تقوم وزارة الداخلية في المغرب بحملة إشهارية مدفوعة الأجر تدعو عبرها إلى المشاركة في التصويت، وتعتبر ذلك مساهمة "في صنع مستقبل بلدك" حسب صيغة الإعلان، ويبدو من الصيغة أن الأمر ليس فيه دعوة صريحة لقول "نعم"، وهذا تحول ملحوظ.، تكذبه سلوكيات أعوان السلطة في جهات مختلفة...لكن ربط المشاركة في التصويت ببناء المستقبل، يجعل هذه الجملة ذات حمولة تحكمية غرضها محاكمة النوايا، ووضع المخالفين للجهات الرسمية في وضع آخر قصده العرقلة وعدم الرغبة في بناء المستقبل.. بينما لكل وجهة نظره، وكل طرف يرى الوجهة الصائبة من قبله للبناء والتشييد وضمان الحقوق.. ثم تصر وزارة الداخلية هذا ينم على أنه دائما في موقع الخصم، وليست في موقع الحكم أو أنها تمثل كافة المغاربة، سواء الذين اختاروا "نعم" أو "لا" أو "المقاطعة".. ونعتقد أن من يمكنه أن يقوم بهكذا دعاية هي الأحزاب والمجتمع المدني، في انتظار أن تكون لدينا يوما ما حكومة مسؤولة تمثل فئات (أحزاب، قوى ضغط...) حققت الفوز في الانتخابات، حينها يمكن لمثل هذه الوزارة أن تقوم بنفس الدعاية وتحمل مسؤوليتها أمام الناخبين والبرلمان.. فمن سخر لوزارة الداخلية الحق في استخدام المال العمومي المتأتي من كافة دافعي الضرائب المغاربة بمختلف اختياراتهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية لتنفقه في اتجاه واحد، بل وتحوله على نوع من "الارتشاء" لصالح منابر إعلامية معينة؟ وعليه يفرض المنطق توفير حصص مالية كافية للداعين إلى التصويت ب"لا" أو "المقاطعة"، لأنهم بدورهم يصدرون عن تصور خاص بهم، في نظرهم له كل وجاهته ومنطقة وفائدته... وإذا كان لوزارة الداخلية رأي مخالف لذلك وارتأت أن هؤلاء مخطؤون، فعليها أن تتقدم بشكوى في ذلك إلى السلطة القضائية. وبنفس المنطق على الأطراف الأخرى المعارضة التوجه إلى القضاء للحصول على دعم مالي لتمويل حملتها، نقول هذا كحلم يستحيل حصوله في ظل الأوضاع القائمة حيث القوي يفرض ما يريد. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فهناك جهات مسؤولة تشير إلى حصول تغيير وتبديل في جمل معينة بالدستور لها علاقة بالهوية في آخر لحظة، وهو ما يمكن اعتباره تدليسا وقع في الظلام لجبر خاطر حزب إسلاموي وجمعية دينية دعوية يتبع لها هذا الحزب، وهو ما أشارت إليه أمينة بوعياش رئيسة "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان" والعضو المعين ضمن لجنة عبد اللطيف المنوني، وقد نشرت ذلك جريدة "أخبار اليوم" في عدها 478 ليوم الخميس 23 يونيو.. لكن ذلك لم يثر أي احتجاج من قبل أي طرف آخر، خاصة الذين يفترض فيهم الدفاع عن الدولة المدنية الحامية للجميع، عوض ارتهان الدولة والمجتمع لتصور واحد سيرهن مستقبل البلد، خاصة على مستوى التشريع، بحيث تكون "المراجعة" التي أضافها مستشار الملك محمد معتصم بمثابة الحاجز الذي سيحول دون قيام دولة الحداثة والمساواة التي تضمن حقوق الجميع.. وقد دفع هذا المعطى رئيس الجمعية المشار إليها بأن يعلن افتخار جمعيته (افتخاره الشخصي)بذلك أمام حشد من الأعضاء نقلت تفاصيله الصحف.. وليس غريبا أن تقع مراجعات للدستور حتى في آخر لحظة، فقد أشارت الجريدة المشار إليها أعلاه يوم السبت 18 يونيو إلى وجود اختلافات بين نسخة ورقية وأخرى إلكترونية في مشروع الدستور الحالي وتغيرا في جمل كثيرة وترقيم البنود.. وقد حدثت سابقة مماثلة في دستور 1996، حيث عرضت في نفس الوقت وثيقة بالفرنسية تختلف عن الأخرى المنشورة بالعربية.. ضد كل ما يسمونه المشاورات القبلية. يبدو أن وثيقة الدستور لا تعني شيء لدى البعض، بينما الذي يهم عندهم هو التوازنات القائمة ومدى قدرة كل طرف على فرض مواقفه واقتراحاته على الآخرين، هؤلاء يعتبرهم الأقوياء في موقف ضعف وبالتالي يسهل تمرير كل شيء تحت أنوفهم وهم صاغرون.. لكن هذا الأمر قد يكون قريبا من مجتمع الغاب وليس من تجمع بشري إنساني يهدف إلى السلم والعدالة والحوار وتوزيع السلط والثروة بالعدالة الممكنة. ومعلوم أن المغرب يعرف خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر يونيو حملة تدعو إلى التصويت بنعم من طرف الدولة وأحزابها وبعض الأحزاب الأخرى التي توصف بالاستقلالية كالاتحاد الاشتراكي(مشارك في الحكومة) والعدالة والتنمية (إسلامي).. بينما دائرة الرافضين للدستور تتوسع يوما بعد آخر، فبالإضافة إلى "حركة 20 فبراير الشبابية" نجد الأحزاب المكونة لتحالف اليسار الديمقراطي (الطليعة، المؤتمر، الاشتراكي الموحد) النهج الديمقراطي، جماعة العدل والإحسان(إسلامية) و"حزب الأمة" الذي سبق أن حله الوزير الأول، وقد أنضاف إلى المقاطعين شبيبات حزبية مختلفة بما فيها المقربة من أحزاب موافقة على الدستور.