بقلم سعيد ودغيري حسني كلما تصفحت وسائل التواصل الاجتماعي تطلّ عليَّ إعلانات براقة تَعِدُني بابتسامة ساحرة في لحظات بأسنان جاهزة كأنها قوالب من العاج المصقول أو بودرة سحرية تُزيل الآلام وتمنحني بياض الثلج أجدني وسط دوّامة تسحبني بعيدًا إلى السبعينات إلى تلك الساحات المزدحمة حيث كان الحلاّق أو "المشعوذ" يعتلي صندوقًا خشبيًا وسط حلقة من المتفرجين يلوّح بزجاجة مجهولة المحتوى يُقسم أنها دواء لكل الأوجاع يقتلع الأضراس كما لو كان في سيرك دون تخدير أو أدوات معقّمة بينما يصرخ ضحيته ألمًا وسط هتافات المندهشين ثم يبيع مراهمه العجيبة التي لا يعرف أحد سرّها لكنها – كما يدّعي – تمحو الألم وتعيد للوجه ابتسامته الضائعة اليوم تغير الزمن أو هكذا يبدو لم يعد "الحلّاق" يقف وسط الساحات لكنه تسلل إلى الشاشات إلى الهواتف إلى الإعلانات الرقمية التي تلاحقك أينما ذهبت لم يعد يحمل كماشة صدئة لكنه يروّج لحلول سريعة لأسنان تُركَّب في دقائق لأجهزة تُغيّر شكل الفكين في لحظات لابتسامة تُشترى كما تُشترى الملابس بين مشعوذ الأمس ومروّجي اليوم يظل السؤال معلقًا: أين الحقيقة؟ وأين وصل طب الأسنان في المغرب بين هذا وذاك؟ قبل ربع قرن كان الذهاب إلى طبيب الأسنان خطوة مؤجلة هاجسًا يثير القلق أكثر مما يبشّر بالعلاج كانت الأدوات خشنة والتقنيات محدودة والمريض بين فكّي القدر: تسوس لا يُرجى منه نجاة أو خلع يُنهي كل الحكاية أما اليوم فقد تبدلت الأحوال فأصبح الطب الحديث يُعيد رسم الابتسامات ويصنعها كما يصنع النحات ملامح الجمال لكن هذا التطور لم يأتِ بدون ظلال في زوايا المدن بين الأزقة بل حتى في واجهات المحلات الفاخرة انتشرت مراكز تفتقر إلى الشرعية يتوارى خلفها من يمارسون طب الأسنان دون شهادة يعبثون بأفواه الناس كما يعبث الصانع بقطع الفخار ويدّعون تقديم الحلول السحرية بلا علم ولا ضمير هنا تكمن ضرورة التمييز بين الطبيب الحاصل على شهادة وبين من يرتدي معطفًا أبيض لكنه بلا هوية علمية قد يكون الحل في هوية بصرية ذكية: لوحات واضحة أعلام تُرفرف كدليل على الاحتراف وأكواد رقمية تتيح للمريض التأكد من مصداقية العيادة أما الإعلانات فقد أصبحت سلاحًا ذا حدين على شبكات التواصل يُباع الوهم مغلفًا بكلمات براقة تُروج لمنتجات تعد بالمستحيل هنا تكمن الحاجة إلى تقنين صارم يضع حدًّا للفوضى الرقمية ويضمن أن المعلومات المقدمة للجمهور تستند إلى العلم لا إلى الخيال فالتواصل الطبي يجب أن يكون مرآة للحقيقة لا ساحة للمزايدات التجارية ومع تزايد أعداد أطباء الأسنان الوافدين إلى السوق وارتفاع تكاليف العيادات أصبح من الضروري تشجيع ثقافة التجمعات المهنية عيادات متعددة التخصصات حيث يتكامل الأطباء بدل أن يتنافسوا، فينصبّ التركيز على خدمة المريض وفق أعلى المعايير الأخلاقية والعلمية لكن هذا لا يكتمل إلا إذا تغيّر عقل الأطباء أنفسهم، فإذا لم يُدار الطب بمنطق المؤسسات الحديثة فإن العلم وحده لا يكفي يجب أن تصبح العيادة منظومة متكاملة تُدار بإتقان تُواكب العصر وتحترم في الوقت ذاته ميثاق الشرف المهني ورغم كل شيء ثمة فخر لا يُخفى المغرب أصبح يحتضن مراكز طبية تضاهي أرقى العيادات العالمية تجهيزات حديثة وفرق طبية بخبرة تنافس نظيراتها في الدول الكبرى هذا النمو لا يجب أن يبقى حكرًا على محور الدارالبيضاء – الرباط بل يجب أن تمتد الخدمات إلى القرى النائية حيث ما زال الملايين على بعد ساعات من أقرب طبيب أسنان مؤهل توزيع العلاجات بإنصاف هو التحدي الأكبر وحله قد يكمن في إعادة هيكلة النظام الصحي وتوسيع مظلة التغطية الصحية ليشمل كل فئات المجتمع ثم هناك آفاق أبعد السياحة الطبية سوق عالمي يقدّر بالمليارات والمغرب يملك ما لا يُشترى: شمس دافئة، طبيعة فاتنة وتاريخ حافل أطباء الأسنان المغاربة بخبرتهم المشهودة قادرون على أن يكونوا روادًا في هذا المجال ليجذبوا الباحثين عن علاج راقٍ في حضن الجمال صفوة القول طب الأسنان في المغرب اليوم لوحةٌ تتأرجح بين النور والظل في جانب هناك عيادات حديثة تضاهي نظيراتها في العواصم الكبرى وأطباء أكفاء يحملون بين أيديهم مفاتيح الابتسامة الحقيقية ينسجون خيوط الأمل من خيوط الألم ويحوّلون الصمت الذي يخلّفه فقدان الأسنان إلى ضحكات صافية وفي الجانب الآخر، تتكاثر الدكاكين التي تتستر برداء الطب يعبث القائمون عليها بفم المريض كما لو كان قطعة طين، بلا شهادة بلا ضمير وبلا مسؤولية بين الماضي والحاضر، قطعنا شوطًا طويلًا لم نعد أسرى كماشة الحلاقين ولا ضحايا مراهم المشعوذين لكن الطريق نحو طب أسنان متكامل ما زال يحتاج إلى خطوات جريئة: تقنين صارم يميز بين الطبيب والدجال توزيع عادل للخدمات يضمن ألا تبقى العناية بالأسنان رفاهية محصورة في المدن الكبرى، وعقلية جديدة في إدارة العيادات تجعل منها مؤسسات طبية متطورة لا مجرد مشاريع فردية وما دام في هذا البلد أطباءٌ مخلصون وما دامت الابتسامة سرّ الحياة فالأمل دائمًا حاضرٌ، يتلألأ بين الأدوات الجراحية ويتجلى في عيون مريض استعاد ثقته بنفسه حين نظر إلى المرآة لأول مرة بعد علاج ناجح.