لعلك سمعت صياح النباتيين من اللادينيين أو الملاحدة أو حتى من التطوريين ممن هم على دين كعادتهم جميعا في كل عام بمناسبة عيد الأضحى، يصفون ذبح الأضاحي بالوحشية والبعد عن أخلاق الإنسانية. ومن كان على الإسلام منهم يصطدم بالنصوص الدينية التي تبيح أكلها وتأمر بأداء شعيرتها، لأنها تتعارض مع مفاهيم الإنسانية العلمانية التي ترفض ربط الأخلاق بالنصوص الدينية، وتعتبر أن خُلق الإنسان هو تطور طبيعي نتج مع تطوره من بيئة الحيوانات للمحافظة على نوعه. وهو موضوع خلافي بين أبرز منظري الإلحاد، مثل ريتشارد دوكنز ودانيل دينت وسام هارس، لكنهم جميعا يتفقون أن الأخلاق لا علاقة لها بالدين والإله. فيصبح مطلب هؤلاء ممن يفترض أنهم على ديننا تقديم حجج أخلاقية تدعم ذبح الأنعام وأكلها أو الإنتهاء عن ذلك! يسهل على الملحد أو العلماني الأعجمي أن يفصل الأخلاق عن الله تعالى أو دينه، لأن كلمة moral أو morality بالإنجليزية أصلها من الكلمة اللاتينية mos-more أو moralis (الجمع) وهي كلمة تشير إلى حسن التصرف المجتمعي حسب علم أصول الكلمات. فهي صفة بحد ذاتها، وضدها immoral وتشير إلى سوء التصرف وهي أيضا صفة. لكن كيف يستطيع المسلم العلماني أن يقر بفصل الأخلاق عن الخالق ومصدر الكلمتين وأصلهما واحد (خلق)؟ أحدهما يشير إلى ظاهر الشكل ويراه البصر، والآخر يدل على باطنه وتراه البصيرة. كما أن كلمة الأخلاق ليست صفة تشير بحد ذاتها لما هو محمود أو مذموم إلا لو ارتبطت بما يصف الأخلاق، مثلا حَسن الخلق، سيء الخلق، كريم الخلق، دنيء الخلق.. وهكذا. لذلك ترجمة morals للعربية بكلمة الأخلاق ليست دقيقة، إذ لا معنى لما يتداول من نفي الخُلق (لا أخلاقي – غير أخلاقي) مثلما تكتب بالإنجليزية كصفة مباشرة كسوء الخلق. فهناك دائما خُلق بادر من الإنسان اجتماعيا. ولا معنى لوجود خُلق إنساني دون تخليق للنفس. الخُلق اصطلاحا هو عبارة عن هيئة داخلية وحال للنفس يصدر منها الأفعال والسجايا بخيرها وشرها. والإنسان هو من ينمي جانب على الجانب الآخر، فيصبح معروفا بأحدهما دون الآخر، ومسؤولا عن ذلك في الدنيا والآخرة. فعندما تكون الكلمة نفسها التي تعبر عن الأخلاق الحميدة باللغة الإنجليزية لا علاقة لها لغة بالخلق وتشير لطبائع بشرية جيدة، يمكنهم أن يضعوا فرضيات جدلية بشأن اكتسابها عبر تحضّر الإنسان مثلا. لكن عندما يأتي النص القرآني وينص بشكل صريح أن الخالق عز وجل هو من ألهم النفس البشرية وفهمها فجورها وتقواها دون تعليم أو اختبار، فكيف بعد كل هذا يتبع أولئك العرب فرضيات الملحدين الأعاجم؟ ويغلّبون لغة بسيطة التركيب على لغتهم السامية؟ ولو أنهم تعمقوا في معاني كلمات القرآن ودلالاتها دون أن تبهرهم حضارة الغرب وبهرجة الخواجات، لكان ذلك خيرا لهم من دعواتهم وأسبابها اللامنطقية.