سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس لشكر: حول موضوع الانتخابات والإصلاحات السياسية .. إن العملية الانتخابية تُعتبر الوسيلة الأساسية لتطوير المسار الديمقراطي لبلادنا وجعل الرأي العام سلطة حقيقية
لا شك أن التقرير المفصل الذي أعدته لجنة تقييم الانتخابات على إثر استحقاقات 07 شتنبر 2007، والنتائج التي حصل عليها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد شكل أرضية صلبة للنقاش واستخلاص العبر من جهة، ولكن أيضا للانطلاق من الخلاصات التي وصل إليها من أجل تصحيح مسار الحزب فيما يتعلق بتدبير العملية الانتخابية. إذا كان التقرير التركيبي المصادق عليه من قبل المجلس الوطني للحزب في دورته التاسعة، المنعقد يوم 11 يناير 2008، قد توصل إلى خلاصة جوهرية، مفادها أن المغرب القوي لا يُمكن أن يتحقق إلا بدولة حديثة وديمقراطية مبنية على المواطنة الكاملة؛ وهي خلاصة تطرح علينا مهمة استكمال عملية المسلسل الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات. وفي هذا الصدد، فإن مطلب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بنزاهة عملية الاقتراع لا يقوم على تصور تقني نظري شكلي، وإنما يُعد من صميم العمل السياسي لحزبنا من أجل الوصول بالبلاد إلى عملية سياسية نظيفة، قادرة على إفراز مشهد سياسي واضح مبني على برامج شاملة لأحزاب متجذرة في المجتمع المغربي. إن العملية الانتخابية تُعتبر الوسيلة الأساسية لتطوير المسار الديمقراطي لبلادنا وجعل الرأي العام سلطة حقيقية قادرة على إحداث تصالح تاريخي بين الناخب وصندوق الاقتراع، وبالتالي بين المجتمع والدولة. لقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لعقود طويلة، يفضح كل أشكال التزوير الفظيع الذي كانت تقوم به الإدارة، سواء التزوير الجماعي لصالح هيئات سياسية معينة أو لصالح مرشحين معينين معروفين بارتباطاتهم المشبوهة مع المال الحرام، ويدافع عن مدونة انتخابية قادرة على قطع الطريق على كل أعداء النزاهة والشفافية، بل إنه خلال التحضير لاستحقاقات 2002 قبل الاتحاد أسلوب الاقتراع اللائحي من باب قطع الطريق على المفسدين. ورغم التطورات الإيجابية التي عرفتها مدونة الانتخابات، نتيجة التعديلات المتتابعة، فإن بعض مظاهر الفساد لا زالت قائمة، وهو ما جعل التقرير التركيبي المشار إليه يوصي ب «إعادة النظر في القوانين الانتخابية وبالأساس مراجعة نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، مع تطبيق وتشديد العقوبات بخصوص استعمال المال واستغلال وسائل الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والدولة». ومن هذا المنطلق، أعتقد أنه يجب أن ينصب نقاشنا اليوم، وكل نقاشاتنا اللاحقة على مختلف جوانب العملية الانتخابية. وهكذا سأتناول في هذا العرض موضوع المسلسل الانتخابي، بما يتطلبه ذلك من مناقشة حول أساليب الاقتراع، ومدونة الانتخابات، وما يستلزمه من إصلاحات مواكبة على المستوى السياسي. أولا: على صعيد المسلسل الانتخابي إذا كان المغرب قد اعتاد عقد مشاورات مسبقة مع الأغلبية الحكومية، والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، فإن هذا التقليد الإيجابي ينبغي أن يستمر ويتعمق ليشمل مواضيع أخرى ذات صلة بالانتخابات. فإضافة إلى ضرورة تعميق النقاش حول أسلوب الاقتراع الخاص بكل استحقاق على حدة، ومدونة الانتخابات التي لا تزال تحتاج إلى المزيد من التعديلات قصد القضاء على كل الاختلالات التي تشوب عملية الاقتراع وتمس نزاهتها ومصداقيتها، (وهما الموضوعان اللذان سنعالجهما بتفصيل)، فإن التمويل العمومي للحملات الانتخابية، وطريقة توزيعه، واستعمال الهيئات السياسية للإعلام السمعي البصري، وتحمل الدولة لمصاريف الحملة الانتخابية للمرشحات... كلها مواضيع ينبغي أن يُفتح حولها نقاش داخل الدوائر التي يتحرك فيها الاتحاد من أغلبية حكومية وكتلة ويسار وأحزاب صديقة، ثم بينها وبين الإدارة المشرفة على الانتخابات من أجل الوصول إلى توافق وتراض حولها.
فبخصوص أساليب الاقتراع: أثبتت الدراسات الأكاديمية والعلمية أن هناك علاقة جدلية واضحة بين أسلوب الاقتراع والمشهد الحزبي بأي مجتمع. لذا، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتوفر على أدبيات كثيرة في هذا الصدد، تراعي كل ظرفية تمر منها البلاد وتتفاعل مع مطالب حلفائه على الساحة السياسية. لقد انطلق الاتحاد الاشتراكي من المطالبة باعتماد أسلوب الاقتراع الفردي الاسمي ذي الدورتين لما يتيحه هذا الأسلوب من إمكانيات للعمل المستقل في الدورة الأولى، والعمل «التحالفي» في الدورة الثانية. ولم يكن هذا الاختيار وليد الصدفة، بل جاء بناء على دراية واسعة بالسلوك الانتخابي للمواطن المغربي، واطلاع على التجارب الدولية في هذا الصدد والتي جعلت هذا الأسلوب يحتل المرتبة الثالثة لانتخاب المؤسسات التشريعية على الصعيد الدولي. إلا أنه خلال حكومة التناوب التي قادها الأستاذ عبد الرحمان يوسفي، دافع الاتحاد عن نظام الاقتراع باللائحة لما كان يتيحه آنذاك من إمكانيات لمحاربة بعض مظاهر الفساد الانتخابي المرتبطة أساسا بإمكانيات التزوير أو الضغط على الناخب. وقد دفعت ضرورات التراضي الاتحاد الاشتراكي إلى التخلي عن المطالبة بنظام «أكبر معدل» لصالح نظام «أكبر بقية» حتى لا يُتهم بالرغبة في الإقصاء من منصب مسؤولية تسيير الحكومة. ومرة أخرى أبان الاتحاد الاشتراكي عن موضوعيته التي تدفعه دائما إلى عدم الاستئثار بالرأي، لا على صعيد الأغلبية الحكومية ولا على صعيد الحلفاء. لكن التجربة، بينت بالملموس أن أسلوب اللائحة لم يؤد إلى النتائج المنتظرة منه. فالحديث عن استعمال المال (الحلال والحرام)، وإمكانية إفساد العملية الانتخابية لا زالا قائمين، وعدد الأحزاب السياسية في تصاعد، ومعه ارتفعت نسبة العزوف بشكل كبير. إن أسلوب الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي لا يُمكن أن يحقق أهدافه إلا من خلال الدوائر الانتخابية الكبرى، على العكس من التجربة المغربية التي أفرغته من محتواه من خلال تقليص الدوائر الانتخابية ليُصبح عدد المقاعد المتنافس حولها لا يتعدى أربعة في أقصى الحالات. فلا نحن أخذنا بالاقتراع اللائحي في شكله الأمثل، ولا نحن بقينا في نظام الاقتراع الفردي الاسمي. إن هذه الحالة، لا يُمكن معها إلا رسم «خارطة طريق» واضحة المعالم للاستحقاقات القادمة في مجموعها، سواء على صعيد المواقف المبدئية التي يجب أن تحكم تصوراتنا، أو على صعيد المراحل التي يجب أن نقطعها للوصول إلى المواقف النهائية. الموقف المبدئي: إن الاقتراع الفردي الاسمي، رغم السلبيات التي عادة ما يوصف بها، فقد ظل متلائما مع وضعية حزبنا، كحزب جماهيري، يجب أن يكون على ارتباط دائم ومباشر بمختلف الفئات الشعبية التي يستمد منها قوته. لقد كان كل منتخَب اتحادي بمثابة همزة وصل بين الحزب والناخبين والمواطنين بصفة عامة. ومع تعدد وتنوع المنتخَبين تعددت وتنوعت قاعدة الاتحاد الاشتراكي. وبالمقابل فإن أسلوب اللائحة، جعل الحزب يفقد هذا الارتباط الذي كان يُميزه عن باقي الأحزاب، ويتحول تدريجيا إلى جهاز يبحث بدوره عن مرشحين من النوع «الثقيل»القادرين على كسب مقعد لصالح الحزب بناء على إمكانياتهم الذاتية وليس اعتمادا على التنظيم الحزبي. لذا، فمن أجل استعادة الإشعاع الجماهيري المباشر لحزبنا، علينا أن ندافع عن الاقتراع الفردي الإسمي، مع إحاطته بكل الضمانات اللازمة ليعطي نتائج تؤثر على المشهد الحزبي بالبلاد. وفي هذا الصدد، فإن نظام الدورتين هو أفضل وسيلة لإرساء أسس التحالفات التي يُمكن أن تؤدي إلى استقطاب ثنائي في الدورات الثانية. إننا نعتبر أن هذا النظام، لا زال قائما كخيار من بين الخيارات الأساسية لتي ينبغي أن تطالها المناقشة. فهذا النظام، سيرفع الحرج عن كل الأحزاب السياسية، سواء تعلق الأمر بالأحزاب الحليفة أو المنافسة، من خلال إعطاء الناخب حرية واسعة للاختيار في الدورة الأولى، والتي يجب بالضرورة أن يكون الفوز فيها مرتبطا ليس فقط بأغلبية معينة ولكن أيضا بنسبة من المسجلين. إن هذه الطريقة ستمكننا من تأجيل الحسم في جل الدوائر إلى الدورة الثانية التي ستكون دورة تقلص من إمكانيات الناخب في الاختيار لكن تمنحه دورا أوسع في «الإقصاء». كما أن ربط النجاح بنسبة معينة من عدد المسجلين، سيصعب على الراغبين في الفوز في الدور الأول من خلال شراء الأصوات غير قادرين على ذلك من جهة، وسيُبعد عنا إمكانية السقوط في التجربة الجزائرية لبداية التسعينات التي أدت إلى الحسم في أغلبية المقاعد في الدور الأول ولصالح حزب واحد في جل الحالات. إن الناخب في الدورة الثانية سيُلزم الأحزاب المتنافسة على الدخول في تحالفات على الأقل إقليمية، إن لم تكن جهوية أو حتى وطنية. وهذا هو بيت القصيد لعقلنة المشهد الحزبي، خاصة وأن الدور الثاني يُجرى وفق قواعد تختلف من دولة لأخرى مما يجعل المغرب بدوره ملزما بفتح نقاش حول القواعد المتلائمة مع الوضع المغربي: إما اعتماد التقدم للدور الثاني للحاصلين على نسبة معينة من الأصوات المعبر عنها يتم تحديده مسبقا، أو يتم الاقتصار في الدور الثاني على المرشحيْن اللذيِْن كانا في مقدمة الترتيب في الدور الأول. نمط اقتراع موحد أم أنماط متعددة؟ إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مدعو إلى الحسم في هذا الموضوع الذي تنبني عليه نتائج متعددة، تختلف باختلاف المؤسسة التمثيلية المعنية. ومن المهم جدا التمييز هنا بين المؤسسات التمثيلية المعتمدة على الاقتراع المباشر، وتلك التي تعتمد الاقتراع غير المباشر. فبخصوص الاقتراع المباشر، فإنه ينبغي اعتماد أسلوب الاقتراع الفردي الاسمي، باعتبار أن الأمر هنا له صلة بالعلاقة المباشرة التي يجب أن تربط الناخب والمنتخَب. فلا يُمكن بالنسبة لأوضاع المجتمع المغربي، وطبيعة حزبنا، أن نقطع هذه الصلة التي أدت إلى عزوف كبير نتيجة اعتماد نظام اللائحة. ويتعلق الأمر أساسا هنا بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وأعضاء الجماعات الحضرية والقروية. فهذه المؤسسات تستلزم بطبيعة اختصاصاتها وجود تلك الرابطة التي ينبغي أن تبقى قائمة بين منتخَبينا الاتحاديين من جهة والمواطنين والناخبين من جهة أخرى. (دون أن يمنعنا هذا من بعض الليونة فيما يخص اللائحة الوطنية للنساء على صعيد مجلس النواب، أو اللوائح الجماعية الإضافية الخاصة بالنساء على صعيد الانتخابات الجماعية). أما بخصوص الاقتراع غير المباشر، والمتعلق بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، وأعضاء الغرف المهنية الأربعة، وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم، فإنه لا يضرنا في شيء أن نستمر في اعتماد نظام اللائحة، لكن وفق تقنيات جديدة، تؤدي إلى إفراز أغلبيات واضحة يسهل عليها العمل «بارتياح» خلال ولايتها التمثيلية. ويُمكن هنا أن نناقش مع حلفائنا ما يلي: - إمكانية منح نسبة معينة من المقاعد المتنافس حولها للائحة التي تأتي في المقدمة؛ - إمكانية اعتماد نظام اللائحة على دورتين بحيث يتم إقصاء اللوائح التي لم تحصل على نسبة معينة من الأصوات المعبر عنها في الدور الأول. وبالإضافة إلى هذا، فإن هذا الأسلوب سيمكننا من العمل على تحسين تمثيلية المرأة من خلال جعلها تلج مؤسسات وأجهزة جديدة تكاد تكون «حِكرا» على الرجال. أما فيما يتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الجهوية، فإننا نفضل أن تتم مناقشة هذا الموضوع في إطار تصور خاص مبني على تصور حزبنا للجهوية الموسعة. خارطة الطريق: وإذا كان من الطبيعي أنه لا يُمكن في هذه الظرفية، المرور مباشرة من الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي إلى الاقتراع الفردي الاسمي في الاستحقاقات التشريعية القادمة لسنة 2012 . لذا، فإننا يجب أن نعمل وفق تصور متكامل يراعي تسلسل مختلف الاستحقاقات من خلال معالجتها انطلاقا من القاعدة. إن الاستحقاقات الجماعية القادمة، هي وحدها القادرة في البداية على إعادة ربط صلة الناخب بالمرشح. لذا، علينا الانطلاق من استحقاقات 2015 للرجوع للاقتراع الفردي، لنصل إلى استحقاقات 2017 التشريعية. وضمن هذا المسار، ينبغي الإشارة إلى إن إجراء انتخابات 2012 التشريعية ينبغي أن يُحاط بكل الضمانات التي تجعل أسلوب اللائحة يُعطي النتائج المرجوة منه، ومن ذلك: 1- العمل على عقلنة المشهد الحزبي من خلال فتح المجال أمام الأحزاب المتجذرة في المجتمع للحصول على أغلبية تمكنها من تسيير مجلس النواب من خلال أغلبية واضحة، وذلك برفع العتبة إلى 8 % ، وذلك في إطار الرفع التدريجي من هذه النسبة لتستقر في 10 % لاحقا. 2- توسيع الدوائر الانتخابية بشكل يرفع من عدد المقاعد المخصصة للدائرة. وفي هذا الصدد، نقترح أن يتم اعتبار الإقليم أو العمالة (مهما كان حجمها) دائرة انتخابية واحدة. إن الاتحاد الاشتراكي يجب ألا يتعامل مع التقسيم الانتخابي من حيث طابعه التقني، بل يجب إعطاء هذا الموضوع مكانته اللازمة كآلية عملت على زعزعة العديد من مواقع الحزب وبالتالي ضياع الاتحاد في مقاعد كانت أصلا لصالحه. 3- البحث عن طرق بديلة للمحافظة على التمثيلية النسائية ودعمها وتشجيعها. وفي هذا الصدد، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينبغي أن يكون رائدا في هذا المجال من حيث الدعوة إلى استعمال كل تقنيات دعم المشاركة السياسية للمرأة من قبيل: - الرفع من عدد المرشحات إلى نسبة معينة من ضمن مرشحي الحزب؛ - الدعم المالي للفروع والكتابات الإقليمية التي ترفع هذه النسبة؛ - تحمل جزء من مصاريف الحملات الانتخابية للمرشحات؛ - العمل على إدخال إصلاحات على نظام الدعم العمومي للحملات الانتخابية، وصندوق تشجيع تمثيلية المرأة، لجعلهما يراعيان هذا المعطى (ميزانية خاصة لدعم ترشيح النساء، رفع نسبة الدعم بنفس نسبة ترشيح النساء ضمن مرشحي الحزب، رفع نسبة الدعم بنفس نسبة فوز مرشحات الحزب ضمن مرشحيه ...)؛ - العمل على إخراج مؤسسة مستقلة لدعم تمثيلية المرأة تتولى مواكبة الترشيحات النسائية. 4- الحرص على أن ينعكس هذا التصور على مجلس المستشارين عند تجديد كل ثلث، بحيث يتم اعتماد نظام يشجع تمثيلية المرأة. وسيجد الإخوة في الملف الموزع عليهم مرفقات تتعلق ببعض الأنظمة الانتخابية المقارنة: أما بخصوص ما بمدونة انتخابات، فإننا نعتبر أن الاستحقاقات الانتخابية، التشريعية منها والجماعية والمهنية، محطة أساسية لاختيار المؤسسات التمثيلية التي ستتولى تسيير الشأن العام لمدة معينة، وأنه من المهم جدا أن يتم طرح الأسئلة الأساسية قبل أي استحقاق، وذلك من أجل تحديد الأهداف والوسائل المؤدية إليها. وإذا كان المشهد الحزبي بالبلاد لا زال يحتاج إلى تدابير كثيرة من أجل جعل المشهد السياسي واضحا، وبالتالي قادرا على استقطاب الرأي العام بصفة عامة، والناخبين بصفة خاصة، فإن الفترة التي تفصلنا عن الموعد الانتخابي ينبغي أن تكون حافزا لنقاش هادف مع كل الأحزاب التي يُمكن أن نتحاور معها بمشاركة منظمات المجتمع المدني وتحت أنظار الرأي العام الوطني. وقد لعب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دورا مهما في هذا المجال، سواء من خلال موقعه السابق كحزب معارض ينبه إلى كل الاختلالات الممكنة والتأثيرات التي قد تترتب عنها، أو من موقعه كطرف أساسي في عملية الانتقال الديمقراطي يهمه بصفة أكيدة أن ينجح هذا الانتقال ليسمح للمجتمع المغربي بالعيش في إطار دولة القانون وأن يجني ثمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. لذلك، كانت مواقف الاتحاد الاشتراكي (وستبقى) دائما مطبوعة بالموضوعية ومراعاة الظرفية وميزان القوى. ومع العهد الجديد، والأوراش الكثيرة والكبيرة التي فتحها صاحب الجلالة، كان لا بد من أن ينخرط الاتحاد الاشتراكي في هذه الصيرورة، وأن يجعل برامجه وتصوراته وطرق تسييره تتلاءم مع هذه الوضعية الجديدة في البلاد، سواء من خلال وجهة نظره لوحده أو من خلال مختلف حلفائه في الأغلبية الحكومية أو في الكتلة الديمقراطية أو في اليسار أو مع الأحزاب الصديقة. ومع اقتراب استحقاق 2012، أصبح من اللازم الشروع في فتح نقاش حول القواعد الأساسية التي ينبغي أن تحكم المسلسل الانتخابي لتجاوز بعض سلبيات الماضي، ووضع أسس صلبة لمصالحة الناخب مع صناديق الاقتراع. وقد تبنى المجلس الوطني هذه الصيغة من خلال الدعوة إلى فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية المتشبعة بضرورة الإصلاح السياسي، الذي يكون قوامه التوافق على قواعد اللعبة السياسية ووضع أسس صلبة لها مبنية على نظافة العملية الانتخابية. وهكذا، عقد المكتب السياسي عدة اجتماعات مع أحزاب شقيقة وصديقة للتحاور وتبادل وجهات النظر، والبحث عن نقط الالتقاء ونقط الاختلاف. وقد تم ذلك من خلال طرح الأسئلة الجوهرية التي ينبني عن الجواب عنها مختلف التدابير الواجب اتخاذها، والتقنيات التي يلزم للوصول إليها. وفي هذا الصدد، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبر أن مدونة الانتخابات تحتاج إلى المزيد من الإصلاحات لمعالجة الاختلالات التي يُمكن أن تلحق بعملية الاقتراع. فالنضالات التي قادها الحزب للوصول بالعملية الانتخابية إلى هذا المستوى لم يكن بالأمر الهين. لقد كانت الاستحقاقات محطات تستنفر فيها الإدارة كل أجهزتها وتسخر كل وسائلها من أجل تحريف إرادة الناخبين وتزوير المحاضر وتغيير النتائج. وقدم الحزب مقترحات عديدة من أجل تحسين مقتضيات مدونة الانتخابات والارتقاء بها لتقترب من المعايير الدولية للشفافية والنزاهة. وقد استطاع الاتحاد الاشتراكي أن يُدمج العديد من التقنيات التي تسير في هذا الاتجاه؛ نذكر من بينها: تعويض الألوان بالرموز، التصويت بالورقة الفريدة عوض الأوراق المتعددة، الرفع من عدد الأماكن المخصصة للإعلانات الانتخابية، تشديد العقوبات المرتبطة بالفساد الانتخابي، استعمال المداد غير القابل للمحو بسرعة للمصوتين، ... إلى غير ذلك مما نعتبر أنها خطوات تجعل المدونة تعرف تحسينات متوالية، لكن جوهرها لا زال لم يطله التعديل الجذري. وأقترح عليكم هنا لائحة أولية من التعديلات والإضافات التي ستساهم ولا شك في المزيد من القضاء على مظاهر إفساد العملية الانتخابية. وتتمحور الخطوط الرئيسية لهذه التعديلات في تدقيق تعامل القانون مع العملية الانتخابية في مختلف مراحلها: اللوائح الانتخابية، الترشيحات، الحملة الانتخابية، سير عملية التصويت، فرز الأصوات وإعلان النتائج، ثم الطعون الانتخابية. وأتمنى خلال النقاش الذي سينطلق ابتداء من هذا اليوم أن يتم تطعيم هذه اللائحة لتصبح اللائحة الرسمية للتعديلات التي سيتقدم بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ويدافع عنها سواء على الصعيد الحكومي أو البرلماني، أوفي تفاوضه مع الأحزاب التي يُمكن أن يفتح معها النقاش بهذا الخصوص. وسأعطيكم هنا جردا سريعا للمقتضيات التي أعتبرها أساسية: أولا: اللوائح الانتخابية 1- اعتبار بطاقة التعريف الوطنية، هي الوثيقة الوحيدة للتعريف بالهوية عند التسجيل باللوائح الانتخابية، وتبعا لذلك اعتمادها كوثيقة وحيدة عند الإدلاء بالتصويت. 2- في إطار الاقتراب من التشريع الأوروبي، حذف المقتضيات التي تمنع الأجانب من التصويت أو الترشيح في الجماعات المحلية بشرط المعاملة بالمثل، وتقليص مدة منع المتجنسين خمس سنوات إلى ما دون ذلك. 3- إسناد رئاسة اللجنة الإدارية ولجنة الفصل إلى قاض يعينه رئيس المحكمة الابتدائية، رئيسا؛ وتتكون من: رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية أو المقاطعة، عضوا؛ الخليفة الأول للعامل أو الباشا أو القائد أو ممثلوهم، عضوا؛ وعضو واحد أصلي وعضو احتياطي ينتخبهم مجلس الجماعة أو المقاطعة من بين أعضائه. 4- إيداع نسخة من اللوائح الانتخابية بكتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية، التي تصيح صاحبة الاختصاص في الطعون المتعلقة باللوائح الانتخابية. 5- إسناد التشطيب على المتوفين من اللائحة الانتخابية إلى مصالح الحالة المدنية التي يُسجل لديها التصريح بالوفاة. 6- جعل المعالجة المعلوماتية تتم بواسطة برنامج خاص يتم اعتماده لهذا الغرض، على أن تكون خاصيته الأساسية عدم قابلية تسجيل أرقام بطاقة التعريف الوطنية مرتين لنفس الشخص أو لشخصين مختلفين. يعالج البرنامج المعلومياتي اللائحة الانتخابية لكل جماعة أو مقاطعة من خلال قائمة واحدة (وليس قوائم متعددة كما هو الحال الآن، حيث لا يُمكن أن يتعدى عدد المسجلين 65000 ناخب). 7- جعل المعالجة المعلوماتية على الصعيد الوطني تتم من خلال برنامج يتم إعداده لهذا الغرض، وتتوفر فيه المواصفات المحددة أعلاه، مع السماح للأجهزة الوطنية للهيئات السياسية بالاطلاع على اللوائح الوطنية، وأخذ نسخة منها وفق شروط تحدد بمرسوم باقتراح من وزير الداخلية. ثانيا: الترشيحات 1- عدم قبول ترشيح أي مرشح لانتخابات سابقة لم يدل بما يُثبت أنه وضع حساب مصاريف حملته السابقة أمام الجهات المختصة، أو ترشيح من وضعها وتم رفضها. 2- جعل يوم الاقتراع يوم أربعاء، مع منح موظفي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والأعوان، وأجراء القطاع الخاص كامل التسهيلات لأداء واجبهم الوطني وممارسة حقهم الدستوري. 3- عدم قبول لوائح الترشيح التي تضم أكثر من مرشحيْن ينتميان إلى نفس الأسرة بالقرابة أصولا وفروعا. ثالثا: الحملة الانتخابية 1- إلزامية احتفاظ وزارة الداخلية للهيئات السياسية المشاركة في الاستحقاقات الوطنية أو الجهوية أو الإقليمية أو الجماعية أو المهنية السابقة برموزها المتعارف عليها. 2- توسيع منع استعمال رموز الدولة ليشمل بالإضافة إلى اللونين الأحمر والأخضر كل شعارات ورموز الدولة الرسمية في وثائق الحملات الانتخابية. 3- توسيع منع الحملات الانتخابية يوم الاقتراع حتى ولو كانت في شكل إلكتروني بواسطة الرسائل الإلكترونية، أو الرسائل الهاتفية كيفما كان نوعها، أو بواسطة الشبكات الاجتماعية أو التجارية العنكبوثية. 4- منع الحملات الدعائية حول حصيلة عمل المجالس الجهوية، ومجلس العمالات والأقاليم، ومجالس الجماعات والمقاطعات، والغرف المهنية طيلة مدة سنة السابقة ليوم الاقتراع، وذلك بأي شكل كانت (ملصقات، صحافة مكتوبة، وسائل سمعية بصرية، وسائل إلكترونية). 5- توسيع منع استعمال الأماكن العمومية للدعاية الانتخابية لتشمل صراحة منع استعمال أماكن العبادة ومؤسسات التعليم بمختلف اسلاكها وأنواعها، ومؤسسات التكوين المهني بمختلف درجاتها، سواء كانت عمومية أو خصوصية. رابعا: الاقتراع 1- ضرورة تحديد معدل معين لإحداث مكاتب التصويت، حتى لا يتم الإكثار من عدد المكاتب بشكل يجعل الهيئات السياسية والمرشحين غير قادرين على تغطيتها بالمراقبين. مثلا: مكتب لكل ألفي ناخب، مع معزل لكل 300 ناخب. 2- حذف إمكانية تعيين موظفي الجماعات المحلية كرؤساء لمكاتب التصويت. 3- إعطاء الأسبقية لمتقاعدي الوظيفة العمومية الذين أنهوا حياتهم المهنية دون عقوبة تأديبية في رئاسة مكاتب التصويت. 4- نشر لائحة أعضاء مكاتب التصويت بكل من مقر العمالة أو الإقليم والجماعة المعنية في اليوم الموالي للتعيين، على أن تكون هذه اللائحة محل تعديل في حالة التوصل باعتراض مقبول. وهذه الاعتراضات لا تُقبل إلا إذا كانت مكتوبة ومعللة ومقدمة من قبل الهيئات السياسية أو وكلاء اللوائح المحايدة أو المرشحين المعنيين. وتُقدم الاعتراضات باسم العامل في غضون 24 ساعة الموالية لتاريخ النشر. وفي حالة رفض الاعتراض، يتم تبليغ قرار الرفض إلى الطرف المعني خلال يومين كاملين من التوصل به من أجل الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية خلال يومين كاملين من تاريخ التوصل بالرفض. وفي الأخير يُبلغ قرار المحكمة إلى الأطراف المعنية قصد تنفيذه. ولا يقبل هذا القرار أي طعن. 5- منع تعيين أصول المرشحين أو فروعهم أو أولياؤهم أو أصهارهم المباشرين في مكاتب التصويت المعنية، ومنح المتضررين من ذلك صلاحية تنبيه الإدارة إلى ذلك. 6- إلزامية أداء رؤساء مكاتب التصويت لليمين قبل الشروع في مزاولة مهامهم. مثلا: «أقسم بالله العلي العظيم، أن أكون مخلصا في القيام بمهمتي، بحياد تام، واحترام كامل لكل ما يضمن نزاهة وشفافية الاقتراع. والله على ما أقول شهيد»، على أن يؤدي أعضاء مكتب التصويت نفس اليمين أمام رئيس المكتب قبل بداية الاقتراع، ويؤديها أعضاء لجان الفحص قبل الشروع في مزاولة مهمتهم. وتُحدد طريقة أداء القسم بنص تنظيمي. 7- عدم جواز طرد مراقب أو أكثر إلا بموافقة ثلاثة مراقبين على الأقل، مع تدوين ذلك في المحضر. 8- تجريم التوقيعات على المحضر قبل نهاية الاقتراع وكتابة المحضر. 9- تسليم المفتاح الثاني لصندوق الاقتراع بناءا على قرعة بين باقي أعضاء المكتب. 10- إلزامية عدم اهتمام الناخب داخل مكتب التصويت إلا بالإدلاء بصوته. (منع الناخب من المصافحة بالأيدي لأعضاء المكتب أو المراقبين إذا كان ذلك يؤدي إلى عرقلة سير التصويت بانتظام). 11- السماح لكل المراقبين بالتحقق من هوية الناخب في حدود عشرة لكل مراقب لكي لا يُؤدي ذلك إلى عرقلة عملية التصويت. 12- بالنسبة للناخب الذي لديه إعاقة ظاهرة والذي يستعين بناخب من اختياره، يجب أن يُضاف كل من له إعاقة مثبتة بشهادة طبية خاصة تسلمها مجانا المستشفيات العمومية. 13- منع استعمال الهاتف النقال داخل قاعة التصويت من قبل كل الحاضرين (سواء للمحادثة أو لكتابة الرسائل القصيرة) باستثناء رئيس المكتب؛ 14- مع منع استعمال الحاسوب النقال من قبل كل الحاضرين في مكتب التصويت؛ 15- منع كتابة المحاضر بأي حبر قابل للمحو بسرعة (مثلا قلم الرصاص). 16- منع جواز الاستعانة بفاحصين إلا إذا تعدى عدد الناخبين المصوتين خمسمائة (بدلا من مائتين)، مع التقليص من حالات اللجوء إلى الفاحصين حتى لا يتم إرهاق لوائح الترشيح والمرشحين بالمزيد من المراقبين. ومن الأفضل هنا أن يتم تعيين فاحصين احتياطيين بنفس طريقة تعيين أعضاء المكتب حتى تكون هوياتهم معروفة مسبقا. 17- الاحتفاظ بالأوراق الصحيحية إلى جانب الأوراق الملغاة والمتنازع حولها وغير القانونية، إلى غاية انتهاء آجال الطعن (وفي حالة الطعن يتم الاحتفاظ بها إلى غاية صدور حكم نهائي غير قابل للمراجعة). 18- في حالة تعادل الأصوات، يتم إعلان فوز الأصغر سنا بدل الأكبر سنا (لتصبح متلائمة مع انتخاب قواعد انتخاب أعضاء مكاتب الجماعات). 19- تسلم النسخ من محاضر التصويت إلى المراقبين مقابل التوقيع بالاستلام. 20- بخصوص الطعون المتعلقة بالعمليات الانتخابية، لا تخص «كل من له مصلحة في ذلك» حسب النص الحالي، ولكن فقط حسب «كل من له مصلحة في ذلك من مرشحي الدائرة» أو «كل من له مصلحة في ذلك من ناخبي الدائرة»، حتى لا يتم تمييع عمليات الطعن وإغراق القضاء بقضايا كثيرة. 21- في مجال شغور مقعد أو مقاعد يجب إضافة مقتضى يلزم الإدارة بالقيام بعملية تبليغ المرشح المؤهل بحيث أنه إذا رفضت السلطة المعنية القيام بعملية التبليغ في الآجال المحددة، جاز للمرشح المعني الطعن في ذلك. كما أن تعبير «إذا تعذر تبليغه لسبب قاهر» نبغي حذفه لأن التعبير عام جدا وقد يدفع الإدارة إلى التهاون، أو على الأقل يجب ربط هذا العذر بفترة زمنية محددة. 22- التنصيص القانوني على دور ملاحظي المجتمع المدني خلال مختلف أطوار العملية الانتخابية. خامسا: العقوبات 1- تدقيق بعض الأفعال المؤدية إلى عقوبات. مثلا تعليق الإعلانات الانتخابية في غير مكانها أو في مكان مخصص لمرشح آخر، يجب أن يتعلق الأمر بحالة تلبس أو إثبات قاطع، حتى لا يُحاول المرشحون إلصاق التهم بغيرهم. كذلك إضافة عقوبات لكل الأفعال التي تم تجريمها (الإشهار بالرسائل بالهاتف النقال ...) 2- في مجال حمل الناس على الإمساك عن التصويت، يجب إضافة مقتضى خاص بالهيئات السياسية التي تدعو للمقاطعة حتى لا تختلط الأمور. سادسا: الاستفتاءات 1- يجب تغيير طريقة التصويت بورقة «نعم» وورقة «لا»، من خلال ورقة التصويت الفريدة التي يتم من خلالها وضع علامة على «نعم» أو «لا». (حتى يتم ضمان سرية التصويت). 2- يتم الاحتفاظ بأوراق التصويت الصحيحة إلى جانب الملغاة والمتنازع حولها والأوراق غير القانونية. 3- إصلاح المادتين 129 و130، واللتان يُفهم منهما صراحة أن المكتب المركزي لا يشرع في إحصاء الأصوات إلا بعد أربعة أيام وكذلك المادة 139 بالنسبة للتصويت بالخارج. 4- السماح للمغاربة القاطنين بالخارج بالتصويت ثلاثة أيام على الأكثر قبل يوم التصويت بالمغرب. سابعا: بالنسبة لكل أنواع الانتخابات الأخرى 1- الأظرفة التي تضم الأوراق الصحيحة والأوراق الملغاة والأوراق المتنازع حولها والأوراق غير القانونية، يجب أن تكون مرفوقة بالنظير الذي يُرسل إلى المحكمة الإدارية وليس النظير الذي يُرسل إلى العمالة. 2- بخصوص الترشح في الجماعة الأصل، حيث تتوفر العائلة على إقامة رئيسية، يجب أن يثبت هذا الأصل بولادة الأب والجد. كما يجب أن يثبت الانتماء إلى الجماعة أو المقاطعة بالشهادة الإدارية للولادة وحدها (مع حذف كل الوسائل الأخرى مثل الشهادة اللفيفية). 3- رفع عدد التوقيعات بالنسبة للمرشحين غير المنتمين حزبيا إلى أكثر من 10 توقيعات مصادق عليها لكل مقعد. 4- بالنسبة للتجريد من صفة عضو على إثر فقدان الأهلية، يجب ألا تقتصر المبادرة على عامل العمالة أو الإقليم لوحدة، وإنما تُمنح هذه الصلاحية كذلك لكل من له مصلحة في ذلك (حتى لا تتهاون السلطة في القيام بهذه المهمة). ملاحظة أخيرة: إن الاقتراح الوارد في هذه اللائحة بخصوص التسجيل في اللوائح الانتخابية، هو إجراء مؤقت فقط، لأن الأصل هو أن لا يتقدم المواطن للتسجيل، بل أن يتم استخراج اللوائح مباشرة من حاسوب وزارة الداخلية موزعا على الجماعات والدوائر المعنية. فتتم عميلة التنقيح فقط. تلكم هي، أيها الأخوات والإخوان، بعض المقتضيات التي نعتبرها أرضية لفتح النقاش من أجل الإضافة والحذف والتغيير والتتميم. ولا يُمكن أن نختم هذا الموضوع، دون الإشارة إلى التحولات التي تعرفها الساحة الانتخابية نتيجة انتقال الصراع الذي كان يؤطر الانتخابات بين الأحزاب الوطنية والديمقراطية من جهة، والإدارة المشرفة على الانتخابات من جهة أخرى؛ إلى صراع ضد ظاهرة ما فتئت تتفاقم عند كل استحقاق: إنها ظاهرة انتشار استعمال المال واستغلال الوسائل اللوجيستيكية العمومية. لقد أصبح المال أداة حاسمة في السلوك الانتخابي، وتحولت وسائل الدولة والجماعات والمشاريع العمومية إلى وسائل للدعاية مما خلق منافسة غير شريفة لصالح الجهات التي تستعمل هذه الوسائل. ثانيا: على صعيد مسلسل الإصلاحات السياسية إن موضوع الإصلاحات السياسية، كان دائما في صدارة المطالب الاتحادية. فالمدخل السياسي هو فاتحة كل الإصلاحات التالية من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وحقوقية وثقافية. وهنا يجب أن نعترف أن قانون الأحزاب السياسية، كآلية لعقلنة وترشيد المشهد الحزبي والسياسي عموما، لم يحقق رهانه المتمثل في تأهيل المؤسسة الحزبية وحل معضلاتها لكي تنهض بمهام التأطير والوساطة والتمثيلية وإنتاج النخب، كما سجل ذلك التقرير التركيبي المعد من قبل لجنة تقييم انتخابات 07 شتنبر 2007 . لذا، ستلاحظون بأنه سيتم تخصيص حيز مهم لهذا القانون على حساب الإصلاحات السياسية الأخرى. 1- على صعيد قانون الأحزاب: إن موضوع قانون الأحزاب لا يزال أحد المفاتيح الأساسية التي ستُمكن من معالجة المشهد الحزبي، فلا أحد يُجادل في كون هذا المشهد أصبح محتاجا إلى إعادة التنظيم. حقيقة أن المغرب كان قد وضع أسس التعددية الحزبية في العقد الأول لمرحلة الاستقلال، لكن التطورات اللاحقة دفعت في اتجاه المزيد من «التعددية» تحت مبررات ظرفية، أدت تدريجيا إلى تضخم عدد هذه الأحزاب دون أن يوازي ذلك تعدد في البرامج السياسية المُعتمدة. ورغم أنه كان معولا على قانون الأحزاب السياسية أن يؤدي إلى عقلنة المشهد الحزبي، فإن أي شيء من ذلك لم يقع، مما ينبغي معه ضرورة إعادة طرح السؤال حول المشهد الحزبي الذي نريده لبلادنا. ينبغي القول في البداية، أنه من غير المقبول اعتماد الطرق القسرية للتقليل من عدد الأحزاب، وإنما يجب أن بتوفر المغرب على العديد من التقنيات المعقولة في النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بالحياة السياسية والتي تؤدي إلى دفع الأحزاب نفسها إلى التحالف أو الاندماج. وهنا ينبغي أن يلعب أسلوب الاقتراع ونظام العتبة دورا مركزيا، إلى جانب التمويل العمومي الذي يجب أن يكون متلائما مع الحضور الفعلي للأحزاب في الساحة السياسية. إن الدافع وراء هذا الهدف، ليس هو النية الاقصائية، ولكن فقط الرغبة في جعل عدد البرامج السياسية المطروحة للتنافس متطابقا أو مقتربا من عدد الأحزاب السياسية المتنافسة. فلا يُمكن أن نقنع المواطن، وبالتالي الناخب، بأن البرامج المتنافسة لا تتعدى مثلا خمسة أو ستة برامج، وأن الأحزاب المؤهلة لحمل هذه المشاريع هي 30 حزبا !!. إن هذا الغموض هو الذي يدفع المواطن إلى عدم متابعة الشأن العام، ويدفع الناخب إلى العزوف عن صندوق الاقتراع. لذا، فإذا كنا نريد فعلا مشهدا حزبيا معقلنا، فعلينا تحضير الشروط الموضوعية اللازمة لذلك، خاصة وأن المغرب مقبل على اعتماد نظام الجهوية الموسعة، والتي قد تكون فاتحة لتأسيس أحزاب جهوية. كما أن عدم فعالية قانون الأحزاب لحد الآن يجب أن يُستتبع بفتح نقاش لإدخال بعض التعديلات عليه ليصبح متلائما مع المستجدات التي تلت إخراجه لحيز الوجود. لقد فشل قانون الأحزاب السياسية في الحد من إحدى أخطر الظواهر السياسية بالبلاد، والمتمثلة في «الترحال» الحزبي. فرغم أهمية المادة الخامسة، فإن المنظومة العامة لمختلف المواد تجعل منها ذات أهمية ثانوية، خاصة وأن العقوبات المقررة لا تعدو أن تكون غرامات مالية يُمكن تجاوزها بسهولة. وأقترح عليكم في هذا الصدد: - التنصيص صراحة على التجريد من الصفة التمثيلية عن كل «ترحال» حزبي من أجل وضع حد لهذه الظاهرة؛ - تعميم هذا التجريد على كل الصفات التمثيلية، التشريعية منها، والجماعية والمهنية؛ - إدماج هذا المقتضى ضمن مدونة الانتخابات؛ - سحب كل الإشارات التي يُمكن أن تُشكل ثغرة لحماية «الترحال»، وذلك من خلال إلزام الأحزاب السياسية على وضع مسطرة للانسحاب منها تكون متماشية مع المقتضيات السابقة. 2- على صعيد الحقوق والحريات العامة: وبخصوص مجال الحقوق والحريات العامة بالبلاد، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن الخطوات النوعية التي حققها المغرب، تحتاج إلى المزيد من الترسيخ بهدف قطع الطريق على كل احتمال للرجوع بالأوضاع إلى الوراء. وفي هذا الصدد، فإن إعادة النظر في قوانين الحريات العامة من خلال المزيد من التوسيع والتقليص من إمكانيات المنع، يجب أن يتم في المجالات الثلاثة الأساسية: الصحافة والنشر، التجمعات العمومية، وتأسيس الجمعيات. ومن خلال إعادة النظر في هذه القوانين ينبغي بالتزامن مراجعة كل ما يمس الحريات العمومية في قانون المسطرة الجنائية. كما أن استكمال تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى رأسها كشف الحقيقة الكاملة لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة، سيؤدي إلى الطي النهائي لملف المختطفين وبالتالي لما أصبح يُعرف بسنوات الرصاص. وفي مجال الفضاء الإعلامي السمعي البصري، فإنه ينبغي الانتقال إلى مرحلة أرقى من خلال إصلاح القطب العمومي وإعادة النظر في السياسة الإعلامية العمومية بما يضمن إعادة التصالح بين المواطن المغربي ووسائل إعلامه الوطنية، ومنحها مصداقية دولية, وبالموازاة مع ذلك فإن توسيع ولوج الخواص إلى هذا المجال لا يُمكنه إلا أن يخلق تنافسا وطنيا يعود بالخير على وسائل الإعلام التي ستجد نفسها مجبرة على تطوير وسائل عملها، وجعله يرقى إلى عالم الاحترافية، وبالتالي القدرة على المنافسة الإقليمية والدولية. وفي الأخير، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن تسريع مسألة إصلاح نظام العدالة في المغرب، سيكون له وقع إيجابي على مختلف المتعاملين مع مرفق القضاء، وسيؤدي إلى المزيد من ترسيخ دولة الحق والقانون، وبالتالي المساهمة الفعالة في القضاء على كل مظاهر الفساد التي تمس بسمعة المغرب. 3- على صعيد الإدارة الترابية للبلاد: إن سياسة إدارة التراب الوطني المعتمدة لحد الآن، رغم العديد من المظاهر الإيجابية التي تتميز بها، فإن الاتحاد الاشتراكي يعتبر أنها لا زالت تحتاج إلى المزيد من التوطيد. فالمغرب الذي قدم مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، وفتح ورش الجهوية الموسعة، يجب أو يواكب ذلك سياسة متقدمة على مستويين: فعلى مستوى اللاتمركز، فإن العديد من القطاعات لا زالت تحتاج إلى إدخال تقنيات عديد تُمكنها من مجاراة التطورات الحاصلة على مستوى اللامركزية؛ وعلى مستوى الهيئات اللامركزية الترابية، فإن نظام الجماعات المحلية الحضرية والقروية، ونظام مجالس العمالات والأقاليم، يستحق المزيد من الاستقلالية في العمل ووسائل مادية كافية للقيام ببرامج تكمل سياسة الدولة من جهة، وتُجسد سياسة القرب من جهة أخرى. 4- على صعيد إنجاح الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي: إن المغرب، بفضل الأوراش الكبرى التي فتحها، قد حصل على فرصة تاريخية للاندماج في صيرورة التنمية بشكل متناسق مع دول الاتحاد الأوروبي. وعليه، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب، ينبغي أن يكون حافزا للحاق على الأقل بالحد الأدنى المشترك من التدابير والقوانين والأنظمة والقواعد المعتمدة في الاتحاد الأوروبي. لذا، فإن إنجاح هذا الوضع المتقدم، مسؤولية مشتركة بين كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، حتى يربح المغرب هذا الرهان. خاتمة: أما بخصوص موضوع الإصلاحات الدستورية، فإنه قد سبق للاتحاد الاشتراكي أن عبر عن رأيه بوضوح فيما يخص هذا الموضوع. فالتراكمات التي تحصل أمامنا بشكل متزامن مع الأوراش الكبرى التي تعرفها البلاد، ستؤدي بصورة تلقائية إلى طرح موضع الإصلاحات الدستورية. إن الحسم في مواضيع عديدة، كمسألة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، والجهوية الموسعة، والمسألة اللغوية، وعقلنة العمل البرلماني واستكمال تنفيذ توصيات هيئة الإصلاح والمصالحة... سيؤدي إلى فتح ملف الإصلاحات الدستورية.