبريل ما لبث أن استقال عام 2009، متذرعاً بالتفرغ لأعماله الاستشارية. يعدّ جبريل أحد أبرز الخبراء العرب في التخطيط، وقد وضع عشرة كتب في المجال، وهو متخصص في التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار. «اقتصادي الثورة» (والتعبير لمجلة «لوبوان» الفرنسية») هو علي العيساوي، المسؤول عن الشؤون الخارجية في المجلس الوطني. يحمل دكتوراه في الخصخصة. شغل منصب أمين (وزير) اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة والاستثمار في ليبيا، وقبل أن يشغل هذا المنصب أسس مركز تنمية الصادرات عام 2006. يعد من الوزراء الإصلاحيين الشباب المحسوبين على تيار سيف الإسلام، حيث حققت الجماهيرية في فترته أعلى معدل عالمي للتحسن في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2009، حسب مؤسسة «هيريتاج». عين سفيراً فى الهند عام 2010 وبقي في منصبه حتى 19 شباط الماضي، أي بعد يومين على اندلاع الثورة حيث قدم استقالته ليكون بذلك أول سفير ليبي يستقيل من منصبه. أما عبد الحفيظ الغوقة، الذي وصفته «لوموند» بأنه صوت المحرومين، وذلك على خلفية تاريخه الطويل في رئاسة نقابة المحامين في بنغازي وفي جهوده في الانفتاح على منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، فقد لمع اسمه عام 1990 أثناء توليه الدفاع عن عائلات المعتقلين في سجن أبو سليم. هو نجل الدبلوماسي عبد القادر الغوقة، ويشغل منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي والناطق الرسمي باسمه. وهو الممثل الرسمي لمدينة بنغازي، عاصمة الثوار. علي ترهونة أو «السيد بترول» كما يعرف، هو أستاذ سابق للاقتصاد في جامعة سياتل، تولى ملف المالية والنفط في المجلس، حيث أوكلت إليه مهمة إدارة مالية الثوار وزيادة العائدات النفطية. ويعود إلى ترهونة، المحكوم بالموت غيابيا بأمر من القذافي، الفضل في شرعنة نقل المجلس من بنغازي إلى طرابلس. السيدة الوحيدة المعروفة في المجلس كانت سلوى الدغيل، وهي حاصلة على الدكتوراه في القانون الدستوري ومسؤولة الشؤون القانونية في المجلس. إلى جانب الشخصيات المذكورة، شارك آخرون في عضوية المجلس كممثلين عن المحافظات مثل حسن الدروعي عن سرت ومصطفى الهوني عن الجفرة وفتحي البعجة وعمر الحريري وحسن الصغير وغيرهم. وعسكرياً، لمعت أسماء عديدة من المجلس كان أبرزها خليفة حفتر وهو ضابط سابق في الجيش الليبي. تولى لوقت وجيز قيادة جيش التحرير الذي أسسه الثوار، وبعد انتقادات لأداء هذا الجيش تم إسناد القيادة لوزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس العبيدي. وقد تردد أن حفتر ارتبط بعلاقات قوية مع بعض الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية خاصة «السي آي إيه» التي دعمته، وفق ما نقلت رويترز عن مركز أبحاث أميركي. يُذكر أن يونس كان يشغل منصب وزير الداخلية في نظام القذافي قبل اندلاع ثورة «17 فبراير» التي انقلب على أثرها على النظام وانضم إلى صفوف المعارضة متولياً قيادة المجلس العسكري. وقد أحاطت بحادثة مقتله في 28 تموز الماضي أسئلة كثيرة، بينما وجهت أصابع الاتهام إلى إسلاميين تعاونوا مع أعضاء من «الانتقالي». 3 «ثورة القبليين» قرار أفراد قبيلة العبيدات، وهي من كبريات القبائل الليبية، بالاقتصاص من المجرمين بأنفسهم في حال تأخر المجلس عن أداء مهامه، أظهر حجم التحدي الذي ينتظر الحكومة الليبية المقبلة والذي لا يكمن في تفادي الانقسام والصراع بين القبائل فحسب، إنما في ضمان أن تحتكم هذه القبائل نفسها، بما يحكمها من تقاليد، لسلطة القانون. كما بدا واضحاً النفوذ الذي تملكه القبائل جلياً في ليبيا الثورة عبر تلك القضية، حيث أن المجلس الوطني الانتقالي وجد نفسه مضطراً للخوض في لعبة إرضائها بحلّ المكتب التنفيذي في المجلس وتعيين اللواء سليمان محمود العبيدي، قائد قوات المنطقة الشرقية في الجيش الليبي التابع للقذافي سابقاً، مكان يونس، وذلك حفظاً لحصة القبيلة الشرقية التي كانت أولى القبائل المشاركة في الثورة. لا يخفى على متابع، السياسة التي اعتمدها القذافي تجاه القبائل طيلة 42 عاما، حيث أمعن في ترسيخ النظام القبلي على حساب تهميش دور مؤسسات الدولة، سواء على صعيد فرص العمل أو الرعاية الصحية أو التعليم وغيرها من القطاعات. وكان العقيد يعتمد أكثر فأكثر على النظام القبلي لتعزيز نفوذه السلطوي، وفي الوقت نفسه يقلص من قوة العديد من القبائل بفضل الامتيازات الاقتصادية والتحالفات عن طريق المصاهرة أو حتى التهديد بالعقاب. علماً أن ميثاق الشرف، الذي صادق عليه البرلمان شهر آذار 1997، اقر إمكانية العقاب الجماعي للقبائل أو العائلات في حال مارست أنشطة معارضة للنظام. عدّ المؤرخ الليبي فرج عبد العزيز نجم حوالى 140 قبيلة وعائلة نافذة في ليبيا. وحسب ما ذكره، فإن القبائل التي لها نفوذ حقيقي وواضح لا يتعدى مجموعها ثلاثين قبيلة. وتمثل القبائل العربيّة نسبة 97 في المئة بينما لا تتجاوز نسبة قبائل البربر 3 في المئة. أما أكثر القبائل تهميشاً فتوجد في شرق ليبيا، مرتع الموارد النفطية، لذلك كان من الطبيعي أن تذكي المظالم التي تعرض لها الشرق التمرد على القذافي، وتكون قبائل تلك المنطقة أول من حمل راية الثورة. ومن هذه القبائل كانت «ورفلة»، التي تعدّ مليون نسمة وتتألف من 52 قبيلة فرعية، وتنتشر قبيلة ورفلة في مدن بني وليد وطرابلس وسرت وبنغازي. أما ترهونة فحذت حذو ورفلة بأفرادها الذين يناهز عددهم المليون كذلك، وتنحدر ترهونة من قبيلة هوارة التي تنتشر من تاورغاء حتى مدينة طرابلس. ومثلهما قبيلة الزوية، التي تقطن في المناطق النفطية في شرق ليبيا، حيث شاركت في الثورة كذلك وهددت على لسان زعيمها فرج الله الزوي في إطار الضغط على القذافي بوقف تدفق النفط إلى البلدان الغربية. وقبائل الطوارق في الجنوب، التي يشتهر أبناؤها باللثام ويتكلمون الأمازيغية، كذلك كانت حاسمة في انضمامها إلى الثورة ومهاجمة مقرات تابعة للنظام.. قبيلة الزنتان كانت كذلك من أولى القبائل التي انضمت للثورة. وتعد من كبريات القبائل العربية وتقطن في جبال نفوسة، وهي معروفة بقربها من ورفلة. توقعات المحللين العرب والأجانب حول تهديد الانقسامات القبلية يحمل في طياته الكثير من بذور الصحة، غير أن رأي آخرين، على شاكلة ما قاله الخبير الجغرافي العالمي الذي زار ليبيا مرات عدة اوليفييه بلييه، عن واقع أن القبائل الليبية تأقلمت مع التغيرات الاجتماعية الليبية و«الانتقالي» قادر على احتواء الموقف، قد يكون له تجلياته مستقبلاً كذلك.