فوجئ صحافيو جريدة "العرب" القطرية يوم الخميس الماضي بقرار تعسفي من إدارة الجريدة بقضي بخفض أجورهم بنسب تتراوح بين 25 و30 بالمائة، الأمر الذي خلف استنكارا عاما بين الصحافيين الذين ينتمون لجنسيات عربية مختلفة، وكانت أجورهم تعرضت لنفس الإجراء بنسبة 7 بالمائة قبل أكثر من 18 شهرا من الآن. وقد برر مدير عام مؤسسة "دار العرب" التي تصدر الجريدة قرار مجلس الإدارة ب"الظروف الصعبة" الناتجة عن ضعف موارد الإعلانات، إضافة إلى "وضع لائحة أجور جديدة تتواكب مع الرواتب المناظرة في الصحف الأخرى". وقد شمل قرار تخفيض الأجور كل المحررين وبعض رؤساء الأقسام، بينما بقيت أجور كل من رئيس التحرير ونائبه ومستشار التحرير، وكبار الإداريين في مأمن من هذه الإجراءات التقشفية. وطلب من الصحافيين التوقيع على ورقة إدارية مبهمة تفيد صياغتها أن الصحافي هو من طلب إجراء التعديل على أجره، مما أثار شكوك المعنيين بنوايا إدارة الجريدة التي اعتادت الإجهاز من الحقوق والمكتسبات المشروعة التي يضمنها عقد العمل المصادق عليه في وزارة العمل القطري. وأكدت عدة مصادر من داخل جريدة "العرب" القطرية أن صحافيين بذلوا جهودا من خلال مبادرة شخصية لإقناع المدير العام ورئيس تحرير الجريدة أحمد الرميحي بالعدول عن قرار تخفيض الأجور المفاجئ والقاسي في حقهم، إلا أن الرد كان دائما أن الإدارة اتخذت قرارا لن تتراجع عنه قيد أنملة، وأن هذا القرار أفضل من قرار إغلاق الجريدة. وفي المقابل أكد أحد صحافيي الجريدة طلب عدم ذكر اسمه أن هذا القرار التعسفي جائر وفيه نقض صارخ لعقد العمل الذي يربط الصحافي بالمؤسسة، وأضاف أن عددا كبيرا من الصحافيين كانوا يعملون في بلدانهم، وتم استقدامهم من هناك بعد أن اجتازوا مباريات كتابية وشفوية، ووقعوا على عقود عمل واضحة، انتقلوا بناءا عليها للعمل في الدوحة رفقة أسرهم. وأوضح نفس المصدر أن عدم استحضار إدارة الجريدة للأبعاد الاجتماعية المدمرة للقرار سيضع أسر الصحافيين في موقف جد حرج، لارتباط الأطفال بالمدارس وكون عقود إيجار السكن لا تزال في بدايتها وأي إخلال بها يستوجب جزاءات باهظة. ويعتبر هذا الصحافي موقف إدارة الجريدة الرافض لنقل الكفالة نوعا من الاستعباد، إذ كيف يمكن مواجهة تكاليف الحياة المعيشية والغلاء المستفحل في البلاد بأجور هشة؟ وكيف سيتصرف الزملاء المطالبين بأداء أقساط بنكية شهرية مع البنوك؟ ثم أردف مستنكرا: لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل.. وفي ختام حديثه طالب هذا الصحافي من السلطات القطرية بالتدخل لرفع هذا الظلم الذي حل بهم، مشددا على ضرورة إعادة الاعتبار لعقد العمل الرسمي، خاصة أن القانون القطري يجرم العمل النقابي والتظاهر وكل مظاهر التظلم الجماعي، إضافة إلى أن قانون الكفالة بدوره يجرد العامل والأجير من كل وسائل الدفاع عن نفسه، في حين يضع الكفيل في موقع قوة. وعن نيتهم اللجوء للقضاء، قال الصحافي: الآن هناك اتصالات ببعض المحامين داخل وخارج قطر، كما أن هناك اتصالات مع بعض المنظمات الحقوقية الدولية، وأضاف: هناك تخوفات لدى البعض نظرا لطول الإجراءات القانونية وتعقيداتها، في ظل قانون كفالة ل ايترك لك أي هامش حرية، وفي بلد تكاليف الإقامة والعيش فيه باهظة جدا. وفي تصريح لصحافي آخر فضل عدم ذكر اسمه تساءل بدوره مستنكرا الوضع: كيف يدعي مالك الجريدة الملياردير الشيخ ثاني بن ثاني عمل الخير والإحسان للمحتاجين في أقاصي الدنيا من خلال جمعيته الخيرية (راف) تحت شعار "رحمة الإنسان فضيلة" وهو يخفض أجور موظفيه ويمنعهم من طلب الرزق في مكان آخر؟ أي إحسان هذا؟ وأدان المتحدث صمت الصحف القطرية وقناة الجزيرة وتعتيمهم على الحدث، رغم علمهم بكل تفاصيله واتصال الصحفيين بهم. تجدر الإشارة إلى أن جريدة "العرب" القطرية هي أول جريدة تصدر في قطر عام 1973، توقفت عن الصدور عام 1989 لتعود إلى أكشاك الدوحة نهاية عام 2007 برئاسة عبد العزيز آل محمود الذي ترأس تحرير جريدة "الشرق" وعمل في موقع "الجزيرة نت"، ونظرا لاطلاعه على مشاكل الصحافة القطرية وأمراضها، أراد أن تكون جريدة "العرب" بمثابة إضافة نوعية لصحافة بلاده، أو بالأحرى تكون "جزيرة" قطر الداخلية، وذلك من خلال خط تحرير مستقل ونزيه ومهني، إلا أن الأعداد الأولى للجريدة كانت كافية لتجلب سخط أصحاب القرار وتحرمها من الإعلانات، فظلت الجريدة تراوح مكانها لشهور بدون موارد إعلانية، لدرجة أن مالكها الشيخ ثاني بن ثاني نفسه لم يكن يجرؤ على الإعلان فيها. قاد هذا الوضع إلى تخفيض الأجور للمرة الأولى بنسبة (7بالمائة)، ثم نهج سياسة تقشفية صارمة في حق صحافيي الجريدة، منها مثلا حرمانهم من تعويضات العمل خارج البلاد، وعدم صرف بدل الأثاث، والحرمان من الأيام العرضية، والحرمان من الزيادة السنوية في الأجر.. وفي نهاية المطاف أدت الضغوط المتوالية على رئيس التحرير آل محمود إلى الاستقالة، وبعدها تولى الصحفي وموظف وزارة الخارجية أحمد الرميحي رئاسة التحرير، ليتم بعد أسابيع تسريح عشرة صحافيين (مارس 2010). بشرط عدم نقل كفالتهم إلى مؤسسات صحفية أو إعلامية أخرى. ويعتبر الصحافيون تخفيض 32 بالمائة من أجورهم والإجهاز على حقوقهم المشروعة بهذه الطريقة سابقة خطيرة في تاريخ الصحافة القطرية، هذه الأخيرة التي لا يزال ينظمها قانون قديم صدر عام 1979.