عندما هرب طاغية تونس تحت ضغط الشعب التونسي الذي أراد الحياة فاستجاب له القدر، وعندما اندلعت ثورة 25 يناير التي أجبرت فرعون مصر على التخلي عن منصب رئيس الجمهوملكية، وعندما اندلعت ثورة 17 فبراير التي قضت على الزعيم الأممي وعميد القادة، كان المغرب يحبس أنفاسه مع اقتراب موعد 20 فبراير الذي أعلن عنه يوما للإحتجاج في مدن المملكة وبواديها وهو التاريخ الذي أصبح اسما للحركة الإحتجاجية التي رفعت شعار "إرحل" في وجه بعض رموز الفساد والاستبداد. وقبل ذلك اليوم وبعده كانت جل الأحزاب صامتة تتابع عن كثب ما يجري في الدول العربية وتحركات حركة 20 فبراير، وكان حزب العدالة والتنمية هو الأكثر تفاعلا مع شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد والإستبداد"، وكان أمينه العام ذ عبد الإله بنكيران الزعيم الحزبي الوحيد الذي كانت مواقفه واضحة من حركة 20 فبراير وواضحة أيضا ضد الفساد وكان الوحيد الذي جال المغرب يخاطب الشعب ويشرح وجهة نظره في الإصلاح ومحاربة الفساد والظلم والإستهداف اللذين طالا حزبه من قبل أجهزة النظام وحزب البام، وكان يوجه رسائل مباشرة إلى جلالة الملك يطالبه فيها بالإصلاح والحد من الفساد من منطلق الحرص على الإستقرار وضمان استمرارية الملكية باعتبارها رمزا موحدا للمغاربة منذ 12 عشر قرنا ونيف خصوصا وأن الحراك الديمقراطي أطاح بأعتى الديكتاتوريات في المنطقة. وكانت محصلة الحراك المغربي هي الخطاب الملكي الشهير ل 9 مارس والإعلان عن تشكيل لجنة لإصلاح الدستور والتي أسفر عملها على دستور 01 يوليو. وبالرغم من عدم تمثيل التيار الاسلامي في اللجنة فإن مكونات نداء الاصلاح الديمقراطي والخطاب القوي للأستاذ بنكيران الذي نفذ الى عمق الفئات الشعبية استطاعت التأثير في مضمون الدستور وخصوصا التنصيص على مرجعية الدولة الاسلامية ونزع القداسة على شخص الملك واعتباره ممثلا للدولة بدل الأمة التي يمثلها نواب البرلمان. بعد المصادقة على الدستور الجديد انصب خطاب الأستاذ عبد الاله بنكيران على توعية الشعب بخطورة عودة المفسدين من بوابة انتخابات 25 نونبر وخاض بمعية حزبه حملة قوية يخاطب فيها الشعب بطريقة واقعية وقوية ووجدانية كانت بلا شك من العوامل الرئيسة التي جعلت حزب العدالة والتنمية يحصل على 107 مقعد جعلته يقود حكومة ائتلافية بمعية ثلاثة أحزاب مما جعله مسؤولا عن قيادة مرحلة كان له دور كبير في صناعة دستورها. إن المتغير الأساس والهام الذي حمله الدستور هو الصلاحيات الموسعة التي منحها لرئيس الحكومة والتي جعلته مسؤولا مباشرا عن السياسات العمومية في كل القطاعات ذات الصلة مباشرة بحياة المجتمع كالتعليم والصحة والقضاء والإعلام والإقتصاد، ومن هنا نص الدستور على ربط المسؤولية بالمحاسبة التي تعني محاسبة رئيس الحكومة لوزرائه وموظفي الدولة على أداء مهامهم ومحاسبة الشعب للحكومة والحزب الذي يقودها في آخر الولاية من خلال صناديق الاقتراع. وإذا كانت السياسة بشكل عام هي فن الممكن في تدبير شؤون المواطنين وفقا للبرنامج الذي تعاقدت عليه الحكومة مع الشعب، فإن التواصل مع المواطنين يعتبر أحد أهم الركائز الأساس في العمل السياسي الحزبي والحكومي وذلك حفاظا على الدعم الشعبي للحكومة والحزب الذي يقودها ومن أجل بناء رأي شعبي يضمن للحزب الإستمرار في السلطة حتى يتمكن من تنفيذ رؤيته السياسة في تدبير الشأن العام. نتحدث هنا عندما تكون الدولة قطعت مع الإنتقال الديمقراطي وأصبحت دولة ديمقراطية. أما في الحالة المغربية التي يجب أن تؤسس فيها حكومة ذ بنكيران قواعد الحكم الرشيد وترسيخ دولة المؤسسات التي نص عليها الدستور، فإن التواصل السياسي مع المواطنين أكثر إلحاحا وضرورة بل لا أبالغ إذا قلت إن نجاح التجربة أو فشلها رهين بالتواصل الحقيقي والمكثف مع المواطنين لأن حزب العدالة والتنمية يواجه خطر "فقدان البريق ومراكمة الغضب وخيبة الأمل" (المقرئ الادريسي ابو زيد، http://hespress.com/politique/45677.html) إذا ظل يقاوم لوبيات الفساد في صمت ودون إطلاع الرأي العام على العراقيل الجوهرية التي يلاقيها رئيس الحكومة في مواجهة جيوب المقاومة المستفيدة من الريع الاقتصادي والإعلامي والثقافي وغيره. فحكومة ذ بنكيران تواجه طرفي نقيض : الأول هو النظام الذي يوظف لوبياته لإفشال مخطط الحكومة الإصلاحي أو على الأقل الحد منه كما حدث عندما حركت هذه اللوبيات موظفين في قناة 2M ليردا بجرأة على وزير الإتصال مصطفى الخلفي ويتدخلا في العمل السياسي الذي ليس من وظيفتهما. والثاني هو الشعب الذي ارتفع سقف مطالبه مع الربيع الديمقراطي وخصوصا الفئات المظلومة التي تعاني الأمرين بسبب ثقافة الفساد والرشوة وتردي الخدمات الاجتماعية وحالة الميوعة التي سادت الإدارة المغربية في ظل الممارسات السياسية الفاسدة. وأمام هذا الوضع ذي التقاطب الحاد بين صانع لسياسة الفساد ومستفيد منها من جهة ومظلوم فقير متطلع إلى إصلاح حقيقي من جهة ثانية، لا مندوحة للحكومة ورئيسها عن الإستماع والإنصات المباشر للشعب ليس فقط عبر ممثليه في البرلمان حيث تسود التواصل السياسي لغة يناور بها الخصوم والمنافسون ويضللون بها المواطنين كما حاولت المعارضة فعله في مجلس المستشارين وفشلت، ولكن وأساسا تواصل إعلامي على غرار اللقاء الخاص الذي أجراه رئيس الحكومة مع القانتين الأولى والثانية على خلفية ردود الفعل على الزيادات الأخيرة في بعض المحروقات. تواصل يخاطب فيه رئيس الحكومة الشعب بشكل دوري على غرار الخطاب الأسبوعي للرئيس الامريكي حول حالة الإتحاد، يشرح فيه ذ بنكيران ما تحققه الحكومة من إنجازات والمشاكل و الإخفاقات التي تعترض عملها والأهم من ذلك كله الإفصاح عن اللوبيات التي تقاوم الإصلاح وتحاول الحد من فعاليته. ومخاطبة رئيس الحكومة للشعب تأتي بعد الإستماع إليه والإنصات لنبضه لمعرفة موقفه الحقيقي من الإجراءات التي تتخذها الحكومة في تدبير الشأن العام وترد عليها المعارضة بضجيج سياسي وإعلامي ونقابي مقنع. وذلك حتى لا يكون رد فعل الحكومة مبنيا على هذا الضجيج وإنما على الموقف الحقيقي من هذه الإجراءات للعمق الشعبي الذي يكتوي بنار الفساد. ونمثل لهذا الأمر بإجراءين: الأول يتعلق بدفاتر التحملات التي أشرفت عليها وزارة الإتصال في احترام كامل لمقتضيات الدستور والتي صادقت عليها الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري(الهاكا)، فكلنا تابع الضجيج الذي أحدثته المعارضة وللأسف بعض مكونات الحكومة حول بنود دفاتر التحملات وخصوصا دفتر القناة الثانية دوزيم وهو ما استثمرته لوبيات الفساد الإعلامي فحركت كراكيزها في الواجهة لتهاجم وزارة الإتصال ويضطر رئيس الحكومة إلى إعادة مراجعة الدفاتر بعد اللقاء مع الملك. فالذي سيحاسب عن السياسة العمومية في الاعلام في الإنتخابات هو الحكومة وحزب العدالة والتنمية أساسا وليس المؤسسة الملكية. وأعتقد أن رئيس الحكومة لو أنصت إلى العمق الشعبي عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية كالفايسبوك وتويتر واليوتوب وفي المجتمع لوجد أن الجميع مع دفاتر التحملات فيستند إلى القوة الشعبية وينفد الدفاتر بعيدا عن ضغط النظام ومن يدور في فلكه متقنعا بقناع الحداثة والحفاظ على استقلالية الإعلام. الثاني يتعلق بالإعلان عن لوائح المستفيدين من رخص النقل (لكريمات). فقد بنى رئيس الحكومة قراره بعدم مواصلة نشر لوائح المستفيدين من مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار على ضجيج المعارضة في حين أن الدستور ينص على الشفافية وحق المواطن في معرفة من يستفيد وبأي طريقة. وأعتقد أن رئيس الحكومة لو أنصت للعمق الشعبي لوجد أن الجميع مع مواصلة الإعلان عن المستفيدين من اقتصاد الريع. وهنا نتساءل : هل يعتقد عاقل في المغرب أننا في هذه التجربة الجديدة في الحكم سنتمكن من ترسيخ الثقافة الديمقراطية وثقافة العدالة الاجتماعية والحد من عقلية الفساد والريع فلا نرجع إلى الوراء في حالة تذمر الشعب من تدبير الحكومة وعدم منحها فرصة أخرى لمواصلة الاصلاح ؟ كلا!! لا أحد يستطيع الجزم بذلك وبالتالي فإن المرحلة تقتضي تكثيف التواصل مع الشعب ولا مناص لرئيس الحكومة من أن يضع جدولا زمنيا يتواصل فيه بشكل مباشر عبر القنوات الوطنية مع المواطنين، هذا عدا تخصيص وقت للتواصل مع عمق المغرب في هوامش المدن والمغرب غير النافع في المناطق النائية والجلوس إلى الأسر الفقيرة كما يفعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والتواصل عبر فروع شبكة الانترنت واليوتوب بمقاطع تكشف عن نوع المقاومة التي تعترض إصلاحات رئيس الحكومة ليبقى الشعب متابعا لهذا الامر. إن ربط المسؤولية بالمحاسبة في هذه المرحلة الحساسة يقتضي من رئيس الحكومة أن يخاطب عمق الشعب المغربي بشكل مباشر والإنصات إليه وجعله يتابع خطوات الإصلاح أولا بأول حتى تسفر المحاسبة في آخر الولاية عن استمرار الحزب الذي يقود الحكومة في الإصلاح وضمان عدم الإرتكاس والرجوع إلى الوراء أو الذهاب إلى الخيار المر الذي نجح المغرب في اجتيازه، لكن القطع معه رهين بمعالجة أسبابه وعلى رأسها التواصل مع الشعب. فهل سنسمع بأن رئيس الحكومة يخاطبنا دوريا في وسائل الإعلام العمومية ويزور المناطق النائية ويتحدث عن عراقيل الإصلاح ويصر على تنفيذ سياساته دونما اعتبار لمن يدعمون الفساد بخطاباتهم ومعارضتهم الفاقدة للبوصلة؟ هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.