هل كان عليّ أن أتريث قليلا، ما يكفي لأترك مسافة زمنية وأخرى وجدانية، بيني و بين ما وقع قبل أن أقرر الكتابة ؟؟ الموضوع لا يحتمل.. أنا بالتأكيد أمام حالة مستعجلة. ماذا يمكننا أن نفعل عندما يصلنا خبر مفاده أن هناك طفلة في مكان ما عمرها ثماني سنوات تعرضت للاغتصاب من طرف وحش بشري؟ هذا هو الخبر الذي وصلني مساء ذلك اليوم من الأسبوع الماضي... الطفلة "س" المتخلى عنها والتي تعيش في أحد دواوير الهامش المغربي تتعرض لمسلسل من العنف الممنهج : ضرب، جرح، تجويع و أخيرا اغتصاب.. "س" كانت تقطن عند إحدى الأسر بالدوار منذ أن تخلّت عنها أمها التي أنجبتها من علاقة غير شرعية. المأساة لا تقف هنا: الأسرة سوف تغادر المنزل وتترك الطفلة بمفردها في خدمة خال مدمن ومنحرف يتفنن في تعذيبها بالكيّ والضّرب والتجويع. سوف أعرف أيضا أنّها كانت تتلقى الأكل من النافذة، عندما يصل صراخها إلى مسامع الجيران فيلقون لها ببعض الخبز، تماما كما يمكن أن يفعلوا مع حيوان مشرّد..لكن لا أحد هبّ لإنقاذها . ركضت لنجدتها وأنا لا أعرف بالتحديد السبيل إلى ذلك. كنت أدرك أنّ مهمة كبيرة سقطت على عاتقي للتوّ، وجدت نفسي فجأة في مواجهة مسؤولية إنقاذ طفلة لا أعرفها و لم يسبق لي أن رأيتها، حتىّ الدوار الذي يتحدثون عنه لم أسمع به من قبل، المعلومات التي وصلتني لا تتجاوز اسمها و اسم دوارها و اسم مغتصبها... و ينبغي عليّ إقناع الجهات المسؤولة بالتدخل وباستعجال. الاتصالات التي قمنا بها أتت بنتيجة فورية، رجال الدرك يلقون القبض على المغتصب ويتابعون الخال المنحرف في حالة اعتقال. أخبروني أنّها كانت تبكي وتستنجد بالناس و تقول: "أريد أن يأتي أصحاب السيارة الكبيرة و يقبضوا عليهما " أصحاب السيارة الكبيرة هم الشرطة،هذه الجملة بالذات تلقيتها ككرة نار... كانت الأعنف،أحسست أنّها تترجم الرعب الشديد الذي تتخبط فيها الطفلة. طفلة عارية كما هي من أدنى حماية عائلية ، مثل كائن نبت في الهواء ليس له أيّ امتداد في الأرض. الذين أتوا بها إلى هذا العالم نفضوها عن أجسادهم كما تنفض حشرة. اتصال هاتفي يخبرني أنها أحضرت من طرف الدرك. أراها أخيرا : كانت ترتدي ثوبا طويلا بلون وردي تشدّ شعرها في جديلة وتنظر حولها في حيرة وخوف. اقتربت منها و أخبرتها من أكون و أنني هنا لمساعدتها وعليها ألا تخاف بعد اليوم لأنها بأمان ولن يستطيع ذلك الرجل أن يصل إليها أبدا لأنه الآن في السجن. كنا جميعا نتحلق حولها و كانت تنظر إلينا بحذر، بالنسبة لها نحن لسنا أكثر من.. "آخرين".. رأيت دمعة كبيرة تتجمع في عينها فسارعت إلى ضمها، أحسستها صغيرة جدا في حضني وكانت ترتعد. "س" لا تلتفت لما يوجد داخل الكيس البلاستيكي الذي حملته لها (بعض الحلوى و الشوكولاتة ولعبة من القطن على شكل مهرّج حزين) ألاحظ اصفرار سحنتها، تضع الكيس أسفل المقعد انتبه إلى أن لها ابتسامة صغيرة. أعدها بالزيارة. " سوف أصحبك إلى حديقة الألعاب قريبا، ثم نذهب بعد ذلك إلى المطعم و نأكل بيتزا" تنظر إلي دون أن تقول شيئا. لا يبدو عليها أدنى اهتمام. أفكر أن مثل هذا البرنامج كان سيجعل طفليّ يتقافزان من الفرح. تسألني فجأة إن كانت ستنام وحدها أو مع باقي البنات. أحاول بسرعة أن أستنتج ما يخفيه السؤال فلا أصل لشيء. لماذا تفضل النوم بمفردها؟ هل لذلك علاقة بما عاشته في ذلك المنزل؟ أدرك أنني لم أطلع بالتأكيد سوى على الجزء الظاهر من جبل الثلج. أنظر إلى جسدها الضئيل، إلى يديها و أثار الضرب البادية عليهما، ترفع ثوبها لتريني خطين أزرقين على صدرها و مثلهما على ظهرها. تقول إنه كان يضربها بيد "الشّيشة". زرقة أسفل عينها وأخرى في وجنتها، جرح في جانب من شفتها السفلى... ماذا كان يقع هناك خلف ذلك الباب الموصد رفقة ذلك المدمن الذي تُركت له؟؟ تقول إنه ضربها و حرمها من الأكل وأن الآخر الذي يقطن في المنزل المجاور هو الذي اغتصبها، قالت نفس الشيء لرجال الدرك تقول المربية أن أحد الدركيين انفلتت منه دمعة. عندما حان وقت المغادرة أخبرتها أنّها ستظلّ هنا مع الفتيات حتى يتمّ تسجيلها بالمدرسة. تسرّ لي في أذني أنها تحبّ المدرسة كثيرا و تسألني هل ستحصل على محفظة و دفاتر و أقلام... أشرت إلى الدّمية التي كانت بين يدي طفلة أخرى في المقعد المقابل: - هل تريدين دمية مثلها؟؟ تهزّ رأسها بالإيجاب... ينبغي أن أغادر... قبّلتها و قلت لها ألا تنس الكيس الذي جلبته لها .. أخذته ووضعته فوق ركبتيها رأيتها تحضن "المهرّج الحزين" و انتبهت فجأة للقلب الكبير الأحمر المرسوم على وجه الكيس ثمّ إلى عبارة أسفله بنفس اللون تقول: " j'aime le maroc"