عبد الكريم بن عتيق/ الأمين العام للحزب العمالي "للمشعل" كعادته دائما بدا عبد الكريم بن عتيق الأمين العام للحزب العمالي واثقا من معتقداته السياسية إلى درجة التوحد، فقد أكد منذ بداية لقائه بالمشعل أنه مرتاح للنتائج التي حققها حزبه في الانتخابات التشريعية التي عرفتها بلادنا في السابع من شتنبر 2007، على اعتبار أن حزبه حديث النشأة لا يتجاوز عمره الافتراضي سنة ونصف، ورغم ذلك فقد تمكن من تغطية سبعين دائرة انتخابية بالإضافة إلى تقديم لائحة وطنية للنساء والتي حققت بدورها وفي ظرف وجيز نسبة مهمة تمثلت في حصولها على 140 ألف صوت، وفي ذات الحوار أشار بنعتيق إلى أن الهدف الذي سطره هو الانتخابات البلدية لسنة 2009 وكذا التحضير للانتخابات التشريعية ل 2012، وأعرب بن عتيق عن أمله في أن تكون نتائج الانتخابيات التشريعية الأخيرة والتي أفرزت لأول مرة قطبية حقيقية بحيث يمكننا الحديث عن إسلاميين ومحافظين ويمين ليبرالي ثم أحزاب الوسط في مقابل أحزاب اليسار والتي تمكنت ولأول مرة من الحصول على 78 مقعدا، وفي نفس السياق أشار بنعتيق إلى رغبته في أن تكون المرحلة الحالية مناسبة للقطيعة مع التحالفات التي أملتها الظروف السياسية والدخول في تحالفات تغطي الأسبقية لانتماءاتها واختياراتها الإيديولوجية. كيف ترون وضعية حزبكم بعد الانتخابات الأخيرة؟ نحن حققنا نتيجة إيجابية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الحزب فتي، انطلق منذ سنة ونصف استطعنا خلالها خلق آلية تنظيمية شاركنا عبرها في سبعين دائرة انتخابية بالإضافة إلى تقديم لائحة وطنية للنساء والتي حققت في ظرف وجيز نسبة مهمة تجلت في الوصول إلى 140 ألف صوت لصالح اللائحة النسائية التي قدمها الحزب العمالي، على العموم نحن مرتاحون لهذه النتيجة التي حققناها في ظرف وجيز ما دام هدفنا الذي سطرناه هو الانتخابات البلدية 2009، والتحضير للانتخابات التشريعية 2012. من يلاحظ الحركية التي كنتم تتحركون بها قبل الانتخابات يشعر بأنكم كنتم تحضرون لاكتساح المشهد الحزبي المغربي، أليس كذلك؟ نحن إذا رجعتم إلى كل تصريحات الحزب العمالي لم نقل أبدا إننا سنكتسح، وكنا دائما نردد أننا نستعد ل 2012، فإذا كان نشاطنا وتواجدنا وديناميكية الحزب العمالي جعلت الملاحظين يرون فيه حزبا سيكتسح، فهذا جيد أما نحن فقد كنا متواضعين باعتبارنا قد خبرنا الحياة السياسية ونعرف أن أي حزب لكي يتكيف ويتجذر على المستوى الانتخابي لابد من بعض الوقت، وفي اعتقادي خمس سنوات محطة عادية لاستيعاب وفهم قضايا الواقع والتمرس على خصوصية الميدان وخلق آلية انتخابية قادرة على الاكتساح. ما هي الأسباب الحقيقية لتعثركم كأمين عام للحزب العمالي في الفوز بمقعد برلماني؟ لم نتعثر فقد دخلنا المنافسة وكان التحدي الأول هو جعل الحزب يتمتع بموقع شعبي بمدينة الرباط لتحقيق هذا الهدف، ويمكن أن نقول إننا اكتسحنا الآن مدينة الرباط، ونحضر من موقع قوي للاستحقاقات البلدية 2009 ولكن أهدافنا التي سطرناها على المستوى الداخلي ولم نعلن عنها للصحافة هي الترشح من اجل المنافسة على مقعد برلماني وأيضا التواجد الشعبي من أجل التحضير للانتخابات البلدية 2009، وهذا هدف حققناه في مجموعة من المناطق ومجموعة من المدن. ماتقييمكم لنتائج الأحزاب السياسية المؤسسة مؤخرا (أي الحديثة التأسيس)، ألا ترون أنها تفتقد إلى امتداد شعبي وبالتالي لم تساهم إلا في بلقنة المشهد السياسي المغربي؟ نحن لم نقم بعد بتقييم شامل للخريطة السياسية نظرا لأن هذا الأمر يتطلب شيئا من الوقت لكن ما يهمنا هو أن الحزب العمالي في ظرف وجيز استطاع أن يحقق نتيجة جد إيجابية مقارنة مع النتائج التي حققتها أحزاب أخرى، وهذا سيجعلنا أكثر قوة وأكثر صلابة لمواجهة التحديات المستقبلية سواء كانت تنظيمية أو تأطيرية على المستوى السياسي أو التحديات الانتخابية. ما أود الحديث عنه هو تلك الأحزاب التي لم تحصل على مقعد أو مقعدا واحدا أو مقعدين على أكبر تقدير؟ أنا أترك صلاحية التقييم لهذه الأحزاب، وأيضا للجرائد الوطنية وأيضا للملاحظين والمختصين في مجال متابعة وقراءة نتائج الانتخابات. جل زعماء الأحزاب السياسية يقولون إن الانتخابات كانت نزيهة رغم أن حجم الخروقات التي لمسها المراقبون الدوليون والمحليون كثيرة ومتعددة ومنها استعمال المال، استغلال موارد الدولة إلخ، ما رأيكم في هذه المسألة؟ الانتخابات كانت نزيهة إذا ما قورنت مع الانتخابات السابقة والتي كانت تتدخل فيها الدولة لصنع الخريطة السياسية، هذا موقف يمكن أن يلمسه أي ملاحظ، وأي متتبع موضوعي سيقر به، إذن حققنا قفزة سياسية أساسية تجعل من المغرب بلدا منظما للانتخابات بشكل نزيه بنفس المواصفات التي تنظمها دول أخرى، هذا أساسي، لكن الملاحظ هو أن هناك ظاهرة قلت في السابق إنها بمثابة السرطان الذي يخترق الجسم السياسي المغربي وهي استعمال المال من أجل الحصول على مقعد، هناك مجموعة من المرشحين في جل الأحزاب المغربية، استطاعوا التموقع داخل الأحزاب والحصول على تزكيات منها استعمال المال الحرام والفاسد للحصول على مقعد، إذن نحن أمام ظاهرة خطيرة ومواجهتها تقتضي أولا المواجهة الواسعة للمواطنين، وكذا إعادة النظر في نمط الاقتراع، لأن نمط الاقتراع الحالي يساعد على إعطاء المال كرشوة للمواطنين. نحن نطالب بنمط الاقتراع بدورتين وكذلك بإعادة النظر في التقطيع الانتخابي الذي يجعلنا أمام دوائر شاسعة من الصعب التواصل معها ومن الصعب متابعة مجرياتها ومن الصعب التحكم فيها. إذن التحدي المستقبلي للدولة والأحزاب السياسية وكذا المجتمع هو الحد من استعمال المال الحرام لأن الذي يعطي المال يساهم في خلق ثقافة الفساد داخل المجتمع عوض تأطيره بقيم نبيلة ونزيهة، فإذن نحن أمام ظاهرة سياسية واجتماعية يجب أن تتعبأ كل الطاقات وكل أصحاب النوايا الحسنة وكذا الدولة لمواجهتها عن طريق إعادة النظر في مجموعة من الميكانيزمات والآليات التي تتحكم في العملية الانتخابية ككل، إذن انتصرنا في الشطر السياسي ونحن أمام تحدي آخر هو مرض اسمه توزيع المال في الانتخابات. ألا ترون أن أزمة المشهد السياسي المغربي تتحملها الأحزاب التقليدية أو الأحزاب التقدمية لأنها وبسبب غياب الديمقراطية الداخلية تولدت لدينا أحزاب يصعب إحصاؤها؟ ما أود أن أنبه إليه هو أن أكبر تكتل في المؤسسة التشريعية الحالية هو اليسار لأن مجموع اليسار له 78 مقعدا وبالتالي فكل هذه الأحزاب يسارية بهويتها ولم تخلق على أساس تكتل، فالمجتمع المغربي رغم ضعف المشاركة ورغم النسبة المأساوية للمشاركة أعطى لليسار قوة حقيقية على مستوى المشهد التشريعي، هذا المعطى الأساسي الذي لم ينتبه إليه مجموعة من الملاحظين والمتتبعين للاستحقاقات التشريعية الأخيرة بالمغرب. يبقى الآن أن اليسار مطالب بأن يعيد النظر في آليات اشتغاله وعلاقاتها بالمجتمع حتى يتحول هذا التكتل من تكتل تشريعي قوي إلى اكتساح مجتمعي حقيقي ومطالب كذلك بخلق ديناميكية على مستوى الغرفة التشريعية تجعل منه تكتلا قادرا على أن يتحول إلى قوّة اقتراحية وقادر أن يجعل من الغرفة التشريعية مؤسسة منفتحة على المجتمع. تتحدثون عن اليسار المغربي وكأنه كتلة متجانسة بينما هو عبارة عن مجموعة من الأطياف المتباينة؟ هنا أود أن أشير إلى أنه حتى في الديمقراطيات العريقة ليس هناك تكتل متجانس، التكتلات لا تعني بنية تنظيمية موحدة، مثلا في فرنسا نجد الحزب الشيوعي، الخضر، الحزب الاشتراكي، وانتماءات أخرى لليسار كما في كل الديمقراطيات، إذن لماذا لا يشكل اليسار المغربي تكتلا تنظيميا ما دامت الهوية الإيديولوجية لمجموعة من الأحزاب التي حققت اكتساحا نسبيا مقارنة مع تكتلات أخرى في البرلمان المغربي هو اليسار المغربي الذي حقق 78 مقعدا في مقابل شتات آخر يضم الإسلاميين والمحافظين والوسط واليمين، إذن فكل هؤلاء يفتقدون هوية إيديولوجية موحدة، في حين إن اليسار عامة يعلن أنه ينتمي إلى اليسار الاشتراكي الديمقراطي، هذا المكتسب لأول مرة يحققه اليسار المغربي في تاريخ الانتخابات التشريعية، أما كيف سنشتغل في المستقبل فهذا نقاش آخر. تتحدثون عن أحزاب بهوية يسارية وإيديولوجية مشتركة رغم أنهم يطبقون برامج بوصفات ليبرالية؟ لا، لا "يمكن ما لم تطلعوا على البرامج". أقاطعه، كنموذج حزب الاتحاد الاشتراكي، كحزب يساري، هل طبق برنامجه الحزبي اليساري؟ بالنسبة للاتحاد الاشتراكي يمكن أن تسألي مسؤوليه وسيجيبونك بأنه لم يكن لوحده في الحكومة وإنما كان بمعية تكتل مشكل من مجموعة من الأحزاب، فإذا أردت الحديث حول تطبيقه للبرنامج السياسي؟ يجب أن نتسائل أولا هل التكتل مندمج إيديولوجيا، هل هو يسار مع وسط أو هل سيحكم اليمين مع المحافظين أو مع الإسلاميين؟ آنذاك نسائل هل الأحزاب طبقت برامجها، أما في المراحل السابقة ونظرا لاعتبارات سياسية ومن أجل خلق تواصل وانتقال سلس أن تتم تحالفات مع أغلبية غير منسجمة إيديولوجيا، الآن البرلمان الحالي رغم ضعف المشاركة، وهذا هو الأساس، أعطى قطبية حقيقية، هناك الإسلاميون، هناك المحافظون، هناك اليمين الليبرالي، هناك أحزاب الوسط وفي المقابل هناك أحزاب اليسار. هل هذا يعني أن هذه المرحلة ستكون كتجاوز للتحالفات الهجينة التي عاشها المشهد السياسي من قبل؟ نحن نتمنى ذلك، أن نبتعد عن التحالفات التي ليست هجينة وإنما أن نبتعد عن التحالفات التي أملتها ظروف سياسية لأن الأسبقية كانت للوطن، الآن الوطن مستقر كما أنه عرف دخول مرحلة البناء الديمقراطي بشكل تدريجي. المطلوب الآن من كل الأحزاب السياسية أن تعطي الأسبقية لانتماءاتها واختياراتها الإيديولوجية والتي على أساسها ستبنى تحالفات ستدفع بها إلى تقديم تنازلات على مستوى برامجها وعلى مستوى اختياراتها. ما دمتم تحدثتم عن ضعف المشاركة السياسية، ألا ترون أن المؤسسات المنتخبة ب 37 بالمائة بعد انتخابات 7 شتنبر لن تكون ذات مصداقية لدى الشعب المغربي؟ هناك قرائتين للانتخابات في العالم أجمع وفي الدول الديمقراطية ولو كانت نسبة المشاركة ضعيفة، فالمؤسسات تعتبر شرعية باعتبار أنها حظيت بثقة الناس الذين شاركوا. إذن هذا منطلق عددي وهو منطلق ديمقراطي، لكن بالمقابل وبالفعل فإن ما ترتب عن هذا الاقتراع لا يعبر عن شرعية مجتمعية بالمفهوم الانتخابي، إذن ستكون أقلية مجتمعية لكنها أغلبية عددية وهذا هو عمق الديمقراطية، هكذا يجب أن نبحث عن آليات وعن رؤيا أخرى تجعل المجتمع المغربي قادرا على الاهتمام بالعمل السياسي وقادرا على ترجمة هذا الاهتمام على مستوى صناديق الاقتراع بأن تكون المشاركة كثيفة مع التنبيه على شيء أساسي بأن المشاركة ستكون دائما متفاوتة ما بين نسبة عالية ونسبة ضعيفة. كيف ترون وضعية حزبكم بعد الانتخابات الأخيرة؟ نحن حققنا نتيجة إيجابية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الحزب فتي، انطلق منذ سنة ونصف استطعنا خلالها خلق آلية تنظيمية شاركنا عبرها في سبعين دائرة انتخابية بالإضافة إلى تقديم لائحة وطنية للنساء والتي حققت في ظرف وجيز نسبة مهمة تجلت في الوصول إلى 140 ألف صوت لصالح اللائحة النسائية التي قدمها الحزب العمالي، على العموم نحن مرتاحون لهذه النتيجة التي حققناها في ظرف وجيز ما دام هدفنا الذي سطرناه هو الانتخابات البلدية 2009، والتحضير للانتخابات التشريعية 2012. من يلاحظ الحركية التي كنتم تتحركون بها قبل الانتخابات يشعر بأنكم كنتم تحضرون لاكتساح المشهد الحزبي المغربي، أليس كذلك؟ نحن إذا رجعتم إلى كل تصريحات الحزب العمالي لم نقل أبدا إننا سنكتسح، وكنا دائما نردد أننا نستعد ل 2012، فإذا كان نشاطنا وتواجدنا وديناميكية الحزب العمالي جعلت الملاحظين يرون فيه حزبا سيكتسح، فهذا جيد أما نحن فقد كنا متواضعين باعتبارنا قد خبرنا الحياة السياسية ونعرف أن أي حزب لكي يتكيف ويتجذر على المستوى الانتخابي لابد من بعض الوقت، وفي اعتقادي خمس سنوات محطة عادية لاستيعاب وفهم قضايا الواقع والتمرس على خصوصية الميدان وخلق آلية انتخابية قادرة على الاكتساح. ما هي الأسباب الحقيقية لتعثركم كأمين عام للحزب العمالي في الفوز بمقعد برلماني؟ لم نتعثر فقد دخلنا المنافسة وكان التحدي الأول هو جعل الحزب يتمتع بموقع شعبي بمدينة الرباط لتحقيق هذا الهدف، ويمكن أن نقول إننا اكتسحنا الآن مدينة الرباط، ونحضر من موقع قوي للاستحقاقات البلدية 2009 ولكن أهدافنا التي سطرناها على المستوى الداخلي ولم نعلن عنها للصحافة هي الترشح من اجل المنافسة على مقعد برلماني وأيضا التواجد الشعبي من أجل التحضير للانتخابات البلدية 2009، وهذا هدف حققناه في مجموعة من المناطق ومجموعة من المدن. ماتقييمكم لنتائج الأحزاب السياسية المؤسسة مؤخرا (أي الحديثة التأسيس)، ألا ترون أنها تفتقد إلى امتداد شعبي وبالتالي لم تساهم إلا في بلقنة المشهد السياسي المغربي؟ نحن لم نقم بعد بتقييم شامل للخريطة السياسية نظرا لأن هذا الأمر يتطلب شيئا من الوقت لكن ما يهمنا هو أن الحزب العمالي في ظرف وجيز استطاع أن يحقق نتيجة جد إيجابية مقارنة مع النتائج التي حققتها أحزاب أخرى، وهذا سيجعلنا أكثر قوة وأكثر صلابة لمواجهة التحديات المستقبلية سواء كانت تنظيمية أو تأطيرية على المستوى السياسي أو التحديات الانتخابية. ما أود الحديث عنه هو تلك الأحزاب التي لم تحصل على مقعد أو مقعدا واحدا أو مقعدين على أكبر تقدير؟ أنا أترك صلاحية التقييم لهذه الأحزاب، وأيضا للجرائد الوطنية وأيضا للملاحظين والمختصين في مجال متابعة وقراءة نتائج الانتخابات. جل زعماء الأحزاب السياسية يقولون إن الانتخابات كانت نزيهة رغم أن حجم الخروقات التي لمسها المراقبون الدوليون والمحليون كثيرة ومتعددة ومنها استعمال المال، استغلال موارد الدولة إلخ، ما رأيكم في هذه المسألة؟ الانتخابات كانت نزيهة إذا ما قورنت مع الانتخابات السابقة والتي كانت تتدخل فيها الدولة لصنع الخريطة السياسية، هذا موقف يمكن أن يلمسه أي ملاحظ، وأي متتبع موضوعي سيقر به، إذن حققنا قفزة سياسية أساسية تجعل من المغرب بلدا منظما للانتخابات بشكل نزيه بنفس المواصفات التي تنظمها دول أخرى، هذا أساسي، لكن الملاحظ هو أن هناك ظاهرة قلت في السابق إنها بمثابة السرطان الذي يخترق الجسم السياسي المغربي وهي استعمال المال من أجل الحصول على مقعد، هناك مجموعة من المرشحين في جل الأحزاب المغربية، استطاعوا التموقع داخل الأحزاب والحصول على تزكيات منها استعمال المال الحرام والفاسد للحصول على مقعد، إذن نحن أمام ظاهرة خطيرة ومواجهتها تقتضي أولا المواجهة الواسعة للمواطنين، وكذا إعادة النظر في نمط الاقتراع، لأن نمط الاقتراع الحالي يساعد على إعطاء المال كرشوة للمواطنين. نحن نطالب بنمط الاقتراع بدورتين وكذلك بإعادة النظر في التقطيع الانتخابي الذي يجعلنا أمام دوائر شاسعة من الصعب التواصل معها ومن الصعب متابعة مجرياتها ومن الصعب التحكم فيها. إذن التحدي المستقبلي للدولة والأحزاب السياسية وكذا المجتمع هو الحد من استعمال المال الحرام لأن الذي يعطي المال يساهم في خلق ثقافة الفساد داخل المجتمع عوض تأطيره بقيم نبيلة ونزيهة، فإذن نحن أمام ظاهرة سياسية واجتماعية يجب أن تتعبأ كل الطاقات وكل أصحاب النوايا الحسنة وكذا الدولة لمواجهتها عن طريق إعادة النظر في مجموعة من الميكانيزمات والآليات التي تتحكم في العملية الانتخابية ككل، إذن انتصرنا في الشطر السياسي ونحن أمام تحدي آخر هو مرض اسمه توزيع المال في الانتخابات. ألا ترون أن أزمة المشهد السياسي المغربي تتحملها الأحزاب التقليدية أو الأحزاب التقدمية لأنها وبسبب غياب الديمقراطية الداخلية تولدت لدينا أحزاب يصعب إحصاؤها؟ ما أود أن أنبه إليه هو أن أكبر تكتل في المؤسسة التشريعية الحالية هو اليسار لأن مجموع اليسار له 78 مقعدا وبالتالي فكل هذه الأحزاب يسارية بهويتها ولم تخلق على أساس تكتل، فالمجتمع المغربي رغم ضعف المشاركة ورغم النسبة المأساوية للمشاركة أعطى لليسار قوة حقيقية على مستوى المشهد التشريعي، هذا المعطى الأساسي الذي لم ينتبه إليه مجموعة من الملاحظين والمتتبعين للاستحقاقات التشريعية الأخيرة بالمغرب. يبقى الآن أن اليسار مطالب بأن يعيد النظر في آليات اشتغاله وعلاقاتها بالمجتمع حتى يتحول هذا التكتل من تكتل تشريعي قوي إلى اكتساح مجتمعي حقيقي ومطالب كذلك بخلق ديناميكية على مستوى الغرفة التشريعية تجعل منه تكتلا قادرا على أن يتحول إلى قوّة اقتراحية وقادر أن يجعل من الغرفة التشريعية مؤسسة منفتحة على المجتمع. تتحدثون عن اليسار المغربي وكأنه كتلة متجانسة بينما هو عبارة عن مجموعة من الأطياف المتباينة؟ هنا أود أن أشير إلى أنه حتى في الديمقراطيات العريقة ليس هناك تكتل متجانس، التكتلات لا تعني بنية تنظيمية موحدة، مثلا في فرنسا نجد الحزب الشيوعي، الخضر، الحزب الاشتراكي، وانتماءات أخرى لليسار كما في كل الديمقراطيات، إذن لماذا لا يشكل اليسار المغربي تكتلا تنظيميا ما دامت الهوية الإيديولوجية لمجموعة من الأحزاب التي حققت اكتساحا نسبيا مقارنة مع تكتلات أخرى في البرلمان المغربي هو اليسار المغربي الذي حقق 78 مقعدا في مقابل شتات آخر يضم الإسلاميين والمحافظين والوسط واليمين، إذن فكل هؤلاء يفتقدون هوية إيديولوجية موحدة، في حين إن اليسار عامة يعلن أنه ينتمي إلى اليسار الاشتراكي الديمقراطي، هذا المكتسب لأول مرة يحققه اليسار المغربي في تاريخ الانتخابات التشريعية، أما كيف سنشتغل في المستقبل فهذا نقاش آخر. تتحدثون عن أحزاب بهوية يسارية وإيديولوجية مشتركة رغم أنهم يطبقون برامج بوصفات ليبرالية؟ لا، لا "يمكن ما لم تطلعوا على البرامج". أقاطعه، كنموذج حزب الاتحاد الاشتراكي، كحزب يساري، هل طبق برنامجه الحزبي اليساري؟ بالنسبة للاتحاد الاشتراكي يمكن أن تسألي مسؤوليه وسيجيبونك بأنه لم يكن لوحده في الحكومة وإنما كان بمعية تكتل مشكل من مجموعة من الأحزاب، فإذا أردت الحديث حول تطبيقه للبرنامج السياسي؟ يجب أن نتسائل أولا هل التكتل مندمج إيديولوجيا، هل هو يسار مع وسط أو هل سيحكم اليمين مع المحافظين أو مع الإسلاميين؟ آنذاك نسائل هل الأحزاب طبقت برامجها، أما في المراحل السابقة ونظرا لاعتبارات سياسية ومن أجل خلق تواصل وانتقال سلس أن تتم تحالفات مع أغلبية غير منسجمة إيديولوجيا، الآن البرلمان الحالي رغم ضعف المشاركة، وهذا هو الأساس، أعطى قطبية حقيقية، هناك الإسلاميون، هناك المحافظون، هناك اليمين الليبرالي، هناك أحزاب الوسط وفي المقابل هناك أحزاب اليسار. هل هذا يعني أن هذه المرحلة ستكون كتجاوز للتحالفات الهجينة التي عاشها المشهد السياسي من قبل؟ نحن نتمنى ذلك، أن نبتعد عن التحالفات التي ليست هجينة وإنما أن نبتعد عن التحالفات التي أملتها ظروف سياسية لأن الأسبقية كانت للوطن، الآن الوطن مستقر كما أنه عرف دخول مرحلة البناء الديمقراطي بشكل تدريجي. المطلوب الآن من كل الأحزاب السياسية أن تعطي الأسبقية لانتماءاتها واختياراتها الإيديولوجية والتي على أساسها ستبنى تحالفات ستدفع بها إلى تقديم تنازلات على مستوى برامجها وعلى مستوى اختياراتها. ما دمتم تحدثتم عن ضعف المشاركة السياسية، ألا ترون أن المؤسسات المنتخبة ب 37 بالمائة بعد انتخابات 7 شتنبر لن تكون ذات مصداقية لدى الشعب المغربي؟ هناك قرائتين للانتخابات في العالم أجمع وفي الدول الديمقراطية ولو كانت نسبة المشاركة ضعيفة، فالمؤسسات تعتبر شرعية باعتبار أنها حظيت بثقة الناس الذين شاركوا. إذن هذا منطلق عددي وهو منطلق ديمقراطي، لكن بالمقابل وبالفعل فإن ما ترتب عن هذا الاقتراع لا يعبر عن شرعية مجتمعية بالمفهوم الانتخابي، إذن ستكون أقلية مجتمعية لكنها أغلبية عددية وهذا هو عمق الديمقراطية، هكذا يجب أن نبحث عن آليات وعن رؤيا أخرى تجعل المجتمع المغربي قادرا على الاهتمام بالعمل السياسي وقادرا على ترجمة هذا الاهتمام على مستوى صناديق الاقتراع بأن تكون المشاركة كثيفة مع التنبيه على شيء أساسي بأن المشاركة ستكون دائما متفاوتة ما بين نسبة عالية ونسبة ضعيفة.