[email protected] 1. ملاحظات العامة حول مشروع التقسيم الجديد اقتنع المغرب بأهمية الجهوية كآلية لتدعيم التنمية المحلية لتمكين المواطنين من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية في إطار استقلال ذاتي إداري وتدبيري ،وقد رفعت مؤخرا اللجنة الإستشارية الجهوية تقريرها إلى جلالة الملك . فإلى أي حد احترم مشروع التقسيم الجهوي الجديد الخصوصية السياسية والاجتماعية المحلية بعيدا عن الهواجس الأمنية المحضة والإعتبارات الأخرى التي تحكمت في تدبير مختلف التقسيمات السابقة ؟ وهل سيتم تفعيل هذه الجهوية على أرض الواقع أم أنها ستبقى مجرد نصوص مكتوبة ؟ وهل سيتم فعلا تمكين ممثلي السكان من اختصاصات واضحة دون وصاية من وراء الستار ؟ وهل سيتم توفير الإمكانات المادية والبشرية للتدبير المحلي الفعلي للمناطق المحتاجة ؟ هل وضعت آليات لوضع حد للوبيات و مافيات نهب المال العام ؟ أم سيتم الالتفاف على كل ذلك بواسطة طرق الوصاية جديدة غير تلك المعروفة ؟؟ إن تقرير اللجنة الاستشارية حافل بإنشاء فضفاض مترجم عن الفرنسية ، مفتقر إلى المعطيات و البيانات والأرقام الدقيقة التي اعتمدت لإعداده/ التقسيم مما يدل على انه يحمل في طياته بوادر فشله ، في رأيي كمواطن عايش مجموعة من التقسيمات الترابية باءت جلها بالفشل أو على الأقل لم تعط الأكل الذي كان متنظرا منها . وأرى أن من بوادر فشل هذا المشروع: 1-اسقاطه بالمظلة : كان من الواجب فتح نقاش موسع حول مشروع وطني من هذا الحجم مع مختلف المكونات الحقيقية للمجتمع المغربي وإشراكها اشراكا فعليا ،و واستمزاج اراء المواطنين والاستماع الى أرائهم و طموحاتهم ، على أن توكل هذه المهمة إلى أكاديميين وتقنيين ومختصين مسلحين بمعطيات إحصائيات ديمغرافبة حقيقية ومؤشرات التنمية ونوع الحاجيات...إلخ. يوضحون للناس بلغة مبسطة و ميسرة كيف سيتم توزيع للموارد المالية بين الجهات وما هي المعاير التي ستعتمد لمعالجة الإختلالات...وما هي الخيارات الأخرى المتاحة أمامهم .....ويقنعوا الناس بجدوى وأهمية المشروع وللناس بعد ذلك ان يرفضوا أو يقبلوا . ولكن واقع الحال مع الأسف الشديد هو أنه قد تم تحجيم دور المواطنين والمواطنات وتم إقصاؤهم من قرارات ترهن حاضرهم ومستقبلهم ،ولا يتم التفكير فيهم إلا أثناء مطالبتهم بالتوجه إلى صناديق الإقتراع ليقولوا نعم لمخططات وقررات تكون في غالب الأحيان في غير مصلحتهم . إن الاحزاب التي تمت الاستشارة معها لا تمثل إلا نفسها لانها تخلت عن دورها في تأطير المواطنين و لا تفكر إلا في المكاسب الإنتخابية من استوزار وغيره و رأيها لايلزمها إلا هي لأنها لا تمثل رأي الشعب . إن الجهوية لا يمكن أن تتحول إلى دعامة للتنمية الترابية إلا من خلال تحويل الممارسة السياسية إلى حوار ديمقراطي دائم مع المواطنين وإشراكهم في تحديد وإنجاز الاختيارات التي تهم مستقبلهم الجماعي، ومن تم تحقيق التفاهم الكلي حول الأهداف المسطرة، وكذا تعبئتهم من أجل تنفيذها. وإن قراءة أولية للتقسيم الجهوي الجديد تبين بأنه بقدر ما يخدم مصالح وأهداف جهات معينة فهو بعيد كل البعد عن تطلعات كثير من مناطق المغرب . 2- التقسيم إثني ( أمازيغي – عربي) بإطلالة سريعة على خريطة مشروع التقسيم الجهوي الجديد يتضح أنه اعتمد تقسيما إثنيا واضحا فجهات درعة- تافيلالت / سوس- ماسة/كلميم وادنون/ الشرق والريف/ بني ملال- اخنيفرة كلها جهات ذات أغلبية أمازيغية في حين أن الجهات الأخرى فاس – مكناس/الرباط–سلا- القنيطرة / العيون- الساقية/ الداخلة – واد الذهب كلها ذات أغلبية عربية . 3- المعايير 3 المعتمدة في التقسيم . يلاحظ أن التقسيم اعتمد 3 معايير فقط لا غير: أ – معيار المساحة . .ب- معيار عدد السكان . ج- معيار المسافة بين مكونات الجهة وعاصمتها . مع العلم أن هناك خروج عن هذه القاعدة و استثناءات فرضتها الكثافة السكانية في بعض الجهات والمحاور. كما يلاحظ أن التقسيم الجديد طمس - عن قصد أو عن غير قصد الله أعلم - الاسماء التاريخية للجهات ومناطق المغرب . ويبدو لي من خلال المعايير المعتمدة أن التقسيم انطلق من تحديد عاصمة الجهة ثم بعد ذلك شرع في البحث عن مكوناته الهامشية . 4- عدم التكافؤ بين الجهات( مغرب نافع ومغرب غير نافع) هذا التقسيم في رأيي يكرس مبدا ( مغرب نافع ومغرب غير نافع مغرب / المغرب المكدود والمغرب المحظوظ ) جهات تتوفر على كل شيء: مطارات-موانيء- سدود- طرق سيارة – مناطق صناعية... ، وجهات لا زال الناس في بعض مناطقها يقضون نهارهم في البحث عن الماء الصالح للشرب وتموت حواملهم على ظهور الدواب قبل أن تصلن إلى المستوصفات التي هي عبارة عن جدران متهالكة .مناطق تعيش في النعيم ومناطق يموت سكانها من البرد والجوع . إن التقطيع الجهوي الجديد، في اعتقادي، لن ينجح في تصحيح الإختلالات الكبيرة التي قسمت البلاد إلى "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع". رغم أن المغرب غني بموارده الطبيعية والبشرية، وبواجهتين بحريتين تمتدان على آلاف الكيلومترات وبتنوع ثقافاته، فلا أظن أن التقسيم الجديد سخلق محاور اقتصادية قوية تنسينا الميز في الحقوق الاقتصادية والخدماتية الذي أحدثه تركيز مختلف الأنشطة في محور الجديدة- طنجة ، وستبقى في رايي الشروخ والتفاوتات والإختلالات الإجتماعية قائمة كما في التقسيمات السابقة . 5- التقسيم الجهوي الجديد بين الديمقراطية والكلبتوقراطية الكلبتوقراطية والديمقراطية نقيضان لا يجتمعان. فبينما تعرف الديمقراطية بأنها حكم الشعب، تعرف الكلبتوقراطية (Cleptocratie) الكلِبتوقراطية بأنها نظام حكم اللصوص. واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ اولهما "كلبتو" clepto بمعنى لص، وثانيهما "قراط" (cratie) بمعنى حُكم. دون الخوض في التفاصيل التي أتى بها المشروع في شأن اختصاصت مجلس الجهة ، أريد أن أتساءل عن الضمانات والإجراءات العملية التي يقترحها التقسيم الجهوي الجديد للقطع مع ما عرفه تدبير الشأن العام من طرف الكلبتوقراطيين الذين راكموا الثروات الشخصية مستغلين السلطات الممنوحة لهم على حساب مصالح الشعب ، وجميع المنتخبين وكبار المسئولين في الدولة –مع احترامي للقلة القليلة جدا جدا من الشرفاء- لصوص ، يستبيحون المال العام، ويدعون أنهم ديمقراطيون وفي الحقيقة فهم في قرارة أنفسهم كلبتوقراط لايؤمنون إلا بمصالحهم الشخصية ومصالح أتباعهم وسماسرتهم وأسرهم وأبناء قبيلتهم والمقربين منهم .أما الشعب فلا اعتبار لديه عندهم ،ولكن إن وضعت آليات حقيقية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة ووضعت مساطير صارمة لمراقبة صرف المال العام ومحاسبة ومعاقبة اللصوص وسماسرة الإنتخابات الذين تحولت كثير من الاحزاب على أيديهم إلى أوكار وإلى ما يشبه مغارة على بابا والاربعين حرامي ، آنذاك سيحس المنتخب بأنه مراقب ومحاسب وسيتيقن بأن الديمقراطية الحقيقية تعني أن مهمته هي خدمة الشعب ( وليس خدمته بالمعنى الآخر) . ورآى المواطن بأم عينه أن الثروة وخيرات بلاده لا تقتسم بين نخب وجماعات بعينها، وإنما تقتسم ثروات البلاد بصورة عادلة بين جميع المواطنين، ويصله سهمه المستحق في الثروة الوطنية. ويشعر بالممارسة والمعايشة اليومية بأن لا فرق بينه كمحكوم و الحاكم الذي بيده القرار سواء كان سلطة تنفيذية أو تشريعية . وأنه هو الذي يعينهم و يحاسبهم و يقيلهم عن طريق صناديق الإقتراع و من خلال المشاركة القوية في اختيار من يمثله في مختلف المؤسسات المنتخبة ، هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية. أما إذا أوكل الأمر من جديد إلى هذه النخبة الحالية/ الفاسدة حتى النخاع فلن يجني المواطن غير خيبات الأمال من إهدار للمال العام وضياع فرص الشغل وتأخر التنمية..... إلى أجل غير مسمى . وسيستمر عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية وستزيد الهوة اتساعا بين شريحة عريضة من المواطنين وتلك الكائنات الانتخابية . لقد فقد المواطنون الثقة في الأحزاب التي مات جلها وبعضها يحتضر ،و أصبح العمل السياسي موضع شك و ريبة، لأنه زاغ عن أهدافه ومراميه لأنه اصبح وسيلة للمتلصصين والوصوليين والمتسلقين والمنافقين والكذابين والسماسرة واللصوص والمندسين .الذين نسوا السبل الانتخابية المشروعة لكثرة اعتمادهم بمناسبة كل استحقاق انتخابي على وسائل وطرق ملتوية وغير شرعية للفوز بمقعد انتخابي ؛ وما تعرفه العمليات الانتخابية من مظاهر الفساد و من فرض أشخاص بعينهم حال دون تجديد النخب ودون تخليق العمل السياسي ، كما أن تزكية الأحزاب لمرشحيها للانتخابات التشريعية أو المحلية لا يخضع لاعتبارات الكفاءة والجدارة ؛ بل لمنطق النفوذ والمال/ مول الشكارة ولو كان تاجر مخدرات او كراب وتحولت هموم جل الأحزاب من الدفاع عن حقوق المواطنين وتنمية مناطقهم وتوفير الشغل إلى أهداف ذاتية محضة تتمثل في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الجماعات والبرلمان بغرفتيه للأستوزار والإنقضاض على الميزانيات والمشاريع الضخمة لزيادة أرصدتهم وتنمية مشاريعهم الخاصة والعائلية داخل الوطن وخارجه . أنا لست مختصا ولا أكاديميا لذلك فإنني لا أفهم الكثير من الكلام العام والفضفاض والتقني والمصطلحات الغامضة الذي حبل به تقرير اللجنة الإستشارية للجهوية هذا إذا كان هذا التقرير موجه لي أصلا وأنا المعني به كمواطن ، أما إذا كان الغرض منه تلميع الصورة في الخارج لنيل رضى القارة العجوز والعم سام فهذا شأن آخر. ما أفهمه هو كلام واضح يقنع الناس بان هذا التقطيع سيحسن من دخلهم الفردي وسيوفر مناصب شغل لمعطليهم ومقاعد دراسية لأبنائهم وبناتهم وأسرة طبية لمرضاهم وحواملهم ومرافق إدارية قريبة جدا جدا من سكناهم و بنية تحتية تحترم كرامتهم وأن يكون هذا الإقناع معززا بالأرقام وبنوعية المشاريع وبالإعتمادات المرصودة لها وعددها والرزنامة الزمنية للشروع والإنتهاء منها، هذا هو المطلوب والمأمول ما نريده وليس متنيات تبتديء ب: سوف.... ويمكن..... ونظن ....و باقي الوعود الكاذبة التي تحيل على مستقبل غامض ومظلم . 2- ما هو موقف النخبة من كل هذا ؟؟ ما هو موقف المنتخبين من مشروع التقسيم ؟ فهل يا ترى اجتمعوا لتدارسه وتوحيد الراي في شأنه ؟ وإذا فعلوا – ولن يفعلوا- ما هي الخلاصات التي خرجوا بها من مداولاتهم ؟ وما هو رأي باقي النخب السياسية في التقسيم الجهوي الجديد بصفة عامة ؟ أليس دور النخبة السياسي هو التأثير في الفعل العمومي نظرا لموقعها الذي يؤهلها إلى التأثبر في العمل السياسي ؟ من المفروض أن المنتخب فاعل أساسي ناضج وكفؤ وقادر على اسماع صوته الذي هو صوت القاعدة التي انتدبته ليمثلها ويدافع عن حقوقها .هذا في عالم المثل ، أما الواقع فإن وضعية منتخبينا للأسف الشديد تتسم بضعف التأطير السياسي والحزبي والتكوين المعرفي وهذه أحدى العوائق الاساسية التي ترهن تقدم هذه البلاد ، منتخبونا للأسف الشديد يتقنون فن التلون والدسائس و-عضة من الفكرون ولا يفلت – ومن بعدي الطوفان ، وأن لم يكونوا كلهم كذلك ف- حوتة وحدة كتخنز الشواري- وان أولاد عبد الواحد كاع واحد (هذا مثل شعبي ولا علاقة له بعبد الواحد الاٍراضي/ عفوا الراضي ) أريد أن أعتذر لأنني قلت أعلاه بأن المنتخبين في مختلف المجالس الجماعية والغرف الفلاحية والصناعية والبرلمان لن يجتمعوا ، لا يا أسيادي سيجتعون ، وقد بدؤوا فعلا في عقد اللقاءات ، ولكن ككائنات وطفيليات انتخابية ليضعوا الخطط والبرامج والتفكير من الآن في توفير العدة المالية اللازمة لشراء الذمم و لاستغلال فقر وأمية جهل الناس بذل توعيتهم بحقوقهم وإرشادهم والدفاع عنهم، وبذل التفكير في تنمية منطقتهم فإنهم لا يفكرون إلا في تنمية أرصدتهم ومشاريعهم الخاصة . وأظن أن فضيحة الانتخابات الأخيرة والتي عرفت الاستعمال الفاحش للمال الحرام وفضيحة توزيع البقع الأرضية لا زالت ماثلة أمامكم. وكأحزاب فإنها تتجند منذ الإعلان عن التقسيم والتعديلات الدستورية إلى وضع (البرامج الحزبية) للظفر بأكبر عدد من المقاعد بالجهات بكل الوسائل على حساب النزاهة والالتزام والاستقامة الأخلاقية. هذا علما بأن وزارة الداخلية قد قسمت الكعكة بينهم وكل حزب معروف منذ الآن الجهة التي سيفوز فيها .ولا استبعد أن يكون هذا التقسيم مبنيا على نفوذ كل حزب في كل جهة من الجهات. 1. خاتمة وبصفة عامة فأنا شخصيا لا أرجو ( ولو أنني لست متشائما بطبعي ) أي خير من التقسيم الجهوي الجديد بسبب فساد الطبقة السياسية التي تشحد سكاكينها منذ الآن للتقاسم الكعكة ، تلك الطبقة السياسية أو لنقل الكائنات الإنتخابية التي شاركت في تبذيرالشأن العام وفي نهب المال العام والتي أبانت خلال مختلف الإستحقاقات الإنتخابية عن انتهازية وفساد. هؤلاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (وسيكون من الإجحاف أن نقول كل النخبة لأن فيها ناس شرفاء) أولائك الذين انقلبت الآية عندهم من مجال للعمل في سبيل خدمة الصالح العام إلى مجال للإتجار والإغتناء السريع. إن كل من يتوق إلى الالتحاق بالأغنياء ومن امتلاك الاٍراضي والمشاريع والنفوذ والقرب من مراكز القرار يمتهن سياسة الإنتخابات فتحولت بذلك من ممارسة نبيلة يمارسها خيرة أبناء الشعوب إلى ممارسة مافيوزية لمن يريد نهب المال العام. مما جعل المواطنين الشرفاء يهاجرون السياسة وأهلها. و تركوا الساحة للمنتفعين والإنتهازيين المستعدين لبيع كل شئ ...كل شئ مقابل الوصول إلى أهدافهم الذنيئة . ورأيتم بأم عينكم كيف تحول بعضهم من لاشيء إلى زعماء !!! و أصحاب مشاريع و ومالكي عقارات ، ورأيتم كيف يبدلون جلودهم وكيف يتلونون بالألوان السياسية التي تستجيب لتطلعاتهم ورأيتم كيف تحول بعضهم من مناضلين وتقدميين مدعين الدفاع عن حقوق الناس إلى مرتشين وسماسرة ووسطاء يتاجرون في حقوق الناس مناصرين للظلم والجور وهضم الحقوق . مع ذلك فهم لا يستحيون من تزعم الإضرايات والتناوب على منصة الخطابة وإدعاء الدفاع عن الحقوق ومحاربة الفساد وهم أكبر المفسدين .