أهمية معرفة النسب ، وحرمة تزويره : قال صلى الله عليه وسلم:" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم " **قال امير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه: تعلموا النسب ولا تكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدهم عن أصله قال من قرية كذا **وقال الفاروق عمر - رضي الله عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به , ومن الانساب ما تعارفون به وتواصلون عليه,ومن الاشعار ما تكون حكما وتدلكم علي مكارم الاخلاق **وقال النسابة الشهير ابن حزم :: ان علم النسب علم جليل رفيع اذ يكون به التعارف بين الناس تحدث القلقشندي عن أهميَّة علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه فقال: لا خفاء أن المعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة، لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعالم الدينية، فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضع: منها: العلم بنَسَب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة؛ فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك. ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه، ولا ينتسب إلى سوى أجداده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]؛ وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة، فيحجب بعضهم بعضًا، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض، وأحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض، وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك، فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتعذر الوصول إليها. ومنها: اعتبار النَسَب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى، وقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانيَّة الإجماع على كون الإمام قرشيًّا ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث شد فجوزها في جميع الناس فقد ثبت أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش"؛ ولذلك لما اجتمع الأنصار يوم وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري احتج عليهم الصديق رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث، فرجعوا إليه وبايعوه، وقد رُوي أنه صَلَّى الله عليه وسلم قال: "قدموا قريشًا ولا تتقدموها". قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانيًّا من ولد كنانة بن خزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من إسحاق، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم؛ لشرفهم بصهارة إسماعيل، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش. فلولا المعرفة بعلم النَسَب لفاتت معرفة هذه القبائل وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح. ومنها: اعتبار النَسَب في كفاءة الزوج للزوجة في النكاح عند الشافعي رضي الله عنه حتى لا يكافئ الهاشميَّة والمطلبيَّة غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشيَّة غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، وفي الكنانيَّة وجهان أصحُّهما أنه لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي، وفي اعتبار النَسَب في العجم أيضًا وجهان أصحُّهما الاعتبار، فإذا لم يعرف النَسَب تعذرت معرفة هذه الأحكام. ومنها: مراعاة النَسَب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "تُنكَح المرأة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها"، فراعى صَلَّى الله عليه وسلم في المرأة الحسب وهو الشرف في الآباء. ومنها: التفريق بين جريان الرق على العجم دون العرب على مذهب من يرى ذلك من العلماء، وهو أحد القولين للشافعي رضي الله عنه فإذا لم يعرف النَسَب تعذر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى. أدلة جواز الرفع في الأنساب: ذهب كثير من الأئمة المحدثين، والفقهاء؛ كالبخاري، وابن إسحاق، والطبري إلى جواز الرفع في الأنساب؛ احتجاجًا بعمل السلف؛ فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم النَسَب بالمقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أول دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره. وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جملة العلماء وأعيانهم؛ كأبي عبيدة، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن هرم، وغيرهم وهو دليل شرفه ورفعة قدره. فصل في الحث على تعلم الأنساب ومعرفتها: وعلم المعارف والأنساب لهذه الأمة من أهم العلوم التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيهم على ما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}. وروى عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة على ناقته القصواء ليستلم الأركان كلها بمحجنه فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال، ثم أخرجوها إلى بطن الوادي فأناخوها ثمة، ثم خطب الناس على راحلته فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد! فإن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهليَّة وتعاظمها بآبائها؛ إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله"، ثم قال: "إن الله عز وجل يقول": {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، ثم قال: "أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم". ومعرفة الأنساب من أعظم النعم التي أكرم الله تعالى بها عباده؛ لأن تشعب الأنساب على افتراق القبائل والطوائف أحد الأسباب الممهدة لحصول الائتلاف، وكذلك اختلاف الألسنة والصور وتباين الألوان والفطر على ما قال تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]. وروى عبد الله بن يزيد مولى المنبعث أنه أخبره عن أبيه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر". وروى إسحاق بن سعيد؛ قال: حدثني أبي قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمَتَّ له برحم بعيدة، فألان له القول، وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا به أرحامكم؛ فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة". وروى عمارة بن غزية، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: "لا تعجل، وأْتِ أبا بكر الصديق فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يلخص لك نَسَبي". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المسجد فإذا جماعة فقال: "ما هذا؟" قالوا: رجل علَّامة، قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "وما العلَّامة؟" قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربيَّة وعالم بالأشعار وعالم بأَنسَاب العرب، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله". وفي رواية: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا ينفع، وجهل لا يضر". وقال عبيد الله عن سيار: قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا، وتعلموا من الأَنسَاب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون به ما يحل لكم مما حرم عليكم من النساء ثم انتهوا". وكان للعرب السبق في وضع أسس نظريات الترقية والتهذيب للسلالات منذ القديم، فقد روت المصادر أن المنذر بن أبي حمضة الأكبر الهمداني أمر الهمدانيين أن يحسنوا إصهار لبناتهم إذ قال: "يا معشر همدان يستخير الرجل منكم الفحل لحجره ولا يستخيره لكريمته". وقد جاء الإسلام مؤكدًا لهذه النظريَّة على لسان رسوله الكريم صَلَّى الله عليه وسلم حين قال: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم". وكان الخلفاء الراشدون وكثير من الصحابة والفقهاء من أعلم الناس بالأَنسَاب. أهميَّة علم الأَنسَاب من الناحيَّة التنظيمية: كما كان للأَنسَاب في الإسلام أهميَّة من جوانب متعددة، منها في المجالات التنظيميَّة للدولة، كالجانب الحربي الذي اعتُمِد في تنظيمه على الأساس القبلي؛ كضرورة اجتماعيَّة وضرورة حربيَّة تتناسب مع التركيبيَّة الاجتماعيَّة والتنظيم العسكري الحربي. وعندما وضع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الديوان في سنة عشرين للهجرة، أمر بأن يتم ترتيب قوائمها بحسب الأَنسَاب والمنازل، فاستدعي ثلاثة ممن لهم معرفة بأَنسَاب الناس هم: جبير بن مطعم، وعقيل بن أبي طالب الأخ الأكبر لعلي بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل؛ فوضعوا الدواوين بحسب الأَنسَاب والمنازل. ومنذ بداية العصر الأموي ونتيجة اهتمام خلفاء بني أميَّة بالتاريخ والأَنسَاب بدأ الاهتمام بالأَنسَاب ينحو منحى ما كان عليه في الجاهليَّة من التعصب القبلي والأسري وظهرت كتب المثالب والمناقب. وعملت الشعوبيَّة على تشجيع هذا الجانب بما أدخلته من أفكار غريبة على الأمة الإسلاميَّة أثَّرت على وحدتها، فبدأ الصراع القبلي والفكري يدب بين أفراد المجتمع الإسلامي على أساس من التعصب، ومن مظاهر ذلك الصراع: زيادة التأليف في الأَنسَاب بوصفه جزءًا من ذلك الصراع، وكان لاتساع رقعة الدولة الإسلاميَّة ودخول دماء جديدة من بلدان متعددة أثر في زيادة التأليف في هذا الجانب واستخدام مناهج جديدة تتناسب مع التغيرات الاجتماعية، حيث صار مفهوم الأَنسَاب يطلق على النَسَب إما لصفة علميَّة أو مهنيَّة أو صفة سلوكيَّة أو جسمانية، أو نَسَب للبلد الذي ولد منه أو نزل منه، إضافة إلى النَسَب الأسري والقبلي. واليمن بحكم وضعها الجغرافي وبُعدها عن مركز الخلافة الإسلاميَّة بعد انتقالها إلى بغداد، نشط فيها الاهتمام بهذا الجانب، وأبرز من مثَّل هذا الجانب أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب "الإكليل" الذي أخذ يتتبع أَنسَاب القبائل والأسر اليمنية، وأشار إلى مصادر يمنيَّة نسبيَّة قديمة في هذا الصدد اعتمد عليها في كتبه. ومما أدى إلى نشاط هذا الجانب في اليمن: هجرة العلويين إلى اليمن فرارًا من بطش العباسيين، فأقاموا لهم دويلات متتابعة في اليمن، وكان اهتمامهم وتركيزهم بنسبتهم إلى الرسول صَلَّى الله عليه وسلم كبير جدًا؛ وذلك ليحظوا بالتأييد والعطف والحصول على أموال الزكاة والخمس من خلال هذه النسبة، فحرصوا على تدوين أنسابهم ووضعوا مشجرات لأنسابهم تتصل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه تتوارثها الأجيال، وتضيف إليها المواليد الجدد، ووضعوا مجموعة من الحدود والضوابط والامتيازات في علاقتهم الاجتماعيَّة بمن سواهم، جعلوا أنفسهم يحتلون المرتبة الأولى على بقيَّة الشرائح الاجتماعية؛ الأمر الذي أدى بالمقابل إلى قيام مجموعة من علماء اليمن ممن لا ينتسبون إلى البيت العلوي أمثال: الهمداني، والكلاعي، ونشوان الحميري وغيرهم؛ بإبراز أنساب القبائل اليمنية، ودورها التاريخي والحضاري الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، وإثبات الدور الكبير لأبناء اليمن في نشر الإسلام والدفاع عنه وتوليهم المراكز القياديَّة الأولى في المراكز العلميَّة والقضاء والوظائف الإداريَّة والعسكرية، ثم توالت كتابة الأنساب عبر التاريخ، واختلفت مشاربها سواء أنساب القبائل اليمنية، أو أنساب الأسر العلوية، والأسر العلمية، والأسر الحاكمة وغيرها من الشرائح التي اهتمت بتدوين أنسابها ليحتل علم الأنساب المرتبة الأولى في مجال التدوين التاريخي عند اليمنيين. وعلم الأنساب عند العرب منذ القديم لم يكن وسيلة للتمييز العنصري، أو التمايز الطبقي الاجتماعي والديني، وإنما كان وسيلة للرقي والتهذيب الاجتماعي والأخلاقي بأرقى صوره، وما الكرم والشجاعة والمروءة والنبل والحكمة... وغير ذلك من الصفات الجليلة إلا وسيلة من وسائل النَسَب التي تفاخر بها الأجداد. بل كان النَسَب أيضًا السياج والحياض الذي يجمع أبناء القبيلة ضمن إطاره في زمن لم يكن يعرف فيه العرب معنى الدول المقسمة ذات الحدود لوطن واحد... وكان له دور هام في تجميع القبائل ضد العدو الخارجي كوسيلة سياسيَّة إداريَّة في وقت لم يعرف فيه العرب فكرة التجمع حول الأيديولوجيات، ووجوده كان الرباط القوي الذي وحد صفوف أبناء القبيلة في زمن لم يعرف العرب فيه معنى الجنسيات المختلفة لشعب واحد. **حرمة انتساب الرجل إلى غير نسبه** فقد جاء في الحديث الصحيح عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه ، أو يرى عينه مالم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقل " . (صحيح البخاري مع الفتح ك المناقب (6/540) حديث –(3509)). وجاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" ( البخاري (6/539) واللفظ له، وصحيح مسلم ك الإيمان باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم (1/79) حديث (112)). وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" (صحيح البخاري مع الفتح ك الفرائض باب من ادعى إلى غير أبيه (12/54) حديث(6766) وصحيح مسلم ك الإيمان (1/80) حديث (114)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر" (صحيح البخاري مع الفتح ك الفرائض (12/54) حديث ( 6768) وصيح مسلم ك الإيمان (1/80) حديث (113) ). ففي هذه الأحاديث الوعيد الشديد لمن انتسب إلى غير أبيه أو قوماً غير قومه ، وتحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد ذلك بالعلم ولا بد في الحالتين إثباتاً ونفياً لأن الإثم يترتب على العالم بالشيء المتعمد له.وممايدل على عظم جرم صاحب ذلك الفعل أنه عطفه على الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كذب على الله وقد قال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته} الأنعام21. أخرج البخاري وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" وروى البخاري أيضًا من حديث وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أعظم الفِرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه"، وروى ابن حبان وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين"، وإلى غير ذلك من الأحاديث. قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : "وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا". قلت: ورحم الله مالكًا كيف لو أدرك من يتسارع إلى ثبوت ما يغلب على الظن التوقف في صحته من ذلك بدون تثبت غير ملاحظ ما يترتب عليه من الأحكام غافلاً عن هذا الوعيد الذي كان معينًا على الوقوع فيه إما بثبوته أو بالإعار فيه طمعًا في الشيء التافه الحقير قائلاً: "الناس مؤتمنون على أنسابهم" وهذا لعمري توسع غير مرضي، ومن هنا توقف كثير ممن أدركناه من قضاة العدل عن التعرض لذلك ثبوتًا ونفيًا للرهبة مما قدمته"، انتهى كلام الحافظ السخاوي.