رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة رد رئيس الحكومة على ردود الفرق النيابية
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2012

صنع رد رئيس الحكومة على ردود الفرق والمجموعات البرلمانية الحدث. وقد اهتم الناس بالحدث دون الاهتمام بالرد ذاته كخطاب يحكي تفاصيل الحدث. رد بنكيران مثل خطابا سياسيا تفاعل بشكل كبير مع ردود الفرق والمجموعات البرلمانية، هذه الردود التي دفعت بنكيران أن يتجاوز سقف مطالبها وانتقاداتها إلى إنتاج رد أو خطاب فاجأ العديد من السياسيين والمهتمين بل حتى البرلمانيين والوزراء لكونه مثل خطابا ثوريا لم يعهده البرلمان من قبل، أو ينتج مثله رئيس حكومة سابق حيث جاء رده خطابا جريئا وشجاعا ونوعيا شكلا ومضمونا في تاريخ خطابات رؤساء الحكومات السابقين أمام البرلمان. رد بنكيران كخطاب يمثل قيمة مضافة في التواصل المؤسساتي، لذلك جاء خطابا ثوريا في لغته و مضامينه و رسائله وايمائاته، خطاب عار من اللغة الخشبية والمراوغات السياسية واللغو والمخاتلة. خطاب يجعل المرء يشعر انه إزاء خطاب يشكل الدلالات وينتج الحقائق.
خطاب سياسي يريد التحرر من سلطة الخطابات السياسية التقليدية إلى سلطة الخطابات السياسية الحداثية التي تحول الخطاب إلى مناطق للتفكير وحقول للبحث. خطاب بنكيران تشكل من 2461 كلمة، لكل واحدة منها حمولة سياسية و رمزية تستحق أن تكون موضوع نقاش، خصوصا وان كلمات الخطاب جاءت قوية تركيبيا ودلاليا محولة بذلك الخطاب لفضاء معرفي ولقوة تفرض نفسها على القارئ وتدعوه للرجوع إليه وقراءته باستمرار. انه خطاب فتح علاقات جديدة مع الوثيقة الدستورية والإصلاحات والمؤسسات، لذلك لم يشتغل الخطاب بمعزل عن شروطه، بل انه جاء خطابا مؤسسا لثقافة تواصلية وسياسية جديدة تتوزع فيها السلطات والاختصاصات المؤسساتية وتحدد فيها المسؤوليات .
خطاب انتصبت فيه الكلمة كسلطة داخل سلطة السياسة، لتشكل أهم مفاتيح الخطاب. إذن ما هي أهم الكلمات المحورية في هذا الخطاب ؟ ما هي دلالاتها؟ أبعادها ؟ تردداتها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، نشير أننا سنعتمد آليات تحليل الخطاب السياسي لمقاربة رد بنكيران على ردود الفرق والمجموعات البرلمانية على البرنامج الحكومي الذي حظي بثقة 218 نائبا، مقابل اعتراض 135 دون أن يمتنع أي نائب، ليستكمل بذلك حكومة بنكيران شروطها الدستورية بعدان حظيت بثقة الأغلبية البرلمانية كما على ذلك الفصل 88 من الدستور.
وكميا لم يأت رد بنكيران طويلا بل جاء ردا مختصرا اختار فيه بنكيران كلماته بعناية كبرى، حيث بدا فيه انه كان واعيا بسلطة خطابه لذلك جاء وزن تأثير خطابه بوزن سلطة لغة خطابه. استثمر بنكيران آليات التواصل الاقتصادي حيث أن خطابه لم يتجاوز2461 كلمة، لكنها جاءت غنية دلاليا موزعة على عدد من الكلمات اخترنا من بينها للمقاربة تلك التي ترددت أكثر من 4 مرات وبنسبة %0.16 وهو ما أعطانا الجدول التالي:
تمثل كلمات الجدول الكلمات /المفتاح في رد بنكيران وهي من أدوات التواصل السياسي منتجة لوظائف متحكمة فيها مسبقا، تعكس في العمق النسق الفكري لبنكيران ونظرته لتدبير السياسات العمومية. أما تراتب كلمات خطابه هذا فهي جزء من الإستراتيجية التواصلية لبنكيران المحددة لعلاقة الحدث السياسي بالفعل اللغوي والتي نقاربها على الشكل الأتي:
1-الحكومة: احتلال مفهوم الحكومة المرتبة الأولى في خطاب بنكيران ب 29 تردد ونسبة 1.17% ليس بالأمر الاعتباطي بل انه تجسيد لوعي سياسي بأهمية الحكومات في تدبير السياسات العمومية وخدمة الشعوب خصوصا إذا كانت الحكومة تتمتع بالشرعية الشعبية التي تفرزها صناديق الانتخابات الحرة والنزيهة التي هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. وهذا ما ينطبق على حكومة بنكيران التي تحدث عنها - بنوع من الاعتزاز- وحدد مهامها وتحدياتها بحس براكمتي كبير مبرهنا بأنه قائد سياسي وليس فقيه سياسي.
وقد بالغ بنكيران في تضخيم وصول حكومته للسلطة معتبرا بان نجاحها هو نجاحا للمغرب وللمغاربة في حين سكت عن أمكانية فشلها في حالة ما تحركت ضدها قوى ولوبيات الفساد وحكومة الظل.ولعل هذا التضخيم يفسره اقتناع بنكيران بأن السياق الوطني والإقليمي الذي عين فيه رئيسا للحكومة كان في صالحه خصوصا بالنسبة للسياق الوطني الذي عرف بنكيران كيف يستغله ، بالإضافة إلى مراهنة بنكيران على الهيئات المدنية التي اعتبرها أنها شريكا للحكومة على مستويات ترشيد مسيرة العمل الحكومي وتعميق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار الديمقراطية التشاركية كما تنص على ذلك الفصول 12 -13-14 من الدستور الجديد.
والغريب في الأمر أن بنكيران عندما كان يتحدث عن حكومته استثمر – أحيانا- الحقل الديني3 ترددات بنسبة 0.12% خصوصا على مستوى الدعاء لله بان يوفق حكومته. لكن رغم ذلك فبنكيران يبقى فاعلا سياسيا وليس داعية سياسيا.
وأثناء الحديث عن حكومته لم تشتغل لغة خطابه خارج دوائر الظرفية العامة والراهنة مؤكدا أن هذه الظرفية العامة المأزومة سياسيا واقتصاديا وطنيا وإقليميا ودوليا قد أنتجت فرصا واكراهات لا يمكن للحكومة مواجهتها لوحدها دون تظافر جهود الجميع وتوفر الإرادة الجماعية في ظل الإرث الثقيل الذي ورثته حكومته.
لذلك تحدث عن الحكومة وهو يحمل هموما سياسية جعلته يصرح بأشياء ويسكت عن أخرى. وما سكت عنه بنكيران وهو يتحدث عن تحديات واكراهات حكومته أهم واخطر مما صرح به لأنه في عالم السياسة ما يحجبه السياسي يبقى دائما أهم ما يصرح به وان كان بنكيران من طينة السياسيين الذين لا يختبئون وراء التواضع الكاذب أو خلف الموضوعية الخادعة.
ونشير هنا أن أثناء حديثه عن الحكومة فانه لم يمارس دورا تنويريا بل انه تحدث عن حكومة تشكلت في واقع سياسي ليس عاديا، واصفا إياها بحكومة الاستمرارية والتقاطع، حكومة التحديات والإرادات، حكومة ربط المسؤولية بالمحاسبة، مشددا بأن حكومته لتتجدد العزم الأكيد على تنفيذ الالتزامات التنموية والاجتماعية الواردة في برنامجها الحكومي. لكن كلام بنكيران هذا يمكن ان يكون مخاتلا ومفتوحا على كل الاحتمالات لان ممارسة السياسة بالمغرب غير خاضعة لقواعد لعب سياسي واضحة، وتدبير السياسات العمومية تتحكم فيها قوى خفية،وعمق إشكالية السياسة بالمغرب ليس مشكلة خطاب في ذاته بل مشكلة كيفية تطبيقه وتحويله إلى إجراءات عملية في غياب توفر مناخ سليم ديمقراطيا يحترم فيه مبدأ فصل السلط .
والغريب في الامر ان حديث بنكيران عن الحكومته سكت عن مسالة الوزراء غير المتحزبين وبالخصوص في وزارات الأوقاف والفلاحة فكيف سيمارس رئيس الحكومة سلطاته على الوزيرين اخنوش والتوفيق وكيف سيربط المسؤولية بالمراقبة في حقهما؟ وأين هو مبدأ مشروعية التمثيل الديمقراطي ؟
2- بنكيران كرئيس للحكومة: ترددت صيغة رئيس الحكومة 10 مرات وبنسبة 0.40 % وحضرت بصيغة المفرد – انأ- خصوصا أثناء تعرضه لموضوع التمثيلية المحدودة للنساء حيث اعترف –وبكل شجاعة- انه يتحمل المسؤولية كرئيس للحكومة في ما وقع، مضيفا بان مجال التمثيلية النسائية يجب أن لا يكون مجالا للمزايدة مؤكدا بان المسؤولية هي مسؤولية الجميع وبدون استثناء وطالب بسن إجراءات تشريعية وتنظيمية تمكن من تمثيلية منصفة للنساء. وقد حاول رئيس الحكومة تقديم تبريرات واهية عن هذا التغييب من بينها غياب مساطر لاختيار المرشحين لعضوية الحكومة. وهنا نتسائل هل كانت هناك مساطر في عهد حكومات اليوسفي وجطو والفاسي الذي استوزروا عددا مهما من النساء في حكوماتهم ؟ هل مارس بنكيران كرئيس حكومة ضغوطات على زعماء أحزاب التحالف الحكومي لاستوزار ا امرأة عن كل حزب على الأقل؟
تغييب العنصر النسوي في الحكومة أحرج كثيرا كل أحزاب التحالف الحكومي وفي مقدمته حزب التقدم والاشتراكية الذي افتضح أمره في هذه المسألة.وفي نفس السياق انتقد بنكيران التوظيف الخاطئ من بعض الفرق البرلمانية لمفهوم الحداثة حيث انه أكد بان الحداثة سلوك وممارسة وليس شعارات وخطابات مضيفا بان الحداثة ليست قيمة تقدمية بل إنها تكريم للإنسان وتحرير العقل والالتزام بالاختيار الديمقراطي وفي مناهضة الفساد والريع والامتناع في التدخل الحزبي وفرض التحكم في المجال السياسي وهي رسالة مشفرة موجهة الى رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة الذي تحكم في الحقل الحزبي من 2007 إلى 2011 بكيفية غير ديمقراطية .
لكن ما أثار انتباهي في رد بنكيران هو ثقته المفرطة أثناء تحدثه عن نفسه كرئيس للحكومة ناسيا آو متناسيا انه رئيس حكومة في نظام ما زال الملك يمتلك فيه كل السلطات، و في نظام ما زال يمر بانتقال ديمقراطي هش وفي نظام لا يحترم فيه مبدأ فصل السلط.لكن رغم ذلك ، يوحي خطاب بنكيران انه مدركا لكل هذه الأمور وعلى وعي بان ممارسة صلاحياته الدستورية المحددة في الفصول 47 -48-68-78-87 -90-91 لن تكون سهلة لذلك ما فتئ منذ تعيينه بإرسال رسائل مشفرة وبكلمات عارية وبلا مساحيق بأنه لن يتخل عن مبادئه من اجل البقاء في السلطة.
أ- بنكيران وسياق تقديم البرنامج الحكومي : ردا على عدد من الانتقادات أكد بنكيران بان حكومته واعية بطبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد واصفا إياها بالاستثنائية والدقيقة. لذلك طالب أن يتحمل الكل مسؤولياته وفي مقدمتهم أحزاب المعارضة لدعم الانخراط في محاربة الفساد والهيمنة وتكريس الحكامة الجيدة والاختيار الديمقراطي.
وقد ركز بنكيران كثيرا على الظرفية العامة التي تتحمل حكومته فيها تدبير الشأن العام وهي ظرفية تتحكم فيها الأزمة الاقتصادية العالمية والحراك العربي ساكتا عن الحراك الاجتماعي الوطني. وقد اعترف بنكيران أن المغرب فهم محيطه الدولي والإقليمي عبر ترسيخ الإرادة الجماعية للإصلاح الذي وصفه ‘'باللازم'' لكن في ظل الاستقرار.
وحضور صفة ‘'اللازم'' توحي بضرورة تحقيق الإصلاح وإلا دخل المغرب إلى النفق المسدود، إصلاح تتحمل فيه حكومته مسؤولية كبرى لان الشعب انتخبها لتحقيق هذه الغاية. ونلاحظ هنا كيف غيب بنكيران ذكر الأحزاب وتعويضها بالحكومة آو بالتحالف الحكومي الذي تردد 4 مرات ونسبة 0.16% واصفا إياه بأنه مبني على التزام وثيق أساسه ميثاق الأغلبية وهدفه بناء حكومة قوية وفعالة ومتضامنة لها برنامج حكومي واضح.فما هو اذن برنامج حكومة بنكيران؟
ب- البرنامج الحكومي: احتلت هذه الصيغة الرتبة الثانية من ناحية التردد ب 28 وبنسبة%1.25وهو ما يعكس الأهمية التي يوليها بنكيران للبرنامج الحكومي الذي قال عنه انه قادر على تحقيق تحديات التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويعكس أيضا أملا كبيرا للشعب. برنامج واقعي " انطلق من تحليل وتشخيص عميقين للإشكالية الجوهرية التي ترهن مستقبل بلادنا،" ويقصد بالإشكالية الجوهرية هي: ‘'افتقاد المغرب إلى حكامة جيدة ‘'. وبذلك رد على اتهامات تدخلات فرق المعارضة ، وهو ما يعني أن البرنامج الحكومي الذي قدمته حكومة بنكيران يتميز بالواقعية وبالمعرفة الدقيقة لكل الاكراهات والاختلالات التي تعيق " إنتاج الثروة " .
واعتقد بأن مسألة''إنتاج الثورة'' وكيفية توزيعها هي من يرهن حاضر المغرب ومستقبله ونلاحظ هنا فعل ‘'رهن'' وما يحمله من دلالات رمزية قوية .مما ارغم بنكيران على المراهنة يراهن على الحكامة الجيدة ‘'المفتقدة'' بالمغرب لكونها الكفيلة برد الاعتبار إلى: العمل والإنتاج كقيمة دينية وإنسانية واجتماعية تؤدي إلى الفعالية والكفاءة في الإنجاز، وتكون ناجعة في مكافحة الفساد في تدبير الشأن العام، سواء تعلق الأمر بالرشوة أو المحسوبية أو اختلاس المال العام أو استغلال النفوذ، وذلك كله برؤية مستقبلية لا تنشغل بالماضي واختلالاته عن البناء الجماعي المتين لمستقبل أفضل.
ج‌- الحكامة الجيدة رهان البرنامج الحكومي: حضرت صيغة الحكامة الجيدة 5 ترددات ونسبة 0.20%، معترفا بأنها من اهم أسباب الاختلالات العميقة التي يعرفها المغرب في كل المجالات وعلى كل المستويات . وقد برر بنكيران مراهنته على الحكامة الجيدة لكونها مقاربة أسسها الفعالية والكفاءة في الانجاز والنجاعة في محاربة الفساد وما يرتبط به من أمراض فتاكة أخرى منها الرشوة والمحسوبية واختلاس المال العام واستغلال النفوذ وهذا ذكاء من بنكيران الذي استثمر في رده على الفرق البرلمانية الكثير من الشعارات والمفاهيم والكلمات التي تتردد عند الحركات الاحتجاجية.لذلك جعل من محاربة الفساد بكل تجلياته تحدي استراتيجي وليس تكتيكي طالبا من المواطن منح حكومته الوقت لمحاربة كل هذه الاختلالات لان جيوب المقاومة واللوبيات لن تنهزم بسهولة .
لذلك، فالحكامة الجيدة في البرنامج الحكومي مسالة جوهرية لتاطير الموازنة بين التغيير المبدع والاستمرارية المسؤولة في الاستراتيجيات والسياسات، وبمعنى آخر فحكومة بنكيران ستحصن المكتسبات وتقارب الاختلالات في إطار الاستمرار وهو نهج ارادي كما قال بنكيران للبرهنة على انه ليس مفروضا عليه من فوق.
وعليه، فمنطلق الإصلاح هو الحكامة الجيدة لتصبح ممارسة السلطة واتخاذ القرار منفتحا على جميع الأطراف من أجل المساهمة فيه وفق ما نص عليه الدستور الجديد الذي فتح باب اقتراح المشاريع أمام المجتمع المدني، لينتقل المغرب في تدبير السياسات العمومية والشأن العام من نظام تراتبي عمودي إلى نظام تشاركي يحكمه التعاقد والديمقراطية التشاركية، من نظام توجيهي منغلق إلى نظام تفاوضي وتوازني منفتح، من نظام متمركز إلى نظام اللا تمركز.لكن ما سكت عنه رئيس الحكومة وهو يتحدث عن الحكامة الجيدة هو برنامج حكومته في تأهيل المسؤولين والمواطنين والمؤسسات من أجل استشراف قيم الحكامة الجيدة والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.
د-مرجعيات البرنامج الحكومي: يعد الدستور الذي تردد 8 مرات وبنسبة 0.32% المرجعية الوحيدة لتحديد مضامين البرنامج الحكومي . وطبيعي بان يحتل مفهوم الدستور هذه الرتبة المتقدمة في خطابه لاقتناع بنكيران انه تكريس للنقلة الديمقراطية في الدولة وفي مؤسساتها . لكن بنكيران حاول أن يوهمنا بان الدستور الجديد كاف لدمقرطة الدولة ومؤسساتها في الوقت الذي يعرف جيدا فيه بان المشكل ليس في مقتضيات الدستور بل في مدى الالتزام بها خصوصا من طرف صناع القرار والمحيط الملكي والشخصيات النافذة. وعن الانتقادات الموجهة إليه في موضوع الالتزام بمقتضيات الدستور أثناء تشكيل حكومته آو أثناء تقديم برنامجه الحكومي أكد بنكيران أن البرنامج الحكومي قدم وفق المادة 88 من الدستور الذي نص على أن رئيس الحكومة يقدم البرنامج الذي يعزم تطبيقه أمام البرلمان بمجلسيه دون تقديمه أمام المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك.
ح-البرنامج الحكومي وغياب الأرقام والمؤشرات والإجراءات الدقيقة: اعتبرت الفرق البرلمانية المعارضة أن البرنامج الحكومي خال من الأرقام والمؤشرات والإجراءات العملية والجدولة الزمنية، فجاء رد بنكيران ذكيا مؤكدا ان فرق المعارضة لم تميز في ردودها بين البرنامج الحكومي وبين قوانين المالية السنوية التي تحمل البرمجة المالية لمختلف المشاريع والاصلاحات الواردة في البرنامج الحكومي وبين العمل القطاعي وما الذي ستعده الحكومة وتحدد إجراءاته وتبرمج موارده المالية والبشرية وافقه الزمني.
4-المعارضة في رد بنكيران: احتلت المعارضة في رد بنكيران مرتبة مهمة ب 10 ترددات ونسبة0.40% وهو ما يعكس الأهمية التي أعطاها رئيس الحكومة للمعارضة. والأكيد أن هذه المرتبة التي احتلتها المعارضة في رد رئيس الحكومة نابعة من مقتضيات الدستور الجديد الذي خول لها صلاحيات مهمة حددها الفصل10.
وانطلاقا من هذه المقتضيات طلب بنكيران من المعارضة أن تكون شريكا فعالا وبناء في التطور الديمقراطي على مستوى الخطاب أو المنهج أو الاقتراح أو التعمق في الأشياء وهو ما يعني أن المعارضة الحالية لا توفر فيها هذه المواصفات، إضافة أالى اتهام تدخلات رؤساء فرق المعارضة انها اكتفت بالانتقاد دون طرح البديل.
والمتأمل في رد فرق المعارضة بالبرلمان على التصريح الحكومي سيجد نفسه أمام معارضة بصيغة الجمع معارضة مشتتة متناقضة بل إن بقايا فرق أحزاب التحالف الثمانية لم تستطع أن تقدم ردا مشتركا واقصد أحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والأصالة والمعاصرة والحزب العمالي، إلى جانب فريق الاتحاد الاشتراكي ، لكن يبدو من خلال ردودها انها ستمارس ‘'معارضة شرسة وانتقامية'' ضد رئيس الحكومة بنكيران الذي استطاع وأد الكتلة الديمقراطية وتفريقها وإجهاض التحالف الثماني وتشتيته مما عرى الكثير من الهشاشة والضعف التي تنخر الجسم الحزبي المغربي بيساره وبيمينه في الوقت الذي أشاد بأحزاب تحالفه الحكومي الذي حضر ب 4 ترددات ونسبة 0.16% وسبب هذا التغييب مقصودا في خطاب بنكيران لان الأساسي عنده هو الدفاع عن الحكومة وعن برنامجها أكثر من الدفاع عن التحالف الحكومي الذي اعتبره انه تحالف من اجل بناء حكومة قوية ومتجانسة ومتضامنة مبنية على أساس وثيقة ميثاق الأغلبية ويمثل ارادة الشعب في التوفر على حكومة مسؤولة منشغلة بهموم الشعب ومستجيبة لانتظاراته.
لكن ما سكت عنه خطاب بنكيران أو حاول تجاهله هو كيف تكون حكومة بنكيران حكومة مسؤولة ومستجيبة لتطلعات الشعب وهي الحكومة المكونة من أربعة أحزاب ثلاثة منها دبرت الشأن العام منذ حكومة التناوب. واقصد أحزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية التي شاركت في كل الحكومات المتعاقبة منذ 1998 أي منذ حكومة التناوب الأول بل إن حزب الاستقلال قاد الحكومة السابقة، فهذه الأحزاب المتحالفة مع حزب العدالة والتنمية ‘'يحتاط'' منها المواطن العادي لأنها أحزاب قادت حكومات فشلت في ترسيخ سياسية اجتماعية عادلة، بل إن الحراك الاجتماعي الذي عم وما يزال يعم الشارع العام جاء كاحتجاج على حكومة عباس الفاسي وكيفية تدبيرها للسياسات العمومية.
وعلى هذا الأساس فكل أمال الشعب معقودة على حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة والفائز ب 107 مقعدا برلمانيا ليكون في مستوى انتظارات الشعب أكثر من اعتماده على أحزاب التحالف الحكومي الأخرى التي اكتوى بنارها.
إلى جانب هذه النقطة هناك نقطة اهرى سكت عنها بنكيران وهي موقع الوزراء آو الوزراء المنتدبين في حكومته وغير المتحزبين من سيتحكم فيهم؟ من سيحاسبهم؟ وعلى أي أسس؟ بنكيران يعرف كما يعرف الشعب المغربي أن كل الوزراء غير المتحزبين في حكومته لهم ارتباطات قوية بالمخزن ولهم علاقات وطيدة بالمحيط الملكي فكيف سيطبق بنكيران مبدآ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليها الدستور على هؤلاء الوزراء غير المتحزبين؟ ألا يعد هذا نوعا من الفساد السياسي؟
أهداف البرنامج الحكومي: تتوزع هذه الاهداف بين الالتزام بالوعود الانتخابية وتحقيق النمو وترسيخ سياسة اجتماعية وضمان تمويل البرنامج الحكومي من جهة وبين محاربة الفساد من جهة اخرى.
في ما يخص الالتزام بالوعود الانتخابية لم يكن بنكيران مقنعا في ظل تناقض أرقام أحزاب التحالف الحكومي حول نسبة النمو والعجز وتقليص البطالة ونسبة التشغيل الخ. أما بالنسبة محاربة الفساد فتبقى هي حجر الزاوية في رد بنكيران حيث حضر مفهوم الفساد ب4 ترددات وبنسبة 0.16%. وعليه فمرتكزات الرد الحكومي على الفساد هي نفسها مرتكزات التصريح الحكومي القائمة على ثلاثة مرتكزات أساسية هي: العمل المندمج والمتكامل، المقاربة التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.وهي مرتكزات نابعة من روح الدستور الجديد ومن البرامج الانتخابية للأحزاب المتحالفة المشكلة للأغلبية .لكن الرد الحكومي لم يكن مقنعا على مستوى كيفية تنزيل الحكومة لمقتضيات الدستور من أجل القضاء على الفساد في كل المجالات وعلى كل المستويات .
على كل يبقى رد بنكيران مجرد خطاب سياسي وان كان يمثل ثورة في شكله ومضمونه وكيفية إلقاءه في حاجة إلى مناخ سليم سياسيا وديمقراطيا تطبق الحكومة فيه برنامجها الحكومي وفق مقتضيات الدستور شريطة أن يحافظ بنكيران على شجاعته الادبية :
أ- إما بفضح كل القوى التي تتدخل في شؤون الحكومة أو تؤثر على وزراءها خصوصا بالنسبة للوزراء غير المتحزبين ولو كان ذلك من المحيط الملكي أو من مستشاري الملك.
ب-ان يبقى متشبتا بان لا يكون هناك وسيطا بينه وبين الملك .
ح-وإما تقديم استقالته من رئاسة الحكومة لأنه أول رئيس حكومة منتخب ديمقراطيا وله مشروعية التمثيل الديمقراطي.
ج- وإما التشبت بكرسي السلطة والخضوع لأوامر أصحاب النفوذ وتنفيذ التعليمات الفوقية . والايام المقبلة هي التي ستبين لنا هل بنكيران فاعل سياسي أصيل مبرهنا على ان مرحلة تدخّل مستشاري الملك في عمل الحكومة و"بَهْدَلة" وزرائها، قد انتهت، ام انه سيكون صورة طبق الأصل من صور رؤساء الحكومات السابقين الذين كانوا مجرد منفذين للتعليمات الفوقية؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.