الكاريكاتير بريشة خالد كدار خالد الجامعي يظل هو نفسه، في المقام الأول، ذلك الرجل الذي لا يحب أبدا أن يتفق (إظهارا لمجاملات اجتماعية) مع ما لا يُعجبه من أفكار.. بل "يُخرج فيك عينيه" ليقول لك "شوف.." فتخاله على استعداد دائم للدخول معك في معركة لا تنتهي إلا لتبدأ.. يكاد يكون نادرا ضمن قبيلة الصحافيين والسياسيين المغاربة (لم يعد يحتفظ من هذه الأخيرة سوى بتجربة دامت نحو أربعة عقود في حزب الاستقلال) من خلال تشبثه بقول رأيه ولو كره الكارهون - وما أكثرهم - ويحمل سجله الكثير من الخرجات الصحافية والسياسية القوية، بدءا من معركته الشهيرة مع وزير الدولة الأسبق في الداخلية إدريس البصري، أواسط تسعينيات القرن الماضي، وقبلها مروره "الخاطف"، لكن الثقيل بمعاناته من الاعتقال ب "كوميسارية سنطرال" بالرباط في بداية سبعينيات نفس القرن، مرورا برسائله العديدة للملك في أكثر من قضية ملتهبة، إنه خالد الجامعي، الذي حاول أن يعمل إلى جانب فؤاد علي الهمة ضمن " كوماندو " ملكي، لإعداد " شيء ما مفيد " في الحياة السياسية والحقوقية والمدنية، قبل أن يختلف معه ويخرج من " دائرته " ليُكيل له النقد اللاذع، كما أنه لم يتورع عن كيل الكثير منه لصديقه وزميله سابقا في " التايساريت " محمد الساسي، حينما تجرد هذا الأخير من " تمنعه " فجأة وقبل الجلوس إلى كاتب الدولة في الداخلية السابق " الهمة " دون قيد أو شرط، وفي هذا الصدد لا يمل "سي خالد" من القول لمن يريد أن يسمعه : الحمد لله أنني بدأت يمينيا وانتهيت يساريا"، إنها رسالة بليغة فعلا للمتياسرين المغاربة. "" خالد الجامعي لم يفقد من شراسته في الدفاع عما يراه صوابا، وذلك بالرغم من أنه خضع لعملية جراحية ( على حساب فاعل خير من أصدقائه المقربين ) تركته يتنفس برئة واحدة.. جالسنا الرجل الذي يكاد يكون نادرا من نوعه في بلد السكون والخمول، وأخذنا آراءه بصدد محور ملفنا لهذا العدد، وبين هذا وذاك، ما يتعلق بعدة نقط من الجوانب السياسية والاجتماعية الراهنة، وبالتأكيد فإن القارئ لن يجد أثرا للغة الخشب فيما صَرَّح لنا به. - هل صحيح أنه يتم إعداد وزير الدولة المنتدب في الداخلية سابقا، والنائب البرلماني الحالي عن دائرة الرحامنة، " الهمة "، للعب دور سياسي ومدني كبير، سيما بعد خروجه الإعلامي الأخير سواء في لقاء الدوزيم أو في ندوة حسان، فالرجل قال خلال المناسبتين ما معناه أنه يتحدث باسم الملك؟ أولا شكون لي تايوجدو؟ هاذ المبني للمجهول كايخصنا نحيدوه، فماكاين غا واحد لي غايوجدو هو الملك، فإذا كان الملك هو مَن يفعل ذلك فاعتقد أنَّ ليس من حقه، فالملك مبدئيا يوجد فوق هذه الأمور كلها، فدوره يقتصر على أن يكون حَكَما لا طرفا، وإلا ينوض يدير حزب بسميتو، خاصنا نكونو واضحين.. واش فهمتي؟ ويجب أن نعرف بأنه لا أحد يعرف، هل الهمة يتكلم باسم الملك أم لا؟ - لكن الملك لم ينف ما قاله الهمة في الدوزيم وفي ندوة حسان؟ نعم، ولكن في نفس الوقت فإنه حينما صرح الهمة بما صرح به، اتصل أحد موظفي الديوان الملكي بحزب العدالة والتنمية وقال لهم ردوا على الهمة. - ماذا يعني هذا في نظرك؟ يعني أن المخزن يقول الشيء ونقيضه في نفس الوقت. - ولماذا، من فضلك؟ أنا اعتقد بأن الغلط فينا نحن وليس في المخزن، ذلك أنه حينما ندخل معه في منطقه، فأنا لا يهمني ان يكون هناك مَن قال للهمة انزل واصنع لك حزبا، أو لا تصنعه، يجب أن نتعامل مع الرجل باعتباره دخل للانتخابات وأصبح نائبا برلمانيا وكفى، أما إذا بدأنا نبحث عما في رأس الملك فسنكون بصدد تضييع وقتنا، بل سنكون دخلنا في لعبته. - لكن في الواقع إن سياسة الملك هي التي تُطبق في البلاد آ سي خالد؟ السياسة شيء وأن نتحدث عما يتم إعداد الهمة له شيء آخر، وأنا أقول لك بأن هذا لا يهمني، هاذاك شغلهوم، اوحنا ما خصناش ندخلو فهاذ شي. وهذا هو الغلط الذي وقع في ندوة المساء. - غلط مَن؟ غلط الناس الذين حضروا مع الهمة في تلك الندوة، فحينما قَبِلَ محمد الساسي الذي يعتبر قائد حزب سياسي، و مصطفى الرميد عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والعربي المساري عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الجلوس مع شخص لا حزب ولا قواعد له، فإنهم منحوه الشرعية التي لا يتوفر عليها، هذا هو الغلط الذي نرتكبه، كان من المطلوب ألا يذهب لذلك اللقاء قادة حزبيون بل منتخبون مثل الهمة. - كيف تفسر، إذن، ما حدث؟ إن الذين حضروا لديهم بكل بساطة مُركب نقص مخزني، هذا كل ما في الأمر، ففي لاوعيهم ما زالت هناك اعتبارات مخزنية من قبيل " هذا ديال سيدنا "، كان مفروضا أن يقول الساسي مثلا: أنا لا أقبل أن أجلس مع هذا الشخص الذي لا مشروعية سياسية له، ثم إنه لا يُعقل أن يأتي سي الهمة إلى ندوة مثل تلك و لا يجد شخصا أو إثنين في القاعة يقولون له " آسي محمد راك انت كنتي وزير داخلية ومسؤول عن المخابرات وهو ما يعني أنك مسؤول عما وقع في مركز تمارة السري من تعذيب للناس، عطينا الحساب ديال داك شي". أما أن نقبل الجلوس مع ذلك الرجل، بدون طرح مثل هذه الأسئلة، فمعناه أننا نتبنى ما وقع من فظاعات هو مسؤول عنها سياسيا وأخلاقيا. - لقد تابعت بدون شك العسر الذي وجدته أحزاب الأغلبية في تشكيل الحكومة، حيث لم تسفر كل مشاورات عباس الفاسي، عن تشكيلة حكومية تقبل بها القيادات الحزبية، ألا يجعل هذا الأمر مسألة تفكير الملك في إعداد بديل حزبي قوي منطقيا؟ إذا كان الملك يُفكر بهذه الطريقة فإنني أقول له بأن يتذكر ما وقع لوالده مع تجربة حزب " الفديك " ( جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ) الذي كان قد أحدثه صديق الحسن الثاني ومستشاره احمد رضا اكَديرة. وأنت ترى اليوم أن ذلك الحزب لم يعد له وجود، والنتيجة أن الانتخابات التي خاضها الحزب المذكور كانت قد زُورت لصالحه " أوخرجو على لبلاد كما ينبغي ". - يُمكن ألا يذهب الأمر إلى حد تأسيس حزب، بل يقتصر على تشكيل لوبي ضاغط، في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، كما تفيد بذلك بعض المعطيات؟ أنا أقول لك إن الملك ليس له الحق في تبني طرف على حساب طرف آخر في المشهد السياسي. - ولكنه ملك يسود ويحكم آسي خالد؟ ولكن لدي الحق في أن أقول للملك بأنه مخطئ، وأزيدك بأنه ليس من مصلحته أن يكون طرفا في المشهد السياسي، وعليه أن يقول للهمة " آسيدي لا علاقة لي بك، إن من مصلحته أن يفعل ذلك، لأنه حينما سيخطئ فؤاد سيقول الناس بأن الملك هو مَن أخطأ، ثم لنتساءل هل المشهد السياسي هو الشعب المغربي؟ " نفرضو أن الهمة كون حزب سياسي أومن بعد؟ واش هاذ الحزب عندو قواعد؟ ولا غادي يجمعو ليه الناس ويكَولو ليه آجي سوكَهوم؟ وهل بمثل هذا النوع من العمل سيكون عنده ثقل شعبي؟ - لا تنس آسي خالد أن أكبر نسبة مشاركة في التصويت سُجلت في دائرة الرحامنة حيث ترشح الهمة؟ لأن الراجل كَال ليهم أنا مرشح ديال سيدنا، لذلك صوت الناس على الملك وليس على الهمة، لأنه لا يُمكنهم أن يقولوا لا للملك. الهمة " كايحاول ياخذ الناس مَن الأحزاب الأخرى داخل البرلمان، بمعنى يلكَط مَن هنا ومَن هنا ويدير شي فريق برلماني". - وهل هذا ممكن؟ طبعا ممكن، راحنا فالمغرب. - المسألة غير منطقية، أليس كذلك؟ هل تريد المنطق؟ خوذ هاذا: عباس الفاسي وراءه ثلاثون ألفا من ضحايا قضية النجاة ومع ذلك " راه ولا وزير أول ". فلماذا لاتريد أن يكون للهمة حزبه، إن هذا بالنسبة لي وارد جدا، لماذا؟ لأن أغلبية الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة لا علاقة لهم إديولوجيا بالأحزاب التي ترشحوا بأسمائها، أغلبيتهم " تانسميهوم أنا مالين السكار " لأن فكرتهم الأساسية هي التي عبر عنها عباس الفاسي أكثر من مرة وهي التي قالها هكذا بالحرف: " أنا لا يهمني الشخص ومبدأه بل كل ما أريده هو هل سيستطيع الفوز بمقعد برلماني باسم الحزب أم لا؟ باش يمكن ليا نكَول بأنني اكبر حزب نظرا لعدد المقاعد التي حصلتُ عليها، وبهذه الطريقة يُمكنني أن أكون وزيرا أول". - وهذا ما حصل بالفعل؟ نعم، لكنه ينسى بأن الناس الذين معه الآن يُمكن غدا أن يذهبوا عند حزب آخر، وبالتالي ما قلته لك من قبل بأنني لا أستبعد أن يحصل الهمة على أكبر عدد من النواب ويشكل أغلبيته المريحة. " راه المغرب هاذا أصاحبي ". - الهمة قال في الدوزيم بأن هدفه يتركز على الاستقطاب من الأغلبية التي لم تُصوت، أي من نسبة الثلاثة والستين التي لم تصوت؟ قبل أن أجيبك يجب ألا تنسى أن رقم ثلاثة وستين بالمائة من الذين لم يصوتوا هو رقم رسمي أما الحقيقة فأكثر من ذلك، وقد تتجاوز السبعين بالمائة، ولنستحضر أن كل يوم يمر فإن قاعدة الذين يهجرون الانتخابات ستتسع، لماذا؟ لأن الحالة الاجتماعية في هذا البلد سائرة من سيء إلى أسوأ، ولنعلم أن ارتفاع أثمان المواد الاستهلاكية لن يتوقف، لأنها مرتبطة بقانون السوق وبمعايير الإنتاج والاستهلاك العالمية، لذا فإن أسعار الخبز والزيت والسكر وغيرها سترتفع بشكل حتمي، وهو ما يعني أن تأثير ذلك سيكون كبيرا على الفئات الاجتماعية الدنيا، وهذه الأخيرة توجد، كما نعلم، بأعداد كبيرة في المغرب، إذن كيف تريد ألا يزداد عدد الساخطين على المشهد السياسي، وبالتالي الممتنعين عن التصويت في الاستحقاقات الانتخابية؟ - ألا تظن أن لدى الملك خطة معينة، كأن يُخرج مثلا الهمة، كورقة رابحة مثلما يُخرج الساحر أرنبا من قبعته، وبالتالي يؤدي دورا محوريا ناجعا في المشهد السياسي؟ " كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو أصاحبي "، إن هذا الرجل الذي تتحدث عنه (يقصد الهمة ) قضى عشر سنوات في الحكم، ونأتي الآن ونقول بأنه سينزل عليه الوحي، إنه لم يقم بالعمل المطلوب خلال عشر سنوات كاملة، ويأتي الآن ليُقنعنا بأنه سيقوم بذلك في ظرف شهر، لقد ظل لمدة عشر سنوات وهو الحاكم بأمره، لقد كاد أن يكون هو البصري الجديد في عهد محمد السادس، وكان يتوفر على كل وسائل التنفيذ. - ولماذا تم إيقاف صعوده حينما كان في طريقه ليكون بصري جديد؟ يقول الفرنسيون بأن سُبُل الله لا يتم النفاذ إليها، إن سُبُل المخزن هي كذلك. - بمعنى؟ إنك لا يُمكن أن تفهم ماذا يريد الله أن يقوم به، بمعنى أن طرقه غامضة، ونفس الشيء يُقال عن طرق المخزن، لأن أداءه يمتزج فيه العقلي بغير العقلي، حيث أنه إذا غضب الملك من أحد كبار موظفيه فإنه يُبدله، إن المخزن لا يعمل وفق المنطق الذي نُفكر به، بل إن لديه منطقه الخاص به، أي منطق البلاط، والكثير من الأمور التي لا نستطيع حصرها في منطق معين، والمؤكد هو أن الهمة مغضوب عليه ويُمكن أن يرجع غدا إلى موقعه. - ما الذي يجعلك متأكدا من ذلك؟ إنه تفسيري الذي آخذ به هذا الأمر ويُمكن أن أكون مخطئا، إن المخزن عندما يجد أن أحد خدامه في موقع حساس قد بدأ يعتقد انه اصبحت لديه سلطة " يعني بداو تايخرجو رجليه من الشواري " فإنه يقوم بتذكيره بالمكان الذي جاء منه أول مرة، ومن الغريب أن الهمة ذهب ليترشح في دائرة بنجرير، أي مسقط رأسه، ولنتذكر أن المخزن كان قد أتى به إلى القصر من نفس المكان منذ نحو أربعة عقود " بمعنى جابو من بنجرير أوردو لبنجرير "، وفي نظري فإن هذا يعني شيئا واحدا تلخصه هذه العبارة: " تذكر من أين أتينا بك "، هكذا يعمل المخزن، ولو كان صحيحا أن الهمة خرج من القصر بغرض تاسيس حزب سياسي لكان قد ترشح في دائرة أخرى غير بنجرير، في الرباط أو الدارالبيضاء مثلا. - ربما لإعطاء رسالة بضرورة الاهتمام بالجهات غير المركزية؟ أنت تفكر بطريقة عقلانية وليس بطريقة مخزنية، سأعود بك شيئا ما إلى الوراء، وأحكي لك ما كان قد وقع ذات مرة في كواليس حزب الاستقلال، فحين قرر كل من عباس الفاسي وبوعمر تغوان وزير التجهيز السابق في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، أن يطردا كريم غلاب من وزارة التجهيز حينما كان إطارا مكلفا بالطرق، أتذكر أنني قلتُ حينها لعباس الفاسي، وكنت عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، بأن غلاب وبنشيخ وحلب يريدون مقابلته، بعدما كان قد طردهم تغوان ليتمكن من الإتيان بأصدقائه وذلك لأمر في نفس يعقوب، فكان أن قال لي عباس " آسيدي هاذاك راه وزير أوعندو الحق يجري على لي بغا "، فماذا فعل المخزن الذي كان قد تابع العملية من بعيد؟ بعدما مرت نحو ثلاثة أو أربعة أشهر سمى غلاب على رأس المكتب الوطني للسكك الحديدية، وحلب واليا في تطوان، وبنشيخ في التكوين المهني، وانتظر قليلا إلى حين حلول مناسبة تعديل حكومة اليوسفي، وقال لعباس الفاسي : عليك بإدخال كريم غلاب إلى الحزب إذا أردت أن تظل حقيبة وزارة التجهيز بحوزتك، وذلك لكي يذهب غلاب بمناسبة تسليم السلط ليأخذ مفاتيح الوزارة من يد بوعمر تغوان الذي كان قد طرده من الوزارة، إن هذا هو المخزن أيها الأخ. وازيدك بأنه - أي المخزن – لم ينته بعد من ملف عباس الفاسي. - ماذا سيفعل له؟ " غادي يمرمدوه " أكثر فأكثر، والبداية كانت مع كل تلك الصعوبات التي وجدها في جمع الحكومة، هل تعتقد بأن الملك يجهل بأن عباس لديه ماض ثقيل وثقيل في أكثر من ملف وعلى رأسه ضحايا النجاة، لقد اخذه من يده ورماه في جب الأسود، واظهر له بأنه لا يتوفر لا على قدرات سياسية ولا كاريزيم " ولا حتى زفتة أوخلاوه بحال ديك الذبانة لي كاتطيح فالكاس ديال الما أوكاتبدا كتفرفط بجناوحها"، ثم أتى المستشار معتصم وأخذ بيده وشَرَعَ في فك مشاكله شيئا فشيئا، كل ذلك ليقول المخزن لعباس " ها آش كاتسوا ". - إنك تتحدث عن أمين عام الحزب الحاصل على اكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة، ومع ذلك يتعامل معه المخزن بهذه الطريقة، ألا ترى بأن هذا يعني تنقيصا من شأن الأحزاب وقادتها وبالتالي المشهد السياسي؟