إلى غاية أمس الجمعة، مازال بيت أسرة الطفلة أمينة الفيلالي التي ووري جسدها الثرى يوم الثلاثاء الماضي يعج بالمُعزين وبفاعلين في جمعيات نسائية وحقوقية، قدموا إلى دوّار «قريمدة» التابع إلى قيادة «خميس الساحل» بدائرة عمالة مدينة العرائش للحصول على مزيد من المعطيات حول الأسباب التي جعلت الطفلة ذات الستة عشر ربيعا تُقدم على وضع حد لحياتها بعد ما تم تزويجها بمغتصبها الذي يكبرها بعشر سنوات. لم يكن من الصعب الاهتداء إلى بيت أسرة الطفلة الضحية، فقد دلتنا عليه أول امرأة صادفناها في طريقنا بعد وصولنا إلى القرية، قبل أن يتقدم نحونا شخصان آخران ويُرشدانا بدقة. وفي الوقت الذي كنا متجهين نحو البيت، تقاطعنا في الطريق مع مجموعة من الرجال، وقف أمامنا واحد منهم واستفسرنا إن كنا نحن الذين نبحث عن بيت الطفلة، لما أجبناه بالإيجاب قدم لنا نفسه قائلا : «أنا هو لحسن الفيلالي والد الطفلة المتوفاة، وقد بلغني حالا بواسطة الهاتف أنكم تبحثون عن البيت». طلبنا من الأب إن كان من الممكن أن نذهب إلى مقبرة القرية لنترحم على روح الفقيدة، فرحب بالفكرة، وذهبنا سويا، وهناك قمنا جميعا بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم على قبر الطفلة، قبل أن نطلب من الأب أن يحكي لنا القصة. لحسن الفيلالي في العقد الخامس من عمره، يشتغل فلاحا في أراضي الغير مقابل أجرة يومية. ليس له أرض ولا ماشية ولا أملاك عقارية حسب قوله، وهو متزوج بامرأتين، الزوجة الأولى خلف منها أربعة أبناء: بنت تبلغ الآن من العمر 23 سنة، وبنت ثانية تبلغ 21 سنة، وولد يبلغ 18 سنة، وبنت تبلغ 16 سنة هي الطفلة المتوفاة أمينة. يقول لحسن الفيلالي إنه قبل سنة ونصف، انتبه إلى كون ابنته أمينة لم تعد تذهب إلى مدرسة «ابن سينا» الموجودة في دوار «قريمدة» والتي كانت تتابع فيها دراستها بالقسم السادس ابتدائي. فعلم عن طريق أمها بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل شاب يقطن في قرية «خميس الساحل»، كان قد وضع سكينا في عنقها وأدخلها إلى الغابة القريبة من بيت الأسرة وقام هناك بجريمته النكراء، وبأن المُغتصب وعد الطفلة بأنه سيأتي ليطلب يدها ويتزوج بها، لكنه لم يف بوعده. حينها عرض الأب والأم ابنتهما على طبيب أثبت من خلال شهادة طبية بأن بكارتها مفتضة منذ أكثر من شهر، ثم بادرا بتقديم شكاية إلى وكيل الملك بمدينة العرائش مرفوقة بالشهادة الطبية، حيث صرحت الطفلة في هذه الشكاية بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل المسمى «مصطفى الفلاق» بعد أن هددها بواسطة سكين وقادها قسرا إلى داخل الغابة. ويقول الأب إن وكيل الملك بمدينة العرائش طلب من الأم التي تكلفت بمتابعة قضية ابنتها بأن توجه الشكاية إلى الوكيل العام للملك بمدينة طنجة، لكون اغتصاب القاصرين يُعد جناية ولا يمكن للمحكمة الابتدائية أن تنظر فيها. حينها، قام الأب باصطحاب ابنته وزوجته إلى مدينة طنجة، ووضعا الشكاية لدى الوكيل العام للملك الذي أخبرهما بأنه سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وبعد حوالي أسبوعين، توصل الدرك من الوكيل العام للملك بأمر اعتقال المغتصب فلم يجدوا له أثرا، إذ في الوقت الذي كان رجال الدرك يبحثون عنه، كان هذا الأخير هاربا رفقة الطفلة داخل الغابة، حيث كانت قد توطدت العلاقة بينهما بعدما أوهمها بأنه سيتزوج بها. حينها، يضيف الأب، ذهبت الأم إلى الغابة وبدأت تبحث عنهما، إلى أن وجدتهما، فأخبرتهما بأن رجال الدرك يبحثون عنهما، فذهب ثلاثتهم نحو مركز الدرك، حيث تم اعتقال المُغتصِب ووضع تحت الحراسة النظرية ليلة كاملة، قبل أن يتم تقديمه صباح اليوم الموالي إلى الوكيل العام للملك بطنجة رفقة الطفلة. وهناك صرح المُغتصب بأنه يريد أن يتزوج بها، كما عبرت الطفلة عن رغبتها في الزواج به، لينتهي الأمر بتطبيق المسطرة الخاصة بزواج القاصر تجنباً للضرر، وانتهى الاتفاق على 5000 درهم كمبلغ للصداق، قال الأب إن المُغتصب لم يدفع منه أي درهم متذرعا بأنه عاطل عن العمل. ويقول الأب إنه لم يكن راضيا البتة عن هذا الزواج. فهو كان يرى حسب قوله أن ما قام به المغتصب في حق ابنته القاصر، هو عمل إجرامي ينبغي أن يدخل من أجله إلى السجن. لكنه اضطر أن يرضخ إلى توسلات زوجته التي كانت تريد أن تستر ابنتها، خصوصا وأن فقدان الفتاة غير المتزوجة لبكارتها يُعد فضيحة في القرية. معاناة تنتهي بالانتحار تقول أم الطفلة الضحية في تصريحها ل «الأحداث المغربية» إن والدي المغتصب لم يكونا راضيين على زواج ابنهما بالطفلة أمينة. فقبل أن تقوم أم أمينة بتقديم الشكاية، توجهت إلى بيت المُغتصب وطلبت من والديه أن يسترا عرض ابنتها، ويوافقا على زواج ابنهما منها ، لكنهما رفضا ذلك وقالا لها إن الزواج لن يتم أبدا. لكن، عندما وجد المُغتصب نفسه مجبرا على الزواج بالطفلة تجنبا للسجن، أجبر والديه على قبول الأمر، فأقام المُغتصب وزوجته في كوخ تم إعداده لهما داخل بيت أسرته. تقول أم أمينة إن ابنتها كانت تأتي عندها وتحكي لها مرارة العيش التي كانت تعاني منها مع حماتها وزوجها، حيث كانت تُمنع من الجلوس مع أفراد أسرة زوجها، ولم يكن لها الحق في أن تأكل من نفس المائدة، فوجدت نفسها عرضة للضرب والتجويع ولمختلف أنواع المهانة. وفي يوم الجمعة ما قبل الماضي، ازدادت حدة الضرب والتعنيف في حق أمينة من قبل زوجها، فاضطرت أن تتقدم يوم الخميس ما قبل الماضي بشكاية شفهية إلى رجال الدرك، لكن الشكاية لم تجد آذانا صاغية بعدما طُلب منها الإتيان بالشهود والإدلاء بشهادة طبية تثبت تعرضها للتعنيف. وحين علم زوجها بأنها تقدمت بشكاية ضده، زاد في تعنيفها حسب تصريح الأم والأب وهو الأمر الذي جعلها تُبادر صباح اليوم الموالي، باقتناء سم الفئران من السوق، لكي تستعمله عند الحاجة. وهذا ما حدث، حيث تحكي الأم بأن المُغتصب التقى أمينة في السوق لوحدها، فبدأ بتأنيبها وتوعدها بأن مصيرها سيكون سيئا عند عودتها إلى البيت، مما جعلها تقدم على ابتلاع قرص السم، لتسقط بعد لحظات وهي تتلوى من الألم أمام زوجها الذي لم يكلف نفسه عناء تقديم المساعدة لها، بل ذهب مباشرة إلى مركز القائد ليُبلغ عن الحادث. بعد ساعة ونصف، جاءت سيارة الإسعاف من مدينة العرائش، فتم إيداع الطفلة داخل غرفة الإنعاش بمستشفى لالة مريم الإقليمي. وقبل أن تسلم الطفلة الروح إلى بارئها مساء يوم السبت الماضي، تم تحرير محضر من قبل الشرطة حول الحادث، تم فيه الاستماع إلى الطفلة وهي في آخر رمق من حياتها، حيث أكدت بأنها هي التي أقدمت على الانتحار بسبب تعرضها للضرب الدائم من قبل زوجها.. أم أمينة: «أريد استعادة حق ابنتي» بعينين منتفختين من شدة النحيب والبكاء، قالت أم الطفلة الضحية بعد ما سألناها عن انتظاراتها من كل التحركات التي يقوم بها المجتمع المدني لمؤازرتها والتعريف بقضية ابنتها : «أنا لا أريد شيئا سوى استعادة حق ابنتي الذي سُلب منها في حياتها. فأنا امرأة معدمة أتحمل مسؤولية تأمين قوت العيش لأبنائي من خلال أجر زهيد أتقاضاه من خدمة البيوت، ومع ذلك كنت أصرف عليها في حياتها بعدما كان زوجها يرفض ذلك. لقد أخبرتني يوما بأنها ضاقت ذرعا بحياة الجوع والتعنيف، وقالت لي بأنها تريد أن تخرج للبحث عن عمل لكي تعيل نفسها وتشتري ملابس تكسي بها جسدها، لكنني رفضت ذلك، وقلت لها إن زوجها هو الذي من المفروض أن يخرج للبحث عن العمل عوض أن يظل نائما إلى منتصف النهار. لذا، فأنا أناشد الجميع بأن يساعدوني على استعادة حقوق ابنتي التي ماتت ضحية جبروت زوجها وتعنت أسرته». والد أمينة: «ليس من الرجولة تعنيف المرأة» أشد ما يحز في نفس لحسن الفيلالي أب الطفلة أمينة، هو أن زوجها كان لا يتوقف عن ضربها دون أن يلقي بالا لكرامتها المهدورة، ويأسف لوجود رجال مثل زوجة ابنته. »الذي يضرب المرأة ليس رجلا. إنه «شماتة». فالرجل الحقيقي هو الذي يعطف على المرأة ويتحاور معها، وإذا اختلف معها في أمر ما، هناك أساليب حضارية يمكن أن يلتجئ إليها، في إطار القانون. أنا لم أكن راضيا إطلاقا على أن تتزوج ابنتي من مغتصبها وهي مازالت قاصرة، وكنت أتمنى أن يُعاقب على فعلته الشنيعة. لكن مع الأسف، وجد هذا الشخص منفذا قانونيا للهروب من السجن، وغرر بفتاة قاصرة وجعلها تثق بأنه سيضمن لها حياة كريمة، فتزوجت به وهي راضية، معتقدة أن هذا الزواج سيبعد عنها الفضيحة». * العرائش: أحمد الدافري