هوية بريس – الجمعة 19 شتنبر 2014 اِستحسن بعض الناس في عصرنا عادات اكتسبوها عن طريق التشبه بغير المسلمين والتقليد لهم في جميع أحوالهم، وشرهوا عليها شرها لم يعرف لغيرهم ممن سلف من هذه الأمة، واستشرى أمرها فيهم حتى أصبحت ديدنهم في كل شؤونهم وأحوالهم، وحلت محل ما علم من الدين بالضرورة، فدرسوا بذلك أحكام الشريعة ومحوا آثارها فيهم، فلا ترى إلا أنهم أشباه أولئك في جميع عوائدهم وأحوالهم. وإن مما سار فيه هذا البعض من الناس على عادة غير المسلمين..، إطلاق نسب الزوج على الزوجة بدلا من نسب أبيها، الذي تنتسب إليه، فيقال مثلا: جيهان السادات (كذلك مثل هيلاري كلينتون). والذي أسقط هذا البعض من المسلمين في هذا هو الجهل منهم بأحكام الدين الذي ينتسبون إليه، والذي شرع أحكاما لحفظ الأنساب، حيث شدد الوعيد على من انتسب لغير أبيه أو ادعى ابنا لغير أبيه، وحرم كل ما يمكن أن يكون ذريعة إلى ذلك كالزنا، وشرع اللعان صيانة للأنساب. الأصل في هذه المسألة: أولا: تحريم التبني: قال الله تعالى في سورة الأحزاب:.. «وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الآيتين:5-4). قال القرطبي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: "أَنَّ التَّبَنِّيَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، يُتَوَارَث بِهِ وَيُتَنَاصَر، إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه" أَيْ أَعْدَلُ. فَرَفَعَ اللَّه حُكْم التَّبَنِّي وَمَنَعَ مِنْ إِطْلَاق لَفْظه، وَأَرْشَدَ بِقَوْلِهِ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَعْدَل أَنْ يُنْسَب الرَّجُل إِلَى أَبِيهِ نَسَبًا؛ فَيُقَال: كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَعْجَبَهُ مِنْ الرَّجُل جَلَده وَظَرْفُهُ ضَمَّهُ إِلَى نَفْسه، وَجَعَلَ لَهُ نَصِيب الذَّكَر مِنْ أَوْلَاده مِنْ مِيرَاثه، وَكَانَ يُنْسَب إِلَيْهِ فَيُقَال فُلَان بْن فُلَان» انتهى (تفسير القرطبي الجزء:14، ص:119). ثانيا: تشديد الوعيد على من يدعي غير أبيه أو يدعي ابنا لغير أبيه: عن سعد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، فذكرته لأبي بكرة فقال: وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري. الاستثناء من هذا الوعيد: لا إثم على من نسب إنسانا إلى غير أبيه في ثلاث حالات، كالآتي: الأولى: من سبقه لسانه إلى ذلك من غير قصد، فنسب إنسانا إلى غير أبيه، لقوله تعالى: «وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به». (نفس المصدر السابق والجزء، ص:120). الثانية: من نسب ابنا إلى غير أبيه وهو يظن أنه أبوه، حيث يدخل في حكم الآية السابقة. الثالثة: من تبني وانتسب لغير أبيه في الجاهلية، أو قبل العلم بالحكم، واشتهر بذلك حتى لا يكاد يعرف إلا به، كالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن يغوث قد تبناه في الجاهلية وعرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد أنا ابن عمرو، ومع ذلك بقي الإطلاق عليه، وكذلك سالم مولى أبي حذيفة كان يدعى لغير أبيه. (نفس المصدر السابق والجزء، ص:120). حكم من جهل أبوه ولم يعرف له نسب: قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: «وما جعل أدعيائكم أبناءكم»: «الأدعياء جمع الدعي، وهو الذي يدعي ابنا لغير أبيه أو يدعي غير أبيه، والمصدر الدعوة بالكسر، فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب، فمن جهل ذلك فيه، ولم تشتهر أنسابهم كان مولى أو أخا في الدين». (المصدر السابق نفس الجزء، ص:121). استنتاج: وعلى هذا فلا يجوز أن ينسب أحد إلى غير أبيه، كان هذا الغير زوجا أو أجنبيا. خلاصة الكلام: بناء على ما سبق، أفلا يحق لنا أن نجزم بأن في نسبة المرأة إلى زوجها إلحاقا لها بنسبه، وقضاء على شخصيتها، واستهانة بها، وسلبا لهويتها، وهدرا لكرامتها، وهضما لأوجب حقوقها الذي هو حقها في الاحتفاظ بنسب أبيها الذي كان سببا في وجودها! إن إطلاق نسب الزوج على الزوجة أو ادعاء المرأة نسب غير أبيها من أشنع عوائد الجاهلية الأولى التي جاء الإسلام لمحاربتها والقضاء عليها، حفاظا على الأنساب من الاختلاط، وتماشيا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.