يوم 24 غشت الجاري – وفي (موقع اليوم 24) الإلكتروني – قرات خبرا لطيفا ومبشرا، ويستحق التحية والتهنئة، أعده الإعلامي الأستاذ بوجمعة الكرمون، بعنوان "سابقة.. دواوير جماعة ببولمان تقرّ قانونا للعزاء". يقول محرر المادة الصحفية: "في سابقة هي الأولى من نوعها، عمد سكان دواوير (أي: قُرى) بجماعة المرس في بولمان، إلى إقرار قانون عرفي يتعلق بواجب العزاء بتراب الجماعة. وحسب محضر اجتماع صاغته ثلة من ممثلي الساكنة، فإن هذا القانون العرفي يستند إلى تقاليد المنطقة، بما يخدم أواصر الترابط والتلاحم بين الأفراد، سواء في السراء أو الضراء. وشدّد محضر الاجتماع على ضرورة تجنب تناول الطعام ببيت الميت، تجسيدا لاحترام حقوق المتوفى وأهله، والاكتفاء بتقديم واجب العزاء عند الدفن، وفي بيت الميت عند الضرورة، دون تقديم التعزية ببيوت أهله وأقاربه. كما تضمن الاتفاق مجموعة من البنود تروم في العمق تجديد ثقافة القبيلة، بما ينسجم وما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله، وفي إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن تحميل أهل الميت إطعام من يقدمون العزاء، فيه تكليف لهم، ما استوجب إسقاط هذه العادة من مراسيم العزاء". انتهى الخبر. هذا التدبير الإصلاحي الحكيم الذي قرره السكان والأعيان في بعض القرى المغربية، يشير إلى واحدة من المعضلات العويصة المسكوت عنها في مجتمعاتنا؛ وهي أن الجنائز والتعازي تحولت تدريجيا إلى مصيبة مزدوجة – أو مصيبتين اثنتين – على أهل الميت: مصيبة فقدان الميت العزيز، ومصيبة تكاليف الجنازة والعزاء.. حتى إن بعض الجنائز أصبحت تكلف من النفقات والولائم والخدمات والمشاق ما يضاهي حفلات الزفاف! ومعلوم أن ذلك كله مضاد تماما لهدي الإسلام في هذا الباب، وهادم للمقاصد الأصلية للجنازة والتعزية. وهذه المعضلة الاجتماعية ليست خاصة بالمغرب، بل رأيتها وسمعت عنها في دول المشرق العربي ما هو أضعافٌ مضاعفة من الآصار والأعباء.. كما أن هذه العادات والأعراف الثقيلة المرهقة في الجنائز والتعازي، لها نظائر مماثلة – أو أسوأ – في مجالات أخرى من الحياة الاجتماعية للمجتمعات الإسلامية، ومنها ما يتعلق بالزواج وبناء الأسرة. نحن عادة نتحدث عن العوائق والتعقيدات القانونية والإدارية التي أصبحت تعرقل الزواج، ولكن لا نتحدث عن العوائق والتعقيدات الاجتماعية الشعبية الذاتية؛ مثل التغالي في المهور، والتباهي والإسراف في حفلات الزفاف، وفي تجهيز بيت الزوجية.. ومن الكوارث التي تعاني منها بعض المجتمعات العربية، وخاصة في الجزيرة العربية، تلك الشروط والمعايير القبلية والعشائرية والطبقية في قبول تزويج البنات. وهي شروط ومعايير – للأسف – قد أُلبست لبوسا دينيا وفقهيا، عبر ما يسمى "شرط الكفاءة".. وهو شرط مضخَّم وضاربُ الأطناب في بعض المذاهب الفقهية، مع أنه ليس سوى ثقافة قبلية، هي أقرب إلى الجاهلية منها إلى الإسلام.. ونحن اليوم نجد كثيرا من الدعاة والعلماء والجماعات الإسلامية، مشتبكين بقوة مع الدعوات والتشريعات الهدامة للأسرة أو المعيقة للزواج، باعتبارها دعوات وتشريعات علمانية ودخيلة ومنافية للإسلام، ولكننا نجدهم يتساكنون ويتعايشون ويتأقلمون مع عادات وأعراف مجتمعية ما أنزل الله بها من سلطان، وهي لا تقل ضررا وخطرا على الزواج والأسرة ومقاصدهما الشرعية.. ومجتمعاتنا تعج بالعشرات من مثل هذه المعضلات الاجتماعية التي لا يجوز الاستمرار في السكوت عنها والتساهل معها..