قال علي بوعبيد إن النداء الذي أطلقه مع مجموعة من رفاقه لإعادة بناء الاتحاد الاشتراكي يحتوي على ثلاثة محاور هي إعادة تقييم الخط السياسي للحزب على خلفية نتائج استحقاقات 7 شتنبر، ثم مراجعة بنية الحزب على المستوى التنظيمي وطريقة اشتغالها، وفي النهاية إعادة فهم تموقع الحزب في المشهد السياسي في الوقت الحالي على المستوى الإيديولوجي وعلى مستوى القيم وأضاف بوعبيد في حوار للزميلة «لوسوار» أن الناخبين لديهم شعور بأن انخراط الاتحاد الاشتراكي في تسيير الشأن العام أدخل الحزب في شكل من أشكال العزلة السياسية. - في أكتوبر 2007، كان هناك نداء إلى إعادة بناء حزب الاتحاد الاشتراكي، وقد كنت من بين الموقعين عليه. ماذا كانت أسس هذا النداء؟ < هذا النداء جاء مباشرة بعد الانهيار الانتخابي في شتنبر 2007، الذي أصاب مصداقية وشرعية الاتحاد الاشتراكي بالدرجة الأولى، والمشهد السياسي بصفة عامة. وهذا النداء هو رد أولي على ما وقع، واجتمعت حوله آراء العديد من المناضلين من بينهم حسن طارق، وسفيان خيرات، وعبد الهادي دومو، وعمر بلافريج وآخرون. ويحتوي هذا النص على ثلاثة محاور أساسية: إعادة تقييم الخط السياسي للحزب على خلفية نتائج استحقاقات 7 شتنبر، ثم مراجعة بنية الحزب على المستوى التنظيمي وطريقة اشتغالها، وفي النهاية إعادة فهم تموقع الحزب في المشهد السياسي في الوقت الحالي على المستوى الإيديولوجي وعلى مستوى القيم. الفكرة هي أنه من بين الرسائل التي وجهها المغاربة إلى الأحزاب، بصفة عامة، وإلى حزب الاتحاد الاشتراكي، خاصة، بعد تلك الاستحقاقات الانتخابية أن هناك طلبا لنوع من التجانس والتناسق في مسار ديمقراطي ضبابي. كما عبرت الفئات المتوسطة في الوسط الحضري عن نوع من حالة الدفاع الذاتي في وجه الطبقة السياسية في عمومها والاتحاد الاشتراكي خصوصا. - ماذا تقصد ب«مسار ديمقراطي ضبابي»؟ < هذا يعني أن الناخبين لديهم شعور بأن انخراط الاتحاد الاشتراكي في تسيير الشأن العام أدخل الحزب في شكل من أشكال العزلة السياسية، مادام لم يعد هناك أي انسجام بين مواقفه التقليدية وممارساته في الحكومة وتنظيمه الداخلي. كل هذا يحدث وكأن حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يحمل مشروعا تحديثيا في المغرب، صار وكأنه يخضع لنوع من الواقعية التدبيرية التي أدت إلى تقديمه تنازلات متعددة. حين يحاول الاتحاديون تعليل مشاركتهم في الحكومة فهم ينتقلون من «ضرورة متابعة الإصلاحات» مرورا ب«المنهجية الديمقراطية» وصولا إلى «الالتزام في إطار الكتلة»، وهنا يفقد الاتحاد مصداقيته. كل هذه التفسيرات صارت تثير نوعا من السخرية، لأنها، في مضمونها، لا تقاوم أدنى اختبار سياسي، ولأن كل الأطراف السياسية يمكنها اليوم أن تطالب بما يطالب به الاتحاد، كل شيء يحدث وكأننا تقلصنا وتمسكنا بالرموز فقط، هذه الأخيرة التي لها أهميتها، ولكنها تخفي بشكل سيئ المخاوف التي تسيطر على مآل المسار الديموقراطي. - ينطلق في 14 يونيو المقبل مؤتمر الاتحاد. ويجري الحديث اليوم عن ترشحك على رأس لائحة مستقلة. هل تؤكد هذا الأمر، وما هي طموحاتك؟ < نعم أؤكد ذلك.. مع مجموعة من الأصدقاء الذين يشكلون النواة الصلبة لنداء إعادة التأسيس، وسنجرب إمكانية إطلاق لائحة مستقلة في المؤتمر. وهذه الفرضية لازالت قائمة. وعلى العموم، ترشيحنا يقوم على نقطتين أساسيتين: الأولى مرتبطة بضرورة توضيح، أو بالأحرى تصحيح، الخط السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كرد ضروري على العقوبة التي تعرض إليها الحزب في استحقاقات السابع من شتنبر 2007. من وجهة النظر هاته، وعلى أساس واقع الامتناع الذي شكل حالة صدمة، بغض النظر عما إن كانت تمس الاتحاد الاشتراكي لوحده، فهي تمس مصداقية المسار الديمقراطي ككل، وتضعه موضع سؤال. وفي الواقع، هذا الأمر يضعف واحدة من المؤسسات المحورية للديمقراطية، وهي مؤسسة البرلمان، التي هي أصلا محاصرة دستوريا. وهنا نلاحظ أن تقديم إجابة في مستوى الرهان السياسي تزيد في الاعتبارات الحسابية الخاصة بالنتائج التي حصل عليها كل حزب، والتي على أساسها يمكنه مساءلة النظام السياسي ككل. الرهان المحوري يقوم اليوم على أساس إعادة إعطاء المصداقية لمشروع بناء مجتمع ديمقراطي، بآليات ديمقراطية. النقطة الثانية مرتبطة بإظهار أنه يوجد داخل حزب الاتحاد الاشتراكي جيل من المناضلين يغترف من إرث الماضي القريب، ويستطيع في نفس الآن بلورة قيم التقدم، كما أنه قادر على حمل مشروع سياسي لواقع آني في قراءته للرهانات، بالإضافة إلى أنه مجدد في طريقة اشتغاله، بمعنى آخر، مشروع سياسي مرتبط بنظامنا القيمي وليس بمتطلبات التيارات وانتظارات مجتمع في أوج طفراته، إنه في النهاية مشروع سياسي على مقاس الرهانات. - في نظرك، ما هي أهم رهانات المؤتمر المقبل؟ يجب على المؤتمر أن يعلن نهاية فترة «الاستراحة» بالنسبة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، هذا الأخير الذي ظل، منذ 2001 وعلى مستويات عدة، يلعب «لعبة السحرة الهواة» في اتجاه الهزيمة: بالتكيف مع كل المراحل بطريقة سلبية وراضية وبمنطق تدبيري دون روح، وفي غياب واقعية سياسية. وهذه العزلة السياسية، التي أبرزتها استحقاقات 2007، يجب على المؤتمر أن يجد لها تفسيرا وأن يعلن عن تدشين مرحلة جديدة في حياة الحزب، بتحديد تموقع واضح للحزب في مسار إعادة البناء السياسي الذي يعرفه المغرب. المهم بالنسبة إلينا الآن وبدرجة أولى هو مشروعنا. ونحن نشتغل عليه لإعطائه محتوى خط جديد داخل الحزب، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى التنظيمي. فعلى المستوى الأول، سنعمل وبكل شفافية، على اختبار معنى مشاركتنا الحكومية، ليس على علاقة برهانات حسابية بحتة أو شكلية، ولكن على علاقة بمنظور قلق من مآل ما بعد شتنبر 2007. وسيكون على المناضلين تقديم جواب حاسم عن سؤال أساسي: هل ستكون مشاركتنا في مستوى الرهانات؟ وضع الخط السياسي للحزب تحت الضوء يشمل أيضا علاقاتنا بالكتلة والأغلبية، التي يجب توضيحها، وطبيعة المشاركة الحكومية، وتوضيح مفهوم «المساندة النقدية»، وعلاقاتنا باليسار غير الحكومي.. إلخ. - كيف تقيم العلاقات مع الكتلة؟ وماذا بقي منها اليوم؟ < منذ وقت ليس بالقليل، الكتلة لم تعد موجودة إلا على الأوراق، ولم تعد تحمل أي خط سياسي ولا أي انضباط على مستوى تدبير الشأن العام، سواء على مستوى التضامن الحزبي أو البرلماني من خلال تقديم مواقف مشتركة، وهذا أمر واضح ولا جدال فيه ويمكن البرهنة عليه بأمثلة كثيرة. والشيء المقلق هو أن هذا الغياب ينعكس لا محالة على مآل المشروع الديمقراطي. ويجب التذكير في هذا الصدد بأن هذا الأخير هو الهدف الاستراتيجي للكتلة، والذي لم يشمله أي نقاش عميق في هذا التحالف. في الواقع، الكتلة اليوم ليست لها أية مصداقية في أهدافها الاستراتيجية ولا التكتيكية، غير الموجودة بالمطلق. وبالتالي، يجب إعادة قراءة ميثاق الكتلة لتتم ملاءمته مع التحولات التي عرفها المشهد السياسي المغربي منذ 1992. هذا النص هو اليوم مجهول ومتجاوز. وإذا كان هذا النص بقي على حاله، فإن شروط نقله إلى أرض الواقع يجب إعادة النظر فيها وتحيينها. - هل تعتقد أنك ستستطيع إغراء الناخبين من خلال هذا النوع من الخطاب؟ < في هذا الوقت، لا أظن. فالمهم بالنسبة إلينا الآن هو تحقيق قفزة داخل الحزب وأن يقطع المؤتمر المقبل مع تلك التوجيهات العامة. هذا القرار هو الذي سيمكن من إعادة التصحيح للخط السياسي، ويجب على المترشحين أن يعلنوا عن رغبتهم في ذلك. سنوجه الخطاب الذي طرحت السؤال حوله إلى الناخبين المغاربة في استحقاقات 2009، أما الآن فما يهمنا هو الرهان الداخلي، ولكن في نفس الوقت يجب توجيه رسالة إلى الرأي العام. - أنت ابن عبد الرحيم بوعبيد، هل يعطيك هذا الأمر شرعية أكبر داخل الحزب؟ < أنا في الاتحاد الاشتراكي منذ سنة 1983، ولم يكن لدي أي إحساس بأن هناك تعاملا تفضيليا مع شخصي مقارنة بالباقين. بالتأكيد أنا أحمل اسما عائليا وإرثا، وأنا بالتأكيد فخور بذلك، لكن لي أيضا اسمي الشخصي الذي يعرفه المناضلين، وقد منحني الفرصة مرات عديدة لتقديم وجهات نظري طيلة أيام الإعداد للمؤتمر، والمناضلون يعرفون جيدا مضامينها. - ما هو تعليقك على موضوع الساعة، أي الهمة وحركته؟ < يبدو لي أن المشروع السياسي الذي يحمله عالي الهمة، والذي بلا شك تقف وراءه النية الحسنة والعمل التطوعي، يحمل في غايته تنوعا من الأجناس التي تبدو في النهاية غير منسجمة مع ما يتوخى من إصلاح للساحة السياسية في المغرب، ويستعمل الضوابط الديموقراطية والتي تنبني أساسا على المساواة بين الفاعلين السياسيين أمام القانون وأمام المؤسسة الملكية. يقدم المشروع نفسه على أنه جواب عن «الفراغ السياسي»، وعلى أنه نموذج مضاد لشرعنة الالتزام السياسي الكلاسيكي رافعا شعارات مثل القرب والاستماع والمشاركة... باختصار « سياسة من الأسفل» سر وجودها هو دعم من الأعلى الذي تنعم هي بصلة مميزة معه. أعترف للسيد الهمة، شأنه شأن أي مواطن مغربي، بحقه في أن يكون له التزام سياسي، بل إنني أميل إلى الاعتقاد بأنه مفيد للديموقراطية والمصلحة العامة، أضف إلى ذلك أنه في وضعه السابق كوزير منتدب في الداخلية لعب دورا حاسما في إخراج عدد من الأوراش المجتمعية المهمة إلى الوجود مثل المصالحة ومدونة الأسرة والاعتراف بالتعددية الثقافية وتنظيم الحقل الديني... لهذا يبدو لي أن مغادرته لهذه الوزارة كانت سابقة لأوانها، كما أنني أرى أن «الفراغ السياسي» يرجع أيضا وبلا شك إلى غياب رؤية واضحة لمصير توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وخاصة على مستوى الإصلاحات الدستورية. إنني في الواقع أجد أنه من المؤسف أن «إعادة التكوين القسرية» للحقل السياسي القادمة من أعلى والتي يبدو أن السيد الهمة متجند لها، تجعله يزج بالمؤسسة الملكية في الحلبة السياسية. إنه يتحدث عن ارتباطه بالتوجهات الملكية كما أنه يستفيد من صفته صديقا للملك كامتياز لا يمكن أن يتفوق عليه الثلاثمائة عضو أو يزيد من المنتخبين الذين يكونون مجلس النواب. هل يجب أن يكون المرء منتخبا وصديقا للملك لكي تستفيد جماعته من تعبئة لوسائل الدولة قل نظيرها؟ من الصعب أن يكون للإنسان ثلاثمائة صديق في آن واحد كما أنه من الصعب على مالية الدولة أن تتحمل كل هذا. من حيث الجوهر، يبدو واضحا أن مايفرض نفسه هنا هو التصور الذي لدينا عن دور المؤسسة الملكية. وأقول هذا لأن ما يحدث يحيلنا على نقاش عام 1960. في نظري، موقع الملك يجب أن يكون هو موقع المشرف الضامن لعدم العودة عن خيار الديموقراطية كمشروع مجتمعي، يبقى الملك محايدا ويترك لمختلف الفاعلين السياسيين أن يعيشوا هذه الديموقراطية بشكل يومي في مناخ من التعددية. وكل الفاعلين السياسيين، المتمسكون هم أيضا بالملكية، مطالبون بالالتزام هم أيضا بهذا التصور في منظوره الاستراتيجي. ويبقى على كل واحد من هؤلاء الفاعلين أن يجد الوسيلة المناسبة لتنفيذه من خلال تسطير البرنامج الذي يراه مناسبا والذي يتحمل وحده المسؤولية في تبنيه حتى تؤدي ميكانيزمات المسؤولية دورها الحقيقي. إذن، وحيث إنه وقع في منزلق الخلط بين الأجناس والأدوار المغلوطة في العمل الديموقراطي، فإنه من السيئ أن يسمح تنظيم سياسي لنفسه بالاستفادة من وضعية الارتباط بالتوجهات الملكية. كما أنه من البديهي التذكير بأن المبادئ الديموقراطية تحيل على منظومة من القيم التي يصعب فصلها عن قانون من السلوكات التي تعطيها معناها وجوهرها. < ترجمة فؤاد مدني