-2- "القضايا التي وردت فيها نصوص قطعية، فهي بذلك ثوابت وجب تحصينها من أي إلغاء أو تبديل" وأعرض من أكثرها إثارة اليوم ثلاث قضايا: – أولا: قضية الإرث: لقد وردت في الشرع نصوص قطعية بإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في حالات أربع: الأبناء والبنات وإن سفلوا، والأبوان عند انفرادهما بالميراث، والإخوة مع الأخوات الأشقاء أو لأب، والزوجان، والنص القطعي لا يقبل الاجتهاد والتأويل بحال؛ سواء ظهرت الحكمة منه أم خفيت، قال الله تعالى في سورة يونس، الآية 15: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. والذين يطالبون بالمساواة في الإرث، يريدون أن يضعوا من تلقاء أنفسهم نظاما آخر غير الذي وضعه الباري تعالى، على أساس المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى في جميع الحالات، بدعوى عمل المرأة خارج البيت، وورود تحملها لأعباء النفقة، غافلين عن حقيقة أن المساواة التي يطالبون بها ظلم في الجوهر والحقيقة وإن بدت في الظاهر والسطح عدلا، والدليل على بطلان ما يتوهمون من وجوه، منها: – فهم ينظرون إلى الحالات التي جعل فيه الشرع نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى بمعزل عن الحالات الأخرى التي تشكل نظاما متكاملا للإرث في شريعة رب العالمين؛ حيث ترث المرأة في حالات مثل ما يرث الرجل، وترث في أخرى فوق ما يرث الرجل. – ثم إنهم ينظرون لنظام الإرث بنظرة جزئية في معزل عن الأنظمة الأخرى المتعلقة بالنفقات والتصرفات المالية عموما كالهبات والوصايا وغيرها، ولو نظروا إلى نظام الإرث في سياق كلي ترابطي في علاقته بالتشريعات الأخرى، لبان لهم وجه العدل والميزان في شريعة الحكيم المنان. – كما أنهم يغفلون أو يتغافلون عن اعتبار أصل معتمد في شريعة رب العالمين؛ وهو أن المرأة تستقل بذمتها المالية، ولا تجب عليها النفقة، بل تجب لها زوجة، وأما، وبنتا.. وهل قوامة الرجل عليها إلا تكليف برعايتها وحمايتها في جميع الأحوال، مكارمة لا مشاححة؟! تلك وجوه، وغيرها مما يعلم وما لا يعلم، الله أعلم به، وفيما علم إلماع على أن هناك نظاما متكاملا للمواريث في شريعة العليم الخبيريقصد في نهاية المطاف إلى تحقيق مقصد العدل في الحياة، ليس بالضرورة عن طريق المساواة المطلقة وفي كل شيء؛ فإن المساواة المطلقة -أي: في كل الأمور- لا تعدو مفسدة مطلقة. وفي ختام موجز هذه المسألةنقول لمن يطالبون بالمساواة في الإرث فيما قضى الله ورسوله بالعدل فيه لا المساواة:{لا يضل ربي ولا ينسى}،{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}،{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد}، والآيات في هذا المعنى كثيرة لمن شاء أن يعتبر ويتواضع لرب العالمين، قبل أن يأتي يوم المثول بين يديه عز وجل للحساب، حيث الميراث الحقيقي حينئذ هو المتضمن في قوله تعالى: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردا}سورة مريم. – تعدد الزوجات: إن المطالبة بمنع تعدد الزوجات بإطلاق مصادمة صريحة للنص القطعي بإباحة التعدد المشروط بالعدل في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُم أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا} سورة النساء. حيث تفيد الآية بطريق العبارة الأحكام التالية: – إباحة التعدد في حدود أربع زوجات بشرط تحقيق العدل بينهن. – وجوب الاقتصار على زوجة واحدة عند خوف الظلم وعدم استيفاء العدل،وذلك فيما للإنسان سلطان عليه كالنفقات والحقوق الظاهرة، أما المشاعر فلا يطلب من المكلف استيفاء العدل فيها، ولا يدخل تحت مقدوره، وهو مدلول قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} سورة النساء. لقد دل النص الشرعي إذن على أن حكم التعدد هو الإباحة، والمباحات في الشرعيات كما في العاديات يطلب تقييدها متى دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك، عملا بقاعدة: "الضرورات تقيد المباحات"، والحال أن المدونة الحالية قيدت إباحة التعدد بجملة قيود صارمة، بحيث اشترطت في قبول طلب التعدد الإدلاء بالمبرر الموضوعي الاستثنائي، ومنعت التعدد إذا لم تتوفر شروط العدل بين الزوجات، كأن لا تكون لطالب التعدد الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، وضمان جميع حقوقهما الظاهرة بالمساواة، كما يمنع في حالة وجود شرط في عقد الزواج من الزوجة بعدم التزوج عليها. أليست هذه القيود كافية وزيادة للحيلولة دون استعمال حكم إباحة التعدد في غير ما شرع له؟ أما المنع أو الإلغاء المطلق، ففضلا عن كونه يصادم النص القطعي، فإنه بمثابة إلغاء نافذة الإغاثة في القطار أو الحافلة، ستظهر خطورته وعدم صوابيته عندما تتعين الحاجة إليه، كأن تصاب الزوجة بمرض مزمن يحول دون قدرتها على القيام بوظيفتها الزوجية مثلا، أوفي حالة عدم قدرتها على الإنجاب، أو ما إلى ذلك. كما أن منع التعدد بإطلاق سيؤدي قطعا إلى كثرة الخيانة الزوجية التي لا ضابط لها، ومنطق العقل والحكمة يقول: تعدد الحلائل خير من تعدد الخلائل. إذا أضفنا إلى ذلك أن نسبة التعدد في مجتمعنا نسبة ضئيلة جدا، لا تتجاوز 0,7 بالمائة، ثم إن أغلب الشباب في سن الزواج ليست لديهم الباءة المادية للزواج بواحدة، وتحمل مسؤولية الأسرة الواحدة، لدرجة أن نسبة العزوف عن الزواج بالكلية في تصاعد مقلق، تأكد لنا بالملموس أن هذه القضية قضية مفتعلة لإرضاء مزاج الغرب، ومصادمة شرع الرب – وليست قضية حقيقية ولا واقعية. – العلاقة الرضائية خارج إطار الزواج: هذا الفعل الذي يعبرون عنه بالعلاقة الرضائية يعد فعلا غير مشروع ديانة وقضاء، لورود النص الشرعي القطعي بتحريم هذه العلاقة: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}، ولورود النص القانوني صريحا بعدم الاعتراف بهذه العلاقة غير الشرعية؛ فالفصل 32 من الدستور ينص على ما يلي: "الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع"، وعليه فإن المطالبة بعدم تجريم العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج فضلا عن مصادمتها للنص الشرعي الصريح، ستؤدي إلى ارتفاع نسبة الأبناء غير الشرعيين بشكل مهول في المجتمع، وما يتبع ذلك من ظواهر التشرد والإجرام والإقبال على المخدرات وغيرها من المفاسد المترتبة عن إسلاس القياد للأهواء بلا حسيب ولا رقيب. فيا ليت قومي يعلمون!!