في مناقشة الطالب الباحث عبد القادر الكيحل لرسالة جامعة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم القانونية والاقتصادية، حول موضوع: «الرهانات السياسية والتنموية للجهوية بالمغرب»، أكد الطالب في التقرير الذي تقدم به أمام لجنة المناقشة أن موضوع رسالته يرصد واقع تجربة المغرب في الجهوية؛ انطلاقا من الجهوية في صيغتها الراهنة، في أفق المساهمة في بناء أفق جهوية معززة بالبحث والدراسة الأكاديمية، ولذلك رامت رسالته الكشف عن التحديات التي اعترت تجربة المغرب في جهوية دستور 1997. واعتبر الباحث في رسالته الجامعية التي قدمت برسم الموسم الجامعي 2009-2010 أن المساهمة في هذا النقاش أكاديميا أملته الأهمية التي يكتسيها موضوع الجهوية في المغرب، وكذا حجم الرهانات السياسية والمجتمعية والتنموية المعلقة عليها، باعتبارها تشكل دفعة قوية في تدبير الصراع حول شرعية المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، ومن جهة أخرى فلأن الجهوية واللامركزية كانت ولا تزال أحد المطالب التاريخية لعدة أحزاب وطنية... وأشار الطالب عبد القادر الكيحل في تقريره أن دواعي إجراء هذه الدراسة تعود إلى تجربته الذاتية في التدبير الجماعي والجهوي منذ سنة 1997 كعضو في مجلس جهة الرباطسلا زمور زعير. وكذا لرغبته في ربط ممارسة التدبير الجهوي بالبحث العلمي. إضافة إلى دواعي موضوعية، منها غياب خلفية أكاديمية للفاعل الجهوي، وكذا لراهنية الموضوع بالنظر إلى التحولات العالمية والدولية والإقليمية والوطنية، ووجود مرامي الانتقال من الدولة المركزية إلى دولة الجهات والمدن. أهمية هذا الموضوع تكمن بحسب الباحث في كون الجهوية الموسعة تعد فرصة لتطوير أسلوب إدارة الشأن العام والمحلي وآلية لاكتساب الشرعية الدولية. وذلك لما يعرفه النزاع في الصحراء من تطور وتغير مواقف الدولية الكبرى من مبدأ تقرير المصير الذي لم يعد يعني الانفصال، ولكن يعني من بين ما يعنيه الاستقلال الذاتي عبر مقترح الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي. انطلق الباحث من إشكالية مفادها أن تجربة الجهوية المغربية أبانت عن عجز ومحدودية في الاستجابة لمتطلبات المرحلة داخليا وخارجيا. وفي ظل سعي المغرب الملح لإيجاد حل لقضية الصحراء، يستمر البحث عن نموذج ملائم لجهوية تحفظ للمغرب تماسك بنياته المجتمعية ورهاناته التنموية. ومن هذه الرؤية تجسد السؤال المحوري للدراسة في التالي: ما هي ملامح النموذج المغربي للجهوية كبديل يتجاوز نواقص التجربة الراهنة؟. وفرع عن هذا التساؤل الإشكالي أسئلة فرعية تمثلت في: - ما هو الإطار القانوني للنظام الجهوية المغربي الحالي؟ - ما هي الإختلالات وتأثيرات التجربة الحالية؟ - ما هي الرهانات إصلاح النظام الجهوية المغربي ؟ - ما هي الأشكال الجهوية الممكن الاسترشاد بها، وما هي حدود احترام الخصوصية المغربية؟ ولبحث هذه الإشكالية وأسئلتها الفرعية استند الباحث على عدد من المناهج، منها المنهج الوظيفي لمقاربة وظائف الجهة في إطار البنية العامة لمؤسسات الدولية. واستند على المنهج النسقي لدراسة مداخل ومخارج القرار السياسي، وعلى المنهج المقارن لمقاربة الجهوية المغربية مع النماذج الدولية، كما اعتمد الباحث على تقنية تحليل المضمون للتقييم والتتبع. في توزيع متوازن لمضامين الرسالة قسم الباحث عبد القادر الكيحل رسالته إلى فصلين، وتضمن كل فصل مستويين. فعالج في المستوى الأول التجربة الجوية بين محدودية النص وإكراهات الممارسة، من خلال مطلب محدودية الإطار القانوني في الاستجابة لمتطلبات الحكامة، ومطلب إكراهات التجربة الجهوية (جهة الرباطسلا زمور زعير نموذجا). وفي المستوى الثاني ناقشت الرسالة آفاق النموذج المغربي بين رهان الحل السياسي وتحقيق التنمية المحلية. ورصدت محددات النموذج المغربي للجهوية الموسعة، وسبل التوفيق بين الخصوصية والنماذج الدولية. وفي مبحث خاص ناقشت الرسالة المبادرة المغربية لمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية وقاربته بنماذج الحل السياسي في التجارب الدولية. وخلصت الرسالة إلى أن تجربة الجهوية المغربية ميزتها المحدودية من كافة النواحي. حيث أبانت تجربة المغرب في مجال اللامركزية عن عدم كفاءة أغلب المنتخبين المحليين/الجهويين، وجهلهم بالمقتضيات القانونية وعدم قدرتهم على التسيير والتدبير وعدم استيعاب الشأن المحلي، مما يعني السير التدريجي نحو التقليص من وصاية الملاءمة، والتقليص أكثر من الآجال الانتقالية المقررة في أفق تعويض الوصاية والرقابة القضائية من قبل القضاء الإداري والمحاكم المالية. وأشار الباحث أن الجهوية في صيغتها الراهنة اعترتها عدة اختلالات، مما استدعى البحث عن بدائل وآفاق جديدة لتجاوز هذه الحالة، باستحضار كبير للظرفية الوطنية والدولية، منها ما يتعلق بمستلزمات التنمية المحلية وعلاقة المغرب بشركائه الأوربيين. واعتبرت الدراسة أن الارتهان على الجهة باعتبارها وحدة سياسية؛ لا يمكن أن ينجح ما لم تكن مشفوعة بإصلاح دستوري وآخر سياسي وثالث قانوني، يمكن من الارتقاء بالنمط الانتخابي والسلط الجهوية والتقطيع الترابي نحو تدبير جيد لعلاقة المركز بالجهات. وطرحت الرسالة قضية السير نحو تقسيم جهوية متوازنة، ذلك أن التقطيع الترابي للجهات يستدعي الأخذ بعين الاعتبار خلق جهات متوازنة باستحضار معايير إيجاد جهات متوازنة، أي إعادة هيكلة الدولة إداريا وفق هذه المقاييس بدل احتكار التقسيم على وزارة الداخلية، إنما التفكير في معايير موضوعية للتقسيم تشارك فيه كافة المتدخلين. وتوقف الباحث في إيجاد الصيغة التوافقية بين ما هو موجود من تجربة المغرب في الجهوية ونسختها المستقبلية بعد عرضها من قبل اللجنة الاستشارية الملكية على أنظار الملك محمد السادس. إن الاختصاصات في الجهوية السياسية تتمثل في اختصاصات تشريعية وتنفيذية حقيقية، وإن كانت في الجهوية الإدارية تظل محدودة ولا تعبر عن المدلول السياسي للجهوية، بحيث تظل إما إدارية أو تقنية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعي ولا يمكن من الحكم المحلي لمجالهم. واعتبرت الدراسة أن أفق الجهوية الموسعة يأتي انطلاقا من قناعة مفادها أن واقع الوصاية المفروضة على الجهات لم تعد تساير تطور الفاعل المحلي، وأن منظور الدولة بعدم الثقة في علاقاتها بالجهة التي ظلت دوما محط خوف وتوجس لم تعد تساير الواقع الجديد للجهوية، التي تطمح إلى الوصول بالعلاقة بين الدولة والجهات، إلى مستوى الشراكة وتقاسم حقيقي للسلطة. وتتبعت الدراسة عدة تحديات للجهوية، هو ما يجعل هذه التحديات أولوية في تدبير عناصر الجهوية الموسعة التي سيقترحها المغرب. ومنها إشكالية النخب المحلي، ذلك أن التجربة الميدانية أبانت أن النخب المحلية يمكنها أن تعيق تطبيق الجهوية لضعف تكوينهم السياسي وضعف كفاءاتهم في تدبير الشأن المحلي، وهو ما يعقد مشاكل التطبيق والتفعيل. وذهب الباحث إلى التأكيد بأن نظام الجهوية لا يمكن أن يكون فعالا ما لم يُمَكَّن من إمكانيات مالية تعزز استقلاليته ونجاعة تدخلاته. كما أنه في حاجة إلى أطر بشرية كفأة تكون نتاجا للممارسة الديموقراطية المحلية وتعبر عن الإدارة العامة للمواطنين على المستوى المحلي في اختيار نخب جهوية قادرة على تدبير شؤونها بشكل فعال، ولا بد أيضا من تقطيع جهوي متوازن بمعنى توزيع جديد للمجال بكافة أنشطته وموارده وتجهيزاته. وعليه فإن إكراهات الجهوية تتوزع بحسب الدراسة بين إشكالية الديموقراطية والقانونية والبشرية والسياسية والسوسيوثقافية، وتحد هذه الإكراهات بدورها من إفراز نخب محلية قادرة على تحمل مسؤولية الشأن المحلي، وبالتالي تبقى الجهة في تبعية دائمة للدولة، مادام أن الجهة سواء أريد لها ذاك أم لا، أم أنه نتاج عوامل موضوعية غير قادرة على إفراز نخب جهوية مؤهلة معرفيا وسياسيا وتدبيريا. إذ لا بد من الذهاب نحو الاقتراع المباشر كأفق للجهوية الموسعة، لكون الاقتراع المباشر هو أساس الإصلاحات السياسية للنظام اللامركزي لكون الانتخاب هو أحد أهم عناصر الديموقراطية المحلية والقاعدة الشعبية هي المحدد الأساسي للمسار الانتخابي وصاحبة الكلمة في انتخاب الهيئات الجهوية. وفي مجال اعتبار الجهة كرافعة للتنمية المحلية خلصت الدراسة أن تنمية الجهة يبقى ناقصا ما لم يوازه تموقع القرار المالي الجهوي في صلب اهتمامات كافة المتدخلين في شأن الجهوية. ويرى الباحث أن تقديم مشروع الحكم الذاتي كحل لقضية النزاع في الصحراء يعود إلى التغيير الذي طرأ على مواقف عدد من الدول الكبرى من النزاع. وأن هذا المقترح تأسس على الوعي بالحاجة إلى إيجاد بديل يطوي هذا الخلاف، فاقترح مشروع الحكم الذاتي وإن كان مثل هذا المقترح مرفوضا في السابق لتحديات عدم الاستقرار السياسي في المغرب، إذا ما ربط بوحدة الدولة لارتباطها بقضايا شبيهة في الريف والأطلس. كما أن الحكم الذاتي في بعده الجهوي يرتبط بسياقات وخصوصيات ثقافية واجتماعية وسياسية وتاريخية وثقافية، وهذه الخصوصية تميز كل تجربة على حدة وهذا يعني تعذر وجود نموذج عالمي قابل للتصدير والتطبيق على مختلف السياقات المحلية والوطنية. وأصَّلت الرسالة لمفهوم الحكم الذاتي لدى الفاعلين السياسيين إقليميا وفي عرف السياسات الدولية. حيث لوحظ تضارب واختلاف التعاريف المقدمة لمفهوم الحكم الذاتي، وإن كانت تشترك في معنى منح الدولة لهيئات إقليمية تشكل جزء من نظامها وبعضا من سلطاتها العامة عن طريق قوانين خاصة بها لاحتواء تداعيات التمييز والانفصال. وإذا كانت تعاريف الحكم الذاتي القديمة قد ركزت على البعد الإداري أي التصور اليعقوبي لتدبير المجال الترابي للدول، إلى أنه سجل تطورا كبيرا في معنى الحكم الذاتي لصالح توجهات أخرى تستحضر البعد الإثني والثقافي والبعد الاقتصادي والتنموي، الذي يبرز قويا في توجهات تدبير الحكم الذاتي. وأشار الباحث أن الحكم الذاتي خصوصا والجهوية السياسية على العموم شكلت آلية لحل النزاع القائم داخل الدول، ذلك أن مقترح الاستقلال الذاتي هو حل وسط بين أطروحة الوحدة وأطروحة الانفصال. وتوصلت الرسالة إلى أن الحكم الذاتي في صيغته المغربية قد استوعب مضامين التجارب الدولية فتضمن كل الاختصاصات الثلاثة: تفويت الإدارة المحلية والشرطة والمحاكم وفوت التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة الفلاحة والسياحة وكذلك ميزانية الجهة والنظام الجبائي. وأشار الباحث أن مشروع الحكم الذاتي المغربي تداخل فيه الأمني بالسياسي والاقتصادي على المستوى الوطني، أما على المستوى الدولي فقد تفاعل مع مواقف الدول الكبرى من النزاع حول الصحراء، وظهور مستجدات دولية وإقليمية جديدة بما يتعلق بالإرهاب الدولي، وتنامي الاتجار الدولي في المخدرات والسلاح والبشر في منطقة الساحل والصحراء. وكشفت الدراسة سيناريوهات حول مستقبل المشروع المغربي للجهوية الموسعة، فهي إما أن تكون وفق نهج إصلاحي في ظل الاستمرار في النموذج الحالي مع الاسترشاد بالتجارب الدولية الرائدة في مجال الجهة، أي أن المغرب قد يعمد إلى التدرج في تعميم التجربة على كافة جهات المملكة. وهناك سيناريو ثاني، استمرار العمل بالنظام الجهوي الحالي مع إمداده بجرعات من النماذج الدولية الرائدة في مجال الجهوية السياسية، وبالتالي الحفاظ على الشكل الحالي للجهوية مع استثناء منطقة الصحراء. أما السيناريو الثالث فيتوقع الاتجاه نحو الجهوية السياسية مع التدرج في التطبيق سواء من الناحية الزمنية (فترة انتقالية) أو المجالية (تفاوت بين المناطق والجهات) أو من ناحية الاختصاصات والموارد. وسيناريو إنتاج نموذج مغربي للجهوية الموسعة ذو أفق رحب قد يتجاوز أفق بعض الفاعلين الوطنيين والمحليين خصوصا وأن النظام المغربي له السبق في هذا الميدان (نموذج مدونة الأسرة). وقد أجمعت تدخلات السادة الأساتذة المناقشين على أهمية موضوع الدراسة، التي اعتبرها رئيس لجنة المناقشة والأستاذ المشرف أنها مساهمة هامة في خزانة كلية العلوم القانونية والاقتصادية الجامعية السويسي، وإضافة مميزة في البحث العلمي حول تجربة المغرب في مجال الجهوية ورهاناته نحو تطبيق الجهوية الموسعة، ومبادرة المغرب منح الأقاليم الجنوبية لمقترح الحكم الذاتي. وأكد امحمد الدويري في تدخله على أن البحث يعد إضافة نوعية في موضوع الجهوية بالمغرب ورهانات التنمية المحلية، وأسهم بذلك في تعزيز البحث الأكاديمي على قلته حول الجهوية بالمغرب. وعن شهادته حول ميلاد الجهوية في المغرب أكد الدويري أن النقاش مع الحسن الثاني بخصوص الجهوية في إطار الكتلة السياسية، انصب في مجمله على فلسفة التقطيع الترابي للجهات وعددها، وذلك اعتمادا على وضع مقاييس ومعايير الخصوصية الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الجغرافية. وأضاف أن حكمة الحسن الثاني جعلت تقسيم جهات المغرب يتم على بعد اقتصادي لا على القبلية والثقافية، ولذلك كان يصر على تمكين كل جهة من ميناء جهوي. واعتبر أن ذلك التقسيم كان جيدا لكونه استوعب أن لا تنمية اقتصادية واجتماعية واقتصادية بدون توفر الجهة على ميناء جهوي أو بالأحرى منفذ بحري. واعتبر الدكتور المختار مطيع موضوع الجهة بالمغرب رهان أساسي لحل مشكل الوحدة الترابية والتنمية الاقتصادية، وانصبت مناقشته حول ما تضمنته الرسالة للحيثيات الدستورية والسياسة المؤطرة للجهوية الموسعة التي يروم المغرب تطبيقها. وتكونت لجنة مناقشة رسالة الطالب عبد القادر الكيحل في موضوع: «الرهانات السياسية والتنموية للجهوية بالمغرب» من: الدكتور أحمد بوعشيق أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بسلا رئيسا ومشرفا. الدكتور المختار مطيع أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية _ السويسي عضوا. الدكتور محمد الأعرج أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس عضوا. الأستاذ امحمد الدويري رئيس مجلس جهة فاس بولمان عضوا.