من الأمور التي ينبغي التنبه لها في كل السجالات التي تثار حول التراث الاسلامي هو اختلاف المرجعية التي ينظر بها الفريقان للتراث الاسلامي… اعتمد المسلمون في كتابة التاريخ على نقل الأحداث والوقائع وعزوها إلى أصحابها مع تمحيص الروايات والنقول وعرضها على محك النقد إسناد ومتنا وتساهلا أو تشددا… أي أن الأمر توثيق ثم نقد… بينما تتجاوز النظرة الغربية عنصر التوثيق في الغالب بسبب نشأتها في بيئة سيطرت فيه الكنيسة على كتب التاريخ دهرا… فكان لهذا الصراع الايديولوجي أثر في الركون إلى عرض الوقائع على العقل المجرد والاعتماد في تفسير التاريخ على نظرة مادية تبرر كل شيء بالغريزة ومصالح الفرد والقبيلة والصراعات…إلخ، تحت دعاوى فلسفية كالأنسنة… متجاهلين أن الدين عنصر مهم في الانسان وأن الدين هو المحرك الأقوى في التاريخ الاسلامي! وفي غياب التوثيق والنقل تنطلق مخيلة الكاتب لتصور أحداث التاريخ وعرضها وفق ما يراه مناسبا له، او بالاحرى ما يوافق اديولوجيته فهذا يكتب التاريخ ليثبت صحة نظرياته الماركسبة وآخر يكتب مدافعا عن الداروينية… فإن زدت على ذلك جهلا مطغيا بكتب المسلمين ومجتمعاتهم كانت الطامة الكبرى… وثالثة الأثافي أن يكون التمويل من وزارة المستعمرات البريطانية مثلا!! لن تكون النتيجة غير هذا: لما كتب الانجليزي "وليام مونتغمري وات" عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كل ترجمته ظنونا نحو: يبدو، يُقال، يحكى، في الغالب، من المحتمل… دون أن نعرف من قال أو حكى أو احتمل!! بل الغريب أن مخيلته كانت تسمح له بالغوص في تفاصيل دقيقة ، يقول عن اجتماع المشركين في دار الندوة مثلا أن هذا الاجتماع حدث بلا شك (هكذا يقول جازما) ولكي يضيف لمسته المميزة على التاريخ ولا يقلد غيره يؤكد أنه لم يتم التخطيط بتاتا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم خلافا لما ينقله ابن هشام!! دون أن يبين كيف عرف ذلك ولا من أين ؟ وكأنه كان بين الحاضرين! بمثل هذه العقلية يخوض بعض المعاصرين اليوم غمار السيرة والتاريخ… فلا يصح عندهم إلا ما كان مخالفا للمعروف المشهور… ومع إطلاق عنان الخيال يستطيع "شارلوك هولمز المتنور" أن يكتشف أسرار التاريخ التي أخفاها الفقهاء ويعيد كتابته كما يحبّ… فحرب أبي بكر لأصحاب الردة كانت من أجل ملء الخزائن، تشريع الجهاد كان فقط لتبرير السطو و……بل الاسلام من أصله ليس إلا نتيجة لصراع طبقي، وكفر أبي طالب مكيدة أموية تعادي آل البيت ! وربما لولا هؤلاء الامويون الاشرار لكان أبو لهب من المبشرين بالجنة… وفي الغالب هم من زاد سورة في القرآن باسمه… بل القرآن كله صناعة أموية كما قال أحد أكبر عقول التنويرين يوما!! وهكذا يمكن أن تقول أي شيء وتنكر أي شيء ولن تعدم ما ترقِّع به كلامك… فما دمت تخالف أهل الاسلام فأنت على الطريق الصحيح!!