عدد الدكتور محمد طلال لحلو، المدرب في الاقتصاد الإسلامي والمالية التشاركية ورئيس فرع الرباط للجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، جملة من الملاحظات التقنية والتنظيمية حول الأبناك التشاركية، معتبرا أنها تسائل شرعية معاملاتها المقدمة للزبناء، مثمنا الجهود الكبيرة التي قام بها الفاعلون في الميدان لإخراج تجربة البنوك التشاركية إلى حيز الواقع رغم العراقيل والتعقيدات أمامها. ربح غير مستحق وقال د.لحلو، الحاصل على دكتوراه في الأسواق المالية الإسلامية من جامعة محمد الخامس وماستر في علوم التسيير من ESCP باريس ومن ASTON ببرمنجهام، في تصريح لجريدة بيان اليوم، إن البنك التشاركي يستثمر أموال الودائع الاستثمارية وأموال الوكالة بالاستثمار في الوعاء الإجمالي المختلط دون اعتبار للمرابحات القديمة أو الجديدة، موضحا في هذا الصدد أن المرابحات الجديدة استثمار حقيقي في تجارة واقعية للعقار والمنقول عن طريق البيع بالمداينة، مضيفا “أما المرابحة القديمة فهي تجارة سابقة ومنتهية لا يمكن الاستثمار بها، فهي اليوم مجرد دين للبنك في ذمة الزبون لا يمكن حوالتها للمستثمر إلا بقيمتها الاسمية دون أي ربح للمستثمر مما يجعل حوالة الدين غير ممكنة”. وأضاف الدكتور لحلو أنه من بين الملاحظات التقنية، أن البنك يوزع الأرباح وفق هذا الوعاء المختلط أو المسمى مجازا الوعاء الموحد، أي بكل بساطة الخلط بين المرابحة القديمة والجديدة، مشددا على أن الربح الناتج عن المرابحة الجديدة منطقي ومعقول، أما ربح المرابحات القديمة فهو غير مستحق بتاتا للمستثمرين الجدد لأنهم لم تستعمل أموالهم نهائيا في هاته المحفظة. بيع العقار قبل تسجيله باسم البنك وفي السياق ذاته، وقف الدكتور الحلو على إشكال شرعي آخر يتجلى في “توقيع عقد بيع المرابحة بين البنك والزبون النهائي الآمر بالشراء في نفس يوم توقيع عقد شراء البنك من المنعش العقاري قبل تسجيل العقار باسم البنك التشاركي في المحافظة واستخراج شهادة الملكية باسم البنك”، مبرزا أن الغرض من عملية عدم التحفيظ القبلي الذي تلجأ له هذه الأبناك هو تفادي خطر تراجع الزبون خلال المدة اللازمة للتحفيظ وقد تتراوح بين أسبوعين إلى أشهر حسب تعقيد الملفات مثل رفع اليد لدى البنك إذا كان العقار موضوع المرابحة مرهونا لبنك آخر، ثم تفادي تحمل كلفة رأس المال وتفويت الفرصة لاستثمار الأموال خلال هاته المدة الفاصلة بين أداء ثمن الشراء من البنك وابتداء الاقتطاع للزبون (فهذه المدة التي تضيع بسبب إجراءات التحفيظ لا يحتسب البنك فيها أية أرباح)، وأيضا الاقتصاد في تكلفة رأس المال في هاته الفترة يخول للبنك تقديم منتج المرابحة بمعدل ربح أقل مما يرفع من تنافسية التمويل واستقطاب أكبر للزبناء. واعتبر الدكتور لحلو أن ما أشار إليه “يخالف ما صرح به الدكتور الروكي، منسق اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، حيث قال بعدم جواز إعادة بيع العقار قبل تسجيله باسم البنك، وجاء ذلك خلال دورة تكوينية ببرشيد الأسبوع الماضي”. عدم إلغاء المواعدة .. معاملة صورية وجاء ضمن ملاحظات الدكتور لحلو أيضا، عدم إلغاء المواعدة الملزمة من الطرفين بالبيع القائم بين البائع الأول والزبون النهائي وعدم إرجاع التسبيق المقدم للزبون من طرف الموثق، وبالتالي فإن ثمن شراء العقار يكون ناقصا منه مبلغ التسبيق، مشيرا أن هذا يتم عوض أن يقوم البنك بفسخ المواعدة السابقة عن طريق الموثق وبدفع الثمن كاملا للبائع الأول غير منقوص منه التسبيق الذي أخذه المنعش من الزبون سابقا، وشدد الدكتور لحلو على أن “هذه المسألة تخالف ما نصت عليه المعايير الشرعية AAOIFI المعتمدة في الصناعة، إذ يتم دخول البنك في معاملة شرع فيها الطرفان مسبقا”. وأبرز الدكتور لحلو أيضا أنه من بين الملاحظات التي تسائل شرعية هذه المعاملات، هي تحمل الزبون لتكلفة دراسة الملف الائتماني للتمويل بالمرابحة، وتحمله لتكلفة الخبرة للعقار موضوع المرابحة “وهو في هذه المرحلة لا علاقة له بضمان العقار، وهذا قد يعزز رأي القائلين بأن المعاملة صورية”. قرض حسن ومن بين الملاحظات أيضا التي وقف عليها الدكتور لحلو، هي إعطاء البنك خصما تفضيليا من هامش الربح على حسب مستويات الودائع الجارية للزبون لدى البنك؛ فيستفيد الزبناء الأغنياء الذين سيقرضون (من خلال ودائعهم) أموالا كثيرة للبنك من خصم تفصيلي إستثنائي لمرابحاتهم، معتبرا أن هذه العملية من قبيل قرض (الوديعة) جر نفعا مشروطا (الخصم) من المقرض (الزبون) إلى المقترض (البنك). وفي نفس السياق، عرج المدرب في الاقتصاد الإسلامي والمالية التشاركية على إعفاء الزبناء الأغنياء فقط دون المتوسطين والضعفاء من مصاريف مسك الحساب بل وكذلك مصاريف العمليات والخدمات بالنظر إلى حجم ودائعهم الجارية التي لديهم عند البنك على سبيل القرض الحسن من الزبون للبنك، مشيرا إلى أنه إذا أقرض الزبون مبالغ كبيرة للبنك أعفاه البنك مقابل ذلك من أداء المصاريف فكان ذلك نفعا كبيرا للزبون مقابل قرضه ودائعه الكبيرة للبنك، إلى جانب إعطاء البنك للزبون تسهيلات الصندوق على سبيل القرض الحسن محدود في مبلغ الدخل أو الأجرة التي يلتزم الزبون إجباريا بتوطينها الدائم عند البنك، مشيرا إلى أن الزبون يلتزم بوضع أمواله عند البنك على سبيل القرض الحسن مقابل استفادته عند الحاجة من قرض حسن مماثل من طرف البنك. وتابع المدرب نفسه، أن إلتزام البنك بأن يؤدي عوضا عن الزبون 7 دراهم عن كل سحب من الشبابيك الأوتوماتيكية لجميع الأبناك بشرط بأن يفتح الزبون حسابه عند البنك (قرض حسن) ويشتري منه البطاقة الإئتمانية (أداة إستيفاء الدين)؛ فكلما سحب زبون هذا البنك أمواله من شبابيك الأبناك يتحمل البنك أداء مصاريف الخدمة 7 دراهم عن كل عملية ولا يأخذ هاته المصاريف من زبونه المستفيد من الخدمة عند الغير بل يعفيه منها ويؤديها البنك بدلا عن الزبون وذلك لأن البنك يستفيد من أموال الزبون الجارية تحت الطلب (قرض حسن) من جهة ويستفيد البنك من مصاريف مسك وتسيير الحساب والعمليات المصرفية الأخرى التي سوف يؤديها الزبون من جهة ثانية. أقرضني أقرضك وكشف الدكتور لحلو أنه من بين الملاحظات الشرعية إجبار البنك التشاركي للزبون على توطين دخله أو أجرته لدى البنك (قرض حسن من الزبون للبنك) كشرط لموافقة البنك على تمويله بالمرابحة حتى يكثر البنك من أرباحه بالنظر إلى إستكماله ودائع الزبون من جهة واستخلاص مصاريف الخدمات من جهة أخرى وكذلك بالنظر إلى الإسراع من اقتطاع الأقساط لدى البنك نفسه عوض انتظار وصول الأقساط من بنك آخر، معتبرا “هذه المسألة راجعة إلى المسألة الفقهية المسماة “أقرضني أقرضك”، مع الخلاف المعروف”. ووقف أيضا على بيع البنك للزبون عدة منتجات وخدمات وإعفاءات لمصاريف مسك الحساب والعمليات في بيعة واحدة مجمعة في باقة بثمن جزافي دون تحديد ثمن كل منتج أو خدمة على حدة، وبغض النظر إن كان يستعمل الزبون كل هاته المنتجات والخدمات أم لا، موضحا أن البنك يجمع عدة بيوع في بيعة واحدة بثمن جزافي موحد وإن كان الزبون لا يحتاجها كاملة، وقد يؤول هذا إلى بيع الغرر المحظور، حسب الدكتور نفسه. التورق المنظم وجاء في ملاحظات الدكتور نفسه، إمضاء عقد المرابحة على السلع الأولية ومواد البناء قبل تعيينها وقبل معاينتها وقبل تسليمها للبنك؛ فيقوم البنك بإمضاء الطلبية مع المورد ثم يمضي مباشرة عقد المرابحة مع الزبون دون أي إجراء للتأكد من أن السلعة حقيقية وموجودة فعلا وحاضرة قبليا عند المورد، معتبرا أن هذا الإجراء التطبيقي يسمح مباشرة بالممارسة الفعلية للتورق المنظم الذي حضرته لجنة الشريعة. والمشكل هنا حسب د.لحلو في عدم التعيين، الذي به تتميز السلعة ومن ثم ضمان ومسؤولية صاحبها عنها، في حال هلاكها قبل إعادة بيعها. ملاحظات تنظيمية هذا، ومن جهة أخرى حصر الدكتور لحو الملاحظات التنظيمية حول الأبناك التشاركية، بعد سنتين منذ انطلاقها بالمغرب، في عدم نشر المجلس العلمي لمستندات فتاويه، عدم تحديد العرف الذي يرجع إليه هل العرف القانوني أم العرف المجتمعي أم العرف الفقهي، وقد يتعارضون. وتابع الدكتور في الصدد ذاته، أن غياب التدقيق الذي يتلو الفتوى من المجلس العلمي يفتح أبوابا واسعة للاجتهاد والاختلاف والمخالفة للبنوك، إضافة إلى بحث البنوك عن عقود تؤول إلى عمليات بلا أي مخاطرة ولو على حساب المعايير الشرعية، ثم غياب فتوى بخصوص عملية أقرضني أقرضك. واستغرب د.لحلو عدم تخفيض البنوك أثمنتها في الوقت الذي تشتكي فيه قلة الزبائن، مشيرا إلى عدم الوضوح بخصوص الحكم الشرعي حول إيداع الناس أموالهم في “بنوك ربوية”، ثم عدم دخول البنوك التشاركية في الاقتصاد الناتج للقيمة المضافة المباشرة من خلال العمل المقاولاتي والإبداع، والاكتفاء بالعقار والديون. ودعا د.لحلو الفاعلين بعدم نسخ أخطاء التجارب الدولية العديدة في ميدان المالية الإسلامية، والتركيز على تغيير جوهري في تصور البنوك التشاركية على أنها “الوسيط المالي” غير المنتج، وتغييره بتصور مطابق لمقاصد الشريعة، كفاعل اقتصادي حقيقي “تاجر ومستثمر”، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية دمج المكونات الأخرى للاقتصاد الإسلامي ومنها الزكاة والوقف والتكافل والأسواق المالية الإسلامية بصكوك شرعية وغير صورية.