أقل من 3 في المائة من المواطنين ينشطون داخل هياكل الأحزاب..!! الحضور الطاغي لأثرياء الشمال في اللوائح الانتخابية دليل على «زواج المال بالانتخابات»..!! حزب «الطراكطور» يعتمد على أعيان تعود تبديل قمصانهم السياسية..!! ليس ثمة فرصة أفضل من المحطة الانتخابية، لكشف (عورات الأحزاب السياسية)، وتبيان (نهجها الانتهازي)، وقراءة الفاتحة على (ديمقراطيتها المزعومة)..!!! الانتخابات، جماعية وتشريعية، هي (المحك الحقيقي) للواقع الحزبي المغربي، مركزيا وجهويا ومحليا، والأحزاب الناشطة في الحياة السياسية، اليميني منها واليساري، راكمت فشلها في الولوج إلى (نهج التغيير)، وعجزت عن إنتاج نخب يمكن المراهنة عليها في تخليق الممارسة الحزبية، في كل الاستحقاقات الانتخابية..!! ولم يكن مفاجئا أن تخلص إحدى الدراسات الميدانية الوطنية، إلى التأكيد أن عدد المواطنين، خاصة من الفئات الشابة، الذين ينشطون في الأحزاب السياسية، هو أقل من 3 في المائة..!! إذا قمنا برصد واقع الأحزاب السياسية، التي تناسلت إلى درجة 40 حزبا، على الصعيد الجهوي، وتحديدا في مدن الشمال، نجده أكثر سوءا مقارنة مع ماهو سائد على المستوى المركزي، بدليل المظاهر التالية: . الضعف التنظيمي للهياكل الحزبية، الناتج عن التسلط في اتخاذ القرارات، والتحكم في دواليب التدبير اليومي للشأن الحزبي، من طرف منسقين لا يتقنون سوى (اللعب على حبال المنافع)..!! . عدم وجود تجديد في النخب الحزبية، بفعل هيمنة مطلقة للأعيان المحسوبين على السياسة، في التسيير والتدبير، وصنع (الخرائط التمثيلية)، و تجفيف أي منابع يمكن أن ينفذ منها مايشكل (المنافسة)..!! . عقد تحالفات مع السلطات الترابية، لضمان (التغطية المناسبة) لملفات الفساد الحزبي، ثم ضمان جزء من كعكة المجالس المنتخبة، والجماعات المحلية عموما، إضافة إلى جني مآرب أخرى عديدة..!! دكاكين انتخابية في خدمة الأعيان: فروع الأحزاب السياسية الإدارية، المسماة يمينية، في مدن الشمال، لا يمكن وصفها بغير (الدكاكين الانتخابية)، لأن تحركاتها في الوسط الاجتماعي، وحجم تأطيرها السياسي والحزبي للمواطنين الشماليين، مرهون بتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، البرلمانية والبلدية، أي موسم (حصاد الامتيازات)..!! يمكن تشريح واقع هذه الفروع، وأزمتها العميقة، من خلال التوقف عند ستة مظاهر رئيسية، تعكس حقيقة مايسود داخل هذه (الدكاكين) التي افتضح أمرها على نحو يسيئ لأخلاقيات الممارسة السياسية النبيلة: . أولا: جل فروع الأحزاب في منطقة الشمال، تفتقر إلى القواعد الشعبية، والتجذر في المجتمع المدني، ويكفي القول إن القطاعات الموازية لا حضور لها داخل هذه الفروع، أو حضورها هزيل، وباستثناءات قليلة، نجد أن الواقع الحزبي في مدن الشمال، عاجز تماما عن تأسيس قواعد في القطاعات الشبابية والنسائية والعمالية والطلابية..!! . ثانيا: معظم فروع الأحزاب لا تعرف شيئا اسمه الدورات التنظيمية، التي تمكنها من تمتين ارتباطها بالمحيطين السياسي والاجتماعي، ونادرا جدا ماتبادر مكاتب هذه الفروع إلى عقد اجتماعات شهرية أو دورية. لتجديد النقاش حول المستجدات السياسية، محليا وجهويا، ماعدا في المواسم الانتخابية..!! . ثالثا: غالبية الفروع لا تولي أهمية تذكر لتكوين كوادر سياسية وحزبية جديدة،. وفتح المجال أمام الفئآت الشابة لتحمل مسؤولية التدبير الحزبي، وضخ دماء جديدة في الحياة السياسية الجهوية، حيث تعطى الأهمية الأكبر لاستقطاب الأعيان ورجال الأعمال ممن لهم (طموحات سياسية)..!! إلى جانب هذه المظاهر الثلاثة، التي تعتبر (قاسما مشتركا) بين فروع الأحزاب الإدارية، مثل التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الأصالة والمعاصرة، ثمة مظاهر أخرى نسجلها هنا، وهي تتعلق بشكل تعاطي هذه الأحزاب، ممثلة في فروعها بمدن الشمال، مع الاستحقاقات الانتخابية، وتحديدا الاقتراع التشريعي المزمع تنظيمه يوم 25 نوفمبر 2011. . أولا: استقطاب وجوه لها سجل انتخابي سيء للغاية، ووضعها على رأس اللوائح الانتخابية، بعضها تطارده تهم من قبيل التهرب الضريبي، والاستيلاء على أراضي الدولة ضدا على القانون، والبعض الآخر متهم في ذمته المالية، وله سوابق في اقتراف جرائم الفساد السياسي..!! . ثانيا: البحث عن ممولين بإمكانهم الإنفاق على الحملات الانتخابية، وتحقيق الفوز بالمقعد البرلماني، في إطار (تحالفات سرية) بين الأحزاب ورجال المال، ولعل الحضور الطاغي للأثرياء الشماليين في اللوائح الانتخابية، أكبر دليل على (زواج المال بالانتخابات)..!! . ثالثا: تأثيث اللوائح الانتخابية، على صعيد الأقاليم الشمالية، من خلال أسماء ووجوه ملتقطة من هنا وهناك، منهم من ينتمي إلى اليمين، ومنهم من كانت له علاقة باليسار، ومن لا انتماء له غير المقعد البرلماني، وهو خليط بعيد عن أي جدية أو إحساس بالمسؤولية السياسية..!! كل ماذكرناه يؤكد أن الأحزاب الإدارية لا تطبق مقتضيات قانون 04 36 المتعلق بالأحزاب السياسية، المصادق عليه من طرف مجلس النواب يوم 21 أكتوبر سنة 2005، الذي يضم 62 مادة موزعة على 7 أبواب، مضمونها جيد بيد أن تطبيقها على أرض الواقع لا وجود له..!! اللوائح الانتخابية والمصاهرات السياسية: إذا كان حزب الاتحاد الدستوري، سار على نفس نهجه القديم، ووضع على رأس لوائحه الانتخابية وكلاء متهمون ب(الفساد السياسي)، في مختلف الدوائر الانتخابية بمدن الشمال، فإن حزب التجمع الوطني للأحرار، لم يخالف هو الآخر طرائق إنزالاته الانتخابية، التي تتحكم فيها العشائرية، وتهيمن عليها المصاهرات السياسية، ولعل لوائحه الانتخابية على صعيد عمالة طنجة أصيلة (5 مقاعد)، كافية للتدليل على ذلك..!! حزب الحركة الشعبية، وجريا على عادته في استقطاب (أصحاب الشكارة)، اختار وكلاءه للوائح الانتخابية في الأقاليم الشمالية، من تلك العينة التي تحيط بها شبهات تتعلق بالتهرب الضريبي، والتربح من الصفقات العمومية، لأن وجودهم على رأس اللوائح يعني حتما الفوز بالعضوية في مجلس النواب، نظرا لقدراتهم الاستثنائية، ليس في إقناع الناخبين بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإنما في شراء الأصوات..!! أما حزب الأصالة والمعاصرة، الذي جاء ازدياده من رحم «حركة لكل الديمقراطيين»، التي صدر بيان تأسيسها يوم 18 يناير سنة 2008، فإن ماهو معلن بخصوص لوائحه الانتخابية في دوائر الأقاليم الشمالية، يؤكد أن رهاناته لا علاقة لها بما يدعيه من «إعادة روح العمل الديمقراطي إلى المشهد الحزبي الوطني»، بديل أن التزكيات التي منحها لخوض معركة الاستحقاق البرلماني المقبل (25 نوفمبر 2011)، تأسست شكلا ومضمونا على أسماء ووجوه وشخصيات لا يجمع بينها أي رابط إيديولوجي، أو نضالي، سوى الرابط المتعلق بالانتهازية المؤدية إلى قبة البرلمان..!! حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، بعد تخليه عن منصبه الكبير في وزارة الداخلية (غشت 2007)، كانت ولادته عبر الترحال السياسي داخل المؤسسة التشريعية، ومن خلال أعيان متعودين على (تبديل قمصانهم السياسية)، ونفس (الخليط غير المتجانس)، تحكم في تأسيس فروعه بمدن وأقاليم الشمال، والقصة ذاتها تتكرر حاليا على صعيد اختيار وكلاء لوائحه الانتخابية..!! في الانتخابات البلدية ليوم 12 يونيو 2009، قدم حزب الأصالة والمعاصرة 16 ألفا و793 مرشحا، منهم 323 امرأة مرشحة، من ضمن 130 ألف مرشح تقدمت بها أحزاب وصل عددها إلى 30 حزبا، وتمكن الحزب من حصد نتائج كبيرة، بيد أن هذه النتائج كانت ضده ولم تحسب له، لأن ولوجه التدبير اليومي للشأن العام في عدد من المدن، كشف حجم الأعطاب السائدة به..!! للتدليل على الحضور الباهت لحزب «الطراكطور»، وعدم توفره على شرعية شعبية حقيقية (بعيدة عن تزوير وزارة الداخلية)، وتحديدا على صعيد الأقاليم الشمالية، نشير إلى الفشل المبين الذي مني به الحزب في إدارة عدد من الجماعات، نذكر منها الجماعة الحضرية لطنجة (فؤاد العماري)، وبلدية مرتيل (علي منيول)، وبلدية شفشاون (محمد السفياني)، ثم بلدية الفنيدق..!! هذا يؤكد أن فروع حزب الأصالة والمعاصرة في هذه المدن الأربعة، لا تتوفر فيها الشروط الفعلية للتمثيلية ا لحزبية المحلية، التي تقتضي استقطاب الكفاءات السياسية، وإنتاج نخب محلية، والانفتاح على هموم الساكنة، وتطبيق سياسة القرب، ثم الرهان على العمل الميداني بين الناس لكسب أصواتهم بعد تأطيرهم حزبيا، وتوعيتهم سياسيا..!! حزب «الطراكطور»، في انتخابات 12 يونيو 2009، ولم يكن قد مر على تأسيسه سوى أسابيع معدودة، كان في مقدمة الأحزاب الإدارية التي استقبلت مركزيا وجهويا الوافدين الهاربين من أحزابهم الأصلية، خاصة من جهة طنجة تطوان، وفي الانتخابات البرلمانية المقبلة، تؤكد المعطيات المتوافرة أن (السوق الانتخابية الشمالية)، ستشكل (قلاعا حقيقية) لهذا الحزب، الذي خلقه المخزن على (المقاسات المطلوبة)..!! دليل ذلك، توالي الأنباء، كل يوم، عن تأكد إلحاق مجموعة من الشخصيات ذات النفوذ الانتخابي والاقتصادي والمالي بحزب «الطراكطور»، لاسيما على صعيد الدوائر الانتخابية بجهتي طنجة تطوان، والحسيمة تازة..!! وفروع الأحزاب الإدارية بمختلف حساسياتها وتفاوتاتها في قوة الحضور بالشارع الشمالي تنشط حاليا كما يبدو للأعين الراصدة وفق (مناورات انتخابية) قديمة ولم تعد صالحة للواقع المغربي الراهن، ونعني بذلك الاستخدام المفرط للمال والامتيازات التي تؤدي إلى تحويل أحياء بكاملها في مدن الشمال إلى (قلاع انتخابية) محتكرة لحزب معين، أو مرشح بذاته..!! الانتخابات مطية للتضليل والتدليس: يمكن القول إن التوجهات التي تنهجها فروع الأحزاب الإدارية في أقاليم الشمال مع بعض الاستثناءات بالطبع لا تصلح بتاتا للواقع السياسي الجديد الذي تعيشه البلاد (إخراج و ثيقة دستورية جديدة، استمرار انتفاضة شباب 20 فبراير ضد الريع السياسي)، كما أنها تتناقض تماما مع الإرادة السياسية المعلنة من طرف عاهل البلاد الملك محمد السادس..!! في الوقت الذي لا يعتبر فيه الملك محمد السادس الانتخابات مجرد اقتراع تنافسي على كسب ثقة الناخبين المغاربة، بل ينظر إليها على أساس أنها «من مقومات المواطنة المسؤولة»، التي تقتضي المشاركة الجماعية في تدعيم المسلسل الديمقراطي الحداثي، نجد أن غالبية فروع الأحزاب السياسية الوطنية في أقاليم الشمال، تتعامل مع المحطات الانتخابية المصيرية بالنسبة لتطلعات الإصلاح والتغيير، باعتبارها مطية للتضليل والتدليس، وتنخرط فيها ليس من أجل ترسيخ آليات المسار الديمقراطي، وإنما لأهداف لها علاقة بالانتهازية المرذولة، والسباق العبثي والمحموم نحو المناصب، على حساب انتظارات وتطلعات زهاء 34 مليونا من المغاربة..!! ثمة إجماع بين كل المراقبين السياسيين على اعتبار الانتخابات البرلمانية المقبلة، محطة لاختبار إرادة التغيير لدى الدولة، ومجموع الأحزاب السياسية، وهذا الاستحقاق يوجد في مفترق طرق: . إما أن يشكل قطيعة فعلية مع (ماضي الانتهاكات الانتخابية)، ويؤصل لمرحلة جديدة لا تعد فيها الانتخابات مجالا لما تسميه «الشمال» (الجرائم السياسية في حق الشعب)..!! . وإما أن يمثل استمرارا لما يمكن تسميته مجازا (المذابح الانتخابية)، التي تشوه وجه الوطن، وتجعل بلادنا، التي ترفع شعار «الديمقراطية»، (أضحوكة في العالم)..!! ثم إن الاقتراع التشريعي المقبل، يجيء في ظل (الاحتقان الاجتماعي)، الذي يسود البلاد منذ ثمانية أشهر، وتتمثل شواهده الدالة في اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، بقيادة شباب 20 فبراير، الذين يطالبون بمغرب نظيف من الفساد السياسي، الاقتصادي، والإداري، وينادون بالتغيير الجذري للأوضاع الكارثية التي تسود الحياة العامة في مختلف مرافقها..!! هذا يعني بوضوح أن نزع فتيل (القنبلة الاجتماعية)، ورد الثقة المفقودة للمغاربة الساخطين على أوضاعهم السيئة، سيتحدد انطلاقا من الأسلوب الذي ستدار به الانتخابات التشريعية، واستنادا إلى النتائج النهائية التي سيسفر عنها هذا الاقتراع، والتي ستتشكل على إثرها الحكومة الجديدة لفترة ست سنوات مقبلة.