المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات من المنهج النبوي في تعليم الشباب
نشر في هوية بريس يوم 13 - 10 - 2021

تترقى الأمم في درجات التميز والتفوق، بقدر ما يُعتنى بتعليم أبنائها ما ينفعهم وينفع أمتهم. وهو مشروع ينطلق من صميم مسؤولية الآباء والأمهات عن أبنائهم، وأنهم مسؤولون يوم القيامة عن حسن تربيتهم، وسلامة توجيههم، مع استحضار الأسس الشرعية في التربية، التي وجدنا لها أصولا راسخة في كتاب الله تعالى ، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي خاطب أولياء الأمور بقوله: ".. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ.." متفق عليه.
يقول ابن القيم رحمه الله : "أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وتركِ تعليمهم فرائضَ الدين وسنَنَه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كباراً".
وقد أبرزت إحدى الدراسات هذه علاقة الأبناء بالآباء بالأرقام، حيث تبين أن 74% من المشاركين من الأبناء، يصفون علاقتهم بآبائهم بأنها متوترة أو متذبذبة، وصرح بعضهم أن 30% من آبائهم متشددون، و30% منهم مزاجيون، أما الأب المربي الحكيم، فلم يحظ بأكثر من 17%. وأجاب الآباء بأن 90% من أبنائهم يرغبون في الاستقلال عنهم.
وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا * على ما كان عوَّدَه أبوه
قال ابن جرير رحمه الله : "إن وقاية الأبناء تكون بتعليمهم الدين، والخير، وما لا يُستغنى عنه من الأدب". فمبادئ الدين هي العصمة من الزلل، والوقاية من الخَطَل.
وكلُّ كَسرٍ فإنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ * وما لِكَسْرِ قَناةِ الدِّين جَبرانُ
ولقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربية صغار الصحابة يبدأ بتعليم أمور العقيدة أولا:
فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (جمع حَزْوَر، وهو الغلام إذا اشتد وقوي)، فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" صحيح سنن ابن ماجة. فتعليم الإيمان يقتضي تعليم العقيدة الصحيحة، فَيُعَرَّف الطفل بربه، وما أوجبه على المكلفين من الأحكام والتكاليف، ويُعَرَّف بنبيه، وما يستوجبه من توقير وتقدير. فإذا تعلم القرآن بعد ذلك، زاده إيمانا.
وكان يعلمهم من الأدعية النافعة ما اشتمل على التعلق بالرب سبحانه ، والتوكل عليه، كتعليمه صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما دعاء القنوت بحمولته العقدية والتعبدية. قَالَ الحسن رضي الله عنه:ٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" صحيح سنن أبي داود. وهو دعاء يتضمن تعظيم الله تعالى ، والثناء عليه، والالتجاء إليه عند الملمات، والاعتراف بأنه صاحب الفضل، وأنه إليه الخير كله.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنَ" صحيح مسلم. والتشهد كله توحيد، ومحامد، وصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولم يقتصر تعليمهم على تعظيم الرب جل جلاله، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، بل انصب أيضا على ترسيخ قضايا الغيب في النفوس، مثل الجنة، والنار، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة البرزخ.
يقول ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما : كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ" صحيح سنن ابن ماجة.
وعن عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ.. الحديث". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو، أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ" رواه أحمد.
واجتمعت الأدعية المذكورة في كونها دورية تقال في مناسباتها التي خصصت لها، كالصباح، والمساء، وعند النوم، وفي التشهد، زيادة في ربط المتعلم بربه في كل وقت.
حَرِّض بنيكَ عَلى الآدابِ في الصِغَرِ * كَيما تَقَرَّ بِهِم عَيناكَ في الكِبَرِ
ويُعَلَّم الصبي مع ذلك قصار سور القرآن الكريم، وعلى رأسها سورة الفاتحة، لما تتضمنه من أنواع التوحيد، والدعاء بالصلاح والسير على الصراط المستقيم. فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: (اسْتَجِيبُوا لِله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ)؟" ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟". قَالَ: (الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ" صحيح البخاري.
وبعد الفاتحة، يعلم المعوذتين، ففضلهما كبير. فعن ابْنِ عَابِسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟". قُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)" صحيح سنن النسائي.
وفي باب العبادة، يجب أن يشب الطفل على تعلم الصلاة أولا، فهي مفتاح أبواب الخير.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحضر معه الحسن والحسين الصلاة وهما صغيران.
وقال الأمام النخعي: "كانوا يعلمون الصبيان الصلاة عند سقوط أسنانهم الرواضع".
وقال إبراهيم بن وكيع: "كان أبي يصلي، فلا يبقى في دارنا أحدٌ إلا صلى".
وقال إبراهيم بن شماس: "كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام، يحيي الليل". (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
وكان من خصوصيات هذا المنهج، إحضارُ الصغار مجالسَ الكبار، وهو ما يستنكف عنه بعض الآباء، ولا يرونه من كمال الأدب مع هذه المجالس، مع أن مخالطة الصغار للكبار، واستئناسهم بحواراتهم وحكمهم وتجاربهم، قد يفصح عن مكنون ذكائهم ونجابتهم، مما يكون كفيلا بتسريع وتيرة التعلم لديهم.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ (ابن عباس)، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "إِنْ أَذِنْتَ لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءِ". فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَالله، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا" متفق عليه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلاَ تَحُتُّ (لا تُسقِط) وَرَقَهَا". فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النَّخْلَةُ". فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي، قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (أي: من الأموال). متفق عليه.
ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناءٌ مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم" صحيح البخاري.
وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حَلْقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغارُ قومٍ يُوشِكُ أن يكونوا كبارَ قوم، وقد كنتم صغار قوم، فأنتم اليوم كبار قوم".
ومن ضوابط هذا المنهج، الانفتاحُ على الشباب بالنصيحة والوصية في الخير، وعدمُ التواني في بيان الحق لهم، وإرشادِهم إلى ما فيه نفعهم، ولا خير في قوم لا يتواصون بينهم، ولا يتناصحون، والله تعالى يمدح عباده المؤمنين بقوله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ). قال في البحر: "أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الإيمان والطاعات، وعن المعاصي". وقال صلى الله عليه وسلم:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ" مسلم. وقال جَرِير رضي الله عنه: "بَايَعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.
والناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجدها ملأى بالنصائح الثمينة، والوصايا الغالية. يقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ : لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" صحيح سنن أبي داود. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: "أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك" صحيح الجامع. وقال لرجل: "أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَكُونَ لَعَّاناً" صحيح الجامع. وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي. فقَالَ له صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ (مكان عال)". فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: "اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ" صحيح سنن الترمذي.. وهكذا حياة المسلمين، نصيحةٌ، ووصية، وموعظة، وإرشاد، وتوجيه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإبراز للأخطاء والهفوات، وتصحيح للمواقف والأفكار.. وكل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والأسلوب السهل اللين، الذي يجد طريقه إلى القلوب قبل الآذان.
وتسجل لنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك مواقف بليغة:
فعن عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى الله. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِله، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ.." متفق عليه. قال البيضاوي: " أنكر عليهم التسليم على الله تعالى ، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال".
حتى بالنسبة للنصائح الغذائية، وما يصلح للجسم من الطعام والشراب، مما صار هاجس البشرية هذه الأيام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه على طابق من الأسلوب الحكيم. فعَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلِيٌّ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ (عنقود التمر)، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: "مَهْ مَهْ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ نَاقِهٌ (من شفي مِن مرض قريب)". فَجَلَسَ عَلِيٌّ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا (السلق: نبات مثل الخُبيزَى)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَلِيُّ، مِنْ هَذَا فَأَصِبْ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ" صحيح سنن الترمذي.
وما كل ذي نُصْحٍ بِمُؤتيكَ نُصْحَهِ * وما كل مُؤْتٍ نُصحَهُ بِلَبِيبِ
ولكنْ إذا ما اسْتُجْمِعَا عِنْدَ واحِدٍ * فَحُقَّ لَهُ مِنْ طاعَةٍ بِنَصِيبِ
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلك في باب التعليم ما يوحي بشديد اهتمامه بالمتعلم، وأنه في قلب انشغالاته وهمومه.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ" مسلم.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: "اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ" صحيح سنن الترمذي.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترجم هذا الاهتمام بالإقبال على المتعلم بكلامه ووجهه، كما حكى لنا ذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه حين قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه على أشرِّ القومِ، يتألَّفُهُمْ بذلك، فكان يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه عليَّ، حتى ظننتُ أني خيرُ القومِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو أبو بكرٍ؟ قال: أبو بكرٍ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عمرُ؟ فقال: عمرُ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عثمانُ؟ قال: عثمانُ. فلما سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فصدَقَنِي، فلوددتُ أني لم أكن سألتُه" مختصر الشمائل. (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.