ماركو روبيو: واشنطن تعترف بسيادة المغرب على الصحراء ومقترح المغرب الأساس الوحيد لحل عادل ودائم (تغريدة)    مُبادرةُ المعارضة .. ومَكْرُ الحكومة    الذهب يرتفع أكثر من 1% بفعل مخاوف الرسوم الجمركية        بمشاركة 70 بلدا و1500 عارض.. المعرض الدولي للفلاحة بمكناس ما بين 21 و27 أبريل يتوقع أكثر من مليون زائر    النفط يواصل التراجع مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا    المغرب في قائمة أكبر مستوردي زيت الزيتون من إسانيا    خبراء يرصدون ارتفاع "أسهم الحرب" بين الجزائر ودول الساحل    "العدل الدولية" تنظر اليوم في شكوى السودان ضد الإمارات بتهمة "التواطؤ في إبادة جماعية"    ماكرون: فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو    ترامب يٌعلق رسومه الجمركية 90 يوما.. وأسواق البورصات تنتعش    توقيع اتفاقية شراكة بين الجامعة الملكية المغربية للشطرنج والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدرالبيضاء سطات    توقعات الأرصاد الجوية لطقس اليوم الخميس    تراجع أسعار النفط مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين    كيوسك الخميس | نهاية عهد المديريات والمندوبيات الصحية بالمغرب    هشام جيراندو.. من النصب والابتزاز إلى التكهن والتنجيم    بلدية باريس تقاضي مجلس مدينة طنجة بسبب "منازعة على مقبرة"    تأجيل محاكمة النقيب محمد زيان إلى 23 أبريل الجاري        مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    1000 جندي احتياط في سلاح الجو الإسرائيلي يطالبون بوقف الحرب على غزة    محاولة اغتيال غامضة تطال "أمير دي زاد" بفرنسا واتهامات تلاحق أجهزة جزائرية    الجزائر بين مطامح الزعامة وسلوك التصعيد: هل بات دعم الجماعات المتطرفة خيارًا استراتيجيًا؟    الجزائر بين التصعيد مع فرنسا والصمت أمام واشنطن: ازدواجية دبلوماسية تكشف هشاشة الخطاب الرسمي    قراصنة مغاربة ينفذون هجومًا إلكترونيًا نوعيًا على مؤسسة البريد والاتصالات الجزائرية    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى إدريس الأزهر بمناسبة حفل ختان صاحبي السمو الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام    الفاطمي يسأل وزير الفلاحة حول تضارب الأرقام وصمت الوزارة حول لائحة مستوردي الأغنام المستفيدين من الدعم الحكومي    جوني تو: تأثير السينما يلامس المجتمع.. والجنوب يحتاج "توافقا ثقافيا"    "جباروت DZ" ترد على بلاغ CNSS بنشر معطيات قالت إنها تخص المدير العام حسن بوبريك    إقليم الفحص-أنجرة: الموافقة على تحديد مدارات 56 دوارا على مساحة تفوق 1700 هكتار    نهضة بركان إلى نصف نهائي الكونفدرالية على حساب أسيك ميموزا    لقجع: تنظيم كأس العالم يعزز التنمية    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    منع جماهير اتحاد طنجة من حضور ديربي الشمال بتطوان    الدكتورة نعيمة الواجيدي تناقش أطروحة الدكتوراه للباحثة ثروية أسعدي    جيد يقود الطاقم التحكيمي للديربي    موقع الشباب في السياسات الثقافية: قراءة في التحولات والحصيلة    أمريكا وسيادة المغرب على الصحراء: الانتقال من التزام خاص إلى اعتماده خُطةَ عمل دولية في الملف !    تأكيد الولايات المتحدة لمغربية الصحراء يثير تفاعلا واسعا في الإعلام الدولي    الدولار يتراجع 1,14 بالمائة أمام اليورو    أخبار الساحة    بعد 30 سنة من العطاء.. الدوزي يشارك تجربته الفنية بجامعة هارفارد    المنتخب الوطني المغربي سيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات من المنهج النبوي في تعليم الشباب
نشر في هوية بريس يوم 13 - 10 - 2021

تترقى الأمم في درجات التميز والتفوق، بقدر ما يُعتنى بتعليم أبنائها ما ينفعهم وينفع أمتهم. وهو مشروع ينطلق من صميم مسؤولية الآباء والأمهات عن أبنائهم، وأنهم مسؤولون يوم القيامة عن حسن تربيتهم، وسلامة توجيههم، مع استحضار الأسس الشرعية في التربية، التي وجدنا لها أصولا راسخة في كتاب الله تعالى ، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي خاطب أولياء الأمور بقوله: ".. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ.." متفق عليه.
يقول ابن القيم رحمه الله : "أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وتركِ تعليمهم فرائضَ الدين وسنَنَه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كباراً".
وقد أبرزت إحدى الدراسات هذه علاقة الأبناء بالآباء بالأرقام، حيث تبين أن 74% من المشاركين من الأبناء، يصفون علاقتهم بآبائهم بأنها متوترة أو متذبذبة، وصرح بعضهم أن 30% من آبائهم متشددون، و30% منهم مزاجيون، أما الأب المربي الحكيم، فلم يحظ بأكثر من 17%. وأجاب الآباء بأن 90% من أبنائهم يرغبون في الاستقلال عنهم.
وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا * على ما كان عوَّدَه أبوه
قال ابن جرير رحمه الله : "إن وقاية الأبناء تكون بتعليمهم الدين، والخير، وما لا يُستغنى عنه من الأدب". فمبادئ الدين هي العصمة من الزلل، والوقاية من الخَطَل.
وكلُّ كَسرٍ فإنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ * وما لِكَسْرِ قَناةِ الدِّين جَبرانُ
ولقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربية صغار الصحابة يبدأ بتعليم أمور العقيدة أولا:
فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (جمع حَزْوَر، وهو الغلام إذا اشتد وقوي)، فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" صحيح سنن ابن ماجة. فتعليم الإيمان يقتضي تعليم العقيدة الصحيحة، فَيُعَرَّف الطفل بربه، وما أوجبه على المكلفين من الأحكام والتكاليف، ويُعَرَّف بنبيه، وما يستوجبه من توقير وتقدير. فإذا تعلم القرآن بعد ذلك، زاده إيمانا.
وكان يعلمهم من الأدعية النافعة ما اشتمل على التعلق بالرب سبحانه ، والتوكل عليه، كتعليمه صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما دعاء القنوت بحمولته العقدية والتعبدية. قَالَ الحسن رضي الله عنه:ٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" صحيح سنن أبي داود. وهو دعاء يتضمن تعظيم الله تعالى ، والثناء عليه، والالتجاء إليه عند الملمات، والاعتراف بأنه صاحب الفضل، وأنه إليه الخير كله.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنَ" صحيح مسلم. والتشهد كله توحيد، ومحامد، وصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولم يقتصر تعليمهم على تعظيم الرب جل جلاله، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، بل انصب أيضا على ترسيخ قضايا الغيب في النفوس، مثل الجنة، والنار، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة البرزخ.
يقول ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما : كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ" صحيح سنن ابن ماجة.
وعن عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ.. الحديث". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو، أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ" رواه أحمد.
واجتمعت الأدعية المذكورة في كونها دورية تقال في مناسباتها التي خصصت لها، كالصباح، والمساء، وعند النوم، وفي التشهد، زيادة في ربط المتعلم بربه في كل وقت.
حَرِّض بنيكَ عَلى الآدابِ في الصِغَرِ * كَيما تَقَرَّ بِهِم عَيناكَ في الكِبَرِ
ويُعَلَّم الصبي مع ذلك قصار سور القرآن الكريم، وعلى رأسها سورة الفاتحة، لما تتضمنه من أنواع التوحيد، والدعاء بالصلاح والسير على الصراط المستقيم. فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: (اسْتَجِيبُوا لِله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ)؟" ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟". قَالَ: (الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ" صحيح البخاري.
وبعد الفاتحة، يعلم المعوذتين، ففضلهما كبير. فعن ابْنِ عَابِسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟". قُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)" صحيح سنن النسائي.
وفي باب العبادة، يجب أن يشب الطفل على تعلم الصلاة أولا، فهي مفتاح أبواب الخير.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحضر معه الحسن والحسين الصلاة وهما صغيران.
وقال الأمام النخعي: "كانوا يعلمون الصبيان الصلاة عند سقوط أسنانهم الرواضع".
وقال إبراهيم بن وكيع: "كان أبي يصلي، فلا يبقى في دارنا أحدٌ إلا صلى".
وقال إبراهيم بن شماس: "كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام، يحيي الليل". (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
وكان من خصوصيات هذا المنهج، إحضارُ الصغار مجالسَ الكبار، وهو ما يستنكف عنه بعض الآباء، ولا يرونه من كمال الأدب مع هذه المجالس، مع أن مخالطة الصغار للكبار، واستئناسهم بحواراتهم وحكمهم وتجاربهم، قد يفصح عن مكنون ذكائهم ونجابتهم، مما يكون كفيلا بتسريع وتيرة التعلم لديهم.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ (ابن عباس)، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "إِنْ أَذِنْتَ لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءِ". فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَالله، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا" متفق عليه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلاَ تَحُتُّ (لا تُسقِط) وَرَقَهَا". فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النَّخْلَةُ". فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي، قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (أي: من الأموال). متفق عليه.
ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناءٌ مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم" صحيح البخاري.
وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حَلْقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغارُ قومٍ يُوشِكُ أن يكونوا كبارَ قوم، وقد كنتم صغار قوم، فأنتم اليوم كبار قوم".
ومن ضوابط هذا المنهج، الانفتاحُ على الشباب بالنصيحة والوصية في الخير، وعدمُ التواني في بيان الحق لهم، وإرشادِهم إلى ما فيه نفعهم، ولا خير في قوم لا يتواصون بينهم، ولا يتناصحون، والله تعالى يمدح عباده المؤمنين بقوله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ). قال في البحر: "أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الإيمان والطاعات، وعن المعاصي". وقال صلى الله عليه وسلم:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ" مسلم. وقال جَرِير رضي الله عنه: "بَايَعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.
والناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجدها ملأى بالنصائح الثمينة، والوصايا الغالية. يقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ : لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" صحيح سنن أبي داود. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: "أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك" صحيح الجامع. وقال لرجل: "أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَكُونَ لَعَّاناً" صحيح الجامع. وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي. فقَالَ له صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ (مكان عال)". فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: "اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ" صحيح سنن الترمذي.. وهكذا حياة المسلمين، نصيحةٌ، ووصية، وموعظة، وإرشاد، وتوجيه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإبراز للأخطاء والهفوات، وتصحيح للمواقف والأفكار.. وكل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والأسلوب السهل اللين، الذي يجد طريقه إلى القلوب قبل الآذان.
وتسجل لنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك مواقف بليغة:
فعن عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى الله. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِله، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ.." متفق عليه. قال البيضاوي: " أنكر عليهم التسليم على الله تعالى ، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال".
حتى بالنسبة للنصائح الغذائية، وما يصلح للجسم من الطعام والشراب، مما صار هاجس البشرية هذه الأيام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه على طابق من الأسلوب الحكيم. فعَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلِيٌّ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ (عنقود التمر)، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: "مَهْ مَهْ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ نَاقِهٌ (من شفي مِن مرض قريب)". فَجَلَسَ عَلِيٌّ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا (السلق: نبات مثل الخُبيزَى)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَلِيُّ، مِنْ هَذَا فَأَصِبْ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ" صحيح سنن الترمذي.
وما كل ذي نُصْحٍ بِمُؤتيكَ نُصْحَهِ * وما كل مُؤْتٍ نُصحَهُ بِلَبِيبِ
ولكنْ إذا ما اسْتُجْمِعَا عِنْدَ واحِدٍ * فَحُقَّ لَهُ مِنْ طاعَةٍ بِنَصِيبِ
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلك في باب التعليم ما يوحي بشديد اهتمامه بالمتعلم، وأنه في قلب انشغالاته وهمومه.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ" مسلم.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: "اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ" صحيح سنن الترمذي.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترجم هذا الاهتمام بالإقبال على المتعلم بكلامه ووجهه، كما حكى لنا ذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه حين قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه على أشرِّ القومِ، يتألَّفُهُمْ بذلك، فكان يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه عليَّ، حتى ظننتُ أني خيرُ القومِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو أبو بكرٍ؟ قال: أبو بكرٍ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عمرُ؟ فقال: عمرُ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عثمانُ؟ قال: عثمانُ. فلما سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فصدَقَنِي، فلوددتُ أني لم أكن سألتُه" مختصر الشمائل. (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.