دعا المشاركون خلال ندوة نظمت، مساء السبت المنصرم، إلى ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية لمعالجة قضايا الفساد المالي بالمغرب، وتعزيز الحكامة الجيدة وتقوية تنافسية الاقتصاد، وأكد المشاركون في الندوة، التي نظمتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب فرع مراكش حول مكافحة الفساد بالمغرب، أن التعاطي مع قضايا الفساد المالي يتطلب الدقة وتوخي الحيطة والحذر والتحلي بالمهنية، والثقة في الإصلاح وعدم الإفراط في التهويل، لأن من شأن ذلك الزيادة في الإحباط والتيئيس لدى الناس، إلى جانب تعزيز آليات الرقابة على المال العام لمواجهة المفسدين وضمان المصالح العامة، فالدعوة إلى محاربة الفساد هي مطلب الجميع، وجاءت الحكومة الجديدة لتحيي آمال العديد من المغاربة الذين يتوقون إلى الحد من الفساد ونهب المال العام بدون حسيب أو رقيب. «اللي كلاو و شربوا .. باراكا» بهذه العبارة خاطب رئيس الحكومة المتورطين في الفساد خلال رده على مداخلات الأحزاب بشأن التصريح الحكومي صباح الخميس المنصرم بمجلس المستشارين، وقال بنكيران إنه لا يتوفر على ثروة وليس إنسانا غنيا، ولا يريد أن يغتني، وهو مستعد أن يحاسب، من قبل المؤسسات، وسيسعى إلى محاربة الفساد بكل أشكاله. وأكد رئيس الحكومة أنه سيقوم بكل ما في وسعه لمحاربة الفساد، كما ستبذل الحكومة كل جهدها لمطاردة مختلف أشكال الريع، ومحاربة جيوب مقاومة التغيير، والتي هي موجودة فعلا، على حد قول عبد الإله بنكيران، كما أنه يريد القطع مع ثقافة ماضوية تتجلى في التدخلات، وتحصيل المال العام بغير حق، مضيفا أنه شخصيا يشعر بالحرج حينما يطلب منه مواطنون مساعدة فلان أو علان، وهو رئيس حكومة معين، ولن يقبل «التدخلات». وطالب بنكيران أعضاء الحكومة بمواجهة المشاكل في حينها والتصدي لجيوب المقاومة، التي «لا تريد خيرا للبلاد»، حاثا البرلمانيين من الأغلبية والمعارضة على العمل سوية للقضاء على ظاهرة الفساد، واقتصاد الريع، و»الهمزة» كما أسماها بنكيران، ومكافحة مختلسي الأموال العمومية، ناصحا رجال المال والأعمال حيث قال لهم: «أن تحصلوا على خير قليل في دولة مستقرة، أحسن بكثير من غنى فاحش في دولة غير مستقرة»، ملتمسا من البرلمانيين أن يكونوا أكثر قساوة معه ويصححوا الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها في حينها. محاربة الريع في البر والبحر قال عبد السلام الصديقي، عضو الديون السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وعضو لجنة الثمانية التي شكلتها الأغلبية الحكومية لإعداد البرنامج الحكومي، إن محاربة الفساد واقتصاد الريع من الأوليات التي تعمل حكومة عبد الإله بنكيران على معالجتها بطرق لا ترقى إليها الشكوك، وأن محاربة الفساد واقتصاد الريع، تنطلق من أربعة عناوين كبرى، هي رخص الصيد في أعالي البحار، والمقالع الرملية التي تستغلها بعض شركات جرف الرمال، ورخص النقل، ورخص الاستيراد والتصدير. وأوضح أن الحكومة الجديدة ستكون مطالبة بإخضاع الحصول على رخص مقالع الرمال ورخص النقل ورخص الصيد في أعالي البحار ورخص الاستيراد والتصدير إلى مساطر واضحة، تجيب عليها طلبات العروض بكل شفافية وديمقراطية، بعيدا عن التدخلات وتعليمات الهواتف، وأن تكون خاضعة للقانون. مضيفا أن الحكومة الجديدة ستمنح رخص الصيد في أعالي البحار، على أساس دفتر تحملات واضح، وإجراء سمسرة بطرق شفافة، وبالمزاد العلني، بدل منحها لأشخاص نافذين يجنون الملايير، دون احترام للثروة السمكية المهددة، وتفضل الحكومة الجديدة، أن يكون المستفيدون من هذه الرخص من أبناء المهنة، الذين يعرفون تضاريسها جيدا، وليس من طرف دخلاء يأتون من قطاعات أخرى، مستغلين نفوذهم، من أجل مراكمة الثروة. وتحتاج حكومة عبد الإله بنكيران، مدة سنة من أجل معرفة كل التراخيص المتعلقة برخص نقل الحافلات والطاكسيات بكل أصنافها، وهي التراخيص التي تشرف وزارتا الداخلية والنقل على توزيعها، وتعهد المتحدث أن تعمل الحكومة على سحب مجموعة من الرخص التي تدر الملايين شهريا على بعض الأشخاص الذين يجلسون في منازلهم، ويتلقون مقابلا لا يحصل عليه حتى بعض كبار مسؤولي الدولة. الأفعال قبل الأقوال أكد محمد المسكاوي، نائب المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام، أن ما يهم هو الفعل اليومي، وليس البرنامج الحكومي المقترح، فهذا الأخير كسابقه يبدي النية في محاربة الفساد المالي، لكن ما ينتظر من الحكومة هو ترجمة الإرادة السياسية على أرض الواقع من خلال وضع ترسانة قانونية للمنظومة المالية ومراقبتها، خاصة في مجال الصفقات العمومية وطريقة تدبير أراضي الدولة، والإسراع في إصلاح القضاء، والحديث هنا عن العمق والجوهر وليس البنيات فقط. مضيفا أن المحور الآخر المهم في هذا الصدد هو تحريك آلية عدم الإفلات من العقاب، وتمنى المسكاوي أن تكون 2012 على الأقل سنة الحسم في الملفات الرائجة أمام المحاكم، والتي تكونت بشأنها لجن تقصي الحقائق البرلمانية، بالإضافة إلى الملفات الموروثة عن محكمة العدل الخاصة، وكذلك استرجاع الأموال المنهوبة وإعادة استثمارها بما يخدم الطبقات الفقيرة، وكذلك التطبيق السليم للاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الفساد وإعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات بما يضمن التعميم والشفافية وإبراء الذمة. فالخطوات الحقيقية هي التي يجب أن تلمس في الأداء الحكومي اليومي، على أساس أن لا أحد فوق القانون مهما كانت مسؤوليته، كما طالب المسكاوي بإنشاء هيئة مستقلة للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة والتي تبقى الوسيلة الوحيدة لتخليص المغرب من هذه الآفة.
الحبيب الشوباني : أكثر من 59 إجراء في التصريح الحكومي مرتبط بالحكامة هناك نفس شعبي رافض للفساد، وهناك دستور جديد يجعل من هذا الموضوع حجر الزاوية في بناء الدولة الجديدة، وبالتالي فالحكومة بدأت في إجراء تدابير نوعية لا تقل عن 59 إجراء مرتبطا بالحكامة من خلال التصريح الحكومي، أبرزها التصرف في المال العام وفي ثروات البلاد أو ما يعرف بالريع، والحكومة الجديدة جاءت لإدخال الشفافية اللازمة وتعريف المغاربة: من يتصرف في خيرات البلاد سواء في البر أو البحر، وعلى أي أساس وبأي قانون. هناك تقارير تصدر ولا تفعَل، وهناك مظاهر أخرى لأناس تراكم الثروات في ظرف وجيز ولا تتم مساءلتهم : من أين لك هذا؟، وفي هذا الجانب ستفعل الحكومة الجديدة التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات وكذا تقارير المفتشيات العامة لمختلف القطاعات الحكومية، لأن هناك إرادة حكومية قوية والقضاء سيباشر اختصاصاته في كل هذه العمليات. كما أن التصريح الحكومي الأخير أورد 20 إجراء تتعلق بالجانب الاقتصادي، من أبرزها كل ما يتعلق بالرخص والامتيازات(المقالع، الصيد، النقل، التوزيع الغذائي...إلخ)، وستشرع الحكومة في إعداد دفاتر تحملات لتخضع كل هذه الأمور للمنافسة والشفافية، أما الوضعية السابقة فستصفى بالتدريج، فمثلا في قطاع النقل نجد أناسا لا يقومون بأي مجهود وتصلهم 20 إلى 40 مليون سنتيم شهريا من خلال «الكريمات» التي يتوفرون عليها، كل هذه الأمور ستصفى تدريجيا وسيفتح المجال للمنافسة وفق دفتر للتحملات، وكل ذلك لن تقوم به الحكومة لوحدها بل يجب أن يشترك الجميع في هذا الورش الإصلاحي وخصوصا المجتمع المدني والحقوقي. الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني
ادريس بنعلي : محاربة الفساد وبعث الثقة في الفاعلين بإمكانه إعادة الحيوية لمسار الاقتصاد الوطني يمكن القول إن التصريح الحكومي الذي أعلن عنه عبد الإله بنكيران، هو عبارة عن خطاب نوايا مبني على العموميات ولا يحمل أية معطيات واضحة، وما جاء به البرنامج الحكومي لا يعدو كونه خطابا مجردا يتضمن مجموعة من الأماني، وبعيدا عن الخطاب السياسي المعقول المؤسس على التزامات واضحة والمرتبط بأجندة مضبوطة. وتعتبر مؤشرات الاقتصاد الوطني الذي تتسلم على إثره حكومة بنكيران تدبير الشأن العام، في وضعية هشة، وتدبير مخلفات الحكومة السابقة يتطلب إعادة النظر في طرق تدبير الاقتصاد الوطني، و حكومة بنكيران مطالبة بإيجاد حل لمشكل تمويل الاقتصاد الوطني، ولعل تكريس منطق الشفافية في تدبير ملفات الاقتصاد الوطني ومحاربة الفساد وبعث الثقة في الفاعلين بإمكانه أن يعيد جزءا من الحيوية لمسار الاقتصاد الوطني. إجمالا، سيكون من الصعب الاستمرار في الترويج لخطابات الازدهار والإصلاحات دون امتلاك القدرة على التصدي للمشاكل الكبرى التي تشغل بال المغاربة، وبتعبير آخر، يتعلق الأمر بإيجاد حلول ملموسة للقضايا التالية: إصلاح صندوق المقاصة وتسريع إصلاح الحكامة وإصلاح التعليم، فهل نحن مطمئنون إلى التصريح الذي ألقاه رئيس الحكومة بخصوص المصير الذي ينتظرنا في الخمس سنوات القادمة؟ لا شيء مؤكد إلى حدود الساعة طالما أن المقترحات التي تقدم بها رئيس الحكومة اتخذت طابعا تقريبيا ولا تخلو من «مآزق»، وأكيد كذلك أن رئيس الحكومة دعم خطابه، الذي لم يخل من لغة الخشب، بمعطيات قطاعية مرقمة. لكن هل سيكون قادرا على الإمساك بالثور من قرنيه؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة عن هذا السؤال. خبير اقتصادي
عبد الصمد صدوق : يجب نشر لائحة المستفيدين من «الكريمات» ومن تفويت الأراضي العقارية النزاهة ومحاربة الفساد، استهلك استهلاكا تاما وفجا، حيث سجل بطء كبير في وضع الترسانة القانونية والمؤسساتية، فمثلا المغرب وقع على اتفاقية الأممالمتحدة في 2003، لكن لم يتم إصداره إلا سنة 2007، وكذا القانون الخاص بالتصريح بالممتلكات تم الإعلان عنه في 2005 ولم يتم إصدار القانون إلا خلال سنة 2008، وهذا يعني أن الدولة ليست في عجلة من أمرها.. وهذا البطء يجب أن يقابله مستقبلا التسريع في أجرأة كل القوانين والاتفاقيات الموقعة، لأن المواطنين ملوا من كل هذا التأخير، وهذا لا يعني أن البناء المؤسساتي وإصدار القوانين ليس بالأمر المهم، لكن الأهم هو تلبية انتظارات المواطنين الذين رفعوا شعار محاربة الفساد في الشارع، وإجراءات عملية آنية بدون انتظار. حاليا هناك وعي مجتمعي ضد اقتصاد الريع ومسألة الفساد..وهذا شيء إيجابي، وما يجب الانتباه إليه هو المبادرة لخلق إجراءات إعادة الثقة إلى المواطن، ومن بينها نشر لائحة المستفيدين من المأذونيات أو «الكريمات»، والمستفيدين من تفويت الأراضي العقارية، حيث هناك مجموعة من الاختلالات في هذا المجال والتي يجب أن تسلط عليها الأضواء، هناك كذلك التدبير المفوض سواء توزيع الماء والكهرباء أو النقل أو النظافة. كما نطالب بإحداث هيئة مستقلة لتلقي الطعون في مجال الصفقات العمومية، إذ توجد حاليا لجنة فقط تابعة للأمانة العامة للحكومة يحكمها مرسوم يرجع إلى سنة 1975، كما أصبح من الضروري توسيع مجال اشتغال الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بعد 3 سنوات من تأسيسها. الكاتب العام الجديد لجمعية «ترانسبارنسي المغرب»