مع اقتراب كل محطة انتخابية ، ينشط وسطاء أو سماسرة الانتخابات المعروفون بتعدد اقنعتهم ،المستعدين دوما لبيع ماء وجوههم مقابل الحصول على الامتيازات من اموال وبقع ارضية وامتيازات اخرى مادية ومعنوية حظوة لدى أصحاب النفوذ. و سلاحهم الوحيد الادعاء بان لهم القوة على التأثير على الكتلة الانتخابية والتحكم في لجامها لاستمالتها نحو الوجهة التي تدفع اكثر ، وهم كباقي السماسرة يشتغلون بمنطق السوق / منطق العرض والطلب ، مستعدون لتقديم خدماتهم لمن يدفع اكثر إلى درجة انه أصبح لهم اسم في السوق وعلامة تجارية مميزة ، فمن يكون هؤلاء السماسرة ؟؟؟ وما هو السر في تنامي هذه الطفيليات داخل المشهد الانتخابي ؟؟ وقبل الاجابة على هذا السؤال دعونا أولا وفي عجالة نعطي لمحة عن تاريخ الانتخابات في المغرب بصفة عامة ، وهي لمحة مستوحاة من التجربة والمعايشة والاحتكاك . منذ أن عرف المغرب الانتخابات و أجهزة الدولة هي الساهرة على العملية الانتخابية لذلك فهي تعمل على ترجيح كفة لون سياسي معين عن بقية الألوان السياسية الأخرى، لخلق خريطة سياسية على المقاس وتمرير أشخاص غالبا ما يكونون مغمورين وتحولهم بواسطة الإنتخابات إلى أعيان مستعدين من خلال هذه الانتخابات لمجاراة السلطة في مختلف المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، وتاريخ الإنتخابات في المغرب هو تاريخ حافل بالتزوير والفساد والتدخلات، تستغل فيه الممتلكات العمومية ويوظف فيها المال العام لاستمالة الكتلة الناخبة،وتسخر فيها الإدارة خدماتها في العديد من الجوانب الحياتية غير القانونية ( بناء بدون ترخيص ، مساعدات غذائية ، التملص الضريبي .......ألخ ....) كما تهدد فيها الأشخاص والهيئات المعارضة أو الرافضة للدخول في اللعبة ، حتى ترسخ في ذهن المواطن العادي أن الانتخابات هي مشروع الدولة / المخزن/ الملك وأن معارضيه يعارضون الدولة والمخزن وبالتالي فهم يعارضون الملك ، لذلك فإنه عندما يتدخل المخزن في شخص الشيخ أو المقدم فإن ذلك يعني أن الأمر يتعلق بتعليمات من القائد ومن رئيس الدائرة ومن الباشا ومن العامل الذي هو ممثل صاحب الجلالة .....هكذا كان يفهم الناس –إلى حد قريب – الإنتخابات بجميع انواعها من التصويت على الدستور إلى الانتخابات الجماعية والمهنية مرورا بانتخاب أعضاء مجلسي النواب والمستشارين ...ويكفي لمترشح ان يشتري ذمة رجل سلطة ليضمن مقعده في الانتخابات التي ترشح لها .... كما أصبح التدخل الإداري في الانتخابات معياراً لمردودية أطر الداخلية ولترقيتهم الإدارية في المناصب. وجميع الإنتخابات التي أقيمت بالمغرب كانت نتائجها معروفة مسبقاً بحيث تؤول الى أحزاب من صنيعة المخزن، وتقام من أجل عرض مسرحية المسلسل الديمقراطي أمام الرأي العام الدولي، ورغم التدخل السافر للادارة في العملية الانتخابية فإن شراء ذمم المواطنين لم يكن مفضوحا بالشكل الذي نراه عليه الآن . حيث لم يعد رجال السلطة في الواجهة بل أوكلت المهمة إلى كائنات انتخابية وجيش من الوسطاء والسماسرة فيهم الصغار وهم "الشمشامة" الذين يندسون مع هؤلاء ومع أولائك ويتصيدون الأخبار وينقلونها من هذا الفريق إلى ذاك لا ملة لهم ولا دين ، مذهبهم الوحيد هو مايملؤون به بطونهم وجيوبهم. وفيهم كذلك وسطاء من الموظفين الجماعيين وخصوصا المشتغلين منهم في أقسام البناء والتعمير ، والدليل أنه مع اقتراب أي موعد انتخابي تبرز إلى السطح وتنتعش بشكل خطير جدا ظاهرة البناء غير المرخص والبناء العشوائي ، والفئة الثالثة هم الأعيان وأعوان و أذوات الإدارة الترابية الذين يتم تسخيرهم لتغليب كفة مرشحيها للانتخابات على اختلاف مستوياتها.ومن هذه الفئة الثالثة من يدفعه اسياده للترشح للانتخابات ليس بغرض النجاح بل بهدف تمييع العملية برمتها وخلط الأوراق وتشويه المشهد السياسي . وغالبا ما تتبجح هذه الفئات بعلاقاتها مع الإدارة وبقدرتها على تسوية الأوضاع الإدارية للموظفين الصغار كما يقدمون بعض الخدمات الاجتماعية أو الإنسانية كشراء الأدوية لبعض المرضى المعروفين أو التبرع بأثمنة أضحية العيد….)، وهي كلها خدمات يمكن إدراجها ضمن البر والإحسان ، وهؤلاء غالبا ما يتحركون بأنفسهم ويختلطون بعامة الشعب ويزورون الناس في بيوتهم والفقراء منهم بالخصوص لإظهار تواضعهم وحبهم للبسطاء ......وفيهم وهذا هو بيت القصيد كثير من رجال التعليم الطبقة المتنورة ياحسرة التي عليها الإعتماد للنهوض بهذا البلد الأمين ....المستعدون لتقديم خدماتهم ليس دفاعا عن الأحزاب التي يمثلونها أو يعتنقون مذهبها -حاشا وكلا -بل دفاعا عما يحصدونه من اتاوات وامتيازات عقب كل انتخاب . و إذا كان من اسباب تفشي ظاهرة سماسرة الانتخابات جشع هذه الفئة وعلى رأسهم بعض رجال التعليم ( والتعليم منهم براء) فان من اسبابه الرئيسية :رغبة كثير من الأحزاب والتي ترى في حصولها على مقاعد داخل المؤسسات المنتخبة ضمانا لاستمرار وجودها . و في سبيل تحقيق غاياتها فإنها تستعمل كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة ..... ومنها اللجوء إلى خدمة الوسطاء أو السماسرة الذين ينتمون للأحزاب السياسية وبعض النقابات التي تدور في فلكها تلكم الاحزاب والنقابات التي ترفع شعارات النزاهة والشفافية والاختيار الحر وما إلى ذلك من الشعارات المشابهة. فاين هي المصداقية والنزاهة ...والاستقامة ...والشفافية ....التي تتبجحون بها ؟؟؟؟ إن هذه الأحزاب ومعها تلك النقابات المعروفة بنقابات السماسرة والوسطاء -ليس كل الأحزاب ولا كل النقابات طبعا - تتحمل مسؤولية كبيرة في الأعطاب التي أصابت الديمقراطية بالبلاد، بسبب تخليها عن مهمتها الأساسية المتمثلة في تأطير المواطنين وتوجيههم نحو بناء دولة الحق والقانون ...واكتفائها بقضاء مآربها الخاصة المتمثلة في المال والبقع الأرضية و...و...و...و ما خفي أعظم . نحن ننشد الديمقراطية باعتماد أساليب لا ديمقراطية ، وبذلا من أن تتحول موعد الانتخابات إلى مناسبة للتنافس الشريف ولعرض البرامج واقتراح الحلول للخروج من الأزمات الكثيرة الجاثمة على صدور المغاربة والخانقة لأنفاسهم، تحولت بفعل هؤلاء السماسرة ومع سبق الإصرار والترصد إلى سوق للبيع والشراء مما تسبب في زعزعة ثقة الناس في الديمقراطية بسبب ما يرافق الدعاية لها من فوضى وغياب برامج واضحة وتفشي ظاهرة المال . وهو ما سمح بظهور ظاهرة "السماسرة " وخصوصا منهم رجال التعليم هذه الحفنة من السماسرة التي تقوت بواسطة سلطة المال مال الشعب في النهاية إنهم كالحيوانات الضارية الجائعة التي استيقظت من سبات عميق كانت خلاله تنتظر موعد الإنتخابات بأحر من الجمر، تتحين الفرصة لإشباع رغباتها .... المالية، وبمناسبة الإنتخابات يتحول هؤلاء إلى منظرين ومنجمين في السياسة وعلومها، وما هم في الأصل سوى شرذمة من النصابين والدجالين والوصوليين واصحاب حاجتهم ، يساهمون –مع آخرين - في إفساد العمليات الانتخابية بتصرفاتهم الاحتيالية على هذا وذاك ، ويضربون كل الأعراف والمواثيق الأخلاقية . وإذا كان هناك من يطلق وصف خفافيش الظلام على اولائك الذين يحيكون الدسائس بالليل ، فهؤلاء السماسرة والوسطاء وخصوصا المنتسبين منهم لأسرة التعليم ونظرا لثقتهم الزائدة في نفوسهم فإنهم يتحركون في واضحة النهار "وعلى عينك يا بن عدي " يتربصون بضحاياهم من الناخبين والمنتخبين ، همهم الظفر بالمال لأن الفرصة لا تعوض كما يقولون، ومع توالي الإنتخابات تفننوا في استدراج فئات عريضة من المواطنين البسطاء الذين ألفوا بيع أصواتهم فى الانتخابات ، وهو أمر اصبح عاديا في الأوساط الشعبية ، والذين لا يعنيهم من الإنتخابات سوى ما يمكن أن يحصلوا عليه من أموال مقابل أصواتهم بسبب ضعف مستوى الوعي لذيهم والذي يبدو أن الارتقاء به ليس سهلا، ويتطلب مجهودات حقيقية وملموسة.. .. و هنا في هذا الإقليم -إلا ما ندر- ينتظر البسطاء تسليم بطاقاتهم الشخصية، لسماسرة الانتخابات الذين اغلبهم من حزب معروف ومن نقابة معروفة الذين بدؤوا مبكرا فى الاستعداد لحشد الأصوات للمرشحين المحتملين فى انتخابات برلمان الدستور الجديد .. فيما مضى كان الوسطاء يتمتعون بالحظوة عند الناس بسب شعبيتهم أو بثقافتهم أو بحضورهم السياسي او بسبب أخلاقهم الرفيعة ، أما وسطاء اليوم فهم ذئاب في أهاب البشر وهم اقرب إلى رؤساء عصابات وهم غالبا من "شر ما خلق " وممن يتقي الناس شرهم ، يقبعون في أسفل الهرم الأخلاقي و مع ذلك فهم يقومون بدور مؤثر في العملية الانتخابية ، خصوصا عندما يكون المرشح تاجرا ، يريد الحصول على المقعد بأي ثمن..،، هؤلاء السماسرة يلعبون دورا كبيرا في الرفع من نسب المشاركين بسبب ارتفاع تفشي ظاهرة شراء أصوات الأميين والفقراء والنساء، الذين يعتبرون الإنتخابات مناسبة للظفر بمبلغ مالي نظراً لفقرهم ونظرا كذلك للتهميش الذي تعرفه مناطقهم . هل يعلم هؤلاء السماسرة النقابيون والمتحزبون من رجال التعليم أنهم بتصرفاتهم تلك يلوثون أجواء الانتخابات ، بالدعاية للمرشح الأغنى والأقدر على الدفع بذل المرشح الأكفأ والأجدر والأصلح ، دون أدنى اعتبار للبناء الديمقراطي الذي ينشده الجميع ، إن ما يقترفه هؤلاء جريمة في حق الوطن وتعبير صارخ عن اختلال ميزان القيم ،وسبب مباشر في تراجع ثقة الناس بالمجالس النيابية ، ومحاربة وجودهم وتكاثرهم هو التحدي الأبرز الذي يواجه القوى الحية في البلاد ... فإلى متى ستستمر عملية سريان هذه الفيروسات في دماء مسلسلنا الانتخابي ؟ ومتى تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية في وضع قطيعة مع هذه الممارسات المشينة والمسيئة للمشوار الديمقراطي ؟!ومن طرف من؟؟؟؟ من طرف مربي الأجيال !!!! عار عار إنه لا يعقل أن يتم استغلال الفاقة والحاجة والخصاص الذي يحيط بحياة المواطنين واستغلال القضايا التي تحتاج إلى حل، لاستمالة المواطنين للتصويت لفائدة جهة معينة، هذا الشكل اعتبره شخصيا تحقيرا للمواطنين وهذا في صلبه يؤثر على بناء ديمقراطية حقيقية، لذلك فإننا بحاجة إلى معركة جديدة للديمقراطية لا تنحصر في محاولة كسب أصوات الناخبين والمقاعد، إنما يجب أن تفعل وترسخ التربية على تقوية روح المواطنة، ليصبح بالفعل المواطن هو قلب العملية الانتخابية، لأنه كلما تحرر المواطن من مظاهر السمسرة و الاستلاب، كلما تمكن من الحسم في تحقيق ديمقراطية حقيقية .وهذه مسؤولية من ؟؟ انها مسؤولية المجتمع المدني التي لا زالت تحارب مظاهر هذه الآفة بشكل محتشم والتي تحول بعضها مع الزمن -وللأسف الشديد - إلى لعب دور الوساطة في الحملة الانتخابية ، انها مسؤولية الأحزاب اولا واخيرا لأنها تقبل بالتزوير طالما أنه يخدم مصالحها وفي حالات العكس ترفضه وتحتج على نتائجه. خلاصة : لو أن ملايين الدراهم التي تصرف في الحملات الانتخابية من طرف الأحزاب والمرشحين وهي أموال كلها من عرق الشعب ومن دمه ،لو أن هذه الملايين صرفت في توفير فرص الشغل و الإهتمام بإنجاز الخدمات والبنى التحتية ولو ان هؤلاء المترشحين الذين يملؤون الشارع الآن يعانقون هذا ويقبلون ذاك ويتبرعون على هذه ويتصدقون على تلك عملوا بكل جهدهم من أجل خدمة المواطن في المواقع التي يحتلونها الآن ،لما احتاجوا لهذه الأموال وهذه الدعاية ؛ فإنهم سيكسبون ثقة المواطن و سيضعهم في قلبه إلى أبد الأبدين ،.ولكن للأسف الشديد فإن المواطنين "عاقوا " بأن الهدف هو شراء الصوت من أجل الوصول إلى المبتغى المتمثل -حسب كل مرشح - في المال العام أو في الجاه أو فيهما معا ."عاقوا "، ولكن رد فعلهم سلبي وكان عليهم بذل بيع اصواتهم اتخاذ قرارا آخر......من سيرشدهم إليه ؟؟ من سيأخذ بيدهم ؟؟ إنها مهمة الشباب ....إنه دور المثقفين والمتعلمين .... فى اغلب دول العالم تقع المشاركة السياسية على أكتاف المتعلمين والمثقفين من أبناء الطبقة الوسطى، التى تمتلك رؤية تريد من خلالها اختيار من يمثلها ويعبر عنها، لكن عندنا مع الاسف الشديد ، الآية معكوسة، ، فالمرشحون الأثرياء أو اشباه الأثرياء والوجهاء والأعيان والاميون وهم قلة يستخدمون الناخبين الفقراء وهم السواد الأعظم ، كمستودع للأصوات وبثمن بخس ،دراهم معدودات . و الحصيلة هاهي أمامكم كارثية : 1. هيئة تمثيلية مغشوشة. 2. تراجع التأطير والإقناع والتأطير وحلت محله السمسرة، البيع والشراء،الامتيازات…. 3. حرمان الناخب من حقه في محاسبة المرشح الفائز. فلا يمكنه أن يلومه أو حتى أن يسأله أو يطلب منه خدمة أخرى، لأن الناخب/البائع قد قبض الثمن، والمنتخَب/المشتري أصبح حرا في البضاعة التي اشتراها. وختاما أريد ان أتوجه إلى شبابنا المنخرط في الأحزاب وفي جمعيات المجتمع المدني ,وإلى شبابنا الذي يرفض هذه الهياكل جملة وتفصيلا لأهمس في آذانهم بأن النضال لا يجب أن يقتصر على رفع شعار محاربة الفساد الذي لا يمكن ان ينكر احد بانه مستشري في أوصال ودواليب الإدارة المغربية بل هناك كذلك فساد خطير يسري في أجسامنا وبالقرب منا وهناك فيروسات أقرب إلينا من حبل الوريد وهي التي تغذي الفساد الأكبر ، وما لم تستأصل هذه الجراثيم فإن دار لقمان ستبقى على حالها .وأعني بالجراثيم / السماسرة الحربائيون الذين يستغلون فقر وجهل الناس ويتاجرون بهم في سوق الإنتخابات التي بدات تزدهر لإي أيامنا هذا اللهم اشهد اللهم إني قد بلغت .