نزل قرار تثبيت عقوبة السجن بحق رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سلفيو برلسكوني كالصاعقة على الطبقة السياسة في إيطاليا أمس، ووضع مصير الائتلاف الحاكم الهش في البلاد في مهب الريح. وبينما بات من المرجح أن برلسكوني قد يتجه لقضاء العقوبة تحت الإقامة الجبرية، بعد إدانته بتهمة التهرب الضريبي، دعا الزعماء السياسيون في البلاد إلى الهدوء. وأيدت المحكمة العليا مساء أول من أمس حكم السجن الصادر بحق الملياردير الإيطالي في قضية التهرب الضريبي، ومع ذلك، فقد قضى حكم المحكمة بأنه يتعين إعادة النظر في قرار حظر توليه (برلسكوني) منصبا عاما لمدة خمسة أعوام. وغضب الملياردير برلسكوني من رفض استئناف نهائي قدمه ضد حكم أصدرته محكمتان أقل درجة في ميلانو بمعاقبته بالسجن لمدة أربعة أعوام وجرى تخفيضه إلى عام واحد بموجب عفو. واحتج برلسكوني على إدانته واتهم قضاة المحكمة المؤلفة الخمسة والتي عكفت على الدعوى في مداولات استمرت ثلاثة أيام باضطهاده منذ أن خاض غمار الحياة السياسية قبل 20 عاما. وقال في رسالة بالفيديو أذاعها التلفزيون الإيطالي عقب الحكم إن «هذه الإدانة ليس لها أي أساس وهي تحرمني من حريتي وحقوقي السياسية»، مؤكدا أنه يتعرض لحملة استهداف «قضائية ضارية لا مثيل لها». وأضاف في شريط الفيديو الذي ظهر فيه جالسا خلف مكتب وقد بدا وراءه العلمان الإيطالي والأوروبي: «ينبغي علينا الاستمرار في القتال، العمل في السياسة، كي نحقق كل الإصلاحات اللازمة وفي مقدمتها إصلاح القضاء. سنعيد إحياء فورتزا إيطاليا»، الحزب السياسي الذي أسسه لدى دخوله المعترك السياسي في 1994. وأدين برلسكوني باتباع سبل احتيالية لشراء حقوق البث في إمبراطورية «ميدياست» التلفزيونية. وتعد هذه أول إدانة نهائية في 30 دعوى قضائية في اتهامات تتراوح بين التدليس والفساد إلى ممارسة الجنس مع بغي قاصر. وليس من المرجح أن يودع برلسكوني، 76 عاما السجن في أي وقت بسبب تقدم سنه (القانون الإيطالي يمنع اعتقال الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 70 عاما). لكن القضاة أمروا بمراجعة قضائية للشق الثاني في الحكم الصادر ضده الذي يقضي بمنعه من شغل أي منصب عام لمدة خمسة أعوام. وهذا القرار سيتيح له أن يظل عضوا في مجلس الشيوخ وزعيما لحزب شعب الحرية المنتمي ليمين الوسط في الوقت الحالي. إلا أن الحكم سدد ضربة غير مسبوقة للرجل الذي ظل يهيمن على مجريات الحياة السياسية الإيطالية طيلة عقدين من الزمن. وقال بيبي جريللو زعيم حركة «خمسة نجوم» الذي يختص برلسكوني بانتقادات حادة «إدانته تشبه هدم سور برلين عام 1989». وقال برلسكوني إنه سيواصل أنشطته السياسية سعيا إلى إصلاح جهاز القضاء إلا أنه لم يشر إلى مستقبل مشاركته في الحكومة الائتلافية. وأثار الحكم ردود فعل سياسية كثيرة، كان أبرزها بيان أصدره رئيس الوزراء الحالي انريكو ليتا قال فيه إن «من الضروري أن يكون لدينا مناخ هادئ، على الرغم من الجدل المشروع بين الأحزاب السياسية». ويشارك «الحزب الديمقراطي» (يسار الوسط) الذي ينتمي إليه ليتا في ائتلاف حكومي موسع مع حزب «شعب الحرية» (يمين الوسط) الذي ينتمي إليه برلسكوني. وقبل النطق بالحكم، حذر نواب حزب «شعب الحرية» بأنهم سينسحبون من الائتلاف في حال تأكيد إدانة برلسكوني. ويترتب على الإدانة النهائية لبرلسكوني عدة انعكاسات، أهمها منعه من الترشيح إلى الانتخابات التشريعية خلال السنوات الست المقبلة. وينص قانون صادقت عليه حكومة ماريو مونتي في ديسمبر (كانون الأول) 2012 على أن أي شخص تصدر بحقه أحكام نهائية بالسجن في عدة جرائم منها الاحتيال الضريبي، كما هو الحال بالنسبة لبرلسكوني، يمنع تلقائيا من الترشح إلى منصب سيناتور أو نائب لمدة ست سنوات اعتبارا من تاريخ الحكم. وذلك يعني بالنسبة لبرلسكوني الذي سيبلغ 77 سنة الشهر المقبل، أنه لن يتمكن من الترشح مجددا إلى الانتخابات إلا في سن الثالثة والثمانين. وستؤدي إدانته النهائية إلى نقاش في مجلس الشيوخ الذي ينتمي إليه، إذ إنه يجب أن تحسم لجنة في إسقاط عضويته، لكن القرار النهائي يعود إلى البرلمان وهذا قد يأخذ عدة أشهر ونتيجته ليست محسومة سلفا. وأول نتيجة مباشرة لهذه الإدانة ستكون سحب جواز سفر برلسكوني، إذ ستطلب مديرية الشرطة التي سلمته جواز السفر استعادته منه بينما تكلف وزارة الخارجية باستعادة جواز سفره الدبلوماسي الذي منح له بصفته رئيس حكومة سابقا. وعلى برلسكوني أن يختار بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، نظرا للعطلة الصيفية، إذا كان يفضل الإقامة الجبرية في منزله أو القيام بأعمال ذات منفعة عامة. لكن رئيس الوزراء الأسبق قال إنه لن يقوم بأعمال ذات منفعة عامة وبذلك تبقى الإقامة الجبرية. كذلك، قد يفقد برلسكوني لقب «الكافالييري» الفخري الذي منحته له رئاسة الجمهورية في ديسمبر (كانون الأول) 1977، لكن هنا أيضا ليس هناك أي أمر تلقائي. وعلى الصعيد القضائي يجب على برلسكوني الآن أن يواجه قضية خطيرة أخرى، إذ حكم عليه في يونيو (حزيران) بالسجن سبع سنوات ومنعه من ممارسة أي وظيفة عمومية بتهمة استغلال النفوذ والمشاركة في دعارة قاصرة في قضية «روبي غايت» لكنه استأنف الحكم.