قرأت الحوار الذي دار بين الأخت مايسة سلامة حول مقالها : "أيها المسلمون: الربا حرام حرام حرام". وبين المهندس معاذ بوثور قنديل التي ناقش بعض مغالطاتها من وجهة نظره. لن أعيد الحديث عن حرمة الربا بعد ان كان موضوع اتفاق بينهما ، إلا أنني اريد ان أناقش بعض المغالطات من الطرفين : تقول الأخت مايسة : " هناك من العلماء من أفتى بشراء البيت من البنك مباشرة، بعد أن يشتري البنك البيت من صاحب البيت، فيبع البنك البيت بثمن أكثر وبهذا لا تسمى أرباحه فوائد وإنما يكون البيع والشراء حلالا طيبا. وهذا يتم إن ذهب المشتري مباشرة إلى البنك وسأله عن ثمن البيت، وحدد المشتري بينه وبين البنك الثمن والأقساط ومدة الدفع.أما أن يذهب المشتري عند صاحب البيت ويسأل عن الثمن، ثم يذهب إلى البنك ويطلب منهم شراء البيت بأكثر من ثمنه، ثم يعيد شراءه هو من عند البنك ليسمي هذا بيعا حلالا، فهذا هو التلاعب بالدين .... وكلامها صحيح في محله ، إلا أن المهندس معاذ يغالطها فيرد عليها بقوله : فأرد عليها بدليل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فعن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إلى النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((مِن أَيْنَ هَذَا؟)) قَالَ بِلاَلٌ: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم عِنْدَ ذلِكَ: ((أَوَّهْ، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، ولَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِع التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)). والاستدلال بهذا الحديث في غير محله ؛ لأن موضوع الحديث ، عدم جواز مبادلة نوع بمثله ، مع الزيادة وسيأتي تفصيله . ثم يسترسل في الحديث فيقول : فعقود المرابحة لا تجوز في المال والذهب والفضة لأنها تكون في هده الحالة ربا، وتجوز في باقي السلع الغير المالية. فمن قال بأن عقود المرابحة خاصة بالسلع غير المالية ؟ وهذه مغالطة اخرى . لتأتي الأخت مايسة في " رد على رد " لتشرح هذا الحديث فتقول : قديما لم يكن التعامل بالمال، إنما كان التعامل بالسلعة مقابل السلعة . وشراء السلعة بنفسها حرام وهو ربا، فلا بد وأن المشتري سيستبدل السلعة بأقل منها جودة أو أكثر منها جودة وواحد بين البائع والمشتري سيكون الخسران. وهذه مغالطة في شرح هذا الحديث من وجهت نظري كمتخصص في الشريعة الإسلامية والقضايا الفقهية المعاصرة ، اقول : شراء البيت من البنك له صورتان : الأولى ان يكون البيع تم بين البنك وصاحب المنزل وصار البنك مالكا للمنزل ، ثم جاء طرف ثالث واشترى البيت من البنك سواء كان بالتقسيط أو بأكثر من الثمن الأول فالبيع صحيح ، ويسمى بيع المرابحة . الصورة الثانية : أن تتم عملية البيع بين المشتري وصاحب المنزل والبنك يدفع الثمن لصاحب المنزل ثم يسجله على المشتري بأزيد من الثمن الذي دفعه لصاحب المنزل ، وهذه الصورة لا تجوز شرعا ؛ لأنه قرض جر نفعا . اما في ما يخص شراء السلعة بنفسها وذكرت الأخت مايسة انها حرام ، اذكر حديثا ((عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ)) البرُ هو القمح وهاء وهاء أي يقول كل واحد من المتبايعين للآخر هاء فيعطيه ما في يده يداً بيد، يعني المقابضة في المجلس، هات وهات المقابضة في مجلس واحد يداً بيد ، بمعنى انه يجوز بيع سلعة بسلعة بشرطين : الأول المساواة ، والثاني التقابض ، في حالة إذا اتفقت هذه الأصناف ، اما إذا اختلفت فيجوز التفاضل كما إذا بيع صنف بصنف آخر، وليس الصنفان من نوع واحد كالقمح بالشعير جاز التفاضل، كبيع التفاح بالعنب والقمح بالشعير والذهب بالفضة بأن يكون أحدهما أكثر من الآخر ، ( كيلو باثنين كلو) لكن حرم النّساء أي التأجيل بل يجب أن يقبض كل فريق من الآخر في المجلس ويوضح ذلك حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ . والحديث ايضا صريح في جواز بيع المرابحة في الذهب والفضة بشرطه ، خلافا لما زعمه الأخ المهندس . والله الموفق للصواب. *طالب مغربي خريج كلية الشريعة بجامعة الأزهر [email protected]