حلقة برنامج حوار الذي استضاف فيه مصطفى العلوي ، الأمين العام للبيجيدي، عبد الإله بنكيران، أعطى ما يكفي من الحجج التي يمكن الاستعانة بها كدلائل إضافية، لتأكيد أن سقف التفكير ودرجة الوعي السياسي لدى شباب 20 فبراير، أعلى بكثير من مستوى التفكير ودرجة الوعي السياسي لدى مجموعة من الأحزاب السياسية المغربية المهووسة بخطاب التطمين وبمنطق التوافقات السياسية المشبوهة. أسلوب بنكيران وطريقته في الحديث إلى الصحفيين، ومن خلالهم إلى المغاربة عن حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح السياسي والدستوري، تقطع الشك باليقين، بأنه لا يمكن بالمطلق، أن تكون الديمقراطية خصلة من خصال هذا الرجل العنيف في كلامه والمتسرع في أحكامه كما يقول بذلك إخوته في الحزب. استعمال بنكيران في برنامج حوار، لقاموس لغوي مبتذل إن لم نقل "حلايقي"، وحديثه عن السكن والشغل والصحة كأولويات لحزبه، إذا أتيحت له فرصة رئاسة الحكومة،أمور تؤكد، أن حزب العدالة والتنمية، لا يمكن للمغاربة أن يراهنوا عليه في صنع التغيير المنشود بالبلاد، مثله في ذلك، مثل أحزاب أخرى، إما أنها مصنوعة في مرحلة تاريخية معينة ولأغراض معينة، وإما أن لها توافقات تاريخية مع القصر بشأن ترتيبات نظام الحكم في تدبير الشأن العام للمغاربة. ما شدني، وأثار انتباهي في تصريحات بنكيران، الغارقة في السخرية والتبخيس المقصود لحركية المجتمع، هو وصفه لشباب حركة 20 فبراير " بالدراري" مقابل وصفه لشبيبة حزبه بالشباب. لقد نسي فيما يبدوا السيد بن كيران، أن شباب 20 فبراير، هم الذين حرروه من قيود وأغلال الوافد الجديد، الذي نكل به وحاصره من كل حدب وصوب، وهم الذين دفعوا الياس العماري إلى طرق باب حزبه لطبخ ما يمكن طبخه في طنجرة المخزن التي لم تعد خافية على أحد مند اللقاء الشهير لبنكيران مع الطيب الشرقاوي. نسي بنكيران الذي اعتز بقمع شبيبة حزبه عندما منعها بالتهديد من النزول إلى الشارع للتضامن مع شباب حركة 20 فبراير، أن ثلاثة من خيرة قياديي حزبه، وهم الشوباني وحامي الدين والرميد، أشادوا بالشباب، وانضموا إليهم في مسيراتهم، وانتفضوا عليه، بل وسخروا منه في عدة ندوات، عندما كانوا يتحدثون عن تهوره وتسرعه في اتخاذ القرار بطريقة فجة. بنكيران لم يكن يوما ضد المحزن، وعلاقته بحركة الشبيبة الإسلامية، شرحها الخلطي وكشف عنها النقاب، في سلسلة حواراته مع الزميل أنس مزور بجريدة الأيام.وحتى إذا افترضنا أن بنكيران ابنا بارا لحركة الشبيبة الإسلامية التي قال البعض أن حزبه استمرارا لها، فالتاريخ مدين له بجرم ارتكب في حق القائد الاتحادي عمر بنجلون، الذي اغتالته ميليشيات الشبيبة الإسلامية، التي تكفل الخطيب رحمه الله وغفر له ذنوبه، بتوفير الحماية لها وتأمين الخروج لها من المغرب، غدرا. عندما بدأ بن كيران يحلم برئاسة الحكومة وهذا من حقه المشروع، ذهب بي خيالي بعيدا، وبدأت أطرح على نفسي الأسئلة تلوى الأخرى. كيف يمكن لبنكيران أن يكون وزيرا أولا أو رئيسا للحكومة، وهو الذي لا يحترم أدبيات النقاش ولا يجيد الإصغاء إلى محاوريه؟ كيف سيتواصل هذا الرجل مع شركائه السياسيين داخل مجلس الحكومة والمجلس الوزاري؟ كيف يفاوض المركزيات النقابية في ملفات مطلبية كبيرة ومتنوعة؟ بكل أمانة، بنكيران يمكن له أن يكون فقيها، يمكن له أن يكون نقابيا، يمكن له أن يكون مفتيا في الأحكام السلطانية، لكنه مع كل تقديري له كانسان، لا يصلح أن يكون رجل سياسة، لأنه من صفات السياسي، الحكمة السياسية، القائمة على فضائل الحوار، والإصغاء للضيوف والمحاورين، وعدم قمع الرأي المخالف واحترامه، وهذه المقومات جميعها أبحث عنها في السيد بنكيران فلا أجدها . باستحضار النقاش، الذي دار بين الصحفيين والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بدا واضحا أن بنكيران، كان خارج سياق النقاشات، التي تؤثث الفضاء العام، بعد الحركة المدنية الشعبية لشباب عشرين فبراير المطالبين بالتغيير. الرجل يريد الجمع بين أشياء غير قابلة للجمع، وبمنطق نفعي يتناسب ورؤيته الضيقة للسياسة العائمة في الدوغمائية، يحاول إقناع المغاربة بالوهم. عندما يناقش السيد بنكيران وضع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان والاعتقالات خارج إطار القانون، وهي كلها ممارسات تساءل حقل إمارة المؤمنين، لا يجد حرجا في الحديث عن احترام حقوق الإنسان بمعاييرها الكونية، ولا يجد حرجا في القول، بأننا في الألفية الثالثة ويجب علينا أن نقطع مع كل الممارسات المتجاوزة (....) لكن، بخلاف ذلك، عندما يريد تسييد خطابه السياسي وتغليفه بشرعيات معينة، ينقلب بمائة وثمانون درجة إلى خطاب أصولي ينتمي لعهود غابرة، تؤتته مقولات، الطاعة والولاء، البيعة وإمارة المؤمنين، القداسة، المسجد، العلماء والفتاوى...الخ الطريقة التي قدم بها بنكيران المؤسسة الملكية للمغاربة، والدروس المجانية التي أغدق علينا بها، بشأن تاريخنا وأمجادنا الوطنية وملامحنا، تعطي الانطباع، كما لو أن من يقول اليوم بالملكية البرلمانية، ويرفع شعار المسائلة والمحاسبة والمراقبة على كل من يمارس السلطة، ويناقش مفهومي البيعة وإمارة المؤمنين، فهو ضد التاريخ وضد الملكية وضد الإسلام والمسلمين. مرة أخرى نسي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بنكيران، أنه في اليوم الموالي لتقديم حزبه مذكرة الإصلاح الدستوري والسياسي إلى اللجنة الملكية، جلس القيادي المستقيل أنداك من الأمانة العامة للحزب، مصطفى الرميد ، بقاعة المحامين بالرباط بجوار المحامي خالد السفياني، لتقديم وثيقة "التغيير الذي نريد" التي وقع عليها أيضا الشوباني وحامي الدين. وثيقة "التغيير الذي نريد" الموقعة من قبل قياديين في حزب بنكيران إلى جانب أكثر من مائة شخصية مغربية، تنتمي لمجال الفكر والأدب والسياسة والإعلام وحقوق الإنسان، من ضمن مطالبها الأساسية، إلغاء الفصل 19 من الدستور، والفصل بين الثروة والسياسة، ودسترة الجكامة الأمنية وعدم الإفلات من العقاب، وإقرار المسائلة والمحاسبة بخصوص كل من يمارس السلطة وموائمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقات والمعاهدات والمواثيق الدولية. من نصدق في العدالة والتنمية، بنكيران، أم الرميد و الشوباني وحامي الدين؟ كيف يشرح لنا زعيم البيجيدي هذه المفارقات السياسية الغريبة جدا؟ حزب يتقدم بوثيقة تدافع عن إمارة المؤمنين وصلاحيات الملك في مجال الخارجية والدفاع والدين، وأعضاء من أمانته العامة يوقعون على بيانات مؤسسة على المعايير الكونية في الممارسة الديمقراطية، ومناقضة لمنظوره الإصلاحي المحافظ؟؟. يجب على الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن يعي، بأن الشعب المغربي بعد 20 فبراير، لم يعد بإمكان أي أحد من السياسيين، تسديجه وتدويخه بلعبة المقدس والمدنس. جيل حركة 20 فبراير، يقدر الملك ويحترمه، ويعتبرون أنهم ينتمون إلى جيل أقرب لجيله، وأن المعايير الكونية في الممارسة الديمقراطية، والقدرة على مواكبة التحولات، تستدعي أقلمة الملكية وعصرنتها وتحديثها، بالشكل الذي يحافظ لها على دورها كضامن لاستمرارية الدولة ودوامها. جيل 20 فبراير أغلبه من جيل منتصف السبعينات والثمانينيات والتسعينيات، جيل لا يعيش خارج التاريخ أو الماضي، بل يجد نفسه معنيا بالإجابة على أسئلة الحاضر والمستقبل. جيل يريد كذلك أن يصنع نخبته وتاريخه بكل حرية، جيل يريد القضاء على كل مسببات الفساد، على رأسها، التوافقات المشبوهة للدولة مع الأحزاب بوصفها أحد وسائل الضبط السياسي والاجتماعي التي راهن عليها المخزن لسنوات. ينبغي على بنكيران وغيره من السياسيين أن يعرفوا، بأن جيل 20 فبراير، لا مشكلة لديه مع الملك، ولا مع الملكية كمؤسسة لها شرعيتها التاريخية، التي لم يزايد عليها أحدا. هذا الجيل يريد من الملك ، أن يحرره من سياسة وتراكمات الأجيال السابقة. جيل حركة 20 فبراير لم يعد محتاجا لنصائح عبد الكريم غلاب، ولا لجعجعات بنكيران وبن عبد اله والراضي والشيخ بيد الله وعرشان والعنصر ولا لدروس الطوزي وأستاذيته على الأحزاب والشعب. جيل 20 فبراير، وهذه هي الحقيقة التي يلتف عليها الجميع، استطاع أن يضع اليد على الجرح، فتسبب في ألام كثيرة لكل من وضعت تلك اليد على جرحه. من الطبيعي جدا أن ينفجروا زعماء الأحزاب غضبا من الشباب، ومن الطبيعي كذلك أن يناور المخزن عبر حاشيته بكل الوسائل لتمييع حركية المجتمع الشبابية. كل الأطراف المستفيدة من الريع بكل أصنافه، أو المتورطة في أعمال وممارسات فيها تجاوز أو انتهاك، وجدت نفسها معنية بشعارات الشباب، ووجدت نفسها معنية بمقاومتها بكل ما أثاها الله من قوة. جيل 20 فبراير يريد من مملكة محمد السادس، أن تكون مملكة الجميع ، مملكة الحق والقانون، مملكة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. جيل 20 فبراير، يريد لكلمة البيعة وامارة المؤمنين، أن تعطى لهما معانيهما الثاريخية الحقيقية كما شرحها ابن خلدون واخرون، وليس شحنها بمعاني تصنع الاستبداد وتجعل الحاكم، شخص غير معني لا بالمسائلة ولا بالمحاسبة ومقدس. جيل 20 فبراير لن يقبل أبدا، أن يقول له وزيرا للنقل في حكومة الملك، إذا أردتم أجوبة عن رخص النقل، فما عليكم إلا التوجه إلى وزارة الداخلية والمالية. لن يقبل هذا الجيل أيضا، أن يقال له بأن الفساد سرا من أسرار الدولة، كما يستشف من كلام الأمين العام للحركة الشعبية امحند العنصر في أحد ردوده على أسئلة الصحفيين حول رخص الصيد في أعالي البحار. حركة 20 فبراير تريد حكم القانون، وليس شريعة الغاب، تريد توزيع عادل للثروات بالمجتمع، تريد استقلالية تامة للقضاء عن مراكز القرار الأمني والسياسي، تريد حكامة أمنية تكون فيها تصرفات وأعمال الأجهزة المكلفة بحفظ أمن الوطن والمواطنين، داخل إطار القانون وتحث مجهر المؤسسات الدستورية، وليس خارج القانون، وبأقبية السجون السرية. حركة 20 فبراير يؤلمها استمرار التعذيب بالسجون السرية بتلك الطريقة التي حصلت مع بوشتى الشارف، في ظل وجود اتفاقيات دولية صادق عليها المغرب تمنع كل أشكال التعذيب الممارسة خارج نطاق القانون، وفي ظل عهد، الكل قال عنه أنه جديد. الحركة تريد من الملك، مصالحة وطنية حقيقية مع الآخر، تريد إنصافا قائما على عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الأفعال الماسة والمنتهكة لحقوق الإنسان. تريد أيضا من الملك الشاب، المساهمة في الارتقاء بهذا البلد، وتمكينه من الولوج إلى نادي الديمقراطية، تريد من الملك الشاب، أن يجعل من ربيع المغرب ربيع الحريات، تشتم فيه، نسائم الحق والقانون والنزاهة والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة. حركة عشرين فبراير، لا يمكن لها أن تضع اليد مع لجنة بعض أعضائها، لا زالوا يبخسون الشعب والأحزاب ويعتبرون أنفسهم انتلجنسية العهد الجديد. إذا كانت الطبقة السياسية غير مؤهلة للملكية البرلمانية، فماهي أسباب ذلك؟ ولماذا يقبل الطوزي بالتشاور معها والإنصات إليها؟ وكيف وصل بها الأمر إلى هذا الحد؟ وإذا كان من سابع المستحيلات إعطاء المجتمع الجاهل والفقير والأمي ملكية برلمانية. فمن المسؤول إذن عن فقره وعن جهله وعن أميته؟ أليست مسؤولية الدولة في تفقير الشعب وتهجين الأحزاب وإضعافها ثابتة تاريخيا. إن من براهن على الإبقاء على الوضع كما كان عليه قبل 20 فبراير، أو يريد أن يحتال على هذا الحراك المجتمعي الشعبي والمدني المستقل، من خلال الترويج للكذب أو من خلال الهيمنة على الإعلام، وتسخير العلماء وأمناء الأحزاب وترويج الشائعات ، دون الإصغاء إلى الشعب والاستجابة إلى مطالبه ذات الطابع الاستعجالي، كتدابير من طرف الدولة، لإعادة الثقة في علاقتها بالشباب ومن خلاله بالمجتمع، والاستمرار في المراهنة على التسويق الدولي لخطاب الإصلاح، والقول للشركاء بأن الثورة في المغرب هادئة، ومطالب الشعب اجتماعية، لها علاقة بالشغل فقط كما ادعى عباس الفاسي كذبا، للأمير البريطاني الذي حل ضيفا على المغرب، كما لو أن هذا الأمير ليس له سفيرا ينقل له مطالب الشعب بكل التفاصيل...، أمور لا يمكن لها إلا أن تزيد من درجة الاحتقان داخل المجتمع، وتزيد من انقساماته، التي لا يمكن لأحد التكهن بعواقبها على أمن واستقرار البلد. وهذا مالا نتمناه من صميم القلب. * خالد باعمر