المشاهدات: 3٬066 هوية بريس – نبيل غزال السبت 03 أكتوبر 2015 لا أدري حقيقة هل هي مصادفة أم سلوك مقصود ومخطط له، فمباشرة بعد إسدال الستار عن مهرجان الجعة "أكتوبرفيست" في ميونخ يوم السادس من أكتوبر، سينطلق ولأول في المغرب "مهرجان البيرة" الذي ستنظمه شركة "براسري المغرب" يوم الثامن من أكتوبر. والمفارقة الغريبة والعجيبة أيضا هي أن مهرجان البيرة في ألمانيا العلمانية سيستمر ستة عشر يوما (16)، في حين مهرجان البيرة عندنا في الدارالبيضاء سيدوم شهرا كاملا (30 يوما) بالتمام والكمال. حيث دعت مجموعة "Brasserie du Maroc" من خلال ملصق إشهاري -نشر بجريدة ليكونومست- المغاربة للمشاركة في مهرجان البيرة الذي سينظم بالبيضاء من 08 أكتوبر إلى 08 نونبر، وأغرت المشاركين ب"عروض استثنائية" و"المشاركة في مسابقات" و"جوائز قيمةّ"!!! ووفق "اليوم24" فقد أكد مسؤول داخل شركة تصنيع الجعة في المغرب أنهم يضعون "اللمسات الأخيرة على البرنامج الخاص بمهرجانهم الأول.. وأن الحانات التي وقع عليها اختيارهم للمهرجان موزعة بمختلف مناطق الدارالبيضاء". دوافع تنظيم مثل هذه المهرجانات أكيد أن تنظيم هذا المهرجان له دوافع محددة ووراءه غايات مقصودة؛ خاصة إذا استحضرنا أن من يقود الحكومة هو حزب ذو مرجعية إسلامية، ويعمل جاهدا على محاربة الخمر بما يتاح له من وسائل وإمكانات، فصقور المصباح لا يمكنهم البوح بمحاربة الخمر انطلاقا من مرجعية دينية لأنهم يبتعدون قدر الإمكان عن معارك ونقاشات يفتعلها التيار العلماني من جهة، ويدركون من جهة أخرى أن اللوبيات المستفيدة من هذه التجارة القذرة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستسعر حرب الحريات الفردية وحق الإنسان في معاقرة الخمور وستندد بالوصاية الدينية.. ووو.. وبالأمس القريب ومباشرة بعد إصدار الدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى بخصوص تحريم التسوق من المتاجر التي تبيع الخمور، وعَدّه هذا العمل تعاونا على الإثم والعدوان، خرجت رئيسة بيت الحكمة ببيان تطالب فيه "بإلغاء القوانين التي تعتبر أن الخمر لا يباع إلا للأجانب، أو التي يعاقب بموجبها مواطنون مغاربة على شرب الخمر أو اقتنائها، وذلك لملاءمة القوانين الجنائية مع مضمون الوثيقة الدستورية ومع ما تم التعهد به دوليا من طرف الدولة المغربية". واعتبرت نائبة "البام" أن "استهلاك الخمور يدخل في باب الحريات الفردية الأساسية التي لا مجال فيها لتدخل السلطة أو غيرها بالردع أو المنع أو المصادرة". ونتيجة نهج العدالة التنمية لسياسة الرفع من الرسوم المفروضة على الكحول تراجع الاستهلاك السنوي للمغاربة من الخمر خلال العام الماضي (2013)، وبلغت النسبة العامة للتراجع حسب الأرقام المعلنة 3,5%، وكان مشروب الجعة -الذي ينظم على شرفه مهرجان البيضاء- أكثر المتضررين حيث تراجع قطاعه بأكثر من 7%. ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية (OMS) حول استهلاك الكحول في العالم في عام 2014، فإن 86,6% من المغاربة لم يستهلكوا أي نوع من المشروبات الكحولية طوال حياتهم، في ما 8% منهم أقلعوا عن الكحول خلال السنة نفسها، لتبقى نسبة المستهلكين الحاليين للكحوليات في المملكة لا تتجاوز 5,4%. وحسب المصدر ذاته، فإن 80% من الذكور الذين يتجاوز سنهم 15 سنة لم يستهلكوا الكحوليات قط، في وقت بلغت هذه النسبة لدى الإناث 92%. هذه المعطيات تقوي حجية التحليل الذي يتشبث أصحابه بأن الهدف من وراء تنظيم هذا المهرجان؛ الذي أثار استياء عارما في المارد الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى؛ هو الكساد الذي عرفه قطاع الخمور في المغرب، خاصة بعد تراجع كثير من متاجر "مرجان" عن بيعه، كما يبرز مؤشر إحراج الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية جليا، خاصة ونحن على مشارف انتخابات تشريعية السنة القادمة. المغرب البلد المسلم الذي يصدر الخمور لأوروبا إذا كان موضوع بيع الخمور والمتاجرة فيها بصفة عامة محسوم من الجهة الشرعية، لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم استهلاك هذا المشروب الخبيث والمتاجرة فيه، وإذا كان القانون المغربي يمنع بيع "المشروبات الكحولية"=الخمور للمغاربة المسلمين، ويمنع أيضا إشهارها، فإننا وبمقابل كل ذلك نجد تناقضا صارخا بين التنظير والممارسة. حيث أن إشهار الخمور يتم علنا ودون متابعة، وآخر شواهد ذلك إقدام جريدة ليكوموميست (l'Economiste) -التي تستفيد من أعلى نسبة للدعم الذي تقدمه وزارة الاتصال- على إشهار "مهرجان الجعة Festival de la bière" في عددها الصادر بتاريخ الجمعة 02 أكتوبر 2015، كما أن المغرب -البلد المسلم الذي تحرم مرجعيته معاقرة الخمر- صار من أكبر مصنعي الخمور على الصعيد العربي والعالمي أيضا، وأصبحت مجموعة "ديانا هولدينغ" -مثلا- تنافس معاصر مدينة بوردو الفرنسية، علما أن فرنسا هي أكبر مصنع للخمور في العالم! فمجموعة "ديانا هولدينغ" لمالكها إبراهيم زنيبر الذي فاق عمره 90 سنة، تتربع على عرش إنتاج الخمور في المغرب، وتسيطر على 85% من السوق المحلي، ويبلغ رقم معاملاتها السنوي مليارين ونصف المليار درهم، وتستغل حوالي 8400 هكتار من أراضي المغرب المزروعة، وتنتج حوالي 38 مليون قنينة سنويا، 85% منها يتم استهلاكه محليا. والمسيطرين على قطاع الخمور في المغرب جلهم ذوي ثقافة أجنبية لا يعيرون اهتماما لثقافة الحلال والحرام، واستحضار الحكم الشرعي بخصوص الخمر، وهمّهم الوحيد هو تكديس الأموال وجمع القناطير المقنطرة. ولتذهب بعد ذلك صحة المواطنين وأمنهم وسلامتهم إلى الجحيم. بيع الخمور والمتاجرة فيها لا يجب أن يغيب على أذهاننا ولو للحظة واحدة ونحن نناقش موضوع الخمر؛ أن الله تعالى قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". قال العلامة المالكي السمح المعتدل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 6/269: "(فَاجْتَنِبُوهُ): يريد أبعدوه واجعلوه ناحية، فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور، واقترنت بصيغة الأمر مع نصوص الأحاديث وإجماع الأمة، فحصل الاجتناب في جهة التحريم، فبهذا حرمت الخمر، ولا خلاف بين علماء المسلمين أن سورة المائدة نزلت بتحريم الخمر وهي مدنية من آخر ما نزل". كما "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة؛ عاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، والمبتاع له، وشاربها وساقيها، وحاملها، والمحمولة إلية، وشاهدها". (صحيح سنن الترمذي). فكل من له صلة بالترويج لهذا المشروب الخبيث داخل في هذا الوعيد. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أقواما سيسمون الخمر بغير اسمها فقال صلى الله عليه وسلم: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني. كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم؛ ويثبت الجهل؛ ويشرب الخمر؛ ويظهر الزنا" البخاري ومسلم. ولك أيها القارئ الكريم أن تجول بناظريك فترى كيف انتشرت الخمور اليوم؟! وكيف تعددت أسماؤها؟! وتنوعت ألوانها؟! وتكاثرت محلاتها؟! فما لنا لا ننكر منكرا معلوما من الدين بالضرورة، يحصد آلاف الأرواح سنويا؛ ويكلف ميزانية الدولة على المستوى الصحي والقضائي والاجتماعي.. ونصر أن نجعل من الخمر الكبيرة المسكوت عنها؟! معلومة تاريخية حول الخمر في المغرب للعلم فإن الدولة المغربية اليوم هي أكبر مالك لحقول الكروم بما يقارب 12.000 هكتار؛ في حين تؤكد الوقائع التاريخية أن صناعة الخمور بالمغرب -والتي سبقت بعشرات القرون وصول الأجانب إلى البلاد- لم يكن يرخص ببيعها وشربها إلا لليهود والنصارى، إلا أن الاحتلال أسهم بصورة رئيسة في التمكين لتجارة الخمور في المغرب. فعندما استقر التجار الأجانب والدبلوماسيون ببعض الموانئ المغربية وخاصة طنجة والصويرة وآسفي، تمادوا في ترويج المشروبات الكحولية/الخمور في وسط المغاربة، وكانوا يتجاوزون الكميات المسموح لهم باستيرادها لاستهلاكهم الشخصي بغية تحقيق هدفين اثنين: استقطاب المزيد من الجواسيس استعدادا لغزو البلاد عسكريا، وكسب أرباح مالية من بيع الخمور. وكانت مختلف أنواع الخمور آنذاك تستورد من إيطالياوفرنسا وإسبانيا وانجلترا وأمريكا، وتعرض في الأسواق بثمن بخس، ولم يتجاوز ثمن زجاجة "البيرة" بسيطة واحدة، ومن حدود الموانئ بدأت الخمور تغزو المناطق الداخلية. وبعد مرور عام على توقيع معاهدة الحماية شرعت شركة "كومباني ماروكان" الاستعمارية سنة 1913م في غرس العنب الخاص بإنتاج الخمور في ناحية القنيطرة. وبلغ إنتاج الخمر سنة 1922م أكثر من أربعين ألف هيكتوليتر، وفي سنة 1934م وصل إلى ستمائة ألف هيكتوليتر. "le soir marocain. Casablanca 30-5-193". ورحم الله الزعيم الراحل علال الفاسي حين قال في كتابه "النقد الذاتي" (ص:314): "لولا الأجنبي ما دخلت الخمور للبلاد، ولا تكونت معاصر وحانات تسهل الشرب على من أراد، وتفتح مجال القدوة للجميع". [email protected]