الدولة تخرق المشروعية وقواعد الدستور يوميا برفض تنفيذ الأحكام القضائية أكاتبكم جلالة الملك، وأنتم الرئيس الدستوري للسلطة القضائية، أردتم تَحمل وَزن مسؤوليتها الثقيل وقبلتم أن تصدر قرارات قضاتها باسمكم الشخصي. وأكاتبكم كرجل قانون لأنكم على علم أن الصادقين من رجال القانون كثر بالمغرب، ينتفضون حبا في العدالة لما تصاب في هيبتها أو تنتهك حرماتها أو يحتقر نساء ورجال من قضاتها. وبصفتي مواطنا يتوجه إلى ملك البلاد بما له من مكانة دستورية وصلاحيات سياسية وتنفيذية، رأيت في وسيلة إعلامية وصحافية، أداة لمخاطبتكم جهرا وبملء قناعاتي وبصدق راسخ في قلبي ووجداني، ولا أجد ما يمنعني من ذلك تجاه من يمتلك القرار السياسي ويمثل الدولة في أعلى قمتها. أكتب اليكم وأنقل إلى علمكم، تحت رقابة الجميع، إن كنتم ربما غير عالمين، وأنقل إلى علمكم، إن لم يبلغكم أحد قبلي، أن خطرا على الوطن جاثما ومُهدِدا يجب أن يتوقف، وجريمة ترتكب لابد من وضع حد نهائي لها، وإهانات متتالية لا ينبغي استمرار ممارستها، والخطر والجريمة والإهانات ترتكب يوميا على مرأى من العام والخاص، ترتكبها الدولة وعدد من المسؤولين معها، وضحيتها الوطن قبل المواطنين. تعرفون أن المرحوم والدكم أسس القضاء الإداري قبل قرابة عقدين من اليوم، وكان ذلك لما بلغ السيل الزبى ووصل انتهاك المشروعية رقما قياسيا، وكان التأسيس ردا على استفحال شطط الدولة وتجاوزات السلطة واعتداءات الإدارة العمومية على الملكية الخاصة والوضعية الإدارية للموظفين، وأنتم وعدتم، لما تقلدتم الحكم، وفي أول خطاب لكم لمناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بتأسيس مجلس الدولة تعزيزا لمكانة القضاء الإداري ودوره في غل يد الإدارة والتصدي لحماقاتها. أعتقد أنه من باب الواجب أن أرفع صوتي وأقول لكم اليوم إن المغاربة ربما لا حاجة لهم بمجلس الدولة، ولا حاجة لهم بالقضاء الإداري، ولا حاجة لهم بالقضاء نهائيا، لأن الدولة والحكومات المتعاقبة والإدارات والمؤسسات وكبار الأطر يوجهون الضربات تحت الحزام بقوة ويوميا، ليقولوا لكم إن إصراركم على تأسيس دولة القانون حلم وخيال، ولا يخجلون من التأكيد، بكل وسيلة، أن لا أحد يمكنه أن يفرض على الدولة التقيد واحترام القانون، وليقولوا لكم إن القانون لا يطبق إلا على الأغبياء الذين يحترمونه ويثقون في سيادته، وليقولوا لكم إن من أراد من المواطنين أن ينتحر أو يحترق أو يلتجئ أو يهاجر، فليرحل دون أسف، لأنه سيريحنا إلى الأبد. أقول لكم إنني لن أشارك في هذه الجرائم بالصمت، ولن أترك الوطن للعبث وللتسيب وللمغامرين بالعدالة. لذلك ولكل هذه الأسباب: أخبركم جلالة الملك، أن الدولة تخرق المشروعية وقواعد الدستور يوميا برفض تنفيذ الأحكام القضائية. والدولة ترتكب جريمة تحقير القرارات القضائية يوميا لأنها تمتنع عن تنفيذها حتى بعد أن تصبح نهائية. والدولة تعبث بتعليماتكم المحددة في الصيغة التنفيذية للأحكام والتي بها تطالبون السلطات وأعوان الدولة بالسهر على تنفيذ الأحكام. الدولة تعطي يوميا أسوأ مثال في عدم احترام القانون وسيادة الأحكام برفض تنفيذها والامتثال لها. والدولة تشجع يوميا على مقاومة الأحكام القضائية برفض تنفيذها وتقاومها ولو أنها تصدر باسمكم. والدولة تزج بالمواطن في السجن لما لا يمتثل للأحكام وتنتشي إداراتها عندما ترفض تنفيذها. والوكالة القضائية للمملكة، رغم كفاءة ومهنية أطرها، عاجزة عن فرض احترام الأحكام، فهي تطعن فيها وتسير بالقضايا سنوات وسنوات أمام المحاكم رغم علمها بالشطط وبالتعسف، وتساهم بذلك في الطعن في قيمة القرارات والأحكام وتغطية شطط الدولة بالالتفاف على حقوق الناس. والدولة وعدد من المؤسسات، تنتهك الدستور بالاعتداء على حق الملكية يوميا بنزع الممتلكات من أصحابها بدعوى المنفعة العامة، وتستعملان الصورية فقط لأنها تقوم بتحويلها غالبا إلى الخواص، أشخاصا أو شركات، وتستهزئ بالمالكين لما تقدم لهم ثمنا هزيلا كعشرين أو خمسين درهما للمتر المربع، ما يجعلها كمن يسرق منهم حقوقهم ويعتدي على حق الملكية المصان بالدستور. والدولة والإدارات العمومية، ترمي الموظفين في البؤس وسط صفوف المشردين لما ترفضالامتثال للأحكام المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية بعد قرارت المحاكم الإدارية. ووزارات كبيرة تتقلد صدارة مرافق الدولة الممتنعة والمتماطلة في تنفيذ واحترام أحكام المحاكم الإدارية ومنها مثلا وزارة التعليم، ووزارة الأشغال العمومية، والوظيفة العمومية... إلخ. ومصالح إدارة الضرائب لا تخشى تجاوز القانون وخرق المساطر، فهي التي تفرض أحيانا على الملزمين أداء ضرائب سقطت بالتقادم، وتقاعست هي في القيام بواجبها باستخلاصها في الوقت المناسب، وترفض أحيانا إرجاع مبالغ استخلصتها خطأ أو ثبت عدم أحقيتها في استخلاصا، وهي التي تفرض من خلال القوانين المالية ما يحلو لها من تعديلات من أجل تسهيل تطبيق المساطر غير الضامنة لحقوق المحاكمة بالنسبة إلى الملزمين وتفرض على البرلمانيين منطقها البيروقراطي من حيث لا يشعرون. أناشدكم جلالة الملك، أن تضعوا حدا سريعا لهذه المهازل التي لا تليق بمغرب اليوم. أعتقد أنكم جلالة الملك، ستنتفضون بمشاعركم ضد هذه الوضعية التي تسيء إلى الأحكام التي تحمل اسمكم، وهي وضعية لا شك غير مشرفة للمغرب ولقضائه وللأمن القضائي للمغاربة، لأن احتقار الأحكام، في النهاية، صورة من صور الفساد السياسي في الدولة بل إنه أكبر فساد. أعتبر أنكم بمواقفكم مصرون على خلق الثقة وتعزيزها في نفوس المتقاضين والمواطنين والمغرب يطلق مسار الحوار الوطني لإصلاح القضاء والعدالة، وليست هناك هدية للحوار وللمشاركين فيه وللمعلقين آمالهم عليه، أحسن من أن تنطلق هنا والآن العملية الكبرى لحماية القرارات القضائية وذلك بتنفيذها على التو، وإعلان نهاية عهد صراع الدولة مع القضاء ووقف الحرب على أحكامه والمصالحة معها باحترامها وتنفيذها، فقرارات من هذا الحجم لن تحتاج إلى نصوص ولا إلى مراسيم أو ظهائر، بل تحتاج إلى تفعيل المسطرة وتطبيقها ومعاقبة من ينتهك، وتحتاج منكم إلى صرامة لفائدة المواطن مغربيا وأجنبيا ومستثمرا ومراقبا وحليفا. بالتأكيد، إنكم بكل هذا سترجعون الهيبة إلى القانون والأحكام بعد أن عجزت المحاكم عن بلوغ ذلك، عندما تعلنون من اليوم وتذكرون الدولة والإدارات بأن القرارات والأحكام لها قدسيتها، وأن على كل السلطات وعلى رأسها الحكومة أن تنفذ داخل أجل شهر كل الأحكام العالقة في رفوف المحاكم عبر التراب الوطني دون استثناء وبالشفافية ودون ابتزاز ولا محسوبية، وأن تطلبوا من وزارة العدل والحريات أن تتقدم لكم بقائمة المئات والآلاف من الملفات التي ترقد منذ سنوات دون تنفيذ وأن تطلعكم على الشطط الأعمى الذي يفضح تلاعب الإدارات العمومية بمصالح المتقاضين. سئمنا كمواطنين هذا الوضع العنيد والعنيف، وسئمنا الوعود بالحلول التي لم تأت رغم طول التعسف بكرامة المتقاضين، وسئمنا جمع الأحكام لتبقى دون قيمة وكأنها أوراق اليانصيب تمزق بعد صدورها لأنها أوراق غير رابحة. وبكينا تعاسة كل القضاة من القضاء الإداري وهم يحاربون الآلاف من القضايا بأدوات عمل مخجلة، مهينة لهم ولكرامتهم، ولا شفقة عليهم إن هم تظلموا أو صرخوا من ثقل المهام وبؤس الوسائل، ولو أنهم خرجوا إلى الشارع العام أو أعلنوا إضرابا يوما ما، فلن يكون لهم سبب في ذلك إلا واحدا وحيدا، وهو إهدار مجهوداتهم وإهانة أحكامهم وقراراتهم من قبل الدولة وإداراتها ومؤسساتها. إن احتقار الأحكام يعني احتقار القضاء، واحتقار القضاة، واحتقار مساعدي القضاء، واحتقار المتقاضي، واحتقار قيم حقوق الإنسان، وإن احتقار الأحكام يعني العصيان، فهل تدفع الدولة نحو إعلان العصيان المدني من المتقاضين ومن القضاة؟؟ أو أنها تطبق كلام بول فاليري "Le pouvoir sans abus perd le charme".