بعد أسبوع واحد من اعتراف الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات بصعوبة مراقبة جميع ملفات التصريحات بالممتلكات التي تقدم إلى المجلس، أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بدورها هذا المعطى في تقريرها السنوي. ومن خلال تقييمها للمنظومة الوطنية للتصريح بالممتلكات، رصدت الهيئة جملة من الإكراهات المتعلقة بالقاعدة الواسعة للمُلزمين، معتبرة أن عملية المراقبة والتتبع "شبه مستحيلة وغير فعالة، في غياب نظام معلوماتي قادر على استيعاب هذه الأعداد من خلال التصريح عن بعد والمعالجة الأولية للمعطيات". وكان الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات أكد، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للمحاكم المالية بمجلس المستشارين، على ضرورة تغيير النصوص التشريعية المنظمة لعملية إيداع التصريحات بالممتلكات من أجل ضمان فعاليتها بشكل أكبر. الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها اعتبرت أن محدودية منظومة التصريح بالممتلكات تتجاوز ما رصده المجلس الأعلى للحسابات من مظاهر القصور، وذهبت إلى القول إن المنظومة "تعاني من أعطاب هيكلية تطال تدني منسوب تجاوب الآليات التي اعتمدتها القوانين الوطنية لتأطير هذا المجال مع المواصفات المعيارية ذات الصلة، سواء على مستوى الأشخاص الملزمين أو التتبع والمراقبة، أو متطلبات الشفافية، أو مساطر البحث والتحري، أو المخالفات والمعاقبة عليها". وفيما يبذل المغرب جهودا لمحاربة الفساد المالي، كشف التقييم الذي أنجزته الهيئة ذاتها لمدى تجاوب التشريع المغربي مع المواصفات المعيارية المتعلقة بالتصريح بالممتلكات عن ضعف هذا التجاوب؛ "ذلك أن التجاوب مع المعيار المتعلق بتثبيت شفافية منظومة التصريح بالممتلكات لم يتعدّ 35 في المائة". واعتبر هيئة النزاهة أن التقييم الذي قامت به، وشمل عشرة معايير، بيّن "الأعطاب الحقيقية التي يعاني منها نظام التصريح بالممتلكات، والناتج عن عدم وضوح الأهداف ومحدودية النجاعة القانونية"، مسجلة كذلك "ضعف منسوب شفافية منظومة التصريح بالممتلكات، الناتج عن الانغلاق الواضح لهذه المنظومة، وتذبذب المعايير المعتمدة في تحديد لائحة الملزمين"، ومعتبرة أن "هذا التذبذب يجعل لائحة الملزمين مستوعبة لأشخاص ليسوا على قدم المساواة من حيث مستوى تعرّضهم لشبهات الفساد وارتباطهم بالمال العام، وجَعل دائرة المُلزمين أوسع من قدرات التتبع والمراقبة". وأرجعت الجهة ذاتها أسباب عدم المساواة بين الملزمين في منظومة التصريح بالممتلكات إلى "العمل بالنظام الورقي الحالي، وغياب آليات مضبوطة وناجعة للإحالة وتبادل المعلومات، وضعف تناسب الجزاء المقرر مع المخالفة المرتكبة، وعدم التنصيص على مبدأ نشر العقوبات الشامل لجميع الملزمين". ولتجاوز أعطاب منظومة التصريح بالممتلكات، سطرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها جملة من التوصيات، إذ شددت على "ضرورة التكامل والنجاعة والأمن القانوني لمنظومة التصريح بالممتلكات"؛ كما أوصت ب"تعميق التفكير في الصيغة الملائمة لتنزيل مبدأ العلنية وإتاحة المعلومات المتعلقة بالتصريحات، بما يستحضر وقعها وتفاعلها الإيجابي مع السياق الثقافي الوطني، وبما يراعي البنيان المؤسسي والقانوني الوطني". وأوصت الهيئة ذاتها كذلك ب"تمتيع المجلس الأعلى للحسابات بالاستقلالية، وبجميع الصلاحيات والآليات والموارد التي تتيح له النهوض بمهمته بالنجاعة المطلوبة".