من أين يمكن ان ننطلق لتناول موضوع كهذا، هل ننطلق من مفهوم الانتخابات، وما دورها ولما تكون، ام ندخل اليه من رصد المشهد السياسي عموما التي تعيشه بلادنا والى أين وصل، وما حاله. ام اننا ندخل اليه من خلال المقاربة الاجتماعية وحال المواطن كما هو معلوم مأزوم ،كادح بالليل والنهار عقله مسكون بهم الخبز والمأوى والصحة والدواء وكفاية مطالب الأولاد، والحال كما هو معروف مجرور بكسر قصم ظهره. من أين ندخل إلى موضوعنا هذا؟ حقيقة يصعب الامر بداية ونهاية فالأمر متداخل ومتشابك تشابك دولتنا وطبيعة الأوراق المخلوطة فيها خلطا مقصودا يستحيل معه التشخيص الدقيق، فاللغط عندنا لا ينتهي والسؤال مازال مطروحا متداولا، نبحث له عن جواب في كل المجالات، سياسية ، اقتصادية، تعليمية، اجتماعية، كل شيئ معلق غير محسوم، دولة مؤسسات أم دولة أشخاص، الحاكم خادم للدولة ام الدولة خادمة للحاكم، الاقتصاد حر، ليبرالي اجتماعي، ام اقتصاد تدبره الدولة ام يدبره المتنفدون الذين لا تستطيع (الدولة)أمامهم شيئا. التعليم له كيان وحقيقة وأثر، أم انه دوران بلا معنى وأجهزة ومسميات لاتسمن ولا تغني من جوع. نحن إذن أمام حالة فريدة من حيث قدرة توصيفها ووضعها تحت عنوان واضح، هكذا أراد دهاقنة السياسة المخزنية ولا أقول الحزبية لأن هؤلاء هم بأنفسهم لا يملكون ولا يستطعون أن يجيبونك إجابات بينة واضحة، فهم إما قوم لا علاقة لهم بالسياسة والعمل السياسي مبتدأ وخبرا، وانما هو سوق فتح أمام البائع والمشتري ،الشرط الوحيد فيه ان تسير في فلك ما يرسم لك من خطوط، أو أنهم قوم سياسيون نعم لكن لم يعد للمبدئ عندهم قيمة ،مستعدون لبيعها في آي وقت وحين أهم شيئ عندهم أن يحظو بثقة دار المخزن ويفوز بوسام الرضى منها والرضوان. من كل هذه المتداخلات يكون وقوفنا وتعجبنا من عملية ما يسمى عندنا بالانتخابات مشروعا، حتى نقف على الأقل عند الموقف الصحيح الذي ينبغي أن نمارسه من هذه العملية إن كانت تستحق هذا الاسم. –احترام كرامة المواطن : تلك هي آخر التوصيات التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق بالإنسان بالمغرب، ضرورة احترام الدولة لكرامة المواطن، السؤال الأهم من هذا كله أولا، مواطنون نحن أم رعايا، لنا حقوق أم ما عندنا عطايا ومنن، حينما تكون الكرامة مستباحة مهدورة، عندما تجدك نفسك في بلدك مقموع منوع، عندما يكون مخفر الشرطة بالنسبة لك عنوان الخوف ،عندما يكون الشطط في استعمال السلطة هو الأصل، عندما تكون في بلد مازال فيها ما يسمى "بالمقدم" هو الذي يحسم في أمرك فهو الذي أنك مولود فأنت ذاك وإن قال أنك مفقود فهو ذاك، تقريره هو المعتمد وكلامه هو الفصل في كثير من شؤون حياتك، هذا ذاك الموظف البسيط في سلم دار المخزن فكيف انت امام جهابدتها وساداتها. قل لي بربك أيها المواطن الكريم إن سمحت بهذا الوصف دار المخزن، هل يعقل وفي أي منطق يقبل أن يعبر عن صوته من لا كرامة له، هو إنسان فاقد الأهلية، لا يصح انتخابه ولامعنى لما سيقوم به . التصويت اختيار حر كريم، يدرك تمام الادراك أن لكمته وصوته معنى ومغزى، فإن سقطت هذه الصفة صفة الكرامة، كان الذي يليها ساقطا قياسا وعقلا ومنطقا، وكان هذا الصوت عبثا وتلك العملية تهكما على من جعلته الدولة فاقدا للأهلية، وفاقد الأهلية لا يعتد برأيه شرعا وقانونا. –ما الداعي إلى الانتخابات؟ لماذا يذهب الناس إلى الانتخابات، ما الهدف من هذه العملية، أهو التزمير والتطبيل والليال الملاح، وتوزيع الهدايا، ام هو استغلال ظروف الفقراء من الشعب بالتقرب إليهم طيلة الحملة وعفانا الله من الحملة بمفهومها العامي. حين يذهب الناس إلى الانتخاب فذاك عنوان إلى ما لكلمتهم من معنى وقيمة، وعندما يذهب الناس الى الانتخابات فذلك إشارة إلى أنهم أحرار، لهم حرية الاختيار، وأن اختيارهم ملزم ،فشرعية المنتخب إنما هي من إرادة المنتخب، ولذلك فهو يحسب لذلك الصوت ألف ألف حساب، في الانتخابات يصوت الناس على البرنامج والشخص معا، فالبرنامج هو تلك العقدة التي بينه وبين الشعب ،يعرف جيدا أنه إلا لم يوف بذلك أنه سيعاقب من طرف ناخبيه، هذا معلوم معروف في بلاد الدنيا كلها والأمثلة كثيرة لا حصر لها. هكذا هي الانتخابات وذاك باختصار شديد مدلولها، فإن انتقلنا إلى واقعنا نحن وبلدنا الحبيب، سنجد الشكل يحاول مطابقة ما هو متعارف عليه، لكن المضمون فرق شاسع كما بين السماء والارض، ففاقد الشيء لا يعطيه، فالأحزاب لا تستمد شرعيتها عندنا من الشعب، هي تستمد شرعيتها من السلطة، والاحزاب عندنا برامجها در الرماد في العيون لأنها لا برنامج لها من جهة، إذ لا تصور لها عن أي مغرب تتحدث، ثم إن أمرها ليس بيدها، ولذلك نحن امام اشكاليات لا نهاية لها، إن قلنا نصوت عن البرنامج فذاك هو المحال، لان هذا سيقودنا الى سؤال اعمق، ما هو البرنامج الانتخابي ولما البرنامج الانتخابي، واهم من ذلك كله ذاك المنتخب، المطمئن على مستقبله الآمن في بلده ،المستقر اجتماعيا القادر على التمييز بين هذا وذاك لأن له وعيا سياسيا، قارئ هو ومطلع. كيف يمكن أن نحقق هذه الشروط في بلد تأكل أحشائه الأمة، ويعيش بعض مواطنيه في الكهوف، في بلد الأمية بمعانيها المتعددة، المعرفية والسياسية لا حصر لها ولا عد، كيف يمكن أن نحقق هذه الشروط في بلد آلة إنتاجه حريصة على ترسيخ ما ذكرنا سالفا، نكون حمقى إن تصونا ذلك، ونكون أحمق أن نظن اننا بهذه الجوقة وايام من الصخب والخطب نكون متصورين اننا نعيش انتخابات أو نمارس انتخابا. لكن مهلا أيها القارئ الكريم، رب قائل يقول لا وألف ما هكذا الأمور، والعكس غير ما تقول، وذاك حقه بل تمام حقه، لكنني أريد أنبهك أيها القارئ الأريب وأيها المدافع عن طرحك وقناعاتك، قل لي بربك، من المسؤول عن الأوراش الكبرى في المغرب، من يدشن هنا وهناك، هل رأيت حزبا بلونه أو حتى وزيرا بعينه بما فيهم رئيسهم، للملك برنامج وليس للأحزاب ملك برنامج، وليس للحكومة ولا للبرلمان ولا للمجالس الجماعية ولا القروية ومن ادعى غير ذلك فليقدم لنا البرهان. ولذلك نرجع الى ما بدأنا به لما به لما الانتخاب وما الداعي. –خريطة وتفصيل على المقاس: وهذه ثالثة الأثافي هو أن القانون المنظم للتقطيع الانتخابي هو م موزون بميزان الذهب المخزني، خلاصته هو ألا تكون لفريق أغلبية داخل البرلمان أو المجالس عموما حتى تضطر هاته الأخيرة الى الدخول في تحالفات رغم تناقضها بل وتضادها ،تحالفت أول ما يذهب معها ادراج الرياح هو ما يمكن أن نسميه مجازا البرنامج الانتخابي للحزب، وبذلك نكون امام توافقات حزبية تنقلب الى تطاحنات وصراعات ،وما نموذج (الحكومة) في نسختها الأولى ثم الثانية وها نحن الآن في النسخة الثالثة ولا ندري قبل ختم المشهد (الانتخابي)الحالي إلى كم من نسخ سنصل ،يكون معها الإنجاز الحكومي الوحيد هو تعدد نسخ (الحكومة) في زمن قياسي ،فتكون بذلك اقد أنجزت للمغاربة إنجازا تاريخيا لن ينسوه أبدا. يضيع الوقت، وتضيع معه أموال الشعب ،لأن هؤلاء المنتخبين من أموالنا تؤدى أجورهم وأولئك الوزراء الذي كان (الانتخابات) سببا في استوزارهم كذلك من أموالنا تؤدى أجورهم ،ومنا تؤدى امتيازات هؤلاء وأولئك، هذه حقيقة عليك أيها القارئ الكريم أن تعلمها وتفهم كنهها جيدا. تفصيل على المقاص وخريطة سياسية معلومة مسبقا لدى دهاقنة الداخلية وصناع المقاس والمقص، بهذا المنطق الذي يعرفه الجميع من المشاركين في هذه اللعبة وبهذا المنطق الذي يعتبر خطا أحمر غير قابل للتغيير، فقد سال مداد في هذا الموضوع، وطالما طرحته أحزاب للنقاش، لكن أذن المخزن طرشاء فهي لا تسمع الا ما يناسبها، وهذا التقطيع الانتخابي هو صناعتها المحلية الصنع التي لا يمكن أن تفرط فيها، فهو مشهد متحكم فيه وعلى داخل الى حلبة اللعبة أن يطأطأ الرأس له بداية ودائما وأبدا. ثالثة الأثافي تثبت لنا مرة أخرى أنه ما الانتخابات، ولما الانتخابات. –ترسيخ العزوف السياسي: هل يمكن أن نصدق أن وقوف الدولة على العزوف السياسي كحقيقة لم يعد أحد قادر على إنكارها بداية من رأس هرم الدولة، الى آخر الهرم، هل يمكن نصدق فعلا أن هناك عملا حثيث اتقوم به الدولة من أجل إرجاع المصداقية إلى ذلك، قد يتمنى الكثيرون ذلك، لكن لا يمكن لدولة تجلد خيرة شبابها من أطرها وادمغتها، التي أصبح الغريب من امريكا وبريطانيا يأتي ليستهويهم ليأخذ ثمرة عقولهم إلى بلاد أخرى، لا يمكن لدولة تستهزئ بهؤلاء وتعيرهم، وهي تعلم أن نسبة الشباب في بلادنا هي النسبة الغالبة، ولا يمكن لدولة أصبح المشهد السياسي فيها إسفافا وانحطاطا، من حيث القاموس المستعمل فيه، فهذا من المافيا، وذاك من المساخيط ولا ندري ما ستحمله الأيام لنا من مصطلحات أخرى ذكرت بعضها فقط، من يمكن أيضع ثقته في مساخيط ومافيا، من يمكن أن يضع ثقته في برلمان أصبح سركا، وحكومة تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، يزداد المشهد السياسي نزولا من درك الى درك ،أحزاب تتآكل يوما بعد يوم، فارغة على عروشها لا تسمع صوتا إلى مع اقتراب موسم تقاسم الكراسي والغنائم والكعكة كما يسمونها. بهذا الاسلوب الدقيق الممنهج يتم تأثيث المشهد السياسي، وتصفيته ،فأن كان هذا واقع الحال وهذا ما صار اليه المآل فعن أي انتخابات يتم الحديث، فذاك الهرج والمرج الذي يريد الاعلام نقله ونحن نعرف الاعلام بلدنا، أن هناك حماسا واقبالا وانخراطا، صيحة في واد قد تنطلي على البعيد عن البلد او على المشاهد الذي لا ينتمي إلى هذا الوطن، ولكنها لا يمكن أن تنطلي علينا أبدا. أمنيتي أن أجد الجواب السديد والقول الرشيد المقنع الدامغ الذي يبن لنا لما هذه الانتخابات؟ وما الانتخابات في بلدنا؟ لعلنا نصدق ان صوتنا هو دليل كرامتنا وان صوتنا دليل حريتنا، واننا حقا نعيش في بلد لا يباع فيه الصوت استغلالا فانا لا أحمل المواطن الساذج كما لا اعفيه في نفس الوقت، ولكن تبق الدولة هي المسؤولة عن ذلك كله لأنها هي التي تريد أن يكون هذا المشهد هكذا، قلت يباع فيه الصوت بالدرهم والدعوة الى الموائد وبأشكال وأنواع من التحقير للبشر. أمنيتي تلك فلعل القابل من الأيام تفصح لنا عن هذا الجواب، وما موسم الصيد عنا ببعيد؟؟.