هوية بريس – قاسم كحيلات تضم هذه الأبناك عقودا كثيرة ومن أشهر هذه العقود والتي بدأت العمل بها، (المرابحة للآمر بالشراء). ووجها: أن يقول المشتري للبنك: اشتر بيتا مثلا، أو سلعة صفتها كذا وكذا، وأنا أربحك فيها كذا وكذا، ويذكر مقدار الربح، ولا يسلم الثمن في مجلس العقد. وقد ورد هذا العقد في 16 مادة، وقد بحثتها مادة مادة بتفصيل مطول مع ذكر المذاهب الفقهية وأدلة كل فريق والردود عليها ثم الترجيح. وقد وافق المجلس العلمي الأعلى على هذا العقد وقال إنه يوافق الأحكام الشرعية وذلك بإجماع أعضائه. وقد تبين لي: – أن تلك المواد غالبها مختلف فيه بين الفقهاء. – بعض مواده مخالف لما عليه المذهب المالكي. – مواد العقد يعمل بها في غالب البنوك الإسلامية اليوم. – لم يكن هناك اجتهاد بل تقليد لما عليه بعض الهيئات الشرعية. وقد تبين لي بعد البحث أن العقد مواده موافقة لما ترجح عندي وتوافق الأحكام الشرعية غير مسألة واحدة عكرت عليه وهي: – الوعد الملزم: وذاك أن البنك يفرض التوقيع على وعد ملزم لك بالشراء، مع فرض مبلغ مالي يسمى عندهم ب (هامش الجدية). وهذا الشرط حرام وسحت لأمور: 1- بيع البنك للمشتري ما ليس عنده، وما لا يملكه البنك، وما لم يقبضه بعد. 2- بيع البنك ما لا يضمن ولا يدخل في ضمانه، فهو ضامن لربحه من المشتري، آمن من خسارته مع المورد. 3- بيع وشرط، فالبنك يبيع سلعة غير موجودة عنده وغير مملوكة له، ويشترط في المقابل على المشتري أخذها بلا خيار يدفع به الضرر والغرر. 4- بيع وربا، فهو يقرض المشتري بربح بصورة بيع، فيشتري السلعة ويضمن ربحه فيها قبل شرائها وقبل بيعها، فخرجت بذلك عن التجارة والبيوع التي هي عرضة للتغابن إلى الربا المضمون. 5- بيع دين بدين، فالمشتري يدخل في الشراء للسلعة بلا مال عنده، فالثمن دين مؤجل عليه للبنك بالتقسيط، والبنك يبيع له سلعة ليست عنده ولا مملوكة لها، فهي مؤجلة إلى توقيع العقد بالوعد الملزم، فكان بيع كالئ بكالئ.. ولتصحيح مثل هذا التصرف يجب أن يكون الوعد بالشراء غير ملزم، ويكون للبنك الخيار من طرف واحد مع المورد للبضاعة، بردها خلال أسبوع مثلا، إذا لم يصرفها، فإن أخذها المشتري، وإلا ردها البنك أو باعها لغيره. فالذي نراه أنه لا بد من حذف شرط الإلزام ذاك حتى تكون المعاملة موافقة لشرع الله، والوعد الملزم ذاك وعد حرام. ومن أجاز استدل بعموميات لا ترقى لرد النصوص الصريحة. أما ما ينقل عن المالكية أنهم قالوا بإلزامية الوعد، فخطأ ظهار، فالمالكية يحرمون هذه الصورة، وما ذكر عندهم هو في باب التبرعات لا المعاوضات، وقد حقق قولهم الصادق الغرياني وقال: "فالاستدلال بكلام المالكية في الوفاء بالوعد على جواز جعل الوعد ملزما في عقد المرابحة للآمر بالشراء، من الاستدلال بالكلام في غير موضعه وخارج سياقه، إذ الأول محله في كتبهم باب العِدَة والتبرعات، والثاني محله بيوع العينة والآجال، وقطع الكلام عن سياقه يفسد معناه، فهو كمن يقرأ (فويل للمصلين) أو (لا تقربوا الصلاة) ويسكت" انتهى. قال الدكتور محمد الأشقر: "ولم نجد أحدا من العلماء السابقين قال بهذا القول بعد التمحيص، وبعد التعب في البحث، ونسب إلى المالكية وإلى ابن شبرمة القاضي، ولا تصح هذه النسبة"(بيع المرابحة (ص 11). بل تكاد أن لا تجد أحدا قاله به، قال الشيخ نزيه حماد: "لم ينقل عن أحد منهم -يعني من الفقهاء- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين، أو لكليهما؛ لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدا" (مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/ 935). جاء في (قرار مجمعِ الفقهِ الإسلامي (40 – 41): "المواعدةَ الملزمةَ في بيع المرابحة تشبه البيعَ نفسَه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده". ثم إن مخاطرة نكول المشتري عن الشراء تعد كأي مخاطرة يتحملها التجار عادة، فمن طبيعة أي تجارة التعرض للربح والخسارة. ** والحاصل: أن هذا العقد أباحه المجلس العلمي تقليدا لغيره، والحق: أن الوعد الملزم شرط حرام وحقيقته احتيال على البيع، وأن البنك لا يريد الخسارة مطلقا فخرج عن صفة البيع والشراء. والله الموفق.