تقديم: ما من شك أن توثيق العقود الواردة على العقارات المحفظة يعد من صميم عمل العدل، والعدل إذ هو يزاول مهنته قد يدلى إليه بشهادة ملكية مقيد عليها إحدى التقييدات الاحتياطية، مما يجعله في حيرة من أمره من وجهين، أولهما معنى وطبيعة التقييد الاحتياطي، ثانيهما مدى جواز تلقيه الشهادة من عدمه، أي هل التقييد الاحتياطي يعد مانعا من التفويت أم لا؟. وسنحاول في هذه الورقات البحثية، التطرق إلى تعريف مؤسسة التقييد الاحتياطي مع بيان أهميتها (أولا)، ثم بيان أنواع هذا التقييد في ضوء ظهير التحفيظ العقاري بشيء من التبسيط والايجاز، مشيرين إلى مدى تأثير التقييد الاحتياطي من عدمه على تلقي الاشهاد من طرف العدل (ثانيا). أولا: تعريف التقييد الاحتياطي وأهميته: أ: تعريف التقييد الاحتياطي: التقييد الاحتياطي هو بيان يثبت بالرسم العقاري، يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار إصدار حكم نهائي في الموضوع، أو انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله[1]. فبقولنا: هو بيان يثبت بالرسم العقاري، هذا معناه أن التقييد الاحتياطي يرد على عقار محفظ، أي صدر بشأنه قرار بالتحفيظ من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، وأسس له رسم عقاري خاص به، وهذا يستدعي عدم الخلط بين التقييد الاحتياطي وبين التعرض الذي يرد على العقارات في طور التحفيظ. ب: أهمية التقييد الاحتياطي: التقييد الاحتياطي له تأثير إيجابي في الحفاظ على الحقوق وحمايتها خلال أجل مسمى، كما أنه يمنحها الاشهار الكافي الذي من شأنه أن يطمئن أصحاب العلاقة القانونية، ويقر توازنا بينهم، ولا يمكن لأية مسطرة إدارية أو قضائية أخرى أن تحل محل المركز القانوني المعترف به لنتيجة التقييد الاحتياطي الذي يسري بالتسجيل إلى تاريخ وقوعه[2]. ثانيا: حالات التقييد الاحتياطي وفق ظهير التحفيظ العقاري: لقد تعرض الفصل 85 من ظ ت ع المعدل بالقانون رقم 14.07 لبعض الحالات التي يمكن فيها إجراء تقييد احتياطي على الرسم العقاري، فقد يقيد إما بناء على سند (أ) أو بناء على أمر قضائي (ب) وإما بناء على مقال الدعوى (ج). أ: التقييد الاحتياطي بناء على سند: التقييد الاحتياطي بناء على سند هو التقييد الذي يقوم به المحافظ على الأملاك العقارية بناء على سند يبرره[3]، فمثلا إذا أدلى أحد المرتفقين للمحافظ على الأملاك العقارية بعقد يشوبه خلل أو نقص، كأن تكون التوقيعات غير مصادق عليها من طرف السلطات المحلية، أو نقصان المعلومات المتعلقة بالحالة المدنية لأحد الأطراف المذكورين بالعقد، وطلب المرتفق من المحافظ إجراء تقييد احتياطي فيتوجب على المحافظ القيام بهذا الإجراء إلى أن يستوفي السند شروطه. وقد جاء في دورية[4] صدرت عن المحافظ العام تحت عدد 389 بتاريخ 20/12/2011، أنه يتم إجراء التقييد الاحتياطي بناء على سند إذا كان هذا الأخير يتضمن حقا يتعذر على المحافظ تقييده على حالته، حالت شكلية بسيطة دون إجراء التقييد، وقد منع القانون إجراء التقييد الاحتياطي بناء على سند إذا كانت مقتضيات القانون تمنع تقييده النهائي[5]. وعمليا يطلب المحافظ على الأملاك العقارية من طالب التقييد الاحتياطي بناء على سند الادلاء بنظير الرسم العقاري إن تم سحبه من المالك وكذا تعزيز طلبه بسند الملكية الخاص بالعقار الذي يتعلق به الحق[6]. وما يهم العدل بشأن هذا النوع من التقييد، أنه عندما يدلى إليه بشهادة ملكية مقيد عليها تقييد احتياطي بناء على سند، أن يتوقف عن تلقي أي عقد يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف كعقد الهبة أو الشراء، كون التقييد الاحتياطي بناء على سند تحدد مدة صلاحيته في عشرة أيام غير قابلة للتمديد، ويتم التشطيب على هذا التقييد تلقائيا من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بعد مرور المدة المذكورة، وظهير التحفيظ العقاري بصريح الفصل 86 منه منع المحافظ على الأملاك العقارية من قبول أي تقييد آخر لحق يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف. ولا يجب على العدل أن يجازف ويوثق للأطراف عقد شراء مثلا بدعوى انتظار مدة عشرة أيام حتى يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بالتشطيب على التقييد الاحتياطي ثم قيام المشتري بتقييد عقده، لأنه قد يتفاجأ المشتري بعد انتهاء هذه المدة بتحول التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي. لأن التقييد الاحتياطي عندما يصبح تقييدا نهائيا يأخذ رتبته النهائية ابتداء من تاريخ التقييد الاحتياطي وليس من تاريخ تحوله إلى تقييد نهائي. فعلى العدل التريث حتى انتهاء مدة التقييد الاحتياطي بناء على سند، وطلب شهادة ملكية جديدة خالية من التقييد الاحتياطي بناء على سند، والاعتماد عليها في عقد التفويت، وعمليا غالبا ما يغفل المحافظون على الأملاك العقارية القيام تلقائيا بالتشطيبات على التقييدات الاحتياطية التي استنفذت مدتها القانونية، مما يستدعي من المتعاقد أو العدل تنبيه المحافظ على الأملاك العقارية أو من ينوب عنه بضرورة القيام بهذا التشطيب. وبالمقابل فكل إشهاد لا يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف كرسم الإراثة مثلا لا يمنع العدل من توثيقه وبالتالي القيام بتقييده بالرسم العقاري تقييدا نهائيا، وهذا هو منطوق مفهوم المخالفة للفقرة الأولى من المادة 86 من ظهير التحفيظ العقاري. ب: التقييد الاحتياطي بناء على أمر قضائي: يعد هذا التقييد من الأوامر التي يصدرها السادة رؤساء المحاكم الابتدائية التي يقع العقار في دائرتها عملا بمقتضيات المادة 148 من قانون المسطرة المدنية، وهذا الأمر يكون بناء على طلب الخصم في غيبة خصمه، والغاية من ذلك هو الإسراع باتخاذ إجراء مستعجل مخافة ضياع حق أو بغية مفاجأة لكي لا يقوم الخصم باتخاذ إجراء معين، وينفذ فور صدوره ويقدم مباشرة إلى المحافظ على الأملاك العقارية المختص من أجل تضمينه بالرسم العقاري المعني[7]. ويستمر مفعول التقييد الاحتياطي بناء على أمر رئيس المحكمة الابتدائية لمدة ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ صدوره وليس من تاريخ تقييده، ويمكن تمديده من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بموجب أمر جديد، شريطة تقديم دعوى في الموضوع أمام القضاء، ويستمر مفعول هذا التمديد إلى حين صدور حكم نهائي، وطلب التمديد يجب أن يقدم إلى المحافظ على الأملاك العقارية من أجل التقييد مرفقا بالأمر الصادر بالتمديد، وبمقال الدعوى المرفوعة أمام القضاء. ويتعين على رئيس المحكمة الابتدائية ألا يصدر الأمر بالتقييد الاحتياطي إلا بعد تأكده من جدية الطلب[8]. أما التشطيب على هذا التقييد الاحتياطي فيتم تلقائيا من طرف المحافظ على الأملاك العقارية إذا لم يتم التقييد النهائي أو لم يتم تمديده داخل مدته. ويجب على المحافظ على الأملاك العقارية الاستجابة إلى طلب التشطيب على التقييد الاحتياطي استنادا إلى أمر استعجالي دون المطالبة بشهادة عدم الاستئناف، وذلك لسببين أساسيين: 1-لأن الأوامر الاستعجالية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون بصريح الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية. 2-لأن الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن التشطيب يجب أن يتم بناء على عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، يستثني من مجال تطبيقه، بصريح النص، أحكام الفصل 86 من الظهير المذكور التي تسمح بإمكانية التشطيب على التقييد الاحتياطي استنادا إلى أمر استعجالي[9]. ويتوجب على المحافظ على الأملاك العقارية رفض الاستجابة لطلب التقييد الاحتياطي بناء على أمر الذي مر على صدوره أكثر من ثلاثة أشهر، ما دام أن مفعوله ينتهي بانصرام المدة المذكورة تبتدئ من تاريخ صدوره وليس من تاريخ تقييده. وبالنسبة لما يهم العدل، فالتقييد الاحتياطي بناء على أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية لا يطرح إشكالا لدى العدل، إذ هذا التقييد لا يعد مانعا من التفويت، فيجوز للعدل تلقي أي شهادة تتعلق بالمحل المعني شريطة إعلام المستفيد من الشهادة كالمشتري أو الموهوب له بوجود هذا التقييد الاحتياطي، ويتعين على العدل ذكر المستفيد من التقييد الاحتياطي في صلب العقد. ج: التقييد الاحتياطي بناء على مقال: يجوز لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بهذا الحق، ويستطيع أن يقوم بإجراء تقييد احتياطي للاحتفاظ المؤقت به، ويتم التقييد الاحتياطي في هذه الحالة بناء على طلب موجه إلى المحافظ على الأملاك العقارية مرفق بنسخة من مقال الدعوى الذي سبق للمعني بالأمر أن وضعه بكتابة ضبط المحكمة وأشرت عليه. ومدة التقييد الاحتياطي بناء على مقال هي شهر من تاريخ تقييده، ويشطب على هذا التقييد تلقائيا بعد انصرام الأجل المذكور، ما لم يدل طالب التقييد بأمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية طبقا لأحكام الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري. والمحافظ العقاري وهو يتلقى طلب التقييد بناء على مقال يحرص على توفر المقال على المراجع العقارية، وأن يكون الطلب في مواجهة الشخص المقيد بالرسم العقاري، وأن يتعلق التقييد بحق قابل للتقييد النهائي، وأخيرا أن يكون مقال الدعوى مؤشرا عليه من طرف المحكمة المعنية[10]. وما قيل بشأن التقييد الاحتياطي بناء على أمر صادر عن رئيس المحكمة بخصوص كيفية تعامل العدل مع هذا التقييد إذا كان منصوصا عليه في شهادة الملكية هو الذي يتعين تأكيده بالنسبة للتقييد الاحتياطي بناء على مقال، إذ أن هذا التقييد الأخير لا يؤثر على حق المالك في تفويت عقاره، وما على العدل إلا إشعار المستفيد من التفويت بوجود هذا التقييد، والاشارة إلى المستفيدين منه في صلب العقد. قائمة المراجع: * المختار بن أحمد عطار، التحفيظ العقاري في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2008. * إدريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، دار نشر المعرفة، الطبعة الثالثة 2013. * محكمة النقض، نظام التحفيظ العقاري دعامة أساسية للتنمية، مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض، 2015، دفاتر محكمة النقض العدد 21. * عبد الرحيم حزيكر، تفريغ لدورة تكوينية مقامة لفائدة أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. أبريل 2013. * محمد الحمومي، زكرياء الشاوي، منازعات التقييد الاحتياطي في التشريع العقاري المغربي، عرض مقدم في إطار التكوين بماستر العقار والتعمير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة مولاي إسماعيل مكناس، السنة الجامعية 2019/2020 تحت إشراف الدكتور: عبد العالي الدقوقي.
[1] إدريس الفاخوري، وفق مستجدات القانون 14.07، دار نشر المعرفة، الطبعة الثالثة، 2013 ص 162. [2] المختار بن أحمد عطار، التحفيظ العقاري في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدةالدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2008. [3] الفصل 85 من ظ ت ع في فقتره الثانية ينص على ما يلي: يضمن طلب التقييد الاحتياطي من طرف المحافظ بالرسم العقاري إما بناء على سند يثبت حقا على عقار، ويتعذر على المحافظ تقييده على حالته. [4] محمد الحمومي، زكرياء الشاوي، منازعات التقييد الاحتياطي في التشريع العقاري المغربي، عرض مقدم في إطار التكوين بماستر العقار والتعمير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة مولاي إسماعيل مكناس، السنة الجامعية 2019/2020 تحت إشراف الدكتور: عبد العالي الدقوقي، ص 15. [5] الفقرة الثانية من الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري. [6] محكمة النقض، نظام التحفيظ العقاري دعامة أساسية للتنمية، مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض، 2015، دفاتر محكمة النقض العدد 21 ص 289. [7] محكمة النقض، نظام التحفيظ العقاري دعامة أساسية للتنمية، م س ص 291 [8] الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري. [9] عبد الرحيم حزيكر، دورة تكوينية لفائدة أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، تأطير عبد الرحيم حزيكر، رئيس قطاع توحيد العمل الإداري لدى المحافظ العام ص 107. [10] عبدالرحيم حزيكر م س ص 106.