حمل مقال مصطفى تاج الدين على صفحات هسبريس بعنوان "وأخيرا مرحبا بالبنوك الإسلامية" مغالطات وأخطاء بل تضليلا، فضلا عن عبارات الهمز والغمز والاستهزاء مثل وصفه وصفه قراء هسبريس بل والناخبين المغاربة بالقطعان السائبة . وانها لعمري اخلاق تتتناقض كليا مع الصفة التي قدم بها الكاتب نفسه لقراء .سأكتفي في هذه العجالة في مناقشته في جوهر الموضوع وهو البنك الاسلامية. واترك للقراء الاعزاء فرصة الرد عليه والتعرف على شخصه ونفسيته من خلال التأمل في العبارات النابية التي استعملها في مقاله. ذكرني مقال تاج الدين بما سمعته من استاذ مادة الاقتصاد حين كنت في اواخر التسعينيات طالبا في الجامعة، عندما سأله احد الطلاب عن رأيه في الاقتصاد الإسلامي، فأرعد وازبد وانكر عليه هذا السؤال: قائلا ان الدين محله المسجد ولا دخل له في الاقتصاد، وأضاف الاستاذ ان القول بوجود اقتصاد اسلامي يقتضي وجود اقتصاد يهودي واقتصاد مسيحي وآخر بوذي ان الاقتصاد في نظره واحد لا يصطبغ بصيغة دينية. ويقصد الاستاذ بالطبع الاقتصادان الرأسمالي او الاشتراكي. الذي اعرفه عن الاستاذ تاج الدين خريج كلية اللغة العربية بمراكش وان تخصصه في قوافي شعر العرب وآدابهم ولغاتهم وقد اقتفى اثرهم وكتب في ذلك دواوين شعرية منشورة .ولا اعلم له تخصصا في الدراسات الإسلامية والفقه والاقتصاد الاسلامي. لذلك دخل ميدانا لا ناقة له فيه ولا جمل كما تقول العرب فلا غرابة ان تأتي أحكامه في مقاله ضحلة مبتسرة وسطحية. ويؤسفني ان يجنح باحث أكاديمي وطالب ألمعي مثل مصطفى تاج الدين الى حضيض الكتابة الصحفية الرخيصة المفتقدة الى التؤدة والرزانة والمحكومة بالسرعة والتسرع وردود الأفعال. يحاول الاستاذ ان يوحي للقاريء انه لا فرق بين البنك الربوي وبين البنك الاسلامي في تعاملهم بالربا والفائدة بل ان البنك الاسلامي اكثر ربوية من البنك التقليدي. وهذا يذكرني بما قاله لي موظف في احد البنوك المغربية لما سألته عن المنتوجات البديلة les produis alternatifs التي اجازها بنك المغرب في اواخر 2007 . فارشدني الموظف الى القرض التقليدي لان فوائده اقل من فوائد المنتوجات البديلة. ودون الدخول في التفاصيل، يجب ان يعلم ان الفرق بين البنك التقليدي والبنك الاسلامي فرق جوهري، في المبادىء والمنطلقات وفي التطبيقات مثل الفرق بن البيع والربا الذي قال الله تعالى فيه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)سورة البقرة 275 ردا على اهل الجاهلية الذين قال فيهم القرآن الكريم(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا). فالبنك التقليدي ينحصر دوره في المتاجرة بالديون حيث يقوم بالوساطة بين اصحاب رؤوس الاموال والمتمولين من المستثمرين او المستهلكين. فيقترض من المودعين مقابل فائدة ثابتة أو متغيرة ويعيد اقراض اموالهم للمحتاجين الى التمويل من المستثمرين أو المستهلكين بنسبة أعلى ويستفيد البنك من الفرق بين الفائدتين. وقد أجمع الفقهاء المعاصون على ان فوائد البنوك هي الربا الحرام. اما المصارف الاسلامية فإن القوانين المنشئة لها في جميع الدول فتنص على منعها من التعامل بالفائدة أخذا وعطاء . في المقابل تسمح لها القوانين بالتعامل بأساليب وصيغ بديلة مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة والسلم والتورق المنظم وصكوك المقارضة ...كل ذلك تحت رقابة هيئة شرعية. وقد كتبت في تفاصيل هذه الصيغ آلاف الكتب ونوقشت مئات الرسائل الجامعية، ونظمت عشرات الندوات وصدرت بشأنها آلاف الفتاوى الفردية والجماعية، ولو كلف الباحث نفسه عناء القراءة والبحث والتقصي في الموضوع لتجنب الكثير من الأحكام التي اصدرها في حق التجربة المصرفية الإسلامية عموما والبنوك الاسلامية خصوصا. لاجيب الاستاذ مصطفي عن استشكاله شراء سيارة جميلة في سلطنة عمان من بنك اسلامي بفائدة 6.5% أي بزيادة 1% عن أي بنك ربوي. ان العملية التي بموجبها اشترى تلك السيارة تسمى عملية المرابحة للآمر بالشراء: وهي صيغة مطورة من بيع المرابحة المعلوم في الفقه الاسلامي: وتم تطويرها بديلا عن الفائدة التقليدية ولتتلاءم مع الدور الاقتصادي والتمويلي للبنوك في الاقتصاد المعاصر. وبيع المرابحة من بيوع الأمانة وهو ان يكشف البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحا معلوما منذ بداية العقد، ويمكن ان يكون هذا البيع حالا او بالتقسيط الى أجل. اما صيغة المرابحة للآمر بالشراء فهي أن يقصد المشتري المؤسسة المصرفية فيقدم لها طلبا يسمى أمرا بشراء سلعة بمواصفات معينة، يتعهد فيه انه متى ما اشترى المصرف السلعة فان الزبون الآمر بالشراء سوف يشتريها من البنك مرابحة. فيشتري المصرف تلك السلعة بعقد منفصل، ويتحقق له قبضها قبضا حقيقيا أو حكميا وتكون تحت ضمانه. ثم يقوم بعرضها على الآمر بالشراء ليتحقق بذلك الإيجاب والقبول ويتمم بيعها بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم بعقد آخر غير العقد الأول وغالبا ما يتم دفع ثمن السلعة من طرف الآمر بالشراء مؤجلا لأجل محدد. وقد أٌقر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6جمادي الأولى 1409ه/،1إلى 15كانون الأول (ديسمبر ) 1988م. بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي (الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء ) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما. أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعه الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه. ونسبة 6.5 في المائة التي لم يفهم الاستاذ معناها هي نسبة من الربح وزيادة مقابل الاجل. فقد أجمع جمهور العلماء من الفقهاء الأربعة على جواز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال. والفرق الذي لم يدركه الاستاذ بين الفائدة الربوية التقليدية وبين المرابحة للآمر بالشراء هو أن الثمن الاجمالي للسلعة المكون من الثمن الأصلي والربح والزيادة مقابل الأجل يكون معروفا منذ البداية فيقسم على اقساط لمدة محددة. بينما في الحالة التقليدية فان المشتري يأخذ مع البنك قرضا الى أجل مقابل فائدة تابثة او متغيرة ، ثم يؤدي ثمن السلعة كاملا للبائع، ويقتطع البنك اقساطا القرض مقابل فوائد الأجل. وينص العقد على أنه متى عجز المقترض عن أداء الأقساط فيترتب عليه اداء غرمات للبنك، فإن عجز عن الأداء يحق للبنك أن يصادر السلعة ويطالب المقترض بالتعويضات. أما في المصارف الإسلامية فلا يجوز شرعاً كما قرر ذلك مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23شعبان 1410ه الموافق 14-20 آذار (مارس ) 1990م في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة. وينص القرار ايضا على أنه إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم. مما سبق يتبين ان الفرق بين المعاملات الربوية التقليدية والمعاملات المصرفية الاسلامية كافرق بين البيع والربا. وهو الفرق بين الشراء والسرقة او بين الزنا والزواج. ومعلوم انه في الشريعة الاسلامية يمكن ان تكون كلمة واحدة فرقا بين الحلال والحرام. وقديما قالوا : لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف . وللموضوع تفاصيل كثير لا يمكن ان يستوعبها مقال . بل هو تخصص دقيق يدرس في عرق الجامعات في العالم الإسلامي وخارجه. والله المستعان *أستاذ الفكر الاسلامي كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر أكادير