تعقد اليوم الإثنين 23 غشت، المحكمة الابتدائية في مراكش، ثاني جلسة لمحاكمة السيدة جميلة سعدان الملقبة ب"أم بألف رجل"، المتابعة بتهم:"إهانة مؤسسات منظمة والقيام بتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة بهدف المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير" وذلك على خلفية فيديوهات نشرتها على قناتها الخاصة في اليوتوب، بلغت إحداها أكثر من 100 ألف مشاهدة، تتحدث فيها عن أوكار الدعارة الراقية في مراكش. وتم اعتقال السيدة جميلة سعدان يوم السبت 07 غشت، رفقة ابنها العشريني الذي كان مكلفا بالتصوير والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم عرضهما على انظار النيابة العامة، لتقرر النيابة متابعتها في حالة اعتقال، ومتابعة ابنها في حالة سراح بعد أدائه كفالة. وكانت السيدى جميلة سعدان قد تحدثت في شريط الفيديو عبر قناتها على اليوتوب "أم بألف رجل" عن 8161 شخصا يُمارسون القوادة بين مراكش وأكادير، ووصفت مناطق معينة في مراكش وشخصيات ذكرتهم بالاسم بأنها أقاموا مشاريع تم تمويلها بأموال الاتجار في الفتيات وأخرى بالمناطق ال"محصنة" تمارس فيها "الدعارة"، واثار اعتقالها تعاطف عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وشخصيات حقوقية. هكذا بدأت الحكاية لم يكن خروج السيدة جميلة سعدان الملقبة ب"أم بألف رجل" نابعا من فراغ، تلك الشكوك نفسها هي التي التقطها المحققون في مراكش وهم يستنطقون هذه السيدة وإبنها زهاء ست ساعات بعد اعتقالهما يوم 07 من غشت الجاري، إذ ظلوا يتساءلون عن المحرك الرئيسي الداعي لخروج هذه السيدة للحديث بهذه الحرقة والغضب في ملفات باتت تبدو ذات حساسية موجهة اتهامات لمستثمرين في قطاع السياحة والمال بإعداد أوكار الدعارة الراقية. غير أنَّ هذه الشكوك ذهبت إلى حد طرح أسئلة من طرف المحققين من قبيل "هل تعملون مع منظمات أجنبية؟" و"هل لديكم انتماء سياسي؟" بينمَا واقع هذه الأم وإبنها لا يتعدى شعور ب"الغبن" و"الاستياء" بعد منع إبنها من المشاركة في مسابقة لكمال الأجسام كانت ستقام في تل أبيب عام 2014 قبل زمن التطبيع المغربي-الإسرائيلي. "منعوني من السفر إلى إسرائيل" يروي محمد رضى، إبن السيدة جميلة سعدان في حديثه لموقع "لكم" أنه في عام 2014، حصل على شهادة متفوقة في رياضة كمال الأجسام مكنته من المشاركة في مسابقة عالمية أقيمت في تل أبيب، قرر أنداك المشاركة في هذه المسابقة، وأراد السفر من المغرب عبر تركيا ثم إسرائيل. وقال محمد رضى إنه تحمل رفقة والدته وبعض داعميه جميع مصاريف السفر بلغت أنداك 20 مليون سنتيم حسب قوله، وأخبر مسؤولين في الجامعة الملكية للألعاب القوى بأنه سيمثل المغرب في هذه المسابقة، لكنه تفاجأ بمنعه في مطار المنارة بمراكش من قبل عناصر الأمن بداعي أن "السفر ممنوع لإسرائيل" مما خلفَ استياء لديه وللعائلة خصوصا والدته جميلة سعدان. وقال المتحدث ذاته، إنه في نفس العام نشرت والدته أول فيديوهاتها على موقع "الفيسبوك" وحصد تفاعلا ونسبة مشاهدة عالية، كان موضوعه أنداك إقصاء الأبطال المغاربة وتحقيرهم وصنع العقبات في طريقهم عوض دعمهم، لكن بعدها يقول محمد رضى، إن والدته توقفت عن نشر الفيديوهات نظرا لظروف عملها ثم رحيله هو للعمل في قطر، غير أنها عادة لنشر الفيديوهات عام 2019، وهي تحمل معها غصة "الغبن". عيون جميلة على "أوكار الدعارة الراقية" بدأت القصة في أواخر 2019، أنداك كانت تعمل جميلة سعدان طباخة في رياض سياحي في مراكش يملكه أجانب، وفي إحدى المناسبات تعرفت جميلة سعدان على أحد المسيرين لأكبر الإقامات في شارع النخيل، تحدث معها واقترح عليها العمل معهم طباخة، يقول محمد رضى: "اقترح عليها ذلك نظرا لإعجابه بمهارتها في الطبخ" كما أقترح عليها أيضًا أجرا شهريا كان مغريًا إلى حد ما". وأضاف المتحدث نفسه: "والدتي كانت تعمل في هذه الإقامات الفاخرة حوالي سنة كاملة، طباخة مهتمة بشؤونها الخاصة ولا تتدخل في باقي التفاصيل، ولاحقًا تم تعينها "مراقبة للفيلات الفاخرة"، كانت مهمتها تفقد الفيلات والإقامات بعد خروج الزبائن الذين يستأجرونها، وأيضًا تعريفهم عليها واحصاء الأثاث وباقي التفاصيل الصغيرة، وقال إن والدته كونت قاعدة معطيات كبيرة بناءًا عن تجربتها في العمل هذه، وكانت تُشاهد بعينيها "أعمال يُندى لها الجبين" و"ممارسات شاذة" و"استغلال الفتيات المغربيات من طرف الخليجيين" وكلها معطيات تصب في خانة "الإتجار في البشر". وأضاف إبن جميلة سعدان، إن هذه المناظر جعلتها سيدة مستاءة، قررت مغادرة العمل رغم رفض أربابه في النخيل، لكنها أصرت، وأكثر من ذلك، دخلت في شنآن مع هؤلاء بسبب غيرتها على بنات بلدها، وفي نهاية المطاف يقول محمد رضى: "والدتي تعرضت للتهديدات أيضًا من طرف هؤلاء، لكنها قررت لاحقًا فضحهم جميعًا..". صباح الاعتقال في ساعة مبكرة من صبيحة السبت 07 غشت الجاري، طرق منزل السيدة جميلة سعدان وإبنها، رجال تتزعمهم سيدة بزي مدني، بعدما دخلوا إلى قلب المنزل وطرحوا أسئلة حول ما إن كانت هي السيدة صاحبة قناة "أم بألف رجل" على اليوتوب، عرفوا أنفسهم على أنهم الشرطة. وقال إبن جميلة سعدان في حديثه لموقع "لكم": "طلبوا من والدتي مرافقتهم للمركز الأمني، وبعدها دام الاستنطاق مع والدتي 6 ساعات، ولاحقًا أدخلوني أنا أيضًا، وأخبروني في بادئ الأمر بأن والدتي ستبقى رهن الاعتقال، وبعد التحقيق معي والتخابر مع النيابة العامة، خرجت بكفالة قدرها 5000 درهمًا، وفور عودتي للمنزل، وجدته انقلب رأسا على عقب..". وأضاف محمد رضى: "لم يخبرنا أحدا بموضوع تفتيش المنزل، في الوقت الذي كنا فيه قيد التحقيق، كان رجال الأمن بزي مدني يعبثون بأثاث المنزل، عرفت ذلك فقط من الجيران وأفراد العائلة، ولم نتوصل بأي وثيقة تُفيد الأمر بتفتيش المنزل، بل وجدت محتويات محفظتي غير موجودة، وكانت تضم مبلغا ماليا قدره 3200 درهمًا وبعض البقشيش، وجدته هوَ الأخر اختفى، ولم يخبرنا أحد بمصيره". وقال المتحدث ذاته إن المحققين طلبوا منه احضار الهواتف الموجودة في المنزل، وأكد أنه سلمها بمحض إرادته لعناصر الشرطة، وأكد أنه في مراحل التحقيق سُئل أسئلة من قبيل: "هل لديك انتماء سياسي؟" "هل تتعامل مع منظمات أجنبية" قائلا: "أجبتهم بالنفي، أنا وطني أحب بلادي، وندافع عن بلادنا انطلاقا من قناعاتنا فقط". "لم يسمحوا لي بزيارة والدتي" وكشفَ محمد رضى، أن حراس السجن الوداية بمراكش رفضوا ادخال الأكل لوالدته المريضة بداء السكري، والتي تستوجب صحتها أكلا خاصا، وقال إنهم حتى الأن لم يسمحوا له باللقاء بها، مطالبا في هذا الصدد بتعامل إنساني وحقوقي وضمان محاكمة عادلة وشروط اعتقال تحترم الكرامة وقرينة البراءة". وفي هذا الصدد، قالت عواطف اتريعي، رئيسة فرع المنارة مراكش للجمعية المغربية لحقوق الانسان في تصريح لموقع "لكم" إن الجمعية تُتابع عن كثب هذه القضية، وأنها سجلت عدة خروقات وتتوفر على قرائن بحدوثها إبان مرحلة الإعتقال وتلخصها في عدم إستدعاء السيدة جميلة للمثول أمام الشرطة القضائية، وعدم الإدلاء من طرف الشرطية التي كانت بزي مدني للسيدة جميلة بإذن للإعتقال واقتحام المنزل وتفتيشه وحجز بعض الحاجيات لإبنها، دون تقديم إذن مكتوب للإقتحام والتفتيش ولم يتم إخبار السيدة جميلة بحقوقها الدستورية والقانونية وخاصة حقها في إلتزام الصمت. الجمعية تدق ناقوس الخطر وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة في بلاغ، توصل موقع "لكم" بنسخة منه، إن الجمعية وعلى مر السنوات أصدرت تقارير آخرها يوم 17 فبراير 2020 حول السياحة الجنسية والبيدوفيليا، كما أبلغت النيابة العامة والسلطات الساهرة على إنفاذ القانون، واحترام الحريات والحقوق، عدة مرات بانتشار السياحة الجنسية، والاتجار بدعارة الغير والبشر، واتساع دائرة البيدوفيليا". وأضاف البلاغ: "كما أن العديد من وسائل الإعلام الوطنية والدولية بما فيها بعض الجرائد كلموند وليكس بريس وغيرهما والقنوات التلفزيون المشهورة مثل France24, TF1, TF3 وM6 وغيرهم نشرت أشرطة مصورة وربورتاجات تحليلية حول مدينة مراكش مروجة وجود السياحة الجنسية والبيدوفيليا المحظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان". وقال المصدر ذاته إن الحديث عن الظاهرة تجاوز حدود الجمعيات والأشخاص والإعلام، إذ سبق لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان حاليا مصطفى الرميد، أن صرح حينما كان وزيرا للعدل والحريات، في حظرة زعيم السلفيين بمراكش، بما مفاده أن السياح يزورون مراكش للمتعة الجنسية التي توفرها المدينة، حيث قال في تصريح نهاية مارس 2012:" إن السياح الاجانب يقصدون مراكش التي تعتبر من افضل المواقع السياحية في جنوب المغرب، ليقضوا في ملاهيها وارجائها اوقاتا يعصون الله ويبتعدون عنه"، وليس للإستمتاع بشئ آخر". وقال البلاغ إن الجمعية أنذاك، طالبت الوزير بإعتباره كان يرأس النيابة العامة بإعطاء أوامره لفتح تحقيق حول الإتهامات التي روجها، وكانت تروجها مجلة فرنسية كوش التي نشرت أن مراكش تضم رقما ضخما يعد بعشرات الآلاف من عاملات الجنس" العاهرات"، وهذا ما اعتبرناه غلو ووسم خطير لنساء المدينة واتهامات تتطلب التقصي رغم معرفتنا المسبقة بان الأرقام غير واقعية".