نشرت صحيفة "التجديد" بتاريخ 15 غشت 2011 تلخيصا عن الحوار المفتوح الذي نظمته الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث في الاقتصاد الاسلامي يوم 13 غشت 2011 تحت عنوان:" الاقتصاد الاسلامي والتمويلات البديلة بالمغرب ". والملخص المنشور مقتضب جدا إلى الحد الذي قد يكون أخل بنقل بعض عناصر الأفكار المقدمة من المتدخلين. مع ذلك يبدو ما ورد فيه مثيرا لتساؤلات ليتنا نجد أجوبتها عند السادة المعبرين عن تلك الأفكار. فمع تقديرنا للمساهمين في الحوار والشكر لهم عن المساهمة في دراسة موضوع لا تخفى أهميته نود مناقشة بعض المقولات المقدمة في الحوار، ويتعلق الأمر ب:وصف المعاملات البديلة ب "الإسلامية": قد تبدو إثارة التشكيك في هذا الوصف مجرد استفزاز بعد أن انتشر استعماله في كل العالم الاسلامي وفي خارجه أيضا. لكن مع ذلك نرى في مناقشة الموضوع وسيلة للاقتراب من الحقيقة ورفع الغموض. منظرو البنوك (الإسلامية) الذين نقدر لهم غيرتهم على الشريعة وعلى أحكامها ركزوا في إثبات الوصف على عمل هذه البنوك بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة بين رأس المال والعمل. وهو ما قرره الإسلام:" فأوجب أن يشترك الطرفان في الغنم والغرم، إن ربحا ربحا معا، وإن ربحا كثيرا تقاسما الربح معا، وإن ربحا قليلا اشتركا في هذا القليل بالعدل، وإن خسرا اشتركا في تحمل الخسارة، فصاحب المال يخسر من ماله وصاحب العمل يخسر من جهده وتعبه ". (الشيخ القرضاوي فوائد البنوك هي الربا الحرام ص 65). حاولت البنوك الإسلامية تطبيق هذا التنظير عن طريق توظيف أموالها بالقراض ففوجئت بإفلاس العمل بتقاسم الربح والخسارة نتيجة ادعاء أكثر المقارضين للخسارة خصوصا وان الفقه يقول بتصديق المقارض في ادعاء الخسارة. يقول السيد عبد الرحمن لحلو (من أجل بنك اسلامي أفضل. ص. 198) " وقد حدث للمصرف الاسلامي الدولي للاستثمار والتنمية أن خسر ستمائة مليون جنيه (مصري) كتمويلات بالمضاربة والمشاركة نظرا لعدم تحصيل أصول المبالغ المقدمة والأرباح المتوقعة، وذلك من يوم إنشائه (1984) إلى سنة 1986. وقد أدت هذه الحالة إلى أزمة خانقة كادت تقضي عليه لولا تدخل الحكومة لإنقاذه وتجاه هذا الواقع تبقى المرابحات هي أقرب التوظيفات لضمان حقوق البنك ". بعد فشل التوظيف بالقراض / المضاربة بقيت البنوك (الإسلامية) تقول انها تتعامل بالمشاركة واقتسام الربح والخسارة مع الذين يقدمون إليها أموالهم (المودعين) لاستثمارها، كما تتعامل مع الراغبين في نقودها بعقود المرابحة، والتأجير المنتهي بالبيع، والسلم، والاستصناع وباقي العقود العوضية الأخرى المعروفة في الفقه الاسلامي. ونقتصر في هذه المقالة على مناقشة: "المشاركة" المدعاة مع المودعين، وما أطلق عليه في المغرب "المعاملات البديلة" ويتعلق الأمر بالقراض، وبيع المرابحة، والتأجير المنتهي بالتمليك، والاستصناع. فهل هذه المعاملات كما تمارس تستحق وصف "إسلامية" ؟. المشاركة المشاركة في الربح والخسارة بين المال والعمل لا جدال في شرعيتها وإباحتها في الإسلام. لكن هل بالطريقة التي تمارسها بها البنوك (الإسلامية)؟. المشاركة المباحة شرعا هي القائمة باتفاق حر بين الطرفين على تحديد ما يقدمه كل طرف من مال أو عمل وعلى نسبة الربح لكل واحد منهما. فهل يتحقق هذا في اتفاق البنك مع مودعي أموالهم لديه لاستثمارها ؟. يبدو الجواب بالنفي مؤكدا لما يلي: أ البنك باعتباره الطرف القوي هو الذي يحدد نسبة الربح التي يعطيها لصاحب المال وملايين الزبناء يوقعون على العقد بوصفه "عقد إذعان" ومن المفتين من أجاز للبنك أن يشترط على الزبون وقت إبرام العقد التنازل مسبقا عن جزء من الربح الموعود به (محمد باقر الصدر رحمه الله البنك اللاربوي في الإسلام ص 41). ولذلك فإن ربح الزبون يكون أقل حتى من "الفائدة" التي تمنحها البنوك التقليدية وفق ما يقول محمد هاشم رشوان:" ان تكلفة الأموال (الاستثمار) في المؤسسات المالية الإسلامية أقل إلى حد ما من تكلفتها في المؤسسات المالية التقليدية حيث أثبتت الكثير من الدراسات ان المودعين يقبلون بأي عائد بسبب البعد العقائدي، وان اهتمامهم غالبا ما يكون اهتماما شرعيا " (أطروحته: بدائل التمويل الاسلامي ص 163). ويؤكد هذه الحقيقة ما ورد في الحوار نفسه من ارتفاع أرباح البنوك (الإسلامية) مقارنة مع البنوك التقليدية. ب تحديد بدء سريان العقد ببضعة أشهر بعد إبرامه بحجة تمكين البنك من فترة زمنية يبحث خلالها عن مجال توظيف مال الزبون. ج البنك ينفرد وحده بتقرير: - مصاريف التسيير والصيانة وتجديد أدوات العمل ... التي تستنزف القسم الأكبر من المداخيل / الأرباح، والحال ان العمل التزام من البنك مقابل التزام الزبون بتقديم المال. - المبالغ المقتطعة للاحتياط. - مبالغ الديون التي يتعذر تحصيلها أو يعسر، وتخصم بالتالي من خانة الأصول. هذا ما جعل د. محمد شوقي الفنجري يقول:" كيف يقبل عقلا في البنوك الإسلامية وأمرها كذلك أن ينفرد المساهمون الذين لا تتجاوز حقوقهم 5% بمجلس إدارة البنك وجمعيته العمومية ويتحكمون في 95% من أموال البنك التي يمتلكها أصحاب الودائع ". وانه وجد أحد البنوك (الإسلامية) يؤثر مساهميه بنصيب الأسد فيحصلون عادة على 12% من قيمة أسهمهم بينما أصحاب الودائع لا يحصلون إلا على القليل في حدود 7%. فهل يصح إسلاميا وأخلاقيا أن يعتبر صاحب المال شريكا وهو لا حق له حتى في مجرد الاطلاع على ما يقتطع من أرباح ماله في البنود السابقة وفي العلاوات والامتيازات الممنوحة للمدراء ومساعديهم الذين يكونون عادة من كبار المساهمين في البنك؟. هذا بالنسبة للمودعين، أما بالنسبة للمحتاجين إلى أموالها فتتعامل معهم في المغرب ببيع المرابحة، والتأجير المنتهي بالتمليك، والاستصناع أما القراض فلا وجود له إلا في الأوراق والدعاية غير الصادقة. بيع المرابحة في اصطلاح الفقه بيع المرابحة من بيوع الأمانة الذي هو أحد أنواع البيع من: مكايسة، ومزايدة ... ويقصد به أن يقول صاحب البضاعة اشتريتها بكذا وأبيعها بربح هو مبلغ كذا أو نسبة زائدة على ثمن الشراء، وقد يحدد الربح بإحدى الصيغتين كذلك من المشتري، وأداء الثمن يكون عادة حالا وقد يتفق على تأجيله كليا أو جزئيا. أما بيع المرابحة الذي تتعامل به البنوك (الإسلامية) فيختلف كلية في دلالته عن الفقه. إذ يتم بطلب الزبون من البنك شراء بضاعة ليشتريها هو منه بزيادة نسبة من الربح مقابل أدائه الثمن مقسطا على الفترة المتفق عليها. وقد كان بيع المرابحة بهذا المعنى بمثابة طوق نجاة بعد أن تعذرت معاملة القراض التي كان التنظير يؤسس عليها فكرة البنوك (الإسلامية). و"مكتشف" طوق النجاة هذا كان السيد سامي حمود الذي قدم في مصر أطروحة دكتوراه عام 1976 أورد فيها من كتاب الام للشافعي الفقرة الآتية: " وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال: اشتر هذا وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك، بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا، وإن شاء تركه. وهكذا إن قال: اشتر لي متاعا ووصفه له، أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار. وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: ابتعه وأشتريه منك بنقد أو دين، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنهما تبايعاه قبل أن يملكه البائع، والثاني انه على مخاطرة انك إن اشتريته على كذا، أربحك فيه كذا " الام للشافعي 3/39. هذا النص هو الذي اعتمدته البنوك (الإسلامية) لتنقذ نفسها من ورطة العمل بالمشاركة في الربح والخسارة الذي أسست عليه وجودها. لكن الشافعي في هذه الفقرة يقول بصحة شراء المطلوب منه الشراء، أما الطالب الذي عرض تقديم الربح له فإن عرضه غير ملزم له، وإذا بنيا عليه كان العقد مفسوخا، وأسس فساد العقد الثاني ووجوب فسخه على وروده على مبيع قبل أن يملكه البائع. وبيع الشيء قبل قبضه فبالأحرى قبل تملكه فاسد وفسخه واجب. يقول الشافعي في موضع آخر من الأم (3/69) " فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان فليس له ان يبيعه حتى يقبضه وذلك ان من باع ما لم يقبض فقد دخل في المعنى الذي يروي بعض الناس عن النبي (ص) انه قال لعتاب بن أسيد حين وجهه إلى مكة (انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا) ". وهذا ليس رأي الشافعي وحده. ففي المذهب الحنفي يقول السرخسي في المبسوط (3/8) " ومن اشترى شيئا فلا يجوز له ان يبيعه قبل أن يقبضه ولا يوليه أحدا ولا يشرك فيه ... لما روى ان رسول الله (ص) نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض، وكذلك ما سوى الطعام من المنقولات لا يجوز بيعه قبل القبض عندنا ... ". وجاء في المغني لابن قدامة من المذهب الحنبلي:" ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها رواية واحدة وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا " (4/228). وفي المذهب الظاهري يقول ابن حزم في المحلى (8/518) " ومن ابتاع شيئا أي شيء كان مما يحل بيعه ... فلا يحل له أن يبيعه حتى يقبضه". وعند الشيعة الامامية:" ان الفقهاء قد اتفقوا على أن من يبيع مال الغير بيعا باتا ثم يمضي إلى صاحب المال فيشتريه منه ويسلمه إلى المشتري اتفقوا جميعا على عدم صحة البيع " (فقه الإمام جعفر الصادق لمحمد جواد مغنية 3/125). هذا في الفقه المذهبي، ومن الفقه الحديث قرار / فتوى مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي رقم 4114 الصادر في دورة 10 15 ديسمبر 1988 ومما جاء فيه: " المواعدة وهي التي تصدر من الطرفين تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي (ص) عن بيع الإنسان ما ليس عنده ". أما مذهب مالك فإنه يجيز بيع ما لم يقبض باستثناء الطعام، ولكن ذلك قاصر على البيع الناجز، أما إذا كان البيع إلى أجل وبزيادة فإنه يعتبر المعاملة ربا. في القوانين الفقهية لابن جزي (ص 190) " ان يقول رجل لآخر اشتر لي سلعة بكذا وأربحك فيها كذا مثل أن يقول اشترها بعشرة وأعطيك فيها خمسة عشر إلى أجل، فإن هذا يؤول إلى الربا، لأن مذهب مالك ان ينظر ما خرج عن اليد ودخل به وتلغى الوسائط فكان هذا الرجل أعطى عشرة دنانير وأخذ منه خمسة عشر دينارا إلى أجل والسلعة ملغاة ". وفي مقدمات ابن رشد الجد: " ان يقول اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فذلك حرام لا يحل ولا يجوز لأنه رجل ازداد في سلفه " (ص. 538). سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فهذا لا يجوز " (ص. 539). ونفس الحكم يطبق على الحالة التي يقول فيها الطالب اشتر سلعة كذا دون أن يضيف "لي" أو "لنفسك" (مواهب الجليل للحطاب 4/407). هذا موقف الفقه من بيع ما لم يقبض ومن الأمر بالشراء نقدا مع عرض الشراء نسيئة بزيادة في الثمن. حاولت البنوك (الإسلامية) في البداية تطبيق رأي الشافعي ومن وافقه عن طريق عدم إلزام طالب الشراء بوعده، أي بعد شراء البنك للبضاعة يبقى لطالبها الخيار بين شرائها وتركها، ولما ظهر لتلك البنوك ان هذا قد يضر بمصالحها في حالات تخلي الزبون عن الوفاء بوعده. لم يكن من العسير عليها الحصول على فتوى تلبي مصالحها. فقد عقد في ماي 1979 "مؤتمر المصرف الاسلامي الأول" في ذبي حضره (59) "عالما" عرض عليه المشكل بالصيغة التالية: يطلب المتعامل من المصرف شراء سلعة يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به المتعامل من البنك بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما. فكانت توصية المؤتمر: " ان مثل هذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد هذا الشراء طبقا للشروط. إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا لأحكام المذهب المالكي. وهو ملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى. وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه ". لو لم نجد هذه "الفتوى" عند الشيخ القرضاوي وهو من أكبر المناصرين للبنوك (الإسلامية) في كتابه "بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية " لحام الشك حولها وقلنا ربما كانت تلفيقا أريد به الإساءة إلى المصارف (الإسلامية). فمن الصعب تصديق صدور فتوى من (59) "عالما" ينتمون إلى مختلف أنحاء العالم مؤسسة على صياغة ملتبسة وموظفة للاشتراك اللفظي لتنسب إلى المذاهب الفقهية ما لم تقله بل تؤكد كلها عكس ما ورد في الفتوى. الفتوى تقول ان الوعد المتبادل بين البنك والزبون ملزم للطرفين قضاء في مذهب مالك وهذا من أغرب ما يسمع. أولا: إلزام الوعد قضاء معناه انعقاد العقد به، وهذا ما لا يقول به قائل لا في مذهب مالك وحده أو المذاهب الفقهية الأخرى، وإنما كذلك في كل القوانين المقارنة قديمها وحديثها. فمن البدهي الذي لا جدال فيه ان العقد ينعقد بتبادل الإيجاب والقبول وليس بالتواعد بهما أو بأحدهما. ثانيا: القول بلزوم الوعد مطلقا وهو أحد أقوال أربعة في مذهب مالك "ضعيف جدا" وفق ما وصفه بذلك الحطاب في التزاماته (1/256) ثم ان القصد بالوعد في مذهب مالك وفي غيره هو الوعد بالتزام بإرادة منفردة مثل الوعد بتقديم قرض أو بتأخير استيفائه أو أي عمل أو منفعة لفائدة متلقي الوعد، وليس الوعد بالتعاقد إذ لم يقل أحد فيما نعلم بلزوم العقد بمجرد الوعد به، وإن أمكن أحيانا تحميل الواعد المسئولية المدنية عن تصرفه إذا توفرت شروطها. ثالثا: الوعد موضوع السؤال بين البنك وزبونه سبق إيراد النقول من مذهب مالك الذي يعتبره عقدا ربويا محرما. فكيف يكون عقدا ربويا وينفذ قضائيا؟! وتضيف الفتوى ان الوعد "ملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى"!! هنا أيضا يتم التلبيس إن لم نقل التدليس بالوعد بمفهومه العام، والحال ان الوعد موضوع الفتوى تراه كل المذاهب غير جائز لا يحل إجراؤه وإذا حدث وجب فسخه لما فيه من بيع قبل الملك أو القبض، وربح ما لم يضمن. من حق مفتي البنوك (الإسلامية) أن يستعملوا مصطلح "بيع المرابحة" في غير المعنى المتداول به في الفقه، فالاصطلاح لا مشاحة فيه. كما ان من حقهم مخالفة رأي المذاهب الفقهية في القضايا التي يرون ان تغير الظروف أصبح معها الرأي القديم لا يحقق المصلحة التي شرع من أجلها. لكن ما يثير التساؤل هو نقل مصطلح من دلالته على تصرف جائز في المذاهب الفقهية إلى تصرف ممنوع في كل هذه المذاهب دون بيان ذلك وشرح مبرراته. وأكثر من ذلك ان "بيع المرابحة" بمعناه الجديد لا يجيزه مذهب واحد ولا رأي فقهي داخل أي مذهب. وسند الفقه في هذا هو: المنع المقرر لبيع ما ليس عند البائع، أو لم يقبضه، أو لم يدخل في ضمانه، وعند مالك العملية حيلة للربا. لو ناقش مناصرو الأبناك (الإسلامية) هذا السند الفقهي وتوصلوا إلى عدم صحته فأفتوا بخلاف ما سبق اتفاق المذاهب عليه تحقيقا لمصلحة أو مصالح دلت نصوص الشريعة وقيمها على حمايتها لكان ذلك سلوكا مقبولا وإن وجد من يخالفهم. لكن الذي حدث انهم لم يناقشوا سببا واحدا من الأسباب المؤسس عليها فقه المذاهب المختلفة، وإنما اكتفوا بالتلبيس في استعمال كلمة "الوعد" لينسبوا به إلى المذاهب ما لم تقله بل صرحت كلها بعكسه في الواقعة المسماة "بيع المرابحة" عند البنوك (الإسلامية). من هنا كان من حقنا أن نسأل الواصفين لبيع المرابحة ب "معاملة اسلامية" ونطلب منهم بيان مبرر هذا الوصف رغم مخالفته لكل المذاهب الفقهية ولا نرى فيه مصلحة غير مصلحة رأسمال البنك (الاسلامي) فيرفع أرباحه إلى أكثر من ضعف الأبناك الربوية كما جاء في الحوار موضوع هذا التعليق. فهل من مجيب؟. التأجير المنتهي بالبيع نصرف النظر عن رأي الفقه في إدماج عقدين في عقد واحد والحيل التي تم الإفتاء بها لتفادي هذا الإدماج، ونكتفي بالملاحظتين الآتيتين: ● الملاحظة الأولى: ان هذه المعاملة موجودة وما تزال لدى الأبناك (الربوية) قبل أن تنشأ الأبناك (الإسلامية) فما هي الميزة التي تستحق بها عند هذه الأخيرة وصف إسلامية ؟ الميزة الظاهرة هي التفوق على الأبناك التقليدية في الزيادة التي يؤديها الزبون عن طريق نهجها الخاص في احتساب هذه الزيادة. يشهد شاهد من أهلها السيد لاحم الناصر "مستشار الصيرفة الإسلامية" فيقول: "الصيرفة الإسلامية مطالبة بتحقيق معيار العدالة في الربح، والبعد عن الزيادة الفاحشة فيه. وهو ما يلاحظ عليها خصوصا في التمويل الشخصي طويل الأجل، حيث يتم احتساب نسبة الربح المحددة على كامل مبلغ التمويل مضروبا في كامل مدة التمويل بدون الأخذ في الاعتبار ما تم سداده. ولا شك ان هذا من الربح الفاحش في عرف التمويل المصرفي، بل ان القوانين الغربية تصنف مثل هذه المعاملة تحت الربا المحرم في قوانينها التي تفرق بين الفائدة والربا، وهو تفريق غير معتبر شرعا، لكنه يوضح مدى عدم عدالة طريق الاحتساب هذه حتى في القوانين الوضعية، فكيف بالشريعة السماوية التي قامت على العدل ؟. لقد شوهت هذه المعاملة وأمثالها صورة الصيرفة الإسلامية التي يفترض من يتعامل معها أنها صيرفة أخلاقية قائمة على شريعة سماوية تأبى الظلم وتحقق العدل فإذا بها تبز الصيرفة التقليدية الرأسمالية المتوحشة في مقدار الأرباح التي تتقاضاها عن عملياتها فتثقل كاهل من يتعامل معها بدافع ديني أو أخلاقي وكأنه يدفع ضريبة التزامه هذا ولعلها قد وجدت في بعض الآراء الفقهية ملاذا ومخرجا لسلوكها " ( مقال بعنوان:"الصيرفة الإسلامية وعدالة الربح منشور في صحيفة الشرق الأوسط " في 19 يناير 2010 ). ● الملاحظة الثانية: الشروط المجحفة التي تضمنها هذه البنوك في عقد الإيجار المنتهي بالتمليك. وقد أثبتنا في كتابنا "الربا بين النصوص وتفسيرها وبين ما آل إليه التنظير والممارسة" فقرات من العقد النموذجي للإيجار المنتهي بالتمليك الصادر عن إحدى الأبناك المغربية في إطار "المعاملات البديلة" المرخص لها بها. وفيه من الشروط التعسفية ما لا يبرره إلا الرغبة الجامحة للرأسمال في الربح. والخلاصة ان عقد الإيجار المنتهي بالتمليك خلقته البنوك التقليدية لمضاعفة أرباحها على حساب من تصيبهم نوائب الزمن وترغمهم على التوقف عن أداء أقساط الثمن أو تعتبرهم هي مخلين بأحد الشروط الكثيرة التي تحسن صياغتها في العقد. فهو في حقيقته عقد بيع يلتزم فيه الزبون بثمن البيع كاملا مضافا إليه (الفوائد) المستحقة عن الفترة المحددة للأداء، وتغطيه بالإيجار عسى أن يتعثر الزبون في أداء الأقساط لأي سبب أو تجد نافذة إلى اعتباره مخلا بأحد الشروط فتسترجع العين المبيعة ويبقى الزبون صفر اليدين ولو أدى تسعة أعشار الثمن. الفقه الاسلامي لا يجيز هذا العقد لعدم التحديد الحاسم لما التزم به كل متعاقد. ولكن البنوك (الإسلامية) التقطته من زميلاتها التقليدية واستعملته بمردودية أكبر كما يقول مستشارها السيد لاحم الناصر وربما بشروط أشد كذلك، ولتجاوز المنع المقرر في الفقه وجدت الفتاوى التي أجازت للبنك إبرام: عقد إيجار مقترن: - بوعد " بيع العين الموجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان ". - بإعطاء " المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين الموجرة في أي وقت يشاء على أن يتم العقد في وقته بعقد جديد بسعر السوق ". أو عقد إيجار يوقعه الطرفان مع ورقة مستقلة تتضمن: - التزام البنك بهبة العين المستأجرة للمستأجر بعد سداد جميع الأقساط. - أو الوعد بالهبة بعد سداد الأقساط كذلك. بعد هذه البيانات ألا ينبغي أن نتساءل عن الأساس الذي يعتمده الواصفون لعقد الإيجار المنتهي بالتمليك بالمعاملة "الإسلامية" ؟! عقد الاستصناع عرف الإنسان عقد الاستصناع، منذ فجر حياته عن طريق الحرف التي يصنع بها وسائل وأدوات حياته البسيطة لباسا وسكنا ومعاشا. ويستعمل اليوم في المغرب من البنك الاسلامي للتنمية. ومقتضى مبدأ المنع لبيع المعدوم في الفقه أن يكون عقد الاستصناع غير جائز " فالقياس يأبى جواز الاستصناع لأنه بيع المعدوم كالسلم، بل هو أبعد جوازا من السلم، لأن المسلم فيه تحتمله الذمة لأنه دين حقيقة، والمستصنع عين ... والأعيان لا تحتملها الذمة، فكان جواز هذا العقد أبعد عن القياس عن السلم. وفي الاستحسان جاز لأن الناس تعاملوه في سائر الأعصار من غير نكير فكان إجماعا منهم على الجواز فترك القياس " (بدائع الكاساني 5/209). ولهذا كان في الفقه رأيان أساسيان: الأول: يشترط لصحته أداء المستصنع للثمن فور إبرام العقد وعند مالك خلال يوم أو يومين، وذلك تفاديا لما أجمعت المذاهب على منعه وهو: بيع الكالئ بالكالئ أي البيع مع الاتفاق على تأخير تنفيذ العوضين معا. والثاني: يجيز تأخير أداء الثمن لكن مع اعتباره العقد غير ملزم يحق لكل من المستصنع والصانع إعلان انسحابه منه متى شاء. ولما صدرت "مجلة الأحكام العدلية العثمانية" في 26 شعبان عام 1293 هجرية تجاوزت آراء الفقه فقررت في م. 391 ما يلي:" لا يلزم في الاستصناع دفع الثمن حالا أي وقت العقد " وأضافت م. 392 " إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد المتعاقدين الرجوع ...". وما قررته المجلة العثمانية يثير ملاحظتين: ● الملاحظة الأولى: انه زيادة على مخالفة الفقه بإجازة بيع المعدوم أضافت بإباحة تأخير أداء الثمن، مخالفة أخرى وهي بيع الكالئ بالكالئ التي يحرمها الفقه ويعتبرها عقدا ربويا، وما تزال الفتاوى تصدر بهذا التحريم، انظر مثلا القرارين 101 و107 الصادرين عن مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة. ● الملاحظة الثانية: ان ما قررته المجلة نقلته عن القوانين الوضعية أو على الأقل توافقت فيه معها. فهذه القوانين لا تمنع بيع الكالئ بالكالئ، كما انها لا تعرف ما يصطلح عليه الفقه الاسلامي ب "العقد غير الملزم"، فالعقود فيها كلها ملزمة بمجرد انعقادها بالإيجاب والقبول الباتين وفقا لإجراءات القانون، نعم منها ما يمكن إنهاؤه بإرادة أحد الطرفين ومنها ما لا يمكن إنهاؤه إلا باتفاقهما أو عن طريق القضاء. ومما لا يحتاج إلى بيان ان المتعاملين مع البنك (الاسلامي) بعقد الاستصناع لا يؤدون الثمن وقت إبرام العقد، إذ لو كان لديهم هذا الثمن لأغناهم عن الالتجاء إلى البنك، وإنما يشرعون في الأداء مقسطا بعد إنجاز المعقود عليه وتسلمه. وبذلك يتحقق في هذا العقد وصفا: بيع المعدوم، وبيع الكالئ بالكالئ الممنوعان في الفقه قديمه وحديثه، وبالمقابل العقد متوافق مع المجلة العثمانية ومع القوانين "الوضعية" داخل العالم الاسلامي وخارجه. يضاف إلى ذلك ان عقد الاستصناع الذي يبرمه البنك سواء مع المستصنع أو مع الصانع من الباطن يخضع شكلا وموضوعا للقانون الوضعي: فمن حيث الشكل يراعى فيه ما يفرضه القانون من شكليات مثل الكتابة الرسمية أو العرفية والتعريف بالإمضاء، والتسجيل وصفة العقد التجارية أو المدنية مع ما يترتب على كل صفة من آثار ... ومن حيث المضمون يخضع كذلك لمختلف فروع القانون: المدني منها، والتجاري والاجتماعي، وحتى الإداري والجنائي ... ويحدد الطرفان حقوقهما والتزاماتهما فيما يعرف بدفتر التحملات الذي يضمنان ما يشاءان من الشروط عدا ما يخالف نصوص القانون الآمرة أو النظام العام عكس ما هو معروف عن الشروط في الفقه الاسلامي. علما بأن المعقود عليه قد يتم إنجاز صناعته في أي بلد في العالم مثل سفينة أو طائرة حيث يحكم عقد الاستصناع قانون بلد الإنجاز إضافة إلى قواعد وأعراف التجارة الدولية. وأكثر من كل ما سبق ان البنك قد يكتفي بالتمويل أي تقديم المبلغ النقدي لطالبه ويضيف إليه مقابل الأداء بالتقسيط ويسمي ذلك في الأوراق ب "عقد الاستصناع". مثلا مرسوم نشر بالجريدة الرسمية عدد 5674 (19/09/08) ورد فيه: " يوافق على الاتفاقية الملحقة بأصل هذا المرسوم والمبرمة بتاريخ 4 يونيو 2008 بين المملكة المغربية والبنك الإسلامي للتنمية لضمان اتفاقية التمويل بالاستصناع بمبلغ 000 400 99 أورو وقعها البنك المذكور مع الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب للمساهمة في تمويل مشروع الطريق السريع تازةوجدة ". ومما يؤكد انه لا وجود لعقد الاستصناع: عدم تحديد المصنوع وذكر تازةوجدة لا يفيد ذلك لأن المسافة تزيد على مائتي كيلومتر وكلفت أكثر من ضعفي المبلغ المقدم من البنك وفق البيانات التي أعلنتها شركة الطرق السيارة بعد الانتهاء من الأشغال، كما نشرت مراسيم بضمان قروض أخرى قدمت للشركة على نفس المسافة: تازةوجدة. ان البنك قدم " مساهمة في تمويل المشروع " وليس الالتزام بإنجاز محدد ومعين من المشروع الكلي. ومما يزيد التأكيد على أن البنك (الاسلامي) يقتصر دوره على التمويل النقدي وإضافة الزيادة عن تأخير الأداء مثل ما يفعل البنك التقليدي مرسومان نشرا في الجريدة الرسمية عدد 5835 تاريخ 03 ماي 2010 ويتعلقان بضمان مبلغين قدما لنفس المشروع. جاء في المرسوم الأول:" بالموافقة على الاتفاقية المبرمة بتاريخ 31 يناير 2010 بين حكومة المملكة المغربية والبنك الاسلامي للتنمية قصد ضمان التمويل بالاستصناع الممنوح من طرف البنك المذكور للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب للمساهمة في تمويل مشروع مد مدينة فاس وقرى إقليمتازة بمياه الشرب". وفي المرسوم الثاني:" بالموافقة على الاتفاقية المبرمة بتاريخ 31 يناير 2010 بين حكومة المملكة المغربية والبنك الاسلامي للتنمية، قصد ضمان القرض الممنوح من طرف البنك المذكور للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب للمساهمة في تمويل مشروع مد مدينة فاس وقرى إقليمتازة بمياه الشرب ". ألا يؤكد هذا أن الممارسة بعيدة عن "عقد الاستصناع" بدلالته الاصطلاحية في الفقه وفي القانون الوضعي معا. وان كلمة "الاستصناع" تكتب في آخر لحظة في الأوراق المنشورة محافظة على مقولة " البنك الاسلامي لا يتعامل بالقرض وأخذ الزيادة عن تأخير الأداء " وقد يتعثر الانتباه للموضوع فينشر الإسم الحقيقي للعقد وهو القرض مع زيادة عن تقسيط الأداء وليس الاستصناع؟. وأخيرا نأمل ممن يرى في عقد الاستصناع كما تمارسه الأبناك (الإسلامية) "معاملة إسلامية" أن يرشدنا إلى السند الذي يعتمده في ذلك. وبعد، فإن الهدف من هذا التعليق على الحوار الخاص بالتمويلات البديلة هو إثارة الانتباه إلى كثير من النماذج السطحية التي يطرح بها الخطاب الديني، والمساهمة في الدعوة إلى تقديمه بأسلوب الحوار والإقناع، وروح البحث عن الحقيقة، والتسلح بالبرهنة والاستدلال. وليس بعبارات الحسم والتبليغ وتغييب المناقشة والتعليل. الجميع متفق على شطط البنوك التقليدية، وعلى اغتنائها المفرط على حساب المتعاملين معها: المودعين والمستفيدين إلى أجل من أموالها. وعندما يقال لنا ان أرباح هذه البنوك في حدود 10% وان أرباح البنوك (الإسلامية) 23% ألا نتساءل من أين تأتي هذه الأرباح التي تزيد عن أرباح الأبناك التقليدية أكثر من الضعف؟ هل لها مصدر آخر غير مصدري الأبناك التقليدية؟. هل ابتكرت مثلا أفكارا غير مسبوقة لإنشاء مشاريع اقتصادية أو إدارتها تدر عليها هذا الربح المرتفع ؟. هل أنشأت مراكز للبحث فاستفادت من براءات اختراع تطرحها في السوق أو تستغلها مباشرة ؟. لا هذا ولا ذاك ولا غيرهما.فريق المودعين وفريق المستفيدين إلى أجل من أموالهم، هما المصدر الوحيد لأرباح الأبناك التقليدية والأبناك (الإسلامية) وسر ارتفاع أرباح هذه الأخيرة هو انها تدفع أقل إلى الفريق الأول، وتأخذ أكثر من الفريق الثاني. لذلك فإن ارتفاع التكلفة لدى البنك (الاسلامي) ناجم فقط عن غياب تدخل القانون في تحديد مقابل تقسيط الأداء مع الرغبة في مراكمة أرباح مساهميه. وما يقال عن الازدواج الضريبي غير صحيح ولا وجود له. فمنظرو الصيرفة (الإسلامية) يقولون ان المعاملة لا تكون "شرعية" إلا إذا نقلت البضاعة إلى ملكية البنك فعلا قبل أن تعيد بيعها للزبون. فما يؤديه البنك عن انتقال الملكية إليه كان يجب أن يتحمله هو، ويخصم من أرباحه، لكنه استفاد من عرف رسخته البنوك التقليدية وهو تحميل الزبون جميع تكاليف العملية مضافا إليها مبلغ جزافي بعنوان "تكوين الملف" !!. الإسلام أخلاق، وقيم، ومقاصد، وليس مظاهر وانتقاء الكلمات. وقديما قال فقهاؤه: العبرة بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني. الجميع متفق على شطط البنوك التقليدية وعلى اغتنائها المفرط على حساب المتعاملين معها: المودعين، والمستفيدين إلى أجل من أموالها وعلى حساب المصلحة العامة عندما تتسبب بمضارباتها في أزمات اقتصادية تصيب الغني والفقير، القريب والبعيد. ولكن هذا ليس قاصرا على قطاع الأبناك. فكثير من الشركات الصناعية والتجارية العملاقة يتجاوز ريعها أرباح البنوك، ومنها تلك التي تحتكر ترويج أدوية لأمراض تفتك سنويا بأرواح الملايين من العاجزين عن أداء الثمن المرتفع للدواء المحتكر. المشكل إذن موجود في النظام الاقتصادي السائد كله وليس قاصرا على القطاع البنكي. والبحث عن الإصلاح يجب أن يتوفر له العنصران الآتيان: الأول: الرصيد العلمي العميق والشامل لكل فروع المعرفة المؤثرة بصفة مباشرة أو غير مباشرة في توجيه مسيرة الاقتصاد والتنبؤ بنتائجها. والثاني: مساهمة كل تلك التخصصات المعرفية في المناقشة واقتراح الحلول التي تنتقي منها الأمة عن طريق مؤسساتها ما تراه ملائما ولا يتعارض مع نصوص الإسلام الثابتة وقيمه العليا في ظروف الحياة المعيشة ومحيطها الداخلي والدولي. ألا يبدو محل تساؤل: الحديث عن إنقاذ اقتصاد العالم بمجموعة بنوك تعمل كل واحدة منها باستقلال تام، ومن أجل ضمان الربح لمساهميها في الحساب السنوي، دون تخطيط مركزي ولا متابعة ولا تدخل من القانون، ونشاطها الأساسي: التعاقد الحر بالشراء نقدا وإعادة البيع بزيادة مقابل تقسيط أداء الثمن؟. هل يوجد اقتصاد ليس له رؤيته الخاصة إزاء أنظمة: النقد، وتوزيع الدخل والضرائب والأسعار، والمنافسة والإنتاج، والاستهلاك ... إلى باقي القائمة التي تتسع باستمرار مسايرة لتنامي معرفة الإنسان وتفرعها؟. هل يتصور اقتصاد يستغني عن التخطيط المركزي تقريرا وتنفيذا، ولا يعترف للقانون بالتوجيه والمتابعة؟ الجواب متروك للقارئ.