أخنوش يلاقي الوزيرة الأولى بالكونغو    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب    حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري ترومان" في عرض ساحل الحسيمة (صور)    والي بنك المغرب يؤكد على أهمية الاستقرار المالي في إفريقيا        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    تخريب يوقف عمالا زراعيين باشتوكة‬    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون ضد تهميش "تيفيناغ" بالمدارس العمومية    إسرائيل تصعد عدوانها على لبنان قبل اتفاق محتمل لوقف النار    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مرتكزات نبوغ الصغار.. (خَطَرات من وحي فوز بطلة تحدي القراءة: مريم أمجون)
نشر في هوية بريس يوم 05 - 11 - 2018

ليس بعزيز على الله -عز وجل- أن تلد نساء هذا العصر من يذكرنا -في نبوغه وسبقه لأبناء وقته- بأبناء الأزمنة السابقة، أزمان الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ممن لاح شعاع نبوغهم في فَيْن من فِيَن التاريخ الإسلامي المديد.
أقول هذا الكلام وقد رقصت القلوب فرحا، واهتزت الجوانح سرورا لخبر نبوغ الصغيرة"مريم أمجون"، التي استطاعت – في زمن التنكب عن القراءة، والازورار عن الكتب، زمن الشبكية والهاتف المحمول، وتقليب القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية -أن تقرأ قرابة مائتي كتاب في أقل من سنة، وأن تتقدم للمنافسة بقراءتها لستين كتابا، قراءة ممعنة مُوعِبة، استطاعت بها أن تفوز- بين ثلاث مائة ألف مشارك في المغرب، وستة عشر متسابقاً في الدور نصف النهائي، وخمسة متسابقين في الدور النهائي، متجاوزة عشرة ملايين ونصف من التلميذات والتلاميذ من مختلف البلدان العربية – بجائزة بطلة تحدي القراءة في العالم العربي قاطبة، وهي فتاة تاونات التي تدرس بالقسم الثالث ابتدائي، ولما يتجاوز عمرها تسع سنوات.
هذه الواقعة، ذكرتي بحال السابقين في التعامل مع أبنائهم، الذين خلدوا أسماءهم في التاريخ، بنبوغهم، وذكائهم. وتبين لي أن أهم مرتكزات هذا النبوغترجع إلى الأمور الآتية:
1 حسن تربيتهم:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
وقال -تعالى-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.."، إلى أن قال: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ" متفق عليه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فمَنْ أهمَلَ تعليمَ وَلَدِه ما يَنْفَعهُ، وتركَهُ سُدىً، فقد أساءَ إليهِ غايةَ الإساءةِ. وأكثرُ الأولادِ إنما جاءَ فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهم لهُم، وتركِ تعليمهِم فرائضَ الدِّينِ وسُنَنه، فأضاعُوهُم صغاراً، فلَم ينتفعوا بأنفسهِم، ولم ينفعوا آبَاءَهُم كباراً، كمَا عاتَبَ بعضُهُم ولَدَهُ على العُقوقِ، فقالَ: يا أبَتِ، إنكَ عَقَقْتَني صغيراً، فَعَقَقْتُكَ كبيراً، وأضعْتَنِي وليداً، فأضعْتُكَ شيخاً".
وقال -أيضا-: "فينبغي أن يعوده المربي في صغره على حسن الخلق، وتجنب الغضب واللَّجاج، والعجلة والخفة، والطيش والحدة والجشع؛ لأنه إذا تعود ذلك، صار عادة لا يستطيع الخلاص منها إذا كبر.وينبغي أن يجنب الصبي مجالس اللهو الباطل والغناء، وسماع الفحش والبدع، ومنطق السوء؛ لأنه إذا علق بسمعه، صعب عليه أن يتخلص منه ويفارقه عند الكبر".
وقال الغزالي -رحمه الله-: "الصبي أمانةٌ عندَ والديهِ، وقلبُهُ الطاهرُ جَوْهَرةٌ نفيسةٌ ساذجَةٌ، خاليةٌ عن كُلِّ نَقْشٍ وصُورَةٍ، وهوَ قابلٌ لكُلِّ ما نُقِشَ، ومائلٌ إلى كُلِّ ما يُمَالُ بهِ إليهِ: فإنْ عُوِّدَ الخَيرَ وعُلِّمَهُ، نَشَأَ عليهِ وسَعِدَ في الدُّنيا والآخرةِ، وشاركه في ثوابه أبوه وكُلُّ مُعَلِّمٍ لهُ ومُؤَدِّبٍ، وإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وأُهْمِلَ إهمالَ البهائمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكانَ الْوِزْرُ في رقبةِ القيِّمِ عليهِ والوالي له".
ومن جميل حكم أبي العلاء المعري، قوله:
ويَنشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنَّا * على ما كانَ عَوَّدَهُ أبُوه
وما دانَ الفتى بحِجًى ولكنْ * يُعَلِّمُهُ التَّدَيُّنَ أقرَبُوه
2 تشريفهم بتعلم أعظم علم وأجله، وهو كتاب الله قراءة، وحفظا، وعملا، وتبليغا:
فالقرآن يرفع الوضيع، ويغني الفقير، ويشرف به الحقير، ويشهر به الخامل. بحرٌ من أي الجهات أتيته، فلجته المعروف والجود ساحله. ويعظم به الصبيان، فيرقيهم إلى أعلى درجات الوقار والاحترام، والتبجيل والإعظام.
عن عمرو بن سلمة رضي الله عنهقال: "كُنَّا بِمَاءٍ (اسم منزل ينزل فيه الناس) مَمَرَّ النَّاسِ (موضع مرورهم)، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللهُ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِكَذَا. فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى (يلصق بالغراء) فِي صَدْرِي.وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ الْفَتْحَ (تنتظر فتح مكة حتى تعلن إسلامها)، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ. فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ – وَالله – مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، فَقَالَ: (صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا، فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا). فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟فَاشْتَرَوْا، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ" البخاري.
ونقل ابن سحنون في كتابه: "آداب المعلمين" عن القاضي الورع: عيسى بن مسكين، أنه كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض -رحمه الله-: "فإذا كان بعد العصر، دعا ابنتيه، وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم.
وعن عمر رضي الله عنهقال: "تعلموا كتاب الله تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله".
والقرآن الكريم أعون على بقاء ذاكرة صاحبه، حين يشيخ الناس، ويدب إليهم النسيان والخرف. فعن عبد الملك بن عمير قال: "كان يقال: إن أبقى الناس (أو: أنقى الناس) عقولاً: قراء القرآن".) وقال الإمام القرطبي -رحمه الله-،: "من قرأ القرآن، مُتع بعقله وإن بلغ مائة".
3 التوازن بين الجد واللعب:
دخل أبو هريرة رضي الله عنه مرة المسجد يوم الجمعة، فوجد غلامًا، فقال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال: فتقعد حتى يخرج الإمام؟ قال: نعم. وإنما فعل أبو هريرة ذلك، اعتقادا منه أن الصغير قد يشوش على الناس إن هو دخل المسجد، فلما أيقن أنه يقصد الصلاة – كالكبار ، تركه.
وروي عن الإمام النووي -رحمه الله- أنه كان ابن عشر سنين، وكان الأطفال يريدونه للعب معهم، وهو يأبى ويبكي ويقرأ القرآن.
4 عدم التكبر عن أخذ العلم عن الصغار إن كانوا أهلاً لذلك:
قال ابنعيينة -رحمه الله-: "الغلام أستاذ إذا كان ثقة".
وعن الزهري -رحمه الله- قال:"كان مجلس عمر مغتصامن القراء شبابا وكهولا. فربما استشارهم ويقول: (لا يمنع أحدَكم حداثةُ سنه أن يشير برأيه، فإن العلم ليس على حداثة السن وقدمه، ولكن الله -تعالى- يضعه حيث يشاء)".
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كنت أُقِرئ رجالاً من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف". قال ابن الجوزي في "كشف المشكل": "فيه تنبيه على أخذ العلم من أهله وإن صغرت أسنانهم أو قلَّت أقدارهم".
وقد كان حكيم بن حزام رضي الله عنهيقرأ على معاذ بن جبلرضي الله عنه، فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخزرجي؟ فقال: "إنما أهلكنا التكبر".
وقال سمرة بن جندبرضي الله عنه: "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أنَّ هاهنا – رجالاً هم أسن مني" متفق عليه.
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر * كيما تَقَرَّ بهم عيناك في الكِبَرِ
فإنما مَثَل الآداب تجمعها * في عنفوان الصِّبا كالنقش في الحَجَر
5 تركعتابهم فيما لا يضر:
قال أنس بن مالك رضي الله عنه:كَانَ رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا – لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَالله لاَ أَذْهَبُ. وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهصلى الله عليه وسلم.فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم قَابِضٌ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ الله.قَالَ أَنَسٌ: وَالله لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: "لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟"، وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: "هَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟". ص. الترمذي.
6 الإنكار على مخالفاتهم بالتي هي أحسن:
عن عمر بن أبي سلمةرضي الله عنه قال: كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ،فَقَالَ لِي: "يَا غُلاَمُ، سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ".
وقال سنان بن سلمة: كنت في غِلمة بالمدينة نلتقط البلَح، فأبصرَنا عمرُ، وسعى الغلمان، وقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو ما ألقت الريح. قال: أرني أنظر. فلما أريته قال: انطلق. قلت: يا أمير المؤمنين، ولِّهؤلاء الغلمان، إنك لو تواريت انتزعوا ما معي. قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلاَمٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلاَمِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلاَمَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ" البخاري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (فإن ما حرم الله على الرجل فعلَه، حرم عليه أن يُمَكِّن منه الصغير. وقد رأى عمر بن الخطابرضي الله عنه ثوبًا من حرير على صبي للزبير فمزقه، وقال: "لا تُلبِسوهم الحرير". ومزق ابن مسعود رضي الله عنه قميصًا من حريرعلى أحد أولاده، وقال: "قل لأمك تكسوك غير هذا").
وقال الموفق في المغني: "ويتجنب الثياب التي عليها تصاوير أو صلبان".
7 حسن توجيههم إلى ما ينفعهم من العلوم:
قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يَابَني، إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها".
وروى الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" أن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي: "ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث".
8 حفزهم على الطلب ولو بالمال والهدايا:
كان إبراهيم بن أدهم يقول: "قال لي أبي: (يابني اطلب، الحديث، فكلما سمعت حديثاً وحفظته، فلك درهم). فطلبت الحديث على هذا".
9 تشجيعهم على الاندماج في أوساط الكبار لإبراز مواهبهم:
في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهأَنَّ رَسُولَ اللهصلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟". فَقَالَ الْغُلاَمُ: وَالله -يَا رَسُولَ الله- لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا . قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ. البخاري.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:"كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَدَعَانِي مَعَهُمْ، وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي -يَوْمَئِذٍ- إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي.فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ؟فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي .فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟قُلْتُ: لاَ. قَالَ:فَمَا تَقُولُ؟قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهصلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ" البخاري.
10 تفرس نبوغهم وتشجيعهمعلى بلورته:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ غُلاَماً يَافِعاً أَرْعَى غَنَماً لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلموَأَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينِ، فَقَالاَ: يَا غُلاَمُ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ:إِنِّي مُؤْتَمَنٌ، وَلَسْتُ سَاقِيَكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟". قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَمَسَحَ الضَّرْعَ، وَدَعَا، فَحَفَلَ الضَّرْعُ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَاحْتَلَبَ فِيهَا، فَشَرِبَ، وَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَلِلضَّرْعِ: "اقْلِصْ"، فَقَلَصَ. فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ: "إِنَّك غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ".قَالَ: فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لاَ يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ" أحمد وهو في ص. السيرة النبوية.
وقال أبو بكرة: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، جَاءَ الْحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" البخاري.
11 الانفتاح عليهم:
قال عبد بن عمر -رضي الله عنهما-: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ،فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟". فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِ،وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا:حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ،فقَالَ: "لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" متفق عليه.
فها أنت ترى أن عبد الله تجرأ أن يحدث أباه بعد ذلك بما دار في نفسه، لاطمئنان إلى الموقف المتوقع من أبيه، ولذلك شجعه،ولم يعاتبه أويوبخه على عدم قوله لها.
12 تعاون الأطراف المشاركة فب التربية على تعويدهم الأخلاق الحسنة:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ:إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللهصلى الله عليه وسلم أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ: وَالله، لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ" مسلم.
13 الدعاء الصالح لهم:
فعن ابن عباس -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟". قُلْتُ: ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" متفق عليه.
وعند أحمد في المسند، عن ابن عباس -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ".
وشكا أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال: استعن عليه بهذه الآية: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.